الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كركوك مدينة القوميات المتآخية تبحث عن هوية

نجاح محمد علي
سياسي مستقل كاتب وباحث متخصص بالشؤون الايرانية والإقليمية والارهاب وحركات التحرر

(Najah Mohammed Ali)

2023 / 9 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


يستعد العراق لإجراء انتخابات محلية جديدة في وقت لاحق من هذا العام للمرة الأولى منذ أكثر من عقد من الزمن. وسيساعد التصويت المفترض أنه سيجري في 18 ديسمبر/كانون الأول في رسم خريطة سياسية جديدة وملء الفراغ الذي خلفه حل مجالس المحافظات في أعقاب احتجاجات الجماهيرية المعارضة في عام 2019. وعلى الرغم من احتمال تأجيل الانتخابات المقبلة، إلا أن الأنظار تتجه إلى محافظة كركوك الغنية بالنفط والمتعددة الإثنيات.

ويهدد احتمال أن يخسر الأكراد والتركمان المزيد من السلطة والنفوذ لصالح العرب في الانتخابات المحلية برفع حدة التوترات في المدينة الاستراتيجية.
وبالفعل، أثار خلاف حول ما إذا كان ينبغي لحزب كردي أو قوات الأمن العراقية السيطرة على أحد المباني، اشتباكات عنيفة في الأيام الأخيرة. وما يزيد من تعقيد المشهد هو أن الجهات الفاعلة الخارجية المتنافسة، بما في ذلك إيران وتركيا، تسعى إلى تعزيز موقف حلفائها في كركوك.
 
البوصلة السياسية الكردية ضائعة
يشوب المشهد السياسي الكردي الحالي في العراق الكثير من الانقسامات. فقبيل الانتخابات المقبلة في كركوك، تحالف الحزب الديمقراطي الكردستاني ومقره أربيل مع الحركة الإسلامية الكردستانية وحزب الشعب التركماني والحزب الإسلامي العراقي. وقد دخل الاتحاد الإسلامي الكردستاني ومجموعة العدالة الكردستانية في تحالف خاص بهما. أما الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتخذ من السليمانية مقرًا له فسيتحالف مع الحزب الشيوعي الكردستاني. وستخوض حركة الجيل الجديد المعارضة الانتخابات بشكل منفرد.

لا يبدو أن المشهد يبشر بالخير خاصة إذا ما قورن بالانتخابات المحلية التي أجريت عام 2005. ففي ذلك الوقت، قدمت الأحزاب الكردية لائحة موحدة وحصلت على 26 من أصل 41 مقعدًا في مجلس المحافظة.

كركوك التي تختزل التراث والفلكلور العراقي بمختلف قومياته وأعراقه
تتمتع كركوك وهي من المناطق الغنية بحقولها النفطية وسهولها الواسعة الخصبة ، بتاريخ عريق متنوع ومعقد، حيث يسكنها العرب والأكراد والتركمان والآشوريون ومجتمعات أخرى.. وقد أكسبها موقعها الجغرافي و التجاري أهمية كبيرة وذلك لوقوعها بين جبال زاغروس ونهري دجلة والزاب الصغير وسلسلة جبال حمرين ونهر ديالى، وتقع أيضاً على الطريق الاستراتيجي والتجاري الذي يربط الأناضول بإيران والعراق.
و شهد الوضع في كركوك تغييرات جذرية بعد الاستفتاء على استقلال كردستان العراق في عام 2017 ، إذ ظهرت بوضوح أزمة بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، حيث اعتبر بيان لمكتب رئيس الوزراء، حيدر العبادي، أن الاستفتاء "ممارسة غير دستورية تعرّض أمن واستقرار البلد للخطر، وهو إجراء لا يترتب على نتائجه أي أثر واقعي، بل يؤدّي إلى انعكاسات سلبية كبيرة على الإقليم بالذات". أعقب ذلك طلب الحكومة المركزية من إقليم كردستان تسليم المطارات الموجودة فيه إلى الحكومة الاتحادية خلال مهلة ثلاثة أيام، مهدّدة بإغلاق المجال الجوي في حال عدم الانصياع لهذا الأمر، ثم تسارعت التطورات بعد نشر قوات للسيطرة على حقول النفط في كركوك والمناطق الأخرى المتنازع عليها مع كردستان العراق. انتقلت السيطرة الإدارية والعسكرية والأمنية في كركوك إلى الحكومة المركزية بعد عملية عسكرية عقابية قادتها بغداد وقوات الحشد الشعبي المسلحة بتأييد لافت من إيران.
وانسحبت قوات البيشمركة إثر الهجوم، وأغلق الحزبان الكرديان الحاكمان، الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، مكاتبهما في المدينة. كما ألقى الحزب الديمقراطي الكردستاني باللوم على الاتحاد الوطني الكردستاني في النكسة التي حدثت في كركوك وتعمق الخلاف بين الحزبين المتنافسين في المدينة نفسها وفي السياسة الكردية الأوسع.

وفي الوقت نفسه، مارست بغداد أيضًا ضغوطها الاقتصادية والسياسية على الأكراد في كركوك. فبعد الاستفتاء على الاستقلال، أقال رئيس الوزراء العراقي آنذاك حيدر العبادي (2014-2018) محافظ كركوك، نجم الدين كريم، وهو من أصول كردية. وعين العبادي راكان سعيد الجبوري قائمًا بأعمال محافظ كركوك. كما تم حل مجلس المحافظة ذي الأغلبية الكردية. وفي الوقت نفسه، ادعى الأكراد أن العرب من مناطق أخرى في العراق، بالتعاون مع قوات الحشد الشعبي وقوات الأمن العراقية الأخرى، صادروا الأراضي من المزارعين الأكراد في القرى المحيطة بمدينة كركوك.
على هذه الخلفية، فإن اختيار محافظ كردي لترأس المجلس المحلي من شأنه أن يساعد الأكراد على استعادة النفوذ الذي فقدوه منذ عام 2017، وسيكون بمثابة اختبار حقيقي لقوتهم في كركوك وفي العملية السياسة العراقية الأوسع كذلك. كما أن الموقف الكردي سيتضرر في حال استمر الاتحاد الوطني الكردستاني في التمتع بعلاقات وثيقة مع الجماعات المدعومة من إيران في المدينة، كما هو الحال في بغداد، وإذا اختار التركمان التعاون مع العرب لمعارضة الأكراد.
معادلة النفوذ تتغير في كردستان
يحتفظ كل من الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني بمناطق سيطرة منفصلة، لكن نفوذهما بدأ ينحسر مقابل قوى أخرى ظهرت في المشهد منذ العام 2003.

ومن المرجح أن تؤثر الانتخابات التي قد تجرى في وقت لاحق من هذا العام على التركمان بقدر تأثيرها على الأكراد في كركوك. والتركمان هم ثالث أكبر مجموعة إثنية في العراق بعد العرب والأكراد، وينقسمون بالتساوي بين شيعة وسنّة.

وبينما يتمتع العرب والأكراد بقدراتهم الاقتصادية والعسكرية الخاصة، يعتمد التركمان بشكل أساسي على صناديق الاقتراع للتأثير في الشؤون المحلية.
ولم يتمكن التركمان سوى من الحصول على مقعدين في مجلس محافظة كركوك في الانتخابات البرلمانية التي أجريت عام 2021 فخسروا بذلك أحد المقاعد الثلاثة التي فازوا بها في الانتخابات التشريعية السابقة عام 2018 لصالح مرشح عربي. وقبيل الانتخابات المقبلة، تقوم تسعة أحزاب تركمانية بالتنسيق مع الجبهة التركمانية العراقية المدعومة من تركيا لخوض الانتخابات ضمن لائحة موحدة.

ومن بين العوامل التي أضعفت النفوذ السياسي للتركمان، تأثير الجماعات المدعومة من إيران في كركوك وما حولها بعد تراجع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، بالإضافة إلى جهود الجبوري المعلنة لزيادة النفوذ السياسي والاجتماعي للعرب في كركوك.
وبينما كان بعض التركمان يتعرضون لضغوط كردية قبل استفتاء عام 2017 ويريدون تجنب عودة البيشمركة، قال أفراد من المكون التركماني إنهم تعرضوا لضغوط أكبر من العرب في السنوات الأخيرة. وقال سياسي تركماني بارز، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: "إن ما لم يستطع الأكراد أن يفعلوه بنا لسنوات، فعله العرب بعد استفتاء [2017]".
بعبارة أخرى، بينما يرفض التركمان الهيمنة الكردية، فإن استياء التركمان تجاه السلطة العربية في ازدياد. في هذا السياق، زعم باحث تركماني فضل عدم الكشف عن هويته أن جميع العمال البالغ عددهم 3000 الذين تم توظيفهم للعمل في بناء مطار كركوك ينتمون أو يتبعون لعشيرة الجبوري، وأنه لم يتم توظيف عامل تركماني واحد. كما اتهم الباحث القائم بأعمال المحافظة الجبوري بالتراجع عن سياسة أسلافه الأكراد المتمثلة في تخصيص عدة مديريات للتركمان، بما في ذلك قسم الشرطة.

وفي حين اتحدت تسعة أحزاب تركمانية قبيل الانتخابات، فإن المجتمع التركماني سيسعى إلى التغلب على الانقسامات بين قيادته والاختلافات الطائفية في الانتخابات المحلية. وقد يؤدي الخلاف المرير بين الرئيس السابق للجبهة التركمانية العراقية أرشد الصالحي وزعيمه الجديد حسن توران، والعلاقة الوثيقة بين التركمان الشيعة والجماعات المدعومة من إيران، إلى تقسيم أصوات التركمان. وقد وصف توران في الفترة الأخيرة الدعوات لمقاطعة الانتخابات بأنها "لعبة قذرة" تستهدف وجود التركمان. وكان صالحي قد اتهم سابقًا الجبهة التركمانية العراقية بعدم قبول أسماء قريبة منه في قائمة التركمان الموحدة.

العرب لديهم الأفضلية
قبل استفتاء عام 2017، كان مجلس محافظة كركوك يتألف من 26 عضوًا كرديًا وتسعة تركمان وستة عرب. ومنذ ذلك الحين، أفادت التقارير أن العرب من خارج كركوك الذين استقروا في المدينة عززوا نفوذهم الإداري والسياسي والاجتماعي بمساعدة حكومة بغداد. وعليه، لن يرغب العرب في فقدان قوتهم وسيطرتهم على المدينة، لكنهم منقسمون أيضًا.
وينقسم اللاعبون العرب إلى خمسة ائتلافات بارزة في الانتخابات المقبلة: الائتلاف العربي لكركوك بزعامة الجبوري، وتحالف القيادة، وتحالف عروبة كركوك، والائتلاف الوطني، وائتلاف "الإطار الوطني" المدعوم من الإطار التنسيقي الشيعي المدعوم من إيران. وتبدو المجموعات المقربة من إيران منفتحة على العمل مع العرب السنّة في كركوك، وقد يكون ذلك في صالح العرب في المدينة.

ويكمن جوهر التوترات الإثنية الحالية في كركوك في عدم وجود محافظ يختاره مجلس المحافظة. وربما تؤدي إعادة مجلس المحافظة واختيار محافظ جديد بعد الانتخابات المقبلة إلى تخفيف هذه التوترات. كما أن نجاح الأكراد والتركمان في الانتخابات من شأنه أن يعزز موقفهم في المساعي لاختيار محافظ كركوك القادم. ومع ذلك، هناك احتمال قوي بأن يكون المحافظ المقبل عربيًا.

وعلى الرغم من الصعوبات، من المنطقي أن يتصرف التركمان والأكراد بشكل عملي. وفي نهاية المطاف، يمكن لتركيا أن تشجع التركمان على الاقتراب من الحزب الديمقراطي الكردستاني والأكراد على نطاق أوسع. ومع ذلك، فإن حقيقة أن الاتحاد الوطني الكردستاني والتركمان الشيعة قد يحظون بدعم الجماعات المدعومة من إيران تضيف دينامية أخرى إلى الانتخابات المقبلة، ما يسلط الضوء على مدى تعقيد السياسة المحلية.

الهوية الضائعة

عموماً، يمكن القول إن هوية كركوك الضائعة ستبقى تشكل أزمة مستمرة تبحث عن مرجعية واضحة للمركز أو الإقليم الذي حصل على شيء من الاستقلالية بعد قانون الحكم الذاتي الذي أقرَّ في 11 مارس/ آذار عام 1974م بين الحكومة المركزية والملا مصطفى البرزاني، هذا القانون الذي ضمن لأكراد العراق حقوقاً دستورية لا يمكن التلاعب بها لاحقاً شملت ثلاث محافظات هي أربيل، والسليمانية، ودهوك، فقد بقيت مرجعية كركوك معقّدة، و تأجل موضوعها إلى فترة لاحقة ، لحين إجراء تعداد سكاني، ومراجعة الإحصاءات التاريخية، لتوضيح نسبة القوميات المتعايشة فيها؛ ذاك أن سكان هذه المحافظة تاريخياً كانوا مزيجاً من الأكراد والتركمان والعرب.

وبعد احتلال العراق عام 2003، وسنّ الدستور الجديد ، ورفض الأكراد النافذون في لجنة كتابة الدستور اعتبار العراق بلداً عربياً واتفقوا على أن "العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب، وهو عضو مؤسس وفعال في جامعة الدول العربية وملتزم بميثاقها و جزء من العالم الإسلامي" , وضعت كركوك ضمن المادة 140 من هذا الدستور، والتي وسمت بـ "المناطق المتنازع عليها".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -