الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بمناسبة الذكرى ال89 على تشكيل تيار الحركة السريالية في مصر( 1934-2023).

عبدالرؤوف بطيخ

2023 / 9 / 13
الادب والفن


بدء جورج حنين مؤسس السريالية في مصر ، في عام 1934 التمهيد والدعاية للسيريالية بنشره كراسين، أولهما بحثٌ تنكر له، عنوانه: (تتمة ونهاية)، وثانيهما كراس لم يكن مؤهلاً بعد لأن يتنكر له ولم تكن فرصة التنكر له كبيرة. وعنوانه: (التذكير بالقذارة) فالواقع أننا لا نتنكر، مخلصين، لعنفنا الخاص إلا لكي نتبنى عنفاً أشمل. وقد واصل نشاطه بإلقاء عدد من المحاضرات، ومن بينها محاضرة عن (موسيقى الجاز) وأخرى عن (لوتريامون) والثالثة اختار لها عنوان(من بارنابو إلى كريبور) وبعد ذلك ببضع سنوات، حاول تقديم رؤية شاملة للسيريالية، فعرض أفكاره في محاضرة، نشرت بسرعة، وكان عنوانها حصاد الحركة السوريالية (1937) كانت كلمة "سريالية" لأول مرة تنشر باللغة العربية في مقاله عن انتحار الكاتب والشاعر الفرنسي "رينيه كريفيل" الذى لم يتجاوز الخامسة والثلاثين عامًا، في عدد أكتوبر 1935م من مجلة (مجهود- un effort) التي أصدرتها جماعة "المحاولين" باللغة الفرنسية في القاهرة. قال جورج "لو نظرنا عن قرب لوجدنا أن السريالية تمثل التجربة الأكثر طموحًا في عصرنا الموجهة ضد الظلامية.

أدرَكت وعرضت أصواتًا جديدة وأصيلة. خصوصا ان مصر، بلدٌ ذو تقاليد شعرية ترجع إلى زمن بعيد، إنما تطرح نفسها دفعة واحدة بوصفها وريثة (رامبو ولوتريامون وجاري)وهي حركة تحث على صدام مع الأساليب المألوفة لاستجابات الحواس، وتنشر مزاج السخرية السوداء، وتحرض على التمرد على كل ما من شأنه الإخلال بالحرية المطلقة للفن . وبهذا فإنها تمس جميع مجالات المعرفة ولا تتركها على حالها. وما الخيارات السياسية للحركة السوريالية غير نتيجة طبيعية مصاحبة لهذه المواقف كلها. ويترتب على ذلك، خاصة في المجال الأدبي، أن السورياليين يرفضون التقنيات التقليدية (والتي من العجب أن لوي آراجون قد رد إليها الاعتبار!بعدما اصبح شيوعى وطنى بانضمامة للحزب الشيوعى الفرنسى) والسيرياليين يدعون أنصارهم إلى مواصلة البحث عن الجدة والابتكار والخروج عن المألوف ملتمسين في ذلك جميع الوسائل الممكنة ومؤكدين لهذا البحث على شتى المستويات الممكنة. كما أنهم، أخيراً،يثيرون الشبهات والريب حول اللغة التي تنطوي على الكثير من العادات والمألوفات والكوابح والقيود، وتسدل ستاراً وحجاباً على الحياة.في 1937م بدأ جورج حنين في تجميع أصدقائه من مصريين ومتمصرين وأجانب لتكوين الجماعة السريالية الوحيدة في العالم العربي. وفي نفس العام ، من خلال جماعة (المحاولين) وهي منتدى ثقافي بالقاهرة، شجب جورج حنين بعنف – خلال جلسة نظمت تكريماً للشاعر المستقبلي مارينيتي – تواطؤ الشعر مع الإمبريالية الإيطالية في الأعمال الأدبية للفاشية.وقد أدى الصدام إلى انشقاق في صفوف الجماعة الصغيرة وابتعد جورج حنين عنها. وعندئذ أسس جماعة "الفن والحرية" وهي جماعة تجاوبت فوراً مع نداء أندريه بريتون في البيان الذي يحمل عنوان: من أجل فن ثوري حر. وقد وقعه جورج حنين مع الباقين، في عام 1938، في مكسيكو، جنباً إلى جنب دييجو ريفيرا وبريتون.
(1)وقد نشرت الجماعة الجديدة آنذاك بياناً تحت عنوان: يحيا الفن المنحط!.
(2) وهو عبارة عن احتجاج على الحظر الذي فرضه هتلر على فن التصوير الحديث، كما دعا البيان الفنانين الشبان إلى التعبير عن مزاجهم الشخصي وإلى التمرد على المبادئ الموروثة الجاهزة. وإليكم الفقرة الأغنى بالمعاني في تلك الوثيقة"من المعلوم لنا بأي قدر كبير من العداوة ينظر المجتمع القائم إلى كل إبداع أدبي وفني يهدد على نحو مباشر إلى هذا الحد أوذاك الأنساق الفكرية والقيم المعنوية التي يتوقف على صونها إلى حد كبير استمراره هو – لتناضل "ضد الفوارق الطبقية والمغالطة التاريخية…ضد كل التلفيقات وكل التوريات"."وتبرز هذه العداوة اليوم بشكل واضح في البلدان الشمولية، خاصة في ألمانيا الهتلرية، عبر العدوان الأكثر خسة ودناءة على فن يصفه الهمج (المزينون بشرائط ضباط) والذين جرت ترقيتهم إلى رتبة المحكمين العليمين بكل شيء، بأنه فن منحط..."أيها المثقفون والكتاب والفنانون! فلنواجه التحدي يداً واحدة.إننا نتضامن تضامناً مطلقاً مع هذا "الفن المنحط" ففيه تكمن كل وعود المستقبل. فلنعمل على انتصاره على العصور الوسطى الجديدة التي ترفع رأسها في قلب الغرب" (ديسمبر 1938).

ظهر تعاونهم في مطبوعات بدأت في الصدور عام 1938م.اختتموا هذا العام بتوقيعهم بيان"يحياالفن المنحط"وتحرير جريدة"دونكيشوت"أسبوعية تصدر بالفرنسية،صدر منها12 عدداً ومن بين من كتبوا لها نتذكر: ريمون أجيون وكورييل ورمسيس يونان وسانتيني ومنير حافظ وماري كافاديا.وقد نجح جورج حنين أخيراً في تهيئة الأذهان للتعامل مع ما تدخره لها الحرب العالمية الثانية من مستجدات. ولنذكر بسرعة أسماء عدد من الفنانين الأجانب الذين أبقتهم الحرب العالمية الثانية في مصر: (إيريك دو نيميش، وهو رسام روماني متنوع المواهب، وديفيد دو بيتيل، وهو رسام انجليزي يتميز بأعمال غير مألوفة. وكتاب مثل جون فليمينج وويليام ويلز وجون ميلر). وكانوا كلهم أعضاء في جماعة( السمندر) التي أسسها في القاهرة ج. بوليت. وكانت مكتبة ركَّاح في القاهرة إلى جانب مرسمي إيريك دو نيميش وديفيد دو بيتيل هي أماكن اللقاء. وهناك كان يظهر جورج حنين وأصدقاؤه عندما لا يلتقون في بيته. وبهذا الشكل، فإن عدداً كبيراً من الفنانين المحليين، زى كامل التلمساني وفؤاد كامل ورمسيس يونان وسمير رافع... يكتشفون مالم يكن بوسعهم أن يجدوه في أي مكان آخر حتى, تكونت في 9 يناير 1939م رسميًّا الاعلان عن جماعة "الفن والحرية" السريالية.
أصدرت الجماعة في يناير 1940م العدد الأول من مجلة "التطور" الشهرية، أول مطبوعة باللغة العربية عن السريالية، من مقرها في 28 شارع المدابغ، شريف حاليًّا،وسط القاهرة. توقفت"التطور" عن الصدور بعد العدد السابع "لأنها تحارب الرجعية، وتثور على الاستغلال" كما أطلقت في صيحتها الأخيرة.بعد إطلاق المجلة بشهرين، بدأت الجماعة في تنظيم معارض للفن التشكيلي أطلقوا عليها "الفن المستقل" في 18 مارس 1940م افتتح المعرض الأول.

بعد توقف مجلة "التطور" دخل السرياليون في 14 يونيو 1942م في تحرير ثم إدارة مجلة "المجلة الجديدة" التي أسسها وأصدرها سلامة موسى منذ 1928م.أقيم المعرض الجماعي الخامس والأخير للفن المستقل عام 1945م في "مدرسة الليسيه الفرنسية" في باب اللوق بالقاهرة. كان كتالوج المعرض على شكل مجلة بالفرنسية بعنوان: "العرض مستمر" بعد ذلك بعامين وفي 15 فبراير 1947م أصدرت الجماعة مطبوعة أطلقت عليها "كراس" بعنوان "حصة الرمل" (تحت الإشراف الشخصي لجورج حنين ورمسيس يونان) ، وأصدر جورج حنين وإدمون جابس فى نفس العام 1947 مجلة لابار دو سابل "حصة الرمل" وسوف تصدر منها ستة أعداد حتى عام 1953، وسوف تظهر على صفحاتها نصوص مؤسسيها ونصوص أصدقائهم: إيف بونفوا و M. بلانشار و C. لوسيه وهنري باستورو وكثيرين غيرهم. وسرعان ما اصبحت المجلة العنوان العام لمجموعة كتابات صدر منها على التوالى مائة نسخة فقط للعمل الواحد مثل الأعمال التالية:
1- ج. جرينييه : مفردات ، 1949
2- ف. سوبو : أغنيات ، 1949
3- ا. جابس : صوت الحبر ، 1949
4- ج. حنين : المتنافر ، 1949
5- إ. بونفوا : المسرح الدائري ، 1949
6- م. بلانشار : العالم المحيط بنا ، 1951
7- ا. جابس : بول ايلوار ، 1952
8- ج. حنين : الصورتان ، 1953
كما تظهر دراستان فلسفيتان لجورج حنين:
1-لمحة عن كافكا (1954)مع نصوص فرنسية وإنجليزية وعربية.
2-آراء حول كيركجارد (1955) بالاشتراك مع مجدي وهبة.
وليس من غير المفيد التذكير بأن جورج حنين وإقبال العلايلي، زوجته، قد أسسا أيضاً (دار نشر ماس) نحو أواخر الحرب. وهكذا فقد نشرا، ليس دون نجاح، الأعمال التالية:
1- ألبير قصيري : منزل الموت الأكيد (رواية) ، 1944. كما صدرت في الوقت نفسه ترجمة إنجليزية لها.
2- ج. حنين : من أجل وعي منتهك للمحرمات، 1944.
3- ج. دميان : من هو السيد أراجون؟ . 1945.
4- إ. العلايلي : مأثرة ألمانيا ، 1945.
5- ن. راضي : مؤامرة العاجزين، 1945.
6- العرض مستمر (لفناني وكتاب جماعة "الفن والحرية").
في نهاية إبريل 1947م غادر الفنان التشكيلى "رمسيس يونان" مصر ليستقر في باريس تسع سنوات. كانت هذه المغادرة إيذانًا بانفراط عقد جماعة "الفن والحرية". مع ذلك في إبريل 1950م نشر جورج حنين نفسه العدد الثاني من كراس "حصة الرمل" طلب جورج حنين إلى إدمون جابس أن يرتبط بشكل رسمي أكثر بالحركة التي أسسها. وكما ذكرنا أعلاه، فقد اشتركا في تأسيس "حصة الرمل".

• جورج حنين
لنلقى نظرة على تجربة جورج حنين الشعرية فى : لا مبررات الوجود (1938)وهو عنوان يشكل في حد ذاته تحدياً بالفعل. والحال أن القصائد، هي إلى حد ما كما عند بريتون أو بريفير، إنما تتدافع كشلال من الصور غير المألوفة التي تتصارع، ثم تنفجر كأسهم نارية. لكن هذا كله بعيد عن أن يكون مجانياً أو اعتباطياً. فخلف السطور، يتضح المراد: إن صورة خطية تتراكب على صورة أخرى ودون أن تطمس مع ذلك الصورة الأولى، بينما تظهر بالفعل صورة ثالثة وهلمجراً. ووراء المجازات الخاطفة، بالرغم من أنها جد مشوهة و شاذة، تبقى تيمة متصلة، هي تيمة الزمن. ذلكم هو الساحر العظيم – بحسب بودلير – والذي يحول كل شيء، الأشخاص والأشياء. ويمكننا عندئذ أن نتساءل ما إذا لم تكن مجازات جورج حنين إعادة خلق لا نهائية للزمن. ولابد لنا من أن نسجل أنه في حين أن هذه الأخيرة بعيدة عن أن تدور في الزمن إلاَّ أنها في الأغلب متزامنة. إن القصيدة تتقدم وهي تنشر صورها مع اقتحامها المتواصل للأعماق. وهي تنتج، عبر التتابع، أبعادها الخاصة "(إن الرذيلة المسماه بالسوريالية هي عبارة عن الاستخدام الخارج عن الأعراف متقد العاطفة للصورة المدهشة، أو بالأحرى للاستفزاز المنفلت للصورة لأجله في حد ذاته ولأجل ما يستتبعه في مجال تمثيل الانقلابات التي يصعب التنبؤ بها والتحولات الغريبة: إن كل صورة، في كل لحظة، إنما ترغمكم على مراجعة الكون برمته)".
(مقتطف من إشعاع الروح الشعرية الحديثة المنبثق من باريس. القاهرة، " إحياء المؤتمر الفرنسي في أوريون " العدد 5، مايو 1945، ص ص 295 – 296).
بعد الطرح ده يمكننا أن نفهم على نحو أفضل موقف جورج حنين واسلوبه الأدبي. وفي عمل آخر عنوانه: من أجل وعي منتهك للمحرمات (1944) يزعم النقد أن الكاتب يتحدث فيه عن السياسة وأن الكراس قد كتب ضد نظام معين. ربما. إلاَّ أننا نرى بشكل خاص أنه قد كتب بهدف إعطاء الكلمات جسامتها وبهدف إعطاء الوعي قدرته على التساؤل.في عام 1948، يقطع جورج حنين صلته بالحركة السوريالية التي كان قد انضم إليها منذ عام 1936. وهو يواصل، منذ ذلك الحين، طريقه بمفرده، متجنباً كل تضخيم للمخيلة الشعرية. فهو يعمل عن طريق الحذف ويتقدم عبر الإلغاء. وقد بدا له أن هذا النهج في التصرف إنما يسمح له بإضفاء قوة وحياة على صور أساسية، على مواقف وحالات تفك عقد الوجود. والحال أن عدداً من القصائد في مجموعة "المتنافر" (1949) وصفحات معينة في "العتبة المحرمة" إنما تقدم أمثلة جيدة في هذا الصدد.
جورج حنين لم يحاول فرض تيمات جديدة،بل حاول إنعاش بيئة شعرية وإطلاق حرية شكل من أشكال التعبير ومن الرؤية,ينبثق من التداعيات التلقائية والمحفوفة بالاحتمالات غير المتوقعة.وهو ينكب بعد ذلك على المادة التي تكونت لينظر فيها نظرة تتميز بقدر كبير جداً من الصرامة والقسوة،ليس البتة بهدف رفض الفوضى المقدسة التي احتفى بها رامبو، وإنما بهدف إعادة هذه الفوضى إلى خطوطها الأساسية، إلى لحظاتها الحاسمة.

• إدمون جابس
كذلك لعب إدمون جابس دوراً ثقافياً لا ينكر. وعلى أثر خلاف مع صديقه، أسس "جابس" وأشرف على مجموعته الخاصة:
وخطط ونشر الأعمال التالية في مائتي نسخة فقط للعمل الواحد:
1- ج. جرينييه: الاضرابات، 1955.
2- ج. بونور: صمت رامبو، 1955.
3- ر. شار: إنسان الثلوج الكريه، 1956.
أما فيما بتعلق بانتاجه الشعري، فقد نشر جابس بين عامي 1930 و 1947 ست مجموعات شعرية، في القاهرة.و5مجموعات فى الفترة من 1943 الى 1953 وقد حاول أن يوضح لقرائه الحائرين، وقوف الحلم الأبدي في وجه الأرق، بما فيه من مسرات وخيبات أمل. كما نرصد في قصائده ميلاً واضحاً إلى الشعوذة اللفظية وشكلاً من الخبث الطفولي إلى جانب رغبة صادقة في التحرر من القيود العروضية. والحال أن هذه الروح المتمردة قد استخلصت لحسابها شيئاً من خيال "ماكس جاكوب" وبعد أن أدت الأحداث إلى نضج الشاعر، أحداث حربي أسبانيا والحبشة ثم أحداث الحرب العالمية الثانية، فإنه يتوقف عن اللعب بالتورية، إلاَّ أنه بما أنه كان شبه جاد شبه مازح دائماً، فقد نشر سلسلة من "الأغنيات" التي تلخص كل مرارة الحياة والمجتمع وفيما بعد، حتى بعد ظهور أعمال رئيسية مثل أشيد داري (1959) أو كتاب الأسئلة أو حتى ايل أو الكتاب الأخير (1973)، فإننا نلحظ أن رؤية جابس للكائنات وللأشياء هي رؤية فريدة. ولا مراء في أنها رؤية أكثر اتصالاً بالواقع ، تجتمع، علاوة على ذلك، مع سذاجة موقف بكر تماماً من العالم. ولا يفتقر إدمون جابس إلى الاستغلال الصارم لأبسط زوايا الحياة الباطنية الخاصة.

• ماري كافاديا
في الحركة السوريالية في مصر، احتلت ماري كافاديا (1901-1970)من أصول يونانية, مكانة خاصة إلى حد ما. لقد كانت من أوائل من دعموا نشاط حنين وجابس الأدبي، حيث فتحت له أوسع أبواب صالونها بل وعرضت نفسها للخطر من جراء ذلك. ومازال إنتاجها الشعري مبعثراً في المجلات المحلية بحيث يصعب الوصول إليه. أما فيما يتعلق بمجموعاتها، فهي تقتصر على إعادة إصدار لكتاب الربيع (1943) وعلى سلسلة من الحكايات ظهرت تحت عنوان بشرة الملاك (1944). وهذا العمل الأخير وحده هو الذي يمكن اعتباره سوريالياً بحكم موضوعه أولاً، ثم بحكم استخدامه لعدد من المكملات الملازمة للسوريالية: اللقاءات غير المتوقعة، الاختفاءات، الممسوخات، وخاصة بحكم استخدام ألفاظ جديدة يتكفل السياق بتوضيحها: بليز، ريشي، موردور... كما نرصد إحساساً مثيراً أبدياً بالألم الروحي وبالرعب وبالمستحيل إدراكه وبالقسوة وبالشبق الحزين وبالإيمان بأباطيل التطير والذي يفضي إلى الإشارات الأكثر مدعاة للاستغراب.

• حورس شنودة
وإذا كان حنين وجابس قد ظلا ضمن الإطار الدقيق للسوريالية، إلاَّ أن الكتاب الذين جاءوا بعدهما قد أعطوا الأولوية لعدد من الجوانب المحددة لهذا النهج في الإبداع. وهكذا فإن حورس شنودة ( ولد عام 1917 فى الاسكندرىة)مصرى , قد حافظ في ديوان: استيهامات (1942)و ديوان:الزخارف الزجاجية للسماء وللجحيم (1946) على غرابة الصورة. وتحت فوضى ظاهرية بأكثر مما هي واقعية، فإن عمق الفكر يتحالف عنده مع المنطق الباطني. وهذا هو ما يختلف فيه اختلافاً أساسياً مع السورياليين الذين يحتقرون وينبذون كل منطق، وكل سيطرة للعقل. فخلافاً للحال عندهم، نجد أن الرؤى والصور التي تنسرب في شعره إنما ترغم القارئ على التوقف والتأمل. عندئذ تظهر بشكل واضح فلسفة كاملة عبر الرموز الحلمية العزيزة على المدرسة السوريالية.
والحال أن ديوان الزخارف الزجاجية للسماء وللجحيم: هو عمل صدر بعد الاستيهامات بأربع سنوات. وفي هذا العمل، لا نعرف ما إذا كان يجب علينا أن نعجب بالترف جد الشرقي للصور أكثر أم بقوتها الإيحائية الملحوظة. وفي هذا الثراء البالغ، لا يوجد مع ذلك لا فوضى ولا عدم تماسك. والمجازات، بالرغم من تعددها الوفير وبالرغم من تنوعها الشديد،ليست محل مراكمة وتكديس عاديين،بل يجري جمعها بصرامة وفق متطلبات الفكر وتجليات كل مجاز منها نلاقيها تتوافق دائماً بشكل كامل. والشاعر، بدلاً من أن يدع خياله يستولي عليه،إنما يوجهه هو ويسيطر عليه بلا توقف. وهو إذ يراقب نفسه بأعظم انتباه، فإنه إنما يستبعد ويختار ويعيد تركيب الصور، أي أنه، باختصار، يحاول إنتاج عمل فني.

• ميريّ فنسندون
ومع ميريّ فنسندون (1910)، نبتعد أكثر إلى حد ما عن السوريالية. فالخروج على مألوف عمل الحواس عندها يفتقد مكانه, لكن الشاعرة تحتفظ بعنف المجاز الذي يظهر في مجموعة حوار الأشباح (1953) ونحن نرى أننا امام شعر متحرر من القيود الكامنة في هذا النوع الأدبي بأكثر مما أننا امام التزام بالسوريالية... ثم إننا نجد في قصائد ميرى فنسندون خط التوجيه الذي يسمح بالمغامرة، دون مكابدة أليمة، في ولوج الشبكة المعقدة للوحدة المتشامخة للانطواء الذي لا يرحم وللكبرياء التي لا علاج لها، وهي تيمات (موجِّهة بتكشف عن الأسرار الأكثر احتباءا عبر توضيحها من داخلها).

• أندريه شديد
أما فيما يتعلق بأندريه شديد من مواليد القاهره ،وهى من عائلة لها أصول شامية -لبنانية- سورية, فلم تعد هناك حاجة للتعريف بها في فرنسا، فأعمالها قد حظيت هناك بالشهرة إن لم يكن بالمجد الذي تستحقه. ومنذ عام 1949، نشرت أندريه شديد عشر مجموعات شعرية يقبل عليها المعجبون بها إعجاباً قوياً. ولن نشير هنا إلاَّ إلى المجموعات التالية: بلد بديل (1965)، المدينة الخصبة (1972) وأُخوة الكلمات (1978). والحال أن أصالة العمل الأول والذي هو، في الواقع، جمع لغالبية القصائد السابقة أو الكتيبات التي كانت قد نشرت من قبل بالفعل، إنما تكمن في أن شيئاً لم يتغير في هذه الأشعار منذ خمس عشرة سنة، أي منذ أقدم الإصدارات. وفي القصائد الأقدم، تعتبر غنائية أندريه شديد رايقة ومكثفة، كما لو كانت أشبه ما تكون ببرهان أخاذ لا ينطوي على أي لغز: إذ يبدو أن كل شيء إنما يقال بوضوح وتحديد، لكننا نشعر خلف كل قصيدة بمنفذ عاصف إلى الأسطورة ...وفيما بعد، خاصة مع العملين الأخيرين اللذين أسلفنا الإشارة إليهما، تتباعد أندريه شديد عن رينيه شار وبول ايلوار وتتقارب أكثر مع جورج شحادة. لقد تخلت عن حناناتها الرقيقة القريبة من إيلوار. فتنسرب حكمة معينة بين الكلمات. والذروة الصارخة لهذا التحول هي مجموعة أخوة الكلمات التي نالت جائزة أكاديمية مالارميه. وهناك من يعتبرون الغنائية مجرد حيلة أو وعاء لصوغ التجربة. أما أندريه شديد فإنها تعتبرها تأكيداً لحقيقة شفافة لا يمكن فيها للنثر والشعر أن يفترقا.

• جويس منصور (1928)
تعد جويس منصور بين الكتاب الذين يكتبون بالفرنسية على ضفاف النيل فالواقع أنها تمثل الجيل الجديد من الشعراء السورياليين المصريين. ويبدو أنها تعرف جيداً علوم السحر والتنجيم والقبالة وطقوس السحر، فالتعبيرات الغامضة لهذه الحقول تعاود الظهور بشكلٍ متواصل في أعمالها. وعنفها الاستفزازي، حيث يجتمع الدم والعرق والدموع مع تيمة الحب والموت، جد القريبتين إحداهما من الأخرى، ليس من شأنه إلاَّ أن يذهل القارئ.إذ يبدو له عندئذ أنه يقرأ استحضارات مأساوية لإلهة أسطورية عطشى إلى الدماء.فمن مجموعة "صرخات" (1953) ومجموعة "تمزقات" وحتى "حكايات وبيلة" (1973) نجد انفجاراً كانفجار الحمم لصور مهلوسة حيث يتمدد في كل قصيدة هاجس مسبق عن الاشمئزاز والرعب. والحال أن جويس منصور، بمشاركتها في جميع المطبوعات السوريالية، قد قدمت إلى الحركة عنصراً فريداً ولا بديل عنه. إن شعراء مثل بيير-جان جوف وأندريه بريتون، ونقاد مثل ماكس- بول فوشيه وجان روزلو، قد صدمتهم النبرة الحزينة، بل والغاضبة والعميقة عمقاً قاسياً لدى الشاعرة الشابة التي تعبر، دون احتيال أدبي، عن ردود فعلها تجاه الحياة والحب والموت.

• رولان فوجل
وقد قدم كتاب آخرون كثيرون أمثلة للحركة السوريالية في مصر، وليس بوسعنا الإشارة إليهم كلهم.على أننا لايمكننا نسيان رولان فوجل، وهو معماري من أصل سويسري قضى عدة سنوات في القاهرة قبل أن يرحل عنها ليستقر في تايلاند.ونحن لا نعرف له مجموعة شعرية وقصائده موزعة دائماً في المجلات المحلية.

• منير حافظ
أما منير حافظ، فقد برز أكثر من مرة في التجمع السوريالي. وقد ظهرت كتاباته في القاهرة وفي باريس؛ وقصائده وأبحاثه لا تفتقر لا إلى العمق ولا إلى الموهبة.
الحركة السوريالية لم تقتصر على التوجه إلى الأدباء وحدهم، فقد جرت دعوة الفنانين أيضاً إلى المشاركة فيها.. وقد لعبت الحركة التي دشنها جورج حنين في مصر دور المحرك. ففي إطار حركة "الفن والحرية"التى نظمت معارض الفنانين المستقلين في عامي 1940 و 1941 في عمارة الإيموبيليا وفي عام 1942 في فندق كونتينينتال، وأخيراً في عامي 1944 و 1945 في قاعة الفنون بالليسيه الفرنسي في القاهرة. كما كانت هناك ثلاثة معارض للفنانين المستقلين نظمت في القاهرة تحت رعاية جورج حنين:
1,(نحو المجهول) في عام 1958
2,(المجهول لايزال) في عام 1959
3,أخيراً (الفن الحر (في عام 1960.
وعلى مدار سنوات، وخاصة خلال الحرب العالمية الثانية، كانت "الفن والحرية" مركز للقاء الفنانين المحليين والأجانب الذين اعتصموا بالبقاء في مصر خلال فترة الحرب. وقد عرفت الجماعة الجمهور بالرسم الحديث وأتاحت للفنانين المصريين فرصاً لطموحات فنية جديدة.وفي تلك اللحظة وحدها، أصبح بابلو بيكاسو وبول ديلفو وإيف تانجي وسلفادور دالي وماكس إرنست أساتذة معترفاً بهم فى مصر.والحال أن جماعة لابار دو سابل "حقل الرمل" التي تأسست في عام 1947، لم تكن غير محاولة عابرة لإحياء جماعة سوريالية، حيث كان فؤاد كامل مع آخرين، رساماً يعتمد على النزعة التلقائية وصاحب رسوم تتميز بالحدة وبالرسوخ قام بها لأجل مجموعة "استيهامات" (1942) لحورس شنودة. وبعد ذلك، انخرطت "لا بار دو سابل" في طريق أدبي أكثر يتماشى على الأرجح تماشياً أفضل مع ميول أتباعها. على أننا لا يمكننا أن نتجاهل أن عدداً من الفنانين المشاهير، إلى جانب فؤاد كامل، مثل كامل التلمساني ورمسيس يونان وباروخ، بين آخرين، قد وجدوا في السوريالية مصدر إلهام لهم.

• المصوركامل التلمساني
انخرط كامل التلمساني في عالم فن التصوير خلال زمن الحرب (1939-1945). وقد احتفظ منه بالتمرد والجيشان. والحال أن التوترات وخيبات الأمل والاحتدام، باختصار، إنما ترمز عنده إلى تلك الأزمنة غير العادية. وغالباً ما تطغى ألوانه الحادة فى لوحته على الإحساس الذي تود نقله. وفيما بعد، ومع احتفاظه بالطابع العنيف لعمله، فإنه يميل إلى الاستسلام لقواعد الرسم الزيتي.على أن الفعل التصويري إنما يبدو له مدعاة للسخرية إزاء بشرية عطشى للدم دائماً وعمياء تجاه المظالم الاجتماعية. وعندئذ، إذ يتخلى عن الرسم في عام 1944، فإنه ينشد في السينما الوسيلة اللازمة لإعادة بناء عالم جديد أكثر تناغماً وانسجاماً من العالم القديم.
شارك كامل التلمساني بشكل مباشر في الحركة السوريالية برسمه لوحات لمجموعة قصص "ناس نسيهم الله" (1941)لألبير قصيري ولمجموعة قصائد لا مبررات الوجود (1938) لجورج حنين. كما أعد رسوم مجلة التطور العربية. والحال أن واحدة من أروع تلامذة كامل التلمساني، هى الفنانة إنجي أفلاطون، التى شاركت إلى جانبه في معرضي الفن والحرية في عامي 1942 و 1943.

• رمسيس يونان
مع استقرارالفنان التشكيلى رمسيس يونان، في القاهرة في عام 1940. نجده شارك في مختلف معارض الفن الحر و لابار دو سابل، بل إنه قد شارك في معرض السورياليين الدولي الذي نظم في باريس في عام 1947. وبعد ذلك بعام، نجح في إقامة معرض خاص لأعماله في المدينة نفسها.
ويحكم فن رمسيس يونان استيعاب التمرد الذي يدعمه، وسورياليته لها وجه إنساني واضح. فهي تقبل التحليل وتظل شخصياتها المرسومة خاضعة لعقلانية الأشياء.والحال أن هذا الرسام الذي ترجم كاليجولا إلى العربية (1947)، قد كابد محنة كبرى من جراء موت البيركامو. فلم يبق للرسام غير عزلة الصحراء وعناد النبات وصمت المعدن. فهل يمكن للإنسان المتمرد الذي كانه أن يظل أسير التمرد الصامت والشكوى من لاجدوى الفعل؟ كلا، لأن رمسيس يونان هو قبل كل شيء فنان يستخدم الوسائل التي خلفها له التراث. وإذا كان قد أخذ الثورة على عاتقه، فإنه يجهد على الأقل في تحمل أعباء هذا التناقض.

• باروخ
ان الفنان الثالث الذي يمكننا ضمه إلى هذه الجماعة هو باروخ. وقد بدأ هو أيضاً مسيرته في الوقت الذي كانت السوريالية تصوغ فيه في مصر وعياً فنياًّ جديداً. على أن باروخ، خلافاً للتلمساني وليونان، لم يستسلم لإغراء الحلم. فقد طالب بحقوق العقل.بيد أن موقفه لم يمنعه من المشاركة في معارض الفن الحر. وسرعان ما يتطور في اتجاه شكل فني خاص جداً. وقد أتاحت له رحلة قام بها في عام 1946 إلى فرنسا فرصة الاتصال بكل من أ. جليزيس و ج. فيون و م. جرومير و ف. ليجير و ج. براك. والحال أن هؤلاء الأساتذة قد زودوه بالعناصر الأساسية لتحوله. والموضوع الذي شغله حتى ذلك الحين يختفي في عام 1949 لحساب تعبيرٍ صافٍ وإيقاعي لأشكال ولألوان متحررة من العبودية للموضوع. ومنذ عام 1954، يستقر باروخ في فرنسا.

• فؤاد كامل
أما فيما يتعلق بفؤاد كامل (1919)، انضم للحركة السوريالية في مصر منذ بداياتها، فقد أصبح واحداً من دعاتهاالمتحمسين. وهذا الفنان النشيط ولكن الرزين، ينتقل من السوريالية إلى التعبيرية في بداياته الفنية إلى الفن غير التصويري خلال الستينيات. وهذا تطور يستحق التنبيه إليه.

• 5فنانون تشكيليون اخرون
يجب الإشارة إلى فنانين مثل: حسن التلمساني وعبد الهادي الجزار وحسن حسن وخديجة رياض وسمير رافع وكذلك إلى آخرين كثيرين أجانب مثل إيريك دو نيميش (1910). فهذا الفنان الذي استقر في القاهرة في عام 1940، قد شارك في معارض الفن الحر وفي بينالي الإسكندرية في عام 1955. وقد اشتهر برسومه التصويرية لأعمال مثل المَنون الفتية لبول فاليري والجحيم لدانتي وبحث حول التراجيديا لسيريل دي بو، وهو كاتب مصري يكتب بالفرنسية. ويجب أن نذكر أيضاً أنجيلو دي ريز (1910) الذي شارك في الحركة السوريالية وعرض أعماله في معارض الفن الحر. ولا يمكننا أن ننسى أندريه نوميكوس وميشيل كنعان وريمون أبنر الذين تجب الإشارة إلى أهميتهم في الحركة السوريالية في مصر. ومما لاشك فيه أن فترة الحرب العالمية الثانية كانت الأكثر إثراءً من الناحية الفنية لأن الفنانين المحليين والأجانب الموجودين في مصر في ذلك الوقت قد سعوا، بسبب انقطاع الاتصالات والعلاقات الخارجية، إلى الاستفادة من وضعهم عبر تبادلات كانت مثمرة، وذلك بالرغم من الظرف غير المستقر السائد آنذاك.
في معرض الفنان حامد ندا في إبريل 1959م، كان آخر نشاط جماعي للسرياليين المصريين بإصدارهم كراسًا آخر بعنوان: "المجهول لا يزال". كان العنوان ردًّا على كتالوج آخر معرض جماعي أقاموه بعنوان: "نحو المجهول" افتتح في 20 يناير من العام59 نفسه في قاعة "كلتورا" واستمر عشرة أيام.
فى صيف 1960م هاجر جورج حنين من مصر، وأسدل الستار على الحركة السريالية المصرية.

• سمير غريب
فى عام 1982م. في ذلك العام نشر الكاتب سمير غريب مقالًا مطولًا بالصور بعنوان: "صفحات من تاريخ السريالية في مصر" في العدد الخامس من المجلد الثاني من مجلة "فنون عربية" التي كانت تصدر من لندن برئاسة تحرير الكاتب الروائى العراقي "جبرا إبراهيم جبرا" كان ذلك هو أول تذكير بالجماعة السريالية المصرية، بعد انتهاء نشاطها تمامًا في نهاية الخمسينيات من القرن العشرين.في سبتمبر وأكتوبر 1984م نشر ايضا دراسة في مجلة «الدوحة» القطرية على حلقتين، في أثناء رئاسة تحرير الكاتب رجاء النقاش.
الأولى بعنوان:
(قصة السريالية في الوطن العربي. من هنا بدأت وهذه هي بياناتها)
الثانية بعنوان:
(الرواد، :رمسيس يونان وفؤاد كامل والتلمساني). الواقع أن كل هذه المقالات والدراسات تضمنها كتابه الذي صدر بعد ذلك بسنتين.
في منتصف 1986م صدرت الطبعة الأولى من كتاب (السريالية في مصر) للكاتب والناقد سمير غريب عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في القاهرة. لكنه أحدث تأثيرًا كبيرًا، بمنتهى التواضع. وبقي حتى الآن الكتاب الوحيد باللغة العربية عن الحركة السريالية في مصر وجماعتها "الفن والحرية".
نظم أتيليه القاهرة ندوة مساء 15 نوفمبر 1986م حول كتاب "السريالية في مصر" أدارتها الشاعرة ملك عبدالعزيز وشارك وتحدث فيها أنور كامل أحد مؤسسي حركة الفن والحرية السريالية، والدكتور لويس عوض، والفنان والكاتب عز الدين نجيب وغيرهم.في أكتوبر 1987م نشرغريب دراسة مطولة في مجلة "عالم الفكر" التي تصدر من الكويت بعنوان: "السريالية والجنون" لم تتضمن حديثًا عن السريالية في مصر.ونظم غريب معرضًا إستمر 9ايام من 26 نوفمبر إلى 4 ديسمبر 1987م بعنوان الكتاب نفسه: "السريالية في مصر" في المركز المصري للتعاون الثقافي الدولي بوزارة الثقافة في القاهرة. كان المعرض الوحيد الذي جمع أعمالًا فنية ووثائق ومتعلقات شخصية لرواد السريالية في مصر، حصل عليها من أُسر هؤلاء الرواد. ضم المعرض أعمالًا للفنانين: رمسيس يونان، وفؤاد كامل، وكامل التلمساني، وسمير رافع، وإنجي أفلاطون، وبن بهمان، وإيمي نمر. كما ساعدته الفنانة إنجي أفلاطون وأعطته صورة لها مع أستاذها كامل التلمساني نشرت(مع صورة للمرة الأولى من خطابها لي مكتوبًا بخط يدها تقول فيه: "عزيزي سمير. تركت عند السيدة محاسن صورة تذكارية من كامل التلمساني مع تلميذته حضرتي! إذ حبيت أستخدمها مع الدوكمنت الخاصة بالمعرض. ومع الشكر. بالرجاء الاتصال بالمنزل 3405258 حتى الثالثة ظهرًا. إنجي أفلاطون".
وفي عام 1993م نشر غريب كتاب "راية الخيال" تناول فيه تاريخ الحركة السرياليةعالميًّا بمن فيها بعض المجموعات التي تشكلت في أماكن مختلفة،منها المجموعة العربية التي أسسها في باريس الشاعر والمترجم العراقي "عبدالقادر الجنابي" واسمه بالكامل عبدالقادر ناجي علوان، المولود في بغداد عام 1944م. أصدر الجنابي منشورات، ومطبوعات، وملزمات، وكراسات، وترجمات بالعربية والفرنسية ركز فيها على تقديم تراث جماعة "الفن والحرية" كما نشر إبداعات سريالية جديدة لسرياليين عرب شبان، في ذلك الوقت. اقيم أول مؤتمر عالمي عن السريالية في مصر وجماعة الفن والحرية،الذي أقيم في نوفمبر 2015م في القاهرة.

• عبدالقادر الجنابي
ان إصدارات الجنابي جديرة بجمعها وإعادة طبعها للتاريخ وللباحثين وللمهتمين لأنه كان يصدر من المنشور أو المطبوعة وقتها نسخًا قليلة جدًّا. كان ينسخها أو يطبعها طباعة بسيطة ويكتبها بخط اليد أحيانًا. كان يوزعها أحيانًا كثيرة بنفسه على مقاهي باريس التي يجلس عليها. هكذا حصلتُ على نسخ منها. مثل "فراديس" التي وصفها بـ(سجل الخيال المنتفض) كان يتعاون مع الجنابي ويلتف حوله شبان (وقتها) مثل (سركون بولص، وعالية شعيب، وخالد المعالي، وجليل حيدر، وغيرهم) وما زال الجنابي يكتب ويرعى ويشارك في أحداث ذات صلة بالسريالية وهو في السابعة والسبعين من عمره اليوم.
مطبوعات الجنابى ظلت هامشية، صدرت بطرق طباعية بسيطة وبأعداد محدودة، من ثم قرأها عدد محدود، ولم تصل إلى القاهرة إطلاقًا على حد علمي، ولم يتحدث عنها إلا عدد قليل في صحف لبنانية،أذكر منهم صديقي المرحوم السريالي الجزائري "علي بن عاشور" في مجلة المستقبل التي كانت تصدر في باريس، وكان له فضل تعرفي إلى "عبدالقادر الجنابي" نفسه في أثناء عملنا المشترك، أنا وابن عاشور، في هذه المجلة في بدايات الثمانينيات من القرن العشرين. أهمية ما قام به الجنابي ليست فقط في مطبوعاته، فهذه المطبوعات قد اختفت بمرور الزمن، وبخاصة أنه ليس لديه الجنابي نفسه أرشيف. لكن الأهم هو في تأثير التجمع الذي التف حول الجنابي، وأصدر مطبوعاته من خلاله، في تكوين عدد من المبدعين العرب الشبان وقتها، الذين مارسوا إبداعًا سرياليًّا جديدًا وعملوا على نشر هذا الاتجاه.

• حركة جديدة متناثرة
بعد 30 عام على صدور كتاب سمير غريب "السريالية في مصر"والذى شكل نواة لوجود حركة جديدة لإعادة اكتشاف جماعة "الفن والحرية" السريالية المصرية، ورد الاعتبار لها والاحتفاء بها من جهة، وتشجيع المبدعين الشباب على ولوج عالم السريالية وإعادة تشكيله وإبداعه من جهة اخرى. بدأت هذه الحركة بسيطة وأخذت تنتشر حتى وصلت ذروتها بإقامة معرضين دوليين كبيرين متنافسين في وقت واحد تقريبًا أحدهما أقامته مؤسسة الشارقة للفنون بالتعاون مع الجامعة الأميركية بالقاهرة ووزارة الثقافة المصرية في قصر الفنون بالقاهرة ابتداء من 28 سبتمبر 2016م بعنوان رئيسى "حين يصبح الفن حرية" وعنوان فرعي: (السرياليون المصريون 1938- 1965م) شارك فيه سمير غريب بعرض وثائق ولوحات فنية، والآخر في مركز بومبيدو في باريس بعنوان رئيسى:(الفن والحرية) وعنوان فرعي: (الانشقاق والحرب والسريالية في مصر 1938- 1948م).
افتتح معرض بومبيدو بعد معرض القاهرة بشهر تقريبًا!! وقد انتقل كل معرض منهما إلى متاحف دول أخرى.لقد أثر الكتاب بالفعل في مبدعين شباب وبخاصة في مصر. مشكلين حركة جديدة متناثرة،اعتمدت نوعًا واحدًا تقريبًامن التعبير هو الكتابة،الشعرية والنثرية والنقدية، وإعادة نشر نصوص أعضاء جماعة الفن والحرية. على العكس من تأثير جماعة الفن والحرية، فقد تأثرت بها جماعة تشكيلية جديدة هي "الفن المعاصر" أسسها أستاذ الفن (حسين يوسف أمين وضمت سمير رافع، وإبراهيم مسعودة، وكمال يوسف) وقد أتوا من جماعة الفن والحرية،فضلًاعن "حامد ندا، وعبدالهادي، الجزار" وغيرهما. أقامت هذه الجماعة معرضها الأول في ظل جماعة "الفن والحرية" عام 1946م.اهتم أعضاؤها باستخدام التراث الشعبي المصري في تعبيراتهم الفنية، فقيل:إن حركتهم تمصيرللسريالية في مصر!!!.هذا قول يحتاج إلى مناقشة ليس هنا مجالها.من المصادفات الجيدة أن الوحيد من مؤسسي جماعة "الفن والحرية" الذي كان على قيد الحياة عندما صدر كتاب غريب هو"أنور كامل عثمان" مواليد عام 1913م، وصاحب امتياز ورئيس تحرير مجلة "التطور" لسان حال "جماعة الفن والحرية".
كان علاء الديب نشر مقالًا عن كتاب غريب في عدد 7 أغسطس 1986م من مجلة صباح الخير. بعده نشر "أنور كامل" أول مقال له فى صباح الخير، بعد صمت يقرب من ثلاثين عامًا، في (عدد 18 سبتمبر 1986م) بعنوان: "لكنهم صنعوا المستقبل" صدّر علاء الديب لمقالة أنور كامل بمقدمة بدأها: "لعل من حسن الحظ أن أحد هؤلاء الرواد وهو الأستاذ أنور كامل –مد الله في عمره– ما زال بيننا، ويتمتع بذاكرة ناصعة وعقل فاحص واعٍ، وهو الوحيد من جيل الرواد الذي ما زال قادرًا على أن ينتقد، وأن يضيف إلى التسجيل التاريخي الهام الذي قام به سمير غريب" كتب أنور كامل في مقاله بالنص: "أخذني العجب كيف استطاع هذا الكاتب الشاب –بتعبير علاء الديب– أن يجمع من البيانات والوثائق ما أعجز أنا عن جمعه بهذا الشمول,مهما أردت أو حرصت ,مع أني كنت جزءًا من هذا التاريخ؟"وكتب أيضًا: "كيف تكون هذه البيانات والوثائق متوفرة للباحث في باريس وربما في غيرها من عواصم العالم دون أن يجد ما يستحق الذكر في دار الكتب المصرية أو في مكتبة الجامعة؟".وكتب أنور كامل كذلك: (لهذا أقول إن العمل الموثق الذي قام به سمير غريب –هذا الكاتب الشاب– عمل عظيم حقًّا. لكنه عمل يجب أن تتلوه أعمال، لأن التاريخ الذي تناوله بالبحث والتوثيق أخصب من أن يضمه مجلد واحد). وكتب أنور كامل بعد ذلك: لقد قرأت كتاب السريالية في مصر مرتين؛ الأولى في القاهرة عقب قراءتي لمقال علاء الديب مباشرة، والثانية في مرسى مطروح ومن أمامي البحر. ثم أخذ أنور كامل يتذكر شخصيات ومواقف، ويجيب عن أسئلة، فأثرى بذلك موضوع الكتاب.

• أنور كامل
بهذا المقال بدأ أنور كامل ما أسماه غريب ب "حركة جديدة متناثرة" بدأ في نشر مقالات وإعادة نشر نصوص وترجمات طبعها مكتوبة على الآلة الكاتبة في نسخ محدودة أطلق عليها "فسائل" وصل عددها إلى 80 فسيلة تقريبًا. كان يوزعها بنفسه في جلساته في مقهي "البستان "وسط القاهرة. بدء كامل 2 سبتمبر 1986م، بأول فسيلة كان عنوانها: "إلى أمشاط من ماس مكسورة" (مرفقة صورة) من أربع صفحات فقط، نُشرت ضمن مقال "لكنهم صنعوا المستقبل" لأنور كامل بعدد 18 سبتمبر 1986م من مجلة صباح الخير. كانت لقاءات سميرغريب بأنور كامل قليلة جدًّا، ولكن القدر جعلة يتدخل لعلاجه على نفقة الدولة عندما أصيب بجلطة في المخ عام 1991م. فكتبت غريب الخطاب الذي وقعه فاروق حسني وزير الثقافة آنذاك إلى وزير الصحة في 30 سبتمبر 1991م طالبًا علاج أنور كامل على نفقة الدولة.بعد "أنور كامل"ظهر كاتبان من جيلين مختلفين ليقودا هذه الحركةالجديدة المتناثرة على حد تعبير غريب،هما الشاعر والكاتب والمترجم بشير السباعي الذى (غادرنا فى 21 إبريل 2019م) والكاتب والشاعر الشاب هشام قشطة الذي تعرف إلى أنور كامل بعد نشر كتابي. علمًا أنهما لم يكتبا شيئًا عن الحركة السريالية المصرية قبل ذلك على حد علمي.

• بشير السباعي
إستهل بشير السباعي حركته بما أسماه عرضًا وتحليلً لكتاب غريب في مجلة "القاهرة" عدد 15 يونيو 1987م. كانت تصدرها الهيئة المصرية العامة للكتاب، برئاسة تحرير الكاتب والناقد غالي شكري،
كان عنوان مقال بشير(سرياليون أم تروتسكيون)تعرض في مقدمته لأهم معالم الكتاب باختصار شديد. أقر بأن (هذه هي المرة الأولى التي يصدر فيها كتاب مكرس لتاريخ الحركة السريالية المصرية) وهي المرة الأولى التي يجتمع فيها بين دفتي كتاب واحد كل هذا العدد من الوثائق والنصوص السريالية التي لم يسبق نشر جانب منها، والتي لم يعد الجانب الآخر الذي سبق نشره متاحًا لجمهور القراء منذ وقت بعيد. ثم بدأ بشير هجومه على الكتاب من خلال اعتراضه على ما جاء فيه مما سماه "تروتسكية السرياليين المصريين المزعومة"مؤكدًا كلامه بأمثلة من "علاقة الحركة السريالية الدولية" بزعامة أندريه بريتون بالحركة التروتسكية. وهاجم بشير لويس عوض على بعض مما جاء على لسانه في الندوة التي عقدت بأتيليه القاهرة في 15 نوفمبر 1986م لمناقشة كتاب غريب، ووصف بشير ما قاله الدكتور لويس بأنه"الركون إلى ذكريات مشوشة تفتقر إلى التحري الصارم للحقيقة التاريخية"
لقد جاء كلام غريب عن علاقة السرياليين بالتروتسكية في سياق الوثائق التي تعرض لها الكتاب وسياق العلاقة بين السرياليين المصريين والحركة السريالية الدولية بزعامة "أندريه بريتون"ردغريب على بشير السباعي في مجلة "القاهرة" عدد15 أغسطس 1987 ، بمقال تحت عنوان:"السريالية ليست تنظيمًا سياسيًّا" قام بشير بالرد على رد غريب,في مقالة طويلة أشد قسوة في عدد ديسمبر. فاتصل المرحوم غالي شكري رئيس تحرير المجلة بغريب وأخبره أنه قرر إغلاق باب الحوار في هذا الموضوع. وعلى الرغم من الخلاف الحاد الذي نشب بين غريب وبين بشير السباعي واتهاماته التي كالها له على صفحات مجلة "القاهرة" يذكر غريب استفادته من المعلومات التي تضمنتها مقالتى بشير عن كتابه. فقد كان أكبر سنًّا وأكثر ثقافة ومعرفة مني.
إلا أن أهم تأثير لكتاب غريب عند بشير السباعي هو نشاطه الرائع في إحياء تراث السريالية المصرية الذي قام به بعد ذلك سواء في ترجمات طبعها أو على نشرها عبرالإنترنت في مدونته الممتازة والمميزة والمفيدة التي أطلق عليها اسمًا دالًّا هو: "مبدأ الأمل" رجع في بعض المقالات المنشورة في هذه المدونة إلى استشهادات من كتاب غريب بالرغم من هجومه السابق عليه. في هذه المدونة نشر بشير ترجمة عربية لمختارات من كتابات جورج حنين بعنوان"بلاء السديم"وترجمة لدراسة"جان جاك لوتي-عن الحركة السريالية المصرية" كما ترجم نصوصًا لأعضاء في جماعة "الفن والحرية" وغيرهم. وبذلك واصل بشير السباعي الطريق الذي بدأه غريب بنشر كتاب "السريالية في مصر" .

• هشام قشطة
أما هشام قشطة فقد طلب من سميرغريب في بداية اهتمامه بجماعة الفن والحرية، التي اكتشفها في كتابه، أن يقوم بإعادة نشر أعداد مجلة "التطور" التي أصدرتها الجماعة في النصف الأول من أربعينيات القرن العشرين. وكان غريب في ذلك الوقت "مديرًا لصندوق التنمية الثقافية بوزارة الثقافة"لَبَّي غريب طلبه، وتحمل الصندوق نفقات إعادة نشر أعداد "التطور" ومثبت على غلاف المجلد الخلفي أنه صدر بدعم من الصندوق، ومثبت أيضًا أن المجلد صدر بالتعاون مع البعثة الفرنسية للأبحاث.نشرت أعداد مجلة"التطور" في مجلد واحد في 1995، فقد خلا المجلد المطبوع من تاريخ إعادة النشر، وخلا من رقم الإيداع في دار الكتب القومية الذي يتضمن بالطبع سنة النشر!! من المؤسف أن هذا المجلد خلا أيضًا من العدد السادس من "التطور" الذي صدر في شكل جريدة نصفية من أربع صفحات؛ إذ لم يستطع هشام العثور عليه، ولم تكن لدي غريب صورة كاملة منه على الرغم من استعراضه لهذا العدد .
أصدر هشام قشطة مطبوعات أخرى اهتمت بتراث "الفن والحرية" أهمها وأطولها عمرًا ,مجلة "الكتابة الأخرى" الذي قد حظي بدعم خاص من بشير السباعي بنشر مقالات ودراسات وترجمات متعلقة بتراث السريالية في مصر. التف حول هشام عدد من الشعراء الشبان المميزين؛ منهم: (إبراهيم داود، وأحمد طه،وجرجس شكري،وعزمي عبدالوهاب، وفاطمة قنديل، وغيرهم). ونشر هشام في عدد يناير 2010م ترجمة "أنسي الحاج" لديوان جورج حنين "نهاية كل شيء تقريبًا" وفي العدد ال20 من مجلة "الكتابة الأخرى" فبراير 1998م، ترجم بشير السباعي دراسة (جان جاك لوتي) "الحركة السريالية في مصر" وكتب لها تمهيدًا. أرجع بشير "توجيه الانتباه مرة أخرى إلى تراث الحركة السريالية"إلى:"احتداد أزمة أشكال التعبير الأدبي في مصر خلال الأعوام الأخيرة". فقط خلال أعوام التسعينيات .
في مقالة لبشير السباعى بعنوان "زمن الفن والحرية المتواصل" في العدد 19/20 من "الكتابة الأخرى" فبراير 1999م، قال فيها :أن إعادة اكتشاف تراث جماعة الفن والحرية فى "كتاب غريب ومقالات بشير" فى الكتابة الاخرى,يعبر عن واقع أن هذا الإحياء كتجاوب مع حاجة مُلِحّة إلى حداثة ديمقراطية ذات شواغل إنسانية متحررة من الشوفينية القومية"وبحسب غريب فإنه لم يَدُرْ بِخَلَدِه إطلاقًا موضوع الحداثة السلطوية هذا عندما شرع في القيام بالبحث عن تراث جماعة "الفن والحرية".
كان الموضوع ببساطة كما يذكر سمير غريب هو من قبيل قانون (الصدفة الموضوعية) الذي سنه السرياليون.كما أشار في مقدمة كتاب "راية الخيال"أن زيارته لمعرض سلفادور دالي في مركز بومبيدو في باريس عام 1980م. هناك وجد من بين المعروضات خطابًا من الفرنسي أندريه بريتون إلى المصري جورج حنين، فلفت نظره وقرر متابعة الموضوع. وقدأسفرت هذه المتابعة عن كتابين وليس كتابًا واحدًا؛ هما: "راية الخيال والسريالية في مصر".

• عبدالقادر الجنابي-باريس
تعد المبادرة العربية الوحيدة هي مبادرة "عبدالقادر الجنابي" من باريس، الذي اعترف سميرغريب بفضله في تعرفه إلى "جماعة الفن والحرية" وإلى السيدة "إقبال العلايلي" أرملة جورج حنين شخصيًّا التي كانت تعيش في باريس، والتي أمدَّته بصور ووثائق من الجماعة.
ثم واصل غريب رحلة بحثه في باريس والقاهرة بالتعرف إلى زوجة رمسيس يونان وبنتيه: "سيلفيا وسونيا" وشقيقَيْ "كامل التلمساني" حسن وعبدالقادر، وقدرية أرملة "فؤاد كامل" وايضا الفنانة "إنجي أفلاطون" وغيرهم ممن شاركوا أو عاصروا جماعة "الفن والحرية". كانت مبادرة الجنابي ليست مكرسة فقط لجماعة "الفن والحرية المصرية" بل كانت "مبادرة أممية" للمشاركة في النشاط السريالي العالمي، ونشره باللغة العربية تجديدا, مع التركيز على جماعة" الفن والحرية"كنموذج وحيد حدث في مصر.أشار غريب الى الجنابي وإصداره مجلة"الرغبة الإباحيةوالنقطة" في كتابه "راية الخيال"من ص( 77 حتى ص85 ) طبعة دار الشروق 1993م.
لقد حفظ بشير السباعي تراث "الحركة السريالية المصرية" الذى كان عرضة لمؤامرة صمت مريبة من جانب أغلب النقاد ومؤرخي الأدب المعاصر, لم يُشِرْ إلى أن غريب هو الذي بدأت قطع هذه "المؤامرة" على حد تعبيره. ليس هذا فحسب، بل إنه يُنسب الفضل في تشجيع جهود إحياء هذا التراث في القاهرة إلى الراحل أنور كامل (1913– 1991م)فمنذ عام 1987م حتى 1991م، نشر سمير غريب مجموعة من كتابات السرياليين المصريين المهمة في أوراق محدودة التوزيع، واشترك معه بشير- في ترجمة مجموعة جورج حنين الشعرية الأولى "لا مبررات الوجود"(1938) والتي تولى الشاعر "أحمد طه" نشرها بالعربية في القاهرة في نوفمبر 1987م، وقد توالى بعد ذلك ظهور أعمال أخرى لجورج حنين مترجمة إلى العربية لأول مرة في عدد من المجلات غير الدورية أساسًا مثل مجلة"الكتابة السوداءوالكتابةالأخرى والجراد"ذكر بشير السباعي ذلك في مقدمته لدراسة "جون جاك لوتي"كل ما في الأمر، أن الأحداث الكبرى مصريًّا وعربيًّا ودوليًّا التي وقعت بعد نهاية النشاط الجماعي للفن والحرية في نهاية الأربعينيات من القرن العشرين، وبعد تحول أعضائها إلى فنون واتجاهات أخرى، غَطَّى على هذه الجماعة ووضعت في زوايا النسيان.كتب هشام قشطة في "بيان الكتابة الأخرى" العدد 19/20 فبراير 1999م يقول: "إن محترفي القتل الذين يحتلُّون الصحف وكافة وسائل الإعلام لهُم أخطر على الثقافة من أي شيء آخر، فلقد تم على أيديهم طمس كل الحقائق، وغابت المعايير، وعمَّت الفوضى"!! كان ذلك داخل العدد الذي أهداه إلى" ذكرى جورج حنين وأنور كامل ورمسيس يونان وفؤاد كامل وكامل التلمساني وزملائهم الآخرين بمناسبة مرور ستين عامًا على إنشاء جماعة الفن والحرية" ليس مدهشًا في هذا السياق أنه لم يدعو سمير غريب ولو مرة واحدة للكتابة عن هذه الجماعة!! ولم ياتى على ذكرسمير غريب اطلاقا فى المجلة.لقد أضافت "الكتابة الاخرى" قيمة لتراث الحركة السريالية بإعادة نشر المعركة الفكرية التي دارت في بعض من أعداد مجلة الرسالة ما بين يوليو وسبتمبر 1939م حول بيان "يحيا الفن المنحط" الذي وقعه عام 1938م عدد ممن أصبحوا أعضاء في جماعة "الفن والحرية".في افتتاحيته للعدد الأول من الإصدار الثاني لمجلة "الكتابة الأخرى" فى(يناير 2010م) ذكر هشام قشطة أن هذا الشهر يتوافق مع الذكرى السبعين لظهور مجلة "التطور" لسان الحال العربي ل"جماعة الفن والحرية".يجب الإشادة بكل المجهودات التي قام بها بشير السباعي وهشام قشطة في حركتهم لإحياء تراث السرياليين المصريين الرواد، وإن تركزت هذه الحركة في مطبوعات محدودة التوزيع كمًّا ومجالًا جغرافيًّا، من هنا تأتي أهمية مدونة بشير السباعي"مبدأ الأمل" المفتوحة على فضاء عالمي من خلال الإنترنت. وأرجو أن يُطْبَعَ ما لم يطبع مما نشره بشيرالسباعى في مدونته .

• الجراد
في تسعينيات القرن الماضي ظهرت أيضًا جماعة أخرى من الشباب قد أصدروا مجلة غير دورية اسمها "الجراد"تكونت هيئة تحريرها من (كريم دروزة، ومحمد متولي، ومحمد شندي وماهر صبري وحسنى عبدالرحيم).كان واضحًا في تقديمهم لمجلتهم تأثرهم بالموجات التي أطلقها كتاب "السريالية في مصر" للكاتب سمير غريب في الحياة الثقافية المصرية بين الشباب. لم يكن اسم المجلة "الجراد" هو الغريب فقط، بل كان شعارها أغرب:
"جرادة تركب على دراجة نارية؟؟!!"، ثم أتبعوه بالإنجليزية عبارة "Give me a break، أي أعطني استراحة". كما نشرت قصائد بالإنجليزية وترجمتها العربية. واهتمت أيضًا بنشر الكاريكاتير.أصدرسمير غريب كتابًا آخر عن أصغر أعضاء الحركة السيريالية؛ هوالفنان "سمير رافع" بعنوان: (الهجرة المستحيلة من درب اللبانة إلى باريس)، نشرته الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 1999م. نشر سمير غريب ايضا دراسة, عن الفنانة الراحلة "إيمي نمر" في مجلة "ديوان الأهرام" عدد أكتوبر 2014م. وهي أيضًا المرة الأولى التي يعاد فيها اكتشاف هذه الفنانة المميزة باللغة العربية. وكانت عضوة في جماعة "الفن والحرية" وشاركت في معرض "الفن المستقل"يقول غريب أن الأهم من وجهة نظره هو تأثير الكتاب في مبدعين شباب وبخاصة في مصر. مشكلين حركة جديدة متناثرة، اعتمدت نوعًا واحدًا تقريبًا من التعبير وهو (الكتابة، الشعرية والنثرية والنقدية)، وإعادة نشر نصوص أعضاء جماعة الفن والحرية.على العكس من تأثير "جماعة الفن والحرية"، فقد تأثرت بها جماعة تشكيلية جديدة هي حماعة "الفن المعاصر" أسسها أستاذ الفن "حسين يوسف أمين وضمت سمير رافع، وإبراهيم مسعود، وكمال يوسف"ولم ينته الحلم السريالي في الألفية الجديدة.

• مجموعة الغرفة-كبريت -محسن البلاسى -ياسر عبد القوى.
كان من توابع المؤتمر ان تأسست المجموعة السريالية في 2018 في القاهرة بالتواصل مع مجموعات سريالية مهمة علي مستوي العالم مثل مجموعة باريس الرئيسية، ومجموعة شيكاغو، ومجموعات من كل انحاء العالم،ثم تم نشر اعداد من مجلة(الغرفة )لتعبر عن التيار الذي اعيد احياءه في مصر ،لتصبح المجلة السريالية العربية الوحيدة،حاليا وكما يقول البلاسي فان السريالية في العالم العربي عبرت عن نفسها في ثلاثة أجيال، اولها جيل مجموعة "الفن والحرية" في الأربعينيات، وحركة السريالية التي أسسها الفنان العراقي "عبد القادر الجنابي" في باريس في سبعينيات القرن الماضي، وجيل مجموعة Sulfur surrealist jungle /MENA/ سلفور /مينا فى اللحظة الراهنة التي أسسها الكاتب "محسن البلاسي والفنانة غادة كمال" في القاهرة.
كان تواصل هذه المجموعة على نطاق أوسع مع المجموعات الدولية للسريالية سواء في أوروباأو أمريكا وأمريكا اللاتينية،كما أنها نشطت في مجال إصدارمجلة(الغرفة)بالفرنسية والعربية والانجليزية،وكذلك الموقع الالكتروني (سلفر)الذي يضم ابداعات تنتمي لهذا التيار وتضم الحركة أغلب الأسماء السريالية المهمة في العالم. كما تقدم اسهامات في دمج السريالية بالعلوم. التطبيقية وقد ظهرت منذ، 2020ومستمرة حتى الآن.ككيان غير هادف للربح.وتعمل مطبوعات جامعة "ديوك" الأميركية على إصدار عدد خاص من مجلتها الفصلية"جورنال الفن الإفريقي المعاصر" تحت عنوان:"السريالية المصرية بمنظور عالمي" يتضمن كل الأوراق المقدمة إلى مؤتمر القاهرة. وكان من المقرر أن يصدر هذا العدد في نوفمبر 2021م. ليوزع فى المؤتمر الدولي.لقد أُقيم معرضان ضخمان للسريالية في مصر؛ أحدهما في القاهرة، والآخر في باريس فى ذات التاريخ، وكلاهما انتقل إلى عواصم أخرى كل هذه الأحداث استطاعت أن ترك مفعولًا.

وإستضافت الاسكندرية فى(11يوليو-تموز2022)معرضا للسريالية تحت مسمى"أصداء السريالية المعاصرة" والذي أستمر في عرض أنشطته إلى تاريخ 20 من شهر يوليو ، ذلك بالشراكة مع "المعهد الفرنسي في الإسكندرية"ومجموعة "سلفرالسريالية-فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"وممثلهامحسن البلاسى"وبيت أندريه بريتون وجمعية الوردة المستحيلة"وشركة"لادول للإنتاج الثقافي وتوزيع"وتوثيق"شركة نوت للإنتاج الفني"لقد قدم المعرض في نسخته الثانية في الاسكندرية،عروضا سينمائية، وديجتال وكولاج متحرك، وألعاب سريالية، من خلال أدوات مدروسة وممنهجة، "لتحرير الخيال" للربط بين "التحليل النفسي وأدوات التعبير المختلفة، كالسينما، والشعر و النحت" وجاءت تجربة العروض السريالية السينمائية من خلال التساؤل عن "ماهية السينما" كمحاولة للتخلص من احتكار "الشركات الرأسمالية المنتجة"والموجهة لذائقة الجماهير، فكانت العروض السريالية تجريبا بصريا لا يخضع لقواعد معينة، أكثر من أربعين فيلما من جميع أنحاء العالم من أوروبا و وتركيا وإيران، مثل أفلام "روجر بالن" الذي صنف من أهم مصوري الفوتوغرافيا ومخرجي الفيديو كليب في العالم الذي عرض له فيلم (روجر الفأر).

لقد نشأت الحركة السيريالية على الإنترنت منذ سنوات قليلة أسسها اثنان من تلاميذ سميرغريب، هما: الشاعر والفنان "محسن البلاسي، والفنان ياسر عبدالقوي" أصدرا مجلة إلكترونية اسمها "الغرفة" صدر عددها الأول العام 2021، وصدرالعدد الثاني باللغتين العربية والإنجليزية.كما أسسا حولها مجموعة أسمياها "الشرق الأوسط وشمال إفريقيا السريالية وهى تضم مبدعين من دول مختلفة في المنطقة.وتحظى بدعم من الشاعر العراقى""عبدالقادر الجنابي"المقيم فى فرنسا،وتتعاون مع موقع إلكتروني مهم متخصص اسمه:"كبريت(الغابة السريالية) SulfurSurrealist Jungle"ينشر ترجمات ونصوصًا باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية، فضلًا بالطبع عن صور وأفلام. كما أصدر محسن البلاسي في فبراير 2021م أول كتاب عن المصور"كامل التلمساني" أحد رموز جماعة الفن والحرية مزودًا بصور ومستندات، وكتبتُ له مقدمة مع مي التلمساني ابنة أخي كامل. تصوروا بعد مرور أكثر من 85 عامًا على نشأة جماعة الفن والحرية يصدر أول كتاب عن أحد رموزها؟؟؟يا لفقر الثقافة العربية!!. ويفكر سمير غريب فى أصدار مرجعًا معلوماتيًّا شامل عن جماعة "الفن والحرية" وتأثيراتها، وما قام به أعضاؤها، وأدوارهم فيها وفي الحياة العامة.وانا ما زلت أشعر بأهمية وروعة هؤلاء الشباب الذين صنعوا المستقبل كما وصفهم أنور كامل.

ويرى الكاتب والناقد سمير غريب :
بأنه ما زال يشعر بأنهم لم يأخذوا حقهم بعد، وما زال يشعر أنهم قادرون على التأثير الآن، وبخاصة الآن، في هذه المدة العبثية التي يعيشها العالم وبالأخص العرب.يجب التحرك لإنشاء "مركز لأبحاث السريالية في مصر والعالم العربي" فى القرن ال21.
(فلا نامت أعين المتخلفين والجهلة).

عبدالرؤوف بطيخ
-(كفرالدوار1سبتمبر-ايلول 2023)
___________________
المراجع :
1. كتاب جورج حنين بلاءُ السديم (مختاراتٌ من أعمال كاتبٍ سورياليّ)جان جاك لوتي,ترجمة:بشير السباعي وآخرين.
2. -كتاب السيريالية فى مصر سمير غريب 1986
3. -كتاب راية الخيال سمير غريب 1993
• من ارشيف سمير غريب:
1. دراسة سمير غريب :ضجة فنية تثيرها: الحياة السرية لأعمال الفنانين محلة العربي سبتمبر – 1981
2. دراسة سمير غريب صفحات من تاريخ السريالية في مصر مجلة فنون عربية يوليو – 1982
3. مقال سمير غريب الفن التشكيلي المعاصر في مصر - من أحضان الآخر إلى أحضان الذات مجلة فنون عربية أكتوبر – 1982
4. دراسة سمير غريب قصة السيريالية في الوطن العربي (1) الفن التشكيلي مجلة الدوحة سبتمبر – 1984
5. قصة السيريالية في الوطن العربي: الرواد مجلة الدوحة أكتوبر – 1984
6. مقال سمير عريب رد على نقد -السريالية ليست تنظيمًا سياسيًّا مجلةالقاهرة أغسطس – 1987
7. دراسة سمير غريب السريالية والجنون -مجلة عالم الفكر أكتوبر – 1987
8. دراسة سمير غريب السريالية في مصر مجلة العربي مايو – 1988
9. دراسة سمير عريب (فضائل السريالية في مصر وفواجعها) مراجعة صريحة لـ35 عامًا تضمنت ما لم أنشره من قبل، نصًّا وصورًا -مجلة الفيصل عدد مايو 1, 2021








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي


.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-




.. فعاليات المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية في الجزاي?ر


.. سامر أبو طالب: خايف من تجربة الغناء حاليا.. ولحنت لعمرو دياب




.. فيديو يوثق اعتداء مغني الراب الأميركي ديدي على صديقته في فند