الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محاكمة صدام أم طمس الحقائق؟!

ريبوار احمد

2006 / 11 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


أخيراً وصل السيناريو الهزيل المسمى "محاكمة صدام وقادة البعث" بعد عام من الأخذ والرد، وبعد عام من المسرحية السخيفة ولعبة المصارعة بين جبهتين وجماعتين مجرمتين ودمويتين، تم الحكم على صدام وأثنين من تبعه بعقوبة الإعدام. وتنشغل وسائل الإعلام المأجورة ووكالات نشر الكذب والخداع بالإحتفاء بهذه المناسبة، وتصوير الأمر وكأنه قرار تاريخي لانتقام جماهير العراق من قادة البعث وانزال العقاب بهم. ولكن خلف هذه الضجة والقرار الهزيل يكمن أكبر الخداع والتضليل والكذب وطمس الحقائق الكبيرة الخفية.
إن صدام حسين ونظامه من أكثر الأنظمة دموية وأقلها نظيراً في تاريخ البشرية. فجرائم هؤلاء الأشقياء ومجرمي الحركة القومية العربية، لا يمكن عدها وإحصائها. وكانت الجماهير المضطهدة في العراق وكردستان وجماهير العالم التحررية تتنظر اليوم الذي يقف فيه هؤلاء المجرمون الدمويون الفاشيون أمام أكثر المحاكم عدلاً وشرعية وأكثرها علنية في العالم، وتتم البرهنة لكل العالم على إجرامهم وفاشيتهم وإجرام وفاشية نظامهم وحركتهم، وتزاح الستائر عن كافة الحقائق. فقد كانت البشرية بحاجة حياتية جداً لكشف تلك الحقائق. حيث اوجدت الحركة القومية العربية ونظامها الفاشي في العراق جرحاً عميقاً جداً في جسد جماهير هذا المجتمع والمنطقة بمجملها، بحيث أن السبيل لعلاج هذا الجرح يمكن ان يمر فقط من خلال كشف وإثبات تلك الحقائق.
فالحركة القومية العربية بوصفها حركة فاشية، تتخذ دورها حتى الآن على صعيد العالم العربي والمنطقة كلها كأحد اللاعبين الأصليين، وبيان تلك الحركة يشكل جانباً رئيسياً من دستور وقوانين وسلطة وسياسات الكثير من دول العالم العربي وله العديد من الأنظمة القمعية في العالم العربي. هذه الحركة هي أحد العقبات والموانع الكبيرة أمام الحركة والتيار التحرري في المنطقة. وكان من الممكن من خلال محاكمة عادلة ذات مشروعية راسخة الكشف عن جوهر وماهية هذه الحركة وحزبها ونظامها في العراق، وتوجيه ضربة مؤثرة لكل هيكل هذه الحركة الرجعية.
إن خمسة وثلاثين عاماً من السلطة السوداء والقمعية للبعث في العراق جرت بدعم ومساعدة العديد من الدول والأحزاب والحركات الرجعية والشركات العالمية الكبرى والتقاليد الإسلامية. جميع أولئك الذين ساندوا ودعموا هذا النظام المسعور، جميع أولئك الذين قدموا الأسلحة والمتفجرات ووسائل الإبادة الجماعية لهذه النظام، جميع أولئك الذين غطوا على جرائم هذا النظام في سبيل مصالحهم السياسية الحقيرة، جميع تلك الأحزاب والحركات والأشخاص الذين وضعوا أيديهم بيد هذا النظام في سبيل أهدافهم السياسية ويشكلون شركاء له في الجريمة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، جميع هؤلاء الذين كانوا شركاء لصدام ونظامه في جرائمه كان الممكن الكشف عنهم للبشرية في محاكمة عادلة وذات مشروعية راسخة. فضح هؤلاء كان ضرورة حياتية ليكون حاضر ومستقبل المجتمع البشري مشرقاً.
هذه وعشرات الأدلة الأخرى، تؤكد على ضرورة المحاكمة العادلة والعلنية وذات الشرعية القوية، تقام لمحاكمة صدام وقادة البعث. تكون عادلة كي لا يكون هناك أي شك لدى أي شخص كأن في أنها تختلق التهم لصدام ونظامه، تكون عادلة كي تدرك البشرية كلها حقيقة أن صدام ونظامه من أكبر المجرمين والقتلة في التاريخ البشري، تكون عادلة وتمنح لهم الحقوق اللامحدودة للدفاع عن أنفسهم، كي بالاضافة الى ذلك يتضح للعالم كله أن صدام ونظامه وحركته هم أشباه هتلر ونظامه وحركته ويجب أن يختم على جبينهم بهذا الختم للتاريخ من قبل البشرية والنظر إليهم الى الأبد مثلما يتم النظر الى هتلر والنازية. كان من اللازم أن تكون هذه المحاكمة علنية تماماً كي يطلع كل شخص على الحقائق، ويكون بوسع كل شخص الاقرار لها بالعدالة، ويكون بوسع كل شخص الاستماع لكافة الحقائق وأن لا يبقى هناك أي مجال وللاتهام والدعاية ضد المحاكمة. كان من اللازم أن تكون تلك المحاكمة ذات الشرعية الأقوى من جميع الجوانب, كي لا تشك البشرية بحقانية عملية المحاكمة وعدالة أحكامها.
ولكن ما حدث كان مخالفاً تماماً لكل هذا. فقد جاء بوش وبلير ومجموعة من أتباعهما لإقامة محكمة لصدام وقادة البعث، هؤلاء الذين يعتبرون من منظار ملايين البشر التحرريين في العالم مجرمين مثل صدام وقادة البعث. هم من قام مباشرة بالإجرام بحق جماهير العراق من خلال جريمة الحصار الاقتصادي لإثني عشر عاماً وتجويع الجماهير والقيام بحربين وقتل عشرات الآلاف من الأبرياء وتدمير هذا المجتمع. أنهم أول من أستخدم أسلحة الإبادة الجماعية وأبادوا جيلاً من أبناء أحد المجتمعات. ويقيم الحكيم والمالكي والجعفري والجلبي وعلاوي والطالباني محاكمة لصدام وقادة البعث، في حين أن كل واحد منهم تطول قائمة جرائمه سواء بتعاونهم مع صدام في فترات معينة أو بأعمالهم الإرهابية والمجازر والغطرسة التي يمارسونها الآن بحق الجماهير. ولهذا فإن نفس "محاكمة" صدام وقادة البعث من أشخاص من هذا القبيل صارت سبباً لأن يغض النظر قسم كبير من سكان العالم العربي والمنطقة والعالم تجاه جرائم ونظامه.
هؤلاء بملفاتهم هذه أخرجوا مسرحية محاكمة غير شرعية وغير عادلة وهزيلة لطمس الحقائق وإخفائها حيث يتعرض العراق للاحتلال من قبل أمريكا وحلفائها، ويعتبر هؤلاء الذين تم وضعهم على كرسي الحكم في العراق من منظار ملايين الجماهير التحررية في العالم عملاء ومأجورين لأمريكا. من منظار ملايين الأشخاص "يحاكم" صدام ويعاقب ليس على جرائمه بحق البشرية وجماهير مجتمعه، بل بسبب تمرده على سيده بوصفه تابعاً وعميلاً سابقاً له. هذه قلبت نتائج "المحاكمة" بصالح إخفاء الحقيقة وطمسها ويستميل الرأي العام لصالح البعث وصدام وفاشية الحركة القومية العربية.
إن هذا هو سخف "المحكمة" وأولئك الذين يقفون خلفها وهو يمثل الاساس الذي تنبع منه جرأة مجرم دموي مثل صدام في أن يغير مسرحيتهم الخادعة الى عرض للهتافات واستعراض بطولته وحركته الفاشية. لدرجة تمكنه من جذب أنظار عدد كبير من سكان العالم العربي وحتى العالم الى نفسه وحركته. إنها لكارثة ومصيبة كبيرة أن يظهر صدام وقادة البعث بعد خمسة وثلاثين عاماً من الإجرام وإراقة الدماء أمام "المحكمة" بمظهر التعالي والتشدق ويظهر أولئك الذين كانوا مجرمين من منظار ملايين الأشخاص من سكان المنطقة والعالم، يظهرون وكأنهم أصحاب حق. إنها لمسرحية من أجل قبر الحقيقة.
بالنتيجة فإن فرض عقوبة الإعدام على صدام وأصحابه، بمعزل عن كل مضمون معادي للإنسانية وبربري وإجرامي لعقوبة الإعدام، وبمعزل عن أن عقوبة الإعدام ليست سبيل حل بل إنها غرس لبراعم الإجرام والاستمرار بقانونية الجريمة وقتل الإنسان، بمعزل عن أن الإعدام هو من تقاليد عصور البربرية ويجب منعه تماماً*، ولكن لو نفذت هذه العقوبة بشكل خاص بحق صدام وقادة البعث في هذا الوقت ستحولهم في أنظار قسم كبير من سكان العالم من مجموعة مجرمين وفاشست دمويين الى أبطال وصولوا الى حد حبل المشتفة في مواجهة الاحتلال والإمبريالية الأمريكية ولم يخضعوا. وبهذا الشكل بدلاً من أن تتعرف أذهان البشرية والأجيال القادمة على فاشية البعث وصدام والحركة القومية العربية، ستظل لسنوات أسيرة القصص الفارغة عن بطولة هؤلاء الجلادين. وهذه هي أرضية كبيرة لتنامي الحركة القومية العربية وإعادة انتاج العديد من أشباه صدام وأشباه البعث الأخرين. وهذه هي جريمة وخطيئة كبرى بحق البشرية والحقيقة.
فما هو الأكثر سخرية من أن صدام وقادة البعث ومن بين كل هذه الجرائم التي قاموا بها بحق البشرية وجماهير العراق وكردستان، يسجل لهم التاريخ أنهم تمت محاكمتهم وإعدامهم فقط بسبب (مأساة الدجيل ومقتل 148 شخص) وهذا أيضاً بسبب محاولة اغتيال صدام؟ بهذا الشكل سيتم طمس وإخفاء الحقائق الكامنة خلف خمسة وثلاثين عاماً من السلطة السوداء والقمعية والقتل والتقتيل، وجرائم الأنفال والقصف الكيماوي والمقابر الجماعية وإغراق جماهير الجنوب بحمامات الدماء والتعذيب الوحشي و...و..، وستبقى الجراح العميقة التي أحدثها هذا النظام المسعور في جسد البشرية بعمقها ودون إلتئام وستنطمر تحت الغبار والأتربة.
بكل هذه الأدلة وعشرات الأدلة الأخرى التي يمكن الحديث عنها، هذه المحكمة وقراراتها باطل ومدانة، ويجب إحباط هذه المسرحية الهزيلة بنضال الجماهير وجبهة التحررية والعلمانية الحازم. ولكي يتم للبشرية كشف السجل الحافل بالإجرام لصدام وقادة البعث ونظامه وحركته وكل المتعاونين والشركاء له في الجريمة، يجب محاكمتهم في محكمة عادلة ومحايدة. فالإنسانية بحاجة حياتية لكشف كل الحقائق وإظهارها.
7 ‏تشرين الثاني‏‏ ‏2006
__________________________
• نحن من الأساس نناهض عقوية الإعدام، بمعزل عن من هو المجرم وما هي جريمته. يجب منع عقوبة الإعدام. ويمكن بهذا الخصو العودة الى مقالنا (المحاكمة والعقاب ضروريان، ولكن الإعدام ليس سبيلاً للحل) المنشور في الصفحة الالكترونية للحزب الشيوعي العمالي العراقي http://www.wpiraq.net والحوار المتمدن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فراس ورند.. اختبار المعلومات عن علاقتهما، فمن يكسب؟ ????


.. 22 شهيدا في قصف حي سكني بمخيط مستشفى كمال عدوان بمخيم جباليا




.. كلية الآداب بجامعة كولومبيا تصوت على سحب الثقة من نعمت شفيق


.. قميص زوكربيرغ يدعو لتدمير قرطاج ويغضب التونسيين




.. -حنعمرها ولو بعد سنين-.. رسالة صمود من شاب فلسطيني بين ركام