الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إفلاس النظام الاستعماري الجديد وتصاعد الاحتجاج ضد الإمبريالية الفرنسية

مرتضى العبيدي

2023 / 9 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


بعد طرده من مالي، اتخذ الجيش الفرنسي من النيجر نقطة ارتكازه في منطقة الساحل. لكن في 26 جويلية/يوليو الماضي، أطيح بالرئيس النيجيري بازوم في انقلاب عسكري بقيادة كبار مسؤولي القوات المسلحة، بمن فيهم الجنرال تشياني، رئيس الحرس الرئاسي. وفي 3 أغسطس/آب، أعلنت السلطة الجديدة المسماة "المجلس الوطني لحماية الوطن" (CNSP) عن نيتها في إعادة النظر في الاتفاقيات العسكرية المبرمة مع فرنسا، وهو ما يعني عمليا المطالبة برحيل الـ 1500 جندي فرنسي الموجودين في البلاد. واحتشد جزء كبير من المعارضة لنظامي إيسوفو (2011-2021) وخليفته بازوم، وراء المجلس الوطني لحماية الوطن. وجرت عدة مظاهرات لدعم النظام الجديد.
يمكن بالفعل قياس عداء السكان للوجود العسكري الفرنسي منذ ديسمبر 2021، عندما تعرضت قافلة "بارخان" العسكرية التي غادرت أبيدجان (ساحل العاج) باتجاه غاو (مالي)، لهجوم أثناء عبورها عبر النيجر (بعد عرقلتها لعدة أيام من قبل السكان في بوركينا فاسو). وتعرض الرتل الفرنسي لهجوم عنيف من جانب المواطنين النيجيريين الذين واجهتهم السلطات القائمة بقمع عنيف.
وكما هو الحال في مالي، كما في بوركينا فاسو، أدرك السكان أن الجنود الفرنسيين لا يشكلون حماية لهم ضد هجمات الجماعات الإرهابية المسلحة. أما بالنسبة لما يسمى بالفوائد الإيجابية الناجمة عن "تثمين ثروة اليورانيوم في البلاد"، الذي تفتخر به شركة "أورانو" (أريفا سابقا) على موقعها الالكتروني، فإنها تقاس قبل كل شيء بكارثة بيئية وصحية واجتماعية، وبعدم وجود أي تأثير اقتصادي إيجابي على السكان. فبالقرب من المناجم، تتلوث المياه الجوفية ويتعرض السكان للإشعاع. وتبقى البطالة منتشرة في جميع أنحاء البلاد، والظروف المعيشية كارثية. ففي تصنيف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تعد النيجر من بين أفقر البلدان (المرتبة 189 في 191، قبل تشاد وجنوب السودان مباشرة). كما أن 8 من كل 10 سكان لا يحصلون على الكهرباء. ويعيش ما يقرب من واحد من كل اثنين (41.8٪ في عام 2021) في فقر مدقع بينما تكدّس النخب الحاكمة – المدنية والعسكرية – ثروات طائلة.
وكما هو الحال في مالي وبوركينا فاسو، اعتمد الانقلابيون العسكريون على الرفض الشعبي العميق للمستعمر القديم، فرنسا، وخاصة لوجودها العسكري الكبير. لكن لا يمكن اعتبار ذلك كموقف معاد للامبريالية إذ هو ليس سوى "معاداة ظرفية للإمبريالية" لا تستهدف بصفة جذرية النهب الاقتصادي للبلاد أو تفكر في وضع حدّ له.
رغم ضعفها، لا تزال الإمبريالية الفرنسية على نفس القدر من الخطورة
أدان ماكرون والدبلوماسية الفرنسية "بشدة" انقلاب النيجر (وهو سخط متغير من سياق الى آخر، ومن انقلاب الى آخر، عندما نعلم مدى السرعة التي رحبت بها الإمبريالية الفرنسية بانقلاب ابن ادريس ديبي بعد اغتيال الدكتاتور التشادي القديم في أبريل 2021). وهم يطالبون اليوم بإعادة البازوم إلى منصبه. وفي إشارة إلى أن السلطات الوحيدة التي تعترف بها فرنسا هي “السلطات الشرعية في النيجر”، اعترضت باريس على التنديد بالاتفاقيات العسكرية وطرد سفيرها في نيامي. وعلقت فرنسا على الفور مساعداتها التنموية ودعم الميزانية للنيجر. (وفي 6 أغسطس/آب، اتخذت إجراءً مماثلاً ضد بوركينا فاسو لمعاقبتها على دعمها لمدبري الانقلاب في النيجير!).
وحاول ماكرون، الذي يلعب دور داعية حرب، تعبئة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا لإصدار عقوبات والتحضير لتدخل عسكري بهدف إعادة بازوم إلى منصبه. لكن ثبت أن الأمر صعب. لقد حرص جيران النيجر ومختلف القوى الإمبريالية الموجودة في المنطقة على التعبير على معارضتهم لأي تدخل. وفي نيجيريا أيّد الجيش التدخل في بداية الأمر إلا أنه تراجع بعد معارضة مجلس الشيوخ. أما الجزائر، وهي ليست عضوًا في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ولكن لديها حدود بطول 1000 كيلومتر مع النيجر، وحتى مع تشاد، لا تريد المزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة. وعلقت ألمانيا، التي لديها قاعدة عسكرية في نيامي تضم مائة جندي، مساعداتها الاقتصادية، لكنها تدعو إلى "جهود الوساطة" للتوصل إلى حل سياسي.
أما الإمبريالية الأمريكية، والتي بالإضافة إلى تملكها مركزا هاما للاستخبارات بالقرب من نيامي، ولديها كذلك ثاني أكبر قاعدة عسكرية لها في القارة الأفريقية في أغاديز، فقد أدانت الانقلاب رسميًا، لكنها لم ترغب في ترك المجال لروسيا أو الصين، بل قالت إنها تفضل الحوار مع السلطات الجديدة. أما الإمبريالية الصينية، والتي لها مصالح كبيرة في نفط النيجر والتي تعد ثاني أكبر مستثمر اقتصادي في النيجر، بعد فرنسا مباشرة، فهي تدعو من جانبها إلى حل "سلمي" للأزمة. أما الإمبريالية الروسية، فهي تأمل في الاستفادة، لكن مع الحرب في أوكرانيا، فهي ليست في موقع قوة.
في هذا السياق من المنافسة السياسية والعسكرية والاقتصادية، تواجه الإمبريالية الفرنسية صعوبة كبيرة. ولم تعد الاتفاقيات الاستعمارية الجديدة كافية لتضمن لها امتياز النهب وجميع "ريع الوضع" الذي حاولت تأبيده بعد موجة الاستقلالات الرسمية في الستينيات.
إن الشعب وليس الانقلابيين هو من يصنع التاريخ
عندما تحدث ماكرون ووزيرة خارجيته عمّا حدث في النيجر، فقد عبّرا عن انزعاجهما من "عدوى الانقلابات" وعن "الانقلابات الزائدة"، لكنهما لم يكونا يعتقدان أنهما يتحدثان بشكل جيد. إذ ونحن نكتب هذه السطور، فقد جاء الدور على سلالة آل بونجو للسقوط. بعد خروج القوات الفرنسية من جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي وبوركينا فاسو، فإن الإمبريالية الفرنسية، التي ستضطر الآن إلى إخلاء النيجر، لا يزال بإمكانها بالتأكيد الاعتماد على قواعدها العسكرية في داكار (السنغال)، وأبيدجان (ساحل العاج)، وليبرفيل (الغابون)، وجيبوتي، ولكن إلى متى؟ وهو السؤال الذي يطرح نفسه، والوضع الاجتماعي والسياسي في هذه البلدان غير مستقر!
ففي نوفمبر 2017، أشار ماكرون في جامعة واغادوغو إلى أنه يريد رسم مسار جديد للعلاقات بين فرنسا وأفريقيا. فبعد فشل عملية برخان وإعادة الانتشار القسري للجنود الفرنسيين الذين طردوا من مالي، أعلن عن عقيدة عسكرية جديدة تفضل التدريب والتعاون مع الجيوش المحلية في إطار “العمليات الخارجية”. وهناك بالفعل، كما قال ماكرون في واغادوغو، “أمر ما غير مسبوق"، و"تغيير عميق"، ولكن في هذا التغيير، ليست الإمبريالية الفرنسية هي التي لها اليد الطولى! فقد سقط بليز كومباوري (بوركينا فاسو) عام 2014، وإبراهيم بوبكر كايتا (مالي) عام 2020، وإدريس ديبي (تشاد) عام 2021، وبازوم (النيجر) عام 2023، وعلي بونغو (الغابون) عام 2023... فإلى متى سيستمر واتارا (ساحل العاج)، وفوري جناسينجبي (توغو)، وبول بيا (الكاميرون)...؟
ففي جميع مستعمراتها السابقة، والتي تريد أن تبقيها تحت سيطرتها، تراكم الإمبريالية الفرنسية الانتكاسات السياسية والعسكرية. فالانقلابات تحدث في منطقة تعتبر نقطة التقاء لجميع التناقضات الإمبريالية. ينفذها عموما ضباط من الدرجة الأولى، مدعومين طوعا أو كرها بجزء من المعارضة البرجوازية للزمر الساقطة، وتشارك في تصفية الحسابات داخل جيوش الاستعمار الجديد والزمر الحاكمة التي تريد تقاسم كعكة نهب شعوبها. وفي بعض الأحيان، كما هو الحال في بوركينا فاسو، يتم توجيهها بشكل مباشر ضد الحركة الثورية. ولكن إذا كانت الأوضاع مختلفة، ففي كل مكان هناك خلفية من الاحتجاج الشعبي ضد الفساد والفقر والسيطرة الإمبريالية، من قبل الشعوب الأفريقية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -