الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آه يا وطن ... كم سفكت بإسمك دماء ؟

داخل حسن جريو
أكاديمي

(Dakhil Hassan Jerew)

2023 / 9 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


آه يا وطن ,كم زهقت نفوس بريئة في مقتبل عمرها, وسفكت دماء طاهرة ,وترملت نساء وتيتم أطفال في عمر الزهور , وهدرت أموال وهدمت صوانع ومدن وأزيلت معالم حضارية شاخصة , وهجرت أقوام وسبيت وأغتصبت نساء , وأستعبدت شعوب مغلوب على أمرها , تحت شعار " نموت ويحيا الوطن " , وتعطلت عجلة البناء والتنمية , لا بل كادت أن تتوقف الحياةسنين طويلة تحت شعار " لا شيئ يعلو فوق صوت المعركة " , وكأن حروبهم ومعاركهم تخص الفقراء والمساكين من شعوبهم وحدهم , بينما ينحصر دور من يوصفون أنفسهم بقادة البلاد , بزج شعوبهم في آتون حروب في الأغلب لا ناقة لها فيها ولا جمل , لهم الغنائم وللمساكين (وقود حروبهم ) الموت والهلاك,و"كاسك يا وطن "على رأي الممثل السوري القدير دريد لحام , فأية قسمة ضيزي هذه يا ترى .
وللأسف هذه حال بلادنا على مدى عقود خاضت فيها حروبا عبثية , لا يعلم أحد متى ستكون نهايتها , حيث لم نحصد منها سوى المزيد من النكبات والويلات وهدر الثروات وإزهاق الأورواح وتعطيل عجلة الحياة , بينما تشهد شعوب الأرض قاطبة إستقرارا وتحقق إزدهارا وتقدما , بإمتلاكها ناصية العلم وحلقات التكنولوجيا المتقدمة , وتوظيفها لمصلحة تنمية بلدانها في عالم يشتد فيه التنافس العلمي والتقني والإقتصادي في جميع مجالات الحياة , حيث لا مكان فيه للضعفاء والكسالى والمتقاعسين والعاجزين عن مواكبة ركب الحضارة والتقدم العلمي المتسارع , فالبقاء في الطبيعة دوما ومنذ الأزل للأقوى , والأقوى في عالم اليوم هو من يمتلك ناصية العلم والتكنولوجيا , ذلك أن العلم والتكنولوجيا هما مصدرا القوة والثروة والتأثير في مسارات الحياة المختلفة والعلاقات بين الدول .
وللأسف ما زالت شعوبنا العربية تغط في سبات عميق طال أمده , بخلاف حال شعوب البلدان النامية التي كانت أكثر تخلفا من بلداننا قبل بضعة عقود خلت , حيث إستفاقت هذه الشعوب من نومها ونفضت عن كاهلها غبار الخلف , وتسلحت بسلاح العلم والحكمة والمعرفة بعد أن تخلصت من كل أشكال الخرافات والأساطير التي أوهومها بها كي لا تستيقظ من نومها , ليجعلوا منها بقرة حلوب لهم . والأمثلة هنا كثيرة , يكفي هنا أن نشير إلى ما حققته الصين في بضعة عقود لتصبح ندا قويا منافسا للولايات المتحدة الأمريكية التي توصف بالقوة الأعظم في العالم , ومن المتوقع أن تتخطاها في وقت ليس بعيدا , وكذا الحال بالنسبة للهند التي كانت تعاني من الجوع حتى وقت قريب , لتصبح الآن دولة صناعية وإقتصادية كبرى , ودول آسيوية أخرى كثيرة مثل سنغافورة وماليزيا وفيتنام وكوريا وغيرها . وهنا تحضرني مقولة منسوبة لرئيس الوزراء الماليزي الأسبق الدكتور محمد ماهتير : "عندما أردنا الإسلام توجهنا نحو الكعبة المشرفة , وعندما أردنا العلم والتكنولوجيا توجهنا نحو الغرب" . وهنا نقول أن البلدان تبنى بتوظيف العلوم والتكنولوجيا , والأخلاق ترسى بتعاليم الأديان , وتلك هي الموازنة الدقيقة بين العلم والإيمان في بناء الأوطان بموضوعية ودون تزمت والتجربة الماليزية خير دليل وبرهان لمن يساوره الشك بذلك .
وماذا فعلت بلداننا العربية , إنها لم تقدر قيمة العلم والمعرفة حق قدرها ,ولم توليه ما يستحق من إهتمام بتنشئة أجيال مشبعة بالعلوم والمعرفة والتكنولوجيا , وعدم تشجيع العلماء والمبدعين والمبتكرين والمفكرين التنوريين , للإسهام بتحقيق نهضة علمية يمكن أن تنقلها إلى مصاف الدول المتقدمة علميا وحضاريا , بدل أن تكون مستهلكة للنتاج العلمي الأجنبي دون أن تكون لها إسهامات علمية تذكر , ومهمشة حضاريا . وبدلا من ذلك راحث تكثر الحديث عن أمجاد علمية وإنجازات حضارية غابرة , في محاولة بائسة لتغطية عجزها عن مواكبة التطورات العلمية والإنجازات الحضارية التي يشهدها عالمنا المعاصر . بل ذهب البعض أبعد من ذلك بإثارة كل أحقاد الماضي بنبش العنعنات الطائفية والأثنية التي لا يخلو تاريخ أي بلد من بلدان العالم منها , وقد تجاوزتها منذ أمد بعيد , بهدف زعزعة أمن وإستقرار بلدانها , وصرف أنظارها عن واقعها المرير , وتبديد قدراتها وطاقاتها في صراعات عبثية لا طائل منها , بدلا من بناء بلدانها بناءا علميا متينا ومزدهرا حضاريا ينعم بخيرات بلاده بتوظيف معطيات العلوم والتكنولوجيا الحديثة أسوة ببلدان العالم الأخرى .
ومرة أخرى يتباكون على الوطن والمواطن . وهنا نتساءل عن أي وطن يقصدون ؟ , فالوطن ليس وثنا يعبد وتقدم له الأضحية والنذور والقرابين , وتسفك دماء الناس بدعوى الحفاظ على حياض الوطن وأمنه , بينما هم يقصدون الحفاظ على سلطتهم وتعسفهم وإمتيازاتهم وتحكمهم برقاب الناس إلى يوم يبعثون . الوطن كما يصفه سيد البلاغة الإمام الخالد علي بن أبي طالب (ع) : " الفقر في الوطن غربة، والغنى في الغربة وطن" , بمعنى أن الوطن هو المكان الذي يتوفر فيه العيش الكريم للإنسان دون خوف أو وجل , وليس المكان الذي يستعبد فيه ويساق إلى الحروب التي لا ناقة له فيها ولا جمل , بل لأشباع غرور الحكام وتوسيع ملكهم والتحكم بمصير الآخرين . وإذا كانت هذه الحروب كما يصفوها بالحروب الوطنية ( وهي ليست كذلك بمعظمها ) , أما كان الأجدى بهؤلاء الحكام أن يكون وأولادهم في مقدمة جيوش بلدانهم بدلا من الإحتماء بقصورهم المحصنة . أقول ذلك من واقع حال مرير عشته شخصيا في العراق على مدى أكثر من ثلاثة عقود , شهد العراق خلالها حروبا خارجية وصراعات داخلية دامية راح ضحيتها آلاف العراقيين وقودا لها , يندر أن تجد بينهم كبار رجال السلطة , من خاض غمارها وإحترق بنيرانها , فذلك من نصيب الفقراء والمساكين .
أن ما أردنا قوله هنا , أن الوطن ليس مجرد كيان مادي من أرض وماء وسماء فحسب , بل عيش كريم وأمن وأمان دون خوف أو وجل ,وتقاسم عادل للثروات بحيث يكون لكل مجتهد نصيب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا تلوح بإرسال قوات إلى أوكرانيا دفاعا عن أمن أوروبا


.. مجلس الحرب الإسرائيلي يعقد اجتماعا بشأن عملية رفح وصفقة التب




.. بايدن منتقدا الاحتجاجات الجامعية: -تدمير الممتلكات ليس احتجا


.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين في غزة تغلق شارعا رئيسيا قرب و




.. أبرز ما تناولة الإعلام الإسرائيلي بشأن تداعيات الحرب على قطا