الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجزيرة .. من الكافيار إلى الخبز

محمود الباتع

2006 / 11 / 10
الصحافة والاعلام


تحتفل قناة الجزيرة هذه الأيام بإكمال عشرة أعوام على بداية انطلاق مسيرتها الإعلامية المتميزة والمثيرة للجدل. أقول المتميزة، لأن هذه المحطة فعلاً تميزت عن زميلاتها العربية منها وغير العربية، بل وتفوقت عليها بمراحل عبر صدقيتها الخبرية واستخدام التقنيات الحديثة، وتوظيف شبكة واسعة من الكفاءات الإعلامية عالية الموهبة والخبرة سواء ضمن مقرها في الدوحة، أو من خلال شبكة المراسلين والمكاتب الإخبارية حول العالم.
بعيداً عن نجومية المذيعين والمذيعات، وبريق وحساسية المواضيع المطروحة، كان لشعار الجزيرة "الرأي والرأي الآخر" عامل الجذب الأكبر لمشاهديها، الأمر الذي لم يكن مقصوداً أو مخططا له، كما صرح مؤخراً بذلك رئيس مجلس إدارتها الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني عندما قال أن الجزيرة كانت تطمح لتكون قناةً للنخبة أو الصفوة كما وصفهم، من الصحافيين والإعلاميين ورجال الفكر والسياسة، لتفاجأ الجزيرة ومشاهديها بالإقبال الواسع من الجمهور المتعطش للمعلومة الصادقة، والتحليل الموضوعي من خلال طرح كل الآراء، وترك حرية التفكير والتمييز للمشاهد العربي الذي لم تكن تنقصه الفطنة يوماً ولا القدرة على التمييز بين الغث والسمين في الساحة الخبرية والإعلامية.
نعم إن لقناة الجزيرة أن تفخر وتزهو ضمن ما تزهو به، من أنها أصبحت المحطة الأولى لدى مشاهدي النخبة الحقيقية، النخبة التي امتدت على عرض الشارع العربي، فكل أبناء الوطن العربي اليوم نجوم مع قناة الجزيرة وهم الصفوة التي كانت تنشدها الجزيرة فوجدتها في قطاعات الشعوب من المهمشين فكرياً وخبرياً.
أتوقع ولا أخشى أن لا يعجب هذا الكلام الكثيرين، فنحن قد ورثنا ثقافة إعلامية مسطحة تواترت إلينا عبر أجيال من الكبت والقمع المعلوماتي، ربما كان له ما يبرره في وضع أو زمان معين، ولكن أن تصبح في زمن الفضاء المفتوح وشبكات المعلومات الواسعة مجرد إصابة رئيس دولة بالأنفلونزا سراً عسكرياً يقع إفشاؤه تحت طائلة الخيانة، فهذا أمرٌ معيبٌ حقاً.
كانت الجزيرة ضرورة إعلامية وإخبارية ملحة، برغم ما اعتراها ويعتريها من ثغرات ونواقص، فالأخطاء لا تأتي ممن لا يعملون، ولكن ألم يكن قد حان الوقت في عام 1996 لأن يكون للعرب مرجعية خبرية يعتمد عليها، بعد أن كنا في ظل كل حدث في بلادنا نسارع إلى ضبط مؤشرات الراديو أو التلفزيون على محطات بي بي سي أو سي إن إن لمعرفة حقيقة ما يحدث بين ظهرانينا. نعم لقد حان الوقت، بل وتأخر قليلاً (وربما كثيراً) ولكنه أخيرا قد جاء، وكانت الجزيرة، التي أخذت فضل السبق وفضيلة الريادة، لتتوالى بعدها عشرات المحطات العربية التي تقتفي خطواتها وتتلمس نجاحاتها.
يقول الطب أنه إذا أمضى شخص ما وقتاً طويلاً في ظلام دامس، ثم خرج إلى النور الشمس بشكلٍ مفاجئ، فإنه قد يصاب بحالة من عمى الألوان أو العمى المؤقت، وشيء من اختلال التوازن وفقدان التمييز الوقتي، إلى حين اعتياد النور، فيعمد إلى كيل السباب واللعنات إلى الضوء الذي سبب له هذه الأعراض، وهذا بالضبط ما حدث معنا إبان خروج الجزيرة إلى الحياة. فقد قامت القيامات ولم تقعد، وكيلت شتى أنواع التهم إليها، ولكن كحال الشمس استمرت الجزيرة في التوهج المستمر، ففي النهاية لا يصح إلا الصحيح، ومهما كانت خيوط الضوء مزعجة، فلن يجعل ذلك من دوام الظلمة أمراً طبيعياً، فضلاً عن إعطائه صك براءة صحي. وهذا مبعث وأساس كون القناة ظاهرة مثيرة للجدل !
طالما استغربت من شخصيات وجهات ومنظمات وحتى دول مرموقة ومحترمة، اتخاذها مواقف دوغمائية عدائية مسبقة من قناة الجزيرة، فما إن يقوم شخصٌ أو جهة بالإدلاءِ بتصريحٍ أو برأي على شاشة الجزيرة تصادف أن يكون مغايراً لما يحبون، حتى ينتفضون ويتميزون غضباً وغيظاً على القناة ومن هم وراءها، سائقين التهم والإدانات إليهم جميعاً.
لا أريد أن أنزلق إلى منحدر السياسة التي لا أجيدها ولا أحبها، وما يعنيني هنا هو قضية الحوار والرأي الآخر التي هي قضية ثقافية اجتماعية في المقام الأول، نحن في أحوج ما نكون إلى ولوجها. فالحقيقة هي ما تعنينا كجمهور، حتى ولو كانت كفراً بواحاً، ومن واجب المنبر الإعلامي أياً كان، أن ينقل الحقيقة كما هي، وعلى المتلقي أن يعرف وأن يتقبل فكرة أن ناقل الكفر ليس بكافر، وأن مسئولية الرأي إنما تقع على عاتق صاحبه وحده، وذنبه على جنبه ! أما أن نتوقع ونطلب من مؤسسة إعلامية تعنى بالخبر المجرد أن تسمعنا اللحن الذي نحب وحسب، فهذا مكانه أيها السادة، برنامج مايطلبه المستمعون.
نعم، إن فضيلة الجزيرة الكبرى (وربما خطيأتها) أنها عملت على إرساءِ قاعدة جديدة في مجتمعاتنا العربية، حول أدبيات الحوار وقبول الرأي الآخر ولو على مضض، وإن كان لا يعجبنا. فهي لم تكن مجرد حجرٍ كبير ألقي في مياهنا الراكدة، إنما كانت انقلاباً بل ثورة كبرى في عالم الخبر والتحليل وقراءة المواقف، من خلال خط الحياد المهني الذي تنتهجه.
ربما كانت الجزيرة مزعجة إزعاج الحقيقة أحياناً، وسواءٌ أحببنا الجزيرة أم لم نحب، لا ينفي ذلك كونها وبدون مبالغة، أهم ظاهرة إعلامية في العالم، وليس فقط في العالم العربي، حيث رأينا وسمعنا وصف الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون للجزيرة إبان أطلالاتها الأولى بأنها "نبراس للديمقراطية" لينتهي لاحقاً خلفه امبراطور العالم الجديد جورج بوش الثاني إلى التفكير بقصفها !
بغض النظر عن انحيازي الذي لا أنكره إلى قناة الجزيرة، أجدد الإشادة والتهنئة إلى قناة الرأي والرأي الآخر بعيد ميلادها العاشر، وأهنئ طاقم العاملين فيها، نجوماً وجنوداً مجهولين، كما أهنئ دولة قطر الكريمة على احتضانها لهذه الفكرة الضرورة، وهذا المشروع الرائد، وأشد على أيدي رئيس مجلس إدارتها الشيخ حمد بن ثامر مؤكدا له أن له أن يفخر بأن ما أراده كافياراً للصفوة، قد أصبح خبزاً يومياً لملايين العامة. وإلى المزيد من التقدم والنجاح و .... الإزعاج ،








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تساهم ألمانيا في دعم اتفاقية أبراهام؟| الأخبار


.. مروان حامد يكشف لـCNN بالعربية سر نجاح شراكته مع كريم عبد ال




.. حكم غزة بعد نهاية الحرب.. خطة إسرائيلية لمشاركة دول عربية في


.. واشنطن تنقل طائرات ومُسيَّرات إلى قاعدة -العديد- في قطر، فما




.. شجار على الهواء.. والسبب قطع تركيا العلاقات التجارية مع إسرا