الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية ( تمزقات . . في ارض موحلة بالأكاذيب ) - ح 17 / عملي الروائي قبل الاخير ، 2021 - رواية غير منشورة

أمين أحمد ثابت

2023 / 9 / 13
الادب والفن


***

بصعوبة شديدة وعند اقتراب نهاية العام الأول من حرب 2014م ، تمكنت وباتفاق ضمني واشقائك الثلاثة على اقناع منى الشقيقة الكبيرة الوحيدة الى مغادرة البلد الى أبنائها المتوطنين في أمريكا . . هروبا من جحيم الضربات الصاروخية الحاصدة كل مكان من صنعاء – لم يكن أي منزل او موضع آمن من القصف – كنا نهرب من منطقة وجودنا الممطورة بالصواريخ والقذائف . . بعد توقفها نلتجئ الى منطقة تخلو من مواقع محتملة للاستهداف – رغم أن المعسكرات تحيط بصنعاء كغيرها من المدن – نهرع بلبسنا البيتي الى السيارة وسيل الرصاص المعدل يمرق اعلى رؤوسنا وعلى جوانبنا . . والحرائق المندلعة المصحوبة بانفجارات تولع السماء المحيطة في سيرنا بلون احمر قاني مخلوطا بدخان اسود حالك – لماذا تخرجون . . الوضع خطير ، القذائف تسقط في كل مكان ، رصاص الاشتباكات لا يتوقف ثانية – آخرون يصرخون محذرين . . ارجعوا بيوتكم . . ستموتون ، اختبئوا في البدروم – لم يكن يوقفنا شيء ، كنا نرى الصواريخ تضرب على بعد عشرات الأمتار من سكننا ، والكاتيوشا تعبر من امام شبابيك المنزل ، كانت المنازل ترتج وصوت الانفجار المخيف يهيئ للمقيمين الهاربين في بدروم العمارات تحت الأرض عند القصف كما لو ان الضربة اصابت مكان وجودهم وأن المبنى سيسقط على رؤوسهم – ربنا الحافظ – لم تكن هناك كلمات نرد بها غيرها – نظل يومين او ثلاث في بيت اختي او منزل والد سناء ، لحظهما لم تتعرضا لأي قصف لوقوعهما في منطقتين سكنيتين صرفة ، وإن وجد فيها فلا توجد سوى مؤسسة لوزارة مدنية ، حتى يتوقف القصف على منطقة اقامتنا نعود الى بيتنا . . ليتكرر الامر كل عدة أيام ، حتى فوجئنا أن تلك المنطقتين اصبحتا موضعا استهداف – عبر اعلان التحالف بإنذار السكان القاطنين في محيط المحال المذكورة سيتم قصفها – في تصريحاتهم أنها تحوي مخازن أسلحة او ثكنات عسكرية او دبابات ومدافع ومضادات طائرات تضرب منها . . أو حتى مخابئ لقيادات من الحوثيين أو مركز إدارة العمليات – كنا نتجمع الاخوة عند منى لحظة سماعنا خبر ضربة قادمة على اهداف قريبة من مكان اقامتها – الذي يجيبه الله انا راضية فيه ، لو هو يومك ستموت . . حتى لو هربت ما هربت – يا أختي ، لا يرمي الانسان نفسه الى التهلكة . . إذا ما عرف وجود الخطر مسبقا ، إلا إذا لم يكن عاقلا – مرات عديدة يتكرر قصف مرعب لمواقع . . حتى عمارات لا تبعد عنها كثيرا – كنا نقلق عليها ، حتى وإن لم يكن الضرب جوارها ، نخاف عليها من الراجع واصوات دوي الانفجارات المرعدة للنفس وهي وحيدة – اكثر من سبعة شهور والدنيا ترتج حولنا جوارها ، قبلت السفر بمضض - كيف تترك اخوتها للموت وتنقذ نفسها – اولادك سيتدمرون هناك . . إذا حدث لك مكروه ؛ وجودك . . هل سيبعد الخطر عنا ؛ لم يعد لوجودك معنى هنا ، فأنت خرجت الى المعاش ولا . . يربطك شيء للبقاء ، وهي فرصة ما زالت الفيزا الامريكية سارية المفعول من سفرتك الأخيرة ولم تنتهي بعد ، مشكلة سنصادفها إذا قررت المغادرة بعد انتهائها ، لا وجود للسفارات في صنعاء ولا حتى عدن – ما أقدر اسيب بلادي ، اولادي لهم الله ، وعندما اشتاق لهم سأسافر لزيارتهم – قولي العكس ، مكانك بين اولادك و . . وبأمان ، وبعد انتهاء هذه الغمة القذرة . . يمكنك العودة حتى العيش هنا – جهزت امورها مرحلة على باص النقل السياحي الى عدن ، وكان حجزها ليلا عند العاشرة من نفس اليوم من مطار عدن ، فمطار صنعاء اصبح مغلقا وموقعا يتم قصفه مرات متكررة . . لاتصاله بالقوات الجوية ومستغلا للمدرعات والمدافع والثكنات العسكرية . . لاتساع المساحة ووجود الجيوب الدفاعية المخفية للمضادات والآليات القتالية الثقيلة الأخرى ، خاصة وأن منطقة المطار تمثل خطا دفاعيا محيطيا مهما للعاصمة .

شهران واكثر مضيا من سفر منى ، انهكتها رحلة ثمانية عشرة ساعة من التنقل من مطار الى اخر . . لتصل أخيرا الى كاليفورنيا ، تطمنا عليها خلالها وبعد يومين من وصولها الى ابنتها - لم تتوقف محاولاتي الحاثة القلقة لإخراج امجد الشقيق الأصغر ، الذي اصبح حاد الطباع شرسا عند مقابلته ما يستثيره من أي شخص كان ، تزايدت خلافاته مع اخرين ومنها ما وصل الى العراك ، وضع مذل لم يكن قادرا على تقبله ، دوام دون راتب ولا دخل اخر سيأتيه ، تنامت حدة الشجار وزوجته وتعرض حاجة اطفاله للقوت والشراب اليومي الذي اصبح صعبا الحصول عليه ، فأصحاب البقالات أوقفوا إعطائه لتراكم الدين عليه لأكثر من عام دون سداد . . وكذلك ايجار شقة سكنه – كانت ضغوط نفسية تهدد الأطفال بفعل الجو المشحون بالعصبية و . . طفله الوليد المحتاج للحليب ومكملات غذائية ، ويزداد التكهرب إذا ما صودف مرض واحد من أبنائه ولا يجد له حق العلاج ، كثيرا ما تعرض لتعنت من مصادر عدة بفعل كاريزما شخصيته المدنية المستفزة لكل من يحيطون به من الناس الغالب عليهم القروية والقبيلة ونقص التعليم ، حتى لم يسلم من الاستفزاز المراهق لابن مالك السكن وشلته ، حتى من اسرته بقطع المياه عن بيته تقصدا دون سواه ، أحيان كثيرة ما كان واسرته يقبعون في الظلام الحالك - كان معتادا قبلا العيش في بحبوحة لوضعه الوظيفي وما يجده من قضايا يتوكل بها كمحام مرخص ، لم يكن يقابل من يعترض طريقه بما يظهر عليه من مهابة وقدرة وشجاعة وقوة منطق وحلاوة اللسان – كانت المؤشرات التي تتجمع لدي . . أن اخطار ماحقة تدنو منه ، منها مهددة حياته بالقتل ، فقد اصبح مدمنا الكتابة على النت بهجوم عدائي سافرا ومتحدي ضد الحوثيين . . القابضين على صنعاء و . . في مكان وظيفته ومحيطه السكني الشعبي بأحيائه الملغمة بمجاميع مسلحة من المراهقين القبليين غير المتعلمين – حذرته كثيرا من تهور كتاباته المنشورة . . ما يجعله عرضة للاعتداء عليه او اخفائه – ما يهمني شيء – واولادك ما ذنبهم – لم يكن سهلا ردعه ، خاصة وأنني مثلا امامه لتاريخ من العند المعارض الذي لم تقطع فيه كل أساليب القمع والترهيب و . . ما زال غير متوقف حتى اللحظة – طيب استخدم طريقتي ، قل ما تريد واخرج غضبك ولكن على كل الأطراف المتاجرة في هذه الحرب الملعونة – كلهم سفلة – قال . . ولكنك تهاجم الطرف الذي انت تحت يده – اعرف ان وضعنا هنا هم من نحملهم وضعنا القذر – لكنك تجعل نفسك هدفا لتدميرك واسرتك ، . . تعرف الموجودين ليسوا مثلنا مدنيين غير مسلحين ، ليست عندهم ما يردعهم ، الاستقواء هو ما يشعرهم بالقيمة – طال النقاش وامتد لجلسات طويلة لأيام لا نفرقها إذا كانت شهور او أسابيع ، اقتنع أخيرا باتباع المسايسة اللينة وإظهار الطاعة في العمل بدل المواجهة ، لوضعه كمدير عام الشؤون القانونية يحتاجه الأمين العام للمؤسسة لتمرير أمور بإخراج قانوني . . شريطة أن تحذر أن لا تحسب عليك ، بمعنى اطلب توجيهات مباشرة وواضحة منه . . على مسئوليته – الذي كان موظفا صغيرا بالأرشيف ، ومثله بقية المواقع العليا المحتلة . . حتى بمن فيهم من يفتح الخط فقط بعد سقوط صنعاء – لن يجنبك الاستعداء فقط بل والثقة بك ، عاود تواصلك مع المنظمة الدولية لتجديد منحتك السابقة التي رفض سفرك فيها الأمين العام الاخواني السابق نكاية بمواقفك الرافضة لتمرير أمور غير قانونية ، ما أن تصل الموافقة . . بليونتك المعتادة سيقر الجديد بسفرك . . ومن هناك تقدم بطلب اللجوء ومن ثم طلب لم الشمل بأسرتك – جرت الأمور بسلاسة وجاء الموافقة على دورة تدريبية لثلاثة اشهر في فرنسا – ماذا عملت – يلعبوا معي ولكن الامين قال . . خلي معك الورقة ، لما تدبير تخريجه لصيغة قانونية مقنعة لأمر كذا وكذا . . لما تحضرها مسودة وتحول للطباعة سأوقع لك قرار السفر . . خلي معك نسخة جاهزة بورقة رسمية جاهزة للتوقيع – العمل ممكن يشوه سمعتك – لا ، صغتها بتحمل كامل على مسئوليته ، واحدة فيها اخراج مبالغ كبيرة سابقة من الدولة وأخرى لفصل المتغيبين لشهور ، رغم أن اللجنة الثورية والقائم بعمل رئيس الوزراء قد اصدرا قرار بذلك – تمام ، على بركة الله – نشب صراع حاد مع عمه ، ليس رفضا لسفره تاركا اسرته ، كانت زوجته مها قد اخبرت والدها بما تعرفه بمخطط الخروج وعدم العودة ، وتخوفها أن يرميها وأولادها الأربعة القصر ويشوف لنفسه حياة أخرى – بل كان من التشدد أن يطلق ابنته . . التي كانت ترفض ذلك وامجد ، فزواجها منه كان ضد رغبته بتزويجها من صاحب أملاك او مهاجر مريش يعيش في الخليج – كان قد صرح بذلك اكثر من مرة حين كان الشجار يدفع مها الى الذهاب الى بيت أهلها حانقة . . ونلحق بها لنعيدها بحديث ودي مع ابيها – كان والد مهى يسعى قصدا الى فركشة الأمور . . بدعوة شلة جلسائه لجلسة صلح بين الزوجين ، كانوا . . معدين بكلام استعراضي مستفز في امر لا يعنيهم بدلا عن تليين الجانبين ، بتهور كان يرمي كلمات توحي قصدا بالإهانة او التحقير لأمجد بغية اثارته لمعرفته بسرعة الغليان والرد القاسي ، اتلافى الفخ مرة بأننا مصلحتنا عودتهم لحماية أطفالهم ، خاصة وانهم تزوجا عن حب – كان هذا يجرفه الى شدة الانفعال المتعالي الذي يقود الى مواجهة من نكون قيمة ووضعا ومكانة وعلما – اتدارك . . إذن لماذا قبلت أن مجيئنا للتحادث ، أين مصلحة الأطفال ، اين العقل – ترشدني خبرات عهدتها للطريقة الناجعة لإحداث التفاهم مع هذا النوع من البشر – أقول لك ، امام الحضور ، ما ستقرره ابنتك أنا معها ، العودة شريطة الاثنين أن لا يكررا اخطاءهما او الطلاق . . كانت هو ما تريد . . أن مسئول فرضه على اخي وهو موافق – عادت وسارت الأمور بهدوء لا يعلم أحدا بسفر امجد غيرنا اشقائه الثلاثة ، وانه ثلاثة اشهر ويعود مقدما تقريرا عن سفريته ودورته التدريبية الى العمل – غادر وتنفسنا الصعداء ثلاثتنا لإخراج منى وامجد من هذا الواقع . . الكاشف عن مستقبل مظلم للبلد والناس لعشرات من الأعوام القادمة . . وتحسرنا على انفسنا الانذباح واولادنا في هذا الوضع المقيت – كان الامر من البدء يشير . . أننا الثلاثة لم يكن بأيدينا ما يمكننا الخروج وفتح الطريق لأسرنا ، اخوي من ناحية ظرفهم المادي ، أما انا . . فقيمة سيارتي تيسر سفري وطرح ونصف ثمنها مصاريفا لأسرتي ، كنت مجابها بشدة متسلطة من اسرة سناء . . الواقفين معها رفضا لسفري ، رغم أن مغادرتي بما احمله من وضع وطبيعة عمل وخبرات تجعلني الايسر حظا من كل الطالبين للجوء او الهجرة في الحصول عليها – تريد تسافر . . شل اولادك معك ، ما عندنا تترك بنتنا وخمسة صغار لوحدها . . وتهرب – إنه قدر ظالم اعتسفني ولوى قدرتي وطاقتي ، تقبلته بمضض من اجل اطفالي ، اعرف واخوتي العيش دون اب منذ الصغر – تتوهم الزوجات . . بعد مرور العمر من الزواج ، أن الأساس هي الام ويمكن الاستغناء عن الاب ، تحديدا منهن الموظفات ، بأنها تسد مكان الاب في توفير مصاريف المعيشة ، لا يجري بالأولاد شيء ، سيكبرون ويعيشون مثل من سبقوهم ممن فقدوا آبائهم – انهن يتناسين كذلك من كبروا وصاروا ذا مكانة رغم فقدانهم امهاتهم من سن مبكر . . .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي


.. تسجيل سابق للأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن يلقي فيه أبيات من




.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري


.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب




.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس