الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بوب أفاكيان : الثورة : المنعرجات الكبرى و الفرص النادرة أو ... لماذا تحدّث لينين عن الحرب العالميّة الأولى بإعتبارها - مديرة مسرح - الثورة ؟ ... و لماذا قال ماو إنّه يجب أن نشكر اليابان لغزوها الصين

شادي الشماوي

2023 / 9 / 14
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


الثورة : المنعرجات الكبرى و الفرص النادرة أو ... لماذا تحدّث لينين عن الحرب العالميّة الأولى بإعتبارها " مديرة مسرح " الثورة ؟ ... و لماذا قال ماو إنّه يجب أن نشكر اليابان لغزوها الصين ؟
بوب أفاكيان ، جريدة " الثورة " عدد 810 ، 10 جويلية 2023
https://revcom.us/en/bob_avakian/revolution-major-turning-points-and-rare-opportunities

لننطلق من هذا : بالمعنى الأكثر جوهريّة ، الثورات لا تأتى فقط نتيجة العمل الثوري و نضال الشيوعيّين . لماذا أصير هذا ؟ للمحاججة بأنّ ما يقوم بع الشيوعيّون لا أهمّية له ؟! لا – بداهة لا . من الأهمّية المحدّدة و الحيويّة للشيوعيّين أن يعملوا بإستمرار و يناضلوا بحيويّة و بتصميم و إبداع لكسب الجماهير الشعبيّة لرؤية الحاجة إلى أن تنخرط بنشاط في الإعداد و تاليا في إنجاز الإطاحة بالنظام الإضطهادي ، لأجل إنشاء نظام مختلف راديكاليّا و تحريريّا . ( و بوضوح الثورات لا تأتى نتيجة إنجاز الثوريّين شيئا آخر عدا العمل و النضال الثوريّين الثابتين . )
لكن الثورات لا تحدث في خطّ مستقيم – و من الحيويّ إستيعاب و العمل بشكل حاسم في علاقة بهذه الأزمان النادرة حيث التغيّر العميق و النوعي في الوضع يفتح إمكانيّة تقدّم كبير للثورة ، ربّما حتّى إمكانيّة المضيّ بالأشياء تماما نحو الإطاحة بالنظام القائم و تركيز نظم مختلف راديكاليّا و أفضل بكثير .
و هذه الإمكانيّة قد لا تكون و عامة لا تكون ظاهرة فورا ، و بالعكس ما يشاهد بأكثر سهولة على السطح هو الطريقة التي بها ، على المدى القصير ، يزداد الوضع سوءا .
النقطة هي أنّ كلّ هذا لا يمكن إلاّ أن يُستوعب بطريقة صحيحة و يتمّ الإشتغال عليه بمنهج و مقاربة علميّين صريحين.
و أحد أهمّ الأشياء التي يوضّحها مثل هذا المنهج و هذه المقاربة العلميّين هو التالي : الثورات تصبح ممكنة بالمعنى الأكثر جوهريذة نتيجة إحتدام تناقضات النظام الإضطهادي ، مؤدّية إلى منعرجات حيويّة و موفّرة فرصا نادرة للتقدّم الثوري الكبير ، حتّى فعلا فسح المجال لظفر الثورة . و آفاق الثورة ترتهن إلى درجة كبيرة بما إذا كانت القوى الواعية لهذه الثورة لا تنجز عملا و نضالا ثوريّا ثابتا فحسب بل بالأخصّ بما إذا كانت تقرّ – و على هذا ألساس تعمل بجسارة و تصميم مستندين إلى العلم كي تستغلّ تمام الإستغلال الوضع – هذه المنعرجات الحيويّة و الفرص النادرة جدّا .
طبعا ، دور الشيوعيّين ليس إنتظار بسلبيّة لمثل هذه المنعرجات الحيويّة و الفرص النادرة . بالعكس – و هذه نقطة توجّه أساسيّة في الشيوعيّة الجديدة التي تقدّمت بها – يجب على الشيوعيّين أن يعملوا بإستمرار لتحقيق أقصى التطوذر بإتّجاه مراكة القوى من أجل الثورة التي نحتاج إليها : تطبيق مقاربة التسريع بينما ننتظر الظروف الضروريّة التي تجعل من الممكن المضيّ تماما للنضال من أجل الثورة ، بفرصة حقيقيّة للنصر . و تاليا عندما تنشأ الظروف الضروريّة ن من الأهمّية الحيويّة التحرّك بشكل حيويّ – لقيادة الجماهير الشعبية بملايينها من أجل إفتكاك السلطة .
بمجرّد مواصلة القيام بالعمل " الروتيني " باسم الثورة ، فاقدين عمليّا أيّ توجّه ثوريّ و إحساس بالوضع الإستعجالي – " قرع الأجراس " بخلود ، مثل القساوسة في الكنيسة ، مع عدم إيلاء الإنتباه للتطوّرات الأشمل في العالم ، و بوجه خاص الطريقة التي بها تغدو التناقضات الأساسيّة للنظام الحاكم أحدّ منه أثناء " الأزمة العاديّة " – سيُفضى ذلك إلى الإخفاق في إدراك الإمكانيّات التي يفتحها ذلك بالنسبة للتقدّم بالثورة و سيؤدّى إلى التفريط في الفرصة النادرة .
إنّ الثورات المظفّرة بقيادة شيوعيّة ، أوّلا في روسيا و تاليا في الصين ، خلال النصف الأوّل من القرن الأخير ، تجسّد هذه الدروس الحيويّة ( رغم أنّ الأنظمة الإشتراكيّة التي تركّزت عبر الثورات ، أوّلا ، في روسيا / الإتّحاد السوفياتي و تاليا في الصين ، وقع في نهاية المطاف الإنقلاب عليها و تمذت إعادة تركيز الرأسماليّة في كلا البلدين ، النقاط الأساسيّة التي شدّدت عليها هنا تسلّط عليها الضوء تجارب هتين الثورتين في قيادة الجماهير الشعبيّة في افطاحة بالنظام الإضطهادي القديم و إرساء مجتمع و حكم جديدين و ثوريّين ).
روسيا : الحرب العالميّة الأولى ك " مديرة مسرح " الثورة :
بالنسبة إلى الثورة الروسيّة ، كانت الحرب العالميّة الأولى ، بداية من 1914 ، هي التي جعلت تناقضات النظام الرأسمالي – الإمبريالي عامة تحتدم كثيرا و بوجه خاص تزداد حدّتها داخل روسيا . ( كانت حربا بين قوى إمبرياليّة متنازعة من أجل موقع الهيمنة في العالم ، و بوجه خاص الهيمنة على و إستغلال الإمبراطوريّات الإستعماريّة الواسعة خاصة في أقريقيا و الشرق الأوسط و آسيا ). و مع تطوّر هذه الحرب لعدّة سنوات و تفاقم التناقضات التي أدّت إلى الحرب ، صارت القاعدة الموضوعيّة و إمكانيّة الثورة أكثر مواتاة ، رغم أنّ هذه الإمكانيّة كان يجب أن تُدرك بصلابة و يجب العمل عليها بنشاط – و إمكانيّة الإطاحة بالنظام القديم يجب إستغلالها بحيويّة ، حين ظهرت هذه الفرصة مع نهاية الحرب .
لكن تجدر ملاحظة أنّه لبعض الوقت قبل بداية الحرب العالميّة الأولى ، و تاليا خلال معظم تلك الحرب ، كان الشيوعيّون الروس ( البلاشفة ) شديدي الضعف – و قائدهم لينين و بعض الوجوه القياديّة الأخرى في المنفى ، و بيأس متعلّقين بمنتهى الظروف الصعبة ( مع بعض الرفاق يعيشون و حتّى يموتون في الشوارع ) . الوضع الصعب كان إلى درجة كبيرة نتيجة هزيمة التمرّد الثوري في روسيا في العقد السابق لبداية الحرب العالميّة الأولى و القمع الشديد الذى تبع تلك الهزيمة . في هذه الظروف ، عديد المساندين السابقين أو المتعاطفين من المثقّفين مع الثورة تبنّوا تبريرات " فلسفيّة " لإدارة ظهرهم للماركسيّة و أكثر من قلّة من الناس من صفوف البلاشفة تراجعوا إلى الفرديّة المنغمسة في الملذّات . و علاوة على ذلك ، لمعظم الحرب العالميّة الأولى ، لأنّ البلاشفة إتّخذوا و حافظوا على الموقف المبدئي لرفض دعم طبقتهم الحاكمة الإمبرياليّة فىتلك الحرب – بينما فضحوا و ندّدوا بالحرب عامة كان خاصة في بداية الحرب منجرّ وراء الحماس الوطني لدعم إنخراط روسيا في الحرب .
لكن مع تطوّر الحرب ، و مع مواصلة الطبقة الحاكمة الروسيّة الإنخراط بنشاط في هذه الحرب التي كانت تتسبّب في خسائر ضخمة لفيالق روسيا و في عذابات رهيبة للجماهير الشعبيّة في روسيا ، إستطاع البلاشفة أن يكسبوا بصفة متصاعدة أعدادا متنامية من الناس و تنظيمهم في قوّة ثوريّة قويّة – بما في ذلك قسم من القوّات المسلّحة الحكوميّة الذى إلتحق بجانب الثورة – و في الجزء الأخير من سنة 1917 نجحت هذه القوّة الثوريّة في إفتكاك السلطة مع تواصل إحتداد التناقضات ، و بصفة واسعة نتيجة تواصل الحرب و الطريقة التي كانت تكثّف التناقضات الكامنة للنظام الرأسمالي – الإمبريالي .
هذا ما عناه لينين عندما قال إنّ هذه الحرب بكل دمارها الكبير و عذاباتها الرهيبة ،كانت " مديرة مسرح " الثورة . لكن هذا لم يحدث " آليّا " جرّاء تصاعد فظاعات الحرب . لم تكن لتوجد ثورة في روسيا حينها لو لم يحافظ البلاشفة بقيادة لينين قبل كلّ شيء على موقف مبدئيّ في معارضة الحرب – ماضين ضد التيّار القويّ للحماس الوطني في البداية و لجزء لا بأس به من الحرب . و علاوة على ذلك ، لم تكن لتوجد ثورة 1917 لو لم يوفّر لينين القيادة الحيويّة في القيام بتحليل علميّ للطرق التي بها قد شدّدت هذه الحرب إلى درجة كبيرة من تناقضات النظام الرأسمالي – الإمبريالي ، عامة و بصفة حاد بشكل خاص في روسيا – أو لو أخفق البلاشفة في تطبيق هذا التحليل و إستغلال الوضع النادر مع نهاية الحرب عندما ، كما وضع ذلك لينين ، سنوات و حتّى عقود من " الأزمنة العاديّة " تصبح مكثّفة في أشهر أو حتّى أسابيع من التناقضات المحتدّة و التطوّرات المتسارعة .
الثورة الصينيّة و الغزو الياباني و إحتلال الصين :
أواخر عشرينات القرن العشرين ، عقب قتل عدد كبير من الشيوعيّين الصينيّين على يد القوى الرجعيّة و على رأسها تشان كاي تشاك في المناكق المدينيّة الصينيّة ، قاد ماو تسى تونغ إنجاز قفزة حيويّة في الثورة الصينيّة : قاد قوّة من الثوريّين ،منتدبين خاصة من الفئات اليائسة من الشباب الصينيّ ، للتراجع إلى جبال نائية و شنّ نضال مسلّح – حرب الشعب – ضد الحكومات الإضطهاديّة و المجرمة و على رأسها تشان كاي تشاك ( يدعمه الإمبرياليّون "الغربيّون " بمن فيهم الأمريكيّون). و لعدّة سنوات ، نجحت حرب الشعب في تركيز و توسيع مناطق الإرتكاز الثوريّة في الريف الصينيّ و في إلحاق الهزيمة بمحاولات متتالية لقوى الثورة المضادة لقمع و القضاء على قواعد الإرتكاز هذه و القوى الثوريّة التي تقودها . لكن ، في النهاية ، في أواسط ثلاثينات القرن العشرين ، تبنّت حكومة تشان كاي تشاك إسترتيجيا و تكتيك عسكريّ جديد نجح في إجبار الثوريّين على التخلّى عن قواعد الإرتكاز و الإنطلاق في ما بات معروفا بالمسيرة الكبرى ، لآلاف الأميال منتهين إلى تركيز منطقة إرتكاز جديدة في يانان في داخل الصين .
و بصفة خاصة مع إنتصار الثورة الصينيّة في نهاية المطاف – مع الهزيمة النهائيّة لقوات تشان كاي تشاك و تركيز السلطة السياسيّة الثوريّة عبر البلاد سنة 1949- أضحت المسيرة الكبرى تُعتبر مكسبا ثوريّا عظيما و كانت كذلك . لكن كذلك هو حال أنّه بالرغم من كون هذه المسيرة الكبرى لم تتمكّن من تحقيق مرحلة جديدة و حيويّة في الثورة الصينيّة ، فإنّ الغالبيّة العظمى من القوى الثوريّة التي أنجزت هذه المسيرة الكبرى – وهي تعدّ عشرات و عشرات الآلاف – لقيت حتفها إبّانها . و كان من الممكن تماما أنّ أعدادا كبيرة من المقاتلين الثوريّين و أيضا الثورة نفسها كان من الممكن أن تتعرّض إلى الإغتيال – على الأقلّ لفترة زمنيّة كاملة – نتيجة الإضطرار إلى التخلّى عن مناطق الإرتكاز الأصليّة و إنجاز مسيرة كبرى شاقة . و كما تبيّن ، حتّى مع الخسائر الكبرى ، بقيت قوّة لها دلالتها على قيد الحياة إثر المسيرة الكبرى ، و هذه القوّة – بعد خوضها عدة معارك و تجاوز عدّة مشاق – صُهرت أكثر و صارت أقوى . و بالتالى ، نتيجة غزو الإمبرياليّة اليابانيّة و إحتلالها جزاء كبرى من الصين ، بات من الضروريّ و الممكن توحيد أقسام واسعة من الشعب الصينيّ في معارضة هذا الغزو و هذا الاحتلال . و أرست الحاجة إلى أوسع مقاوة ممكنة ضد الاحتلال الياباني و كذلك الموقف الضعيف الذى بلغته حكومة تشان كاي تشاك بفعل هذا الاحتلال ، أرست كلاّ من ضرورة و قاعدة الدخول في جبهة متّحدة مع حكومة تشان كاي تشاك لقتال الغزاة اليابانيّين . ( جرّاء " الواقع على الرض " أُجبر تشان كاي تشاك على الموافقة على هذه الجبهة المتّحدة ، رغم أنّه أثناء حرب المقاومة ضد اليابان ، واصل محاولاته كنس القوّات التي يقودها الشيوعيذون ، بينما كان يتخلّى على المزيد و المزيد من الأراضي لليابانيّين ).
و نتيجة كلّ هذا كانت أنّ أثناء الحرب العالميّة الثانية – التي إندلعت في 1939 و إنتهت في نهاية المطاف في 1945 بهزيمة اليابان و حلفائها و منهم ألمانيا النازيّة – نمت القوّات الثوريّة في الصين بقيادة ماو عددا و قوّة ؛ و بعد فاصل قصير نسبيا من محاولات المفاوضات و فشلها مع تشان كاي تشاك ، و بواسطة حرب الشعب لمدّة سنوات ثلاث نجحت الثورة في إلحاق الهزيمة الشاملة بالقوّات الرجعيّة للنظام القديم سنة 1949، مفتكّة السلطة عبر الأراضي القاريّة و أجبرت تشان كاي تشاك على الفرار إلى جزيرة تايوان .
و مثلما كان الحال مع الحرب العالميّة الأولى ، هذه الحرب العالميّة الثانيّة بما فيها إحتلال اليابان للصين و حرب المقاومة المخاضة ضد هذا الاحتلال و التي لعبت فيها القوّات الثوريّة بقيادة ماو دورا حاسما – أفرز تغييرا كبيرا في ميزان القوى داخل الصين بإتّجاه أكثر مواتاة للثورة ؛ و قد أعدّ هذا الكثير من الأرضيّة للقتال من أجل الإنتصار النهائيّ للثورة سنة 1949 . و بمعنى واقعي ، مثّل الغزو الياباني و إحتلال الصين نوعا من " نقطة الإرتكاز " الناقلة لمسار النضال الثوري و الموفّرة للقاعدة الموضوعيّة للتقدّم الحاسم للثورة ، عقب التراجع المدمّر ( الحاجة إلى التخلّى عن قواعد الإرتكاز الأوّلية للثورة ) ما جعل المسيرة الكبرى ضروريّة ، ليس بمكاسبها الحقيقية فحسب بل كذلك بخسائرها الكبرى .
هذا ما عناه ماو عندما قال إنّه يجب شكر اليابان لغزوها الصين . بداهة ، ما كان ما غير واعي أو غير معنيّ بالفظاعات الرهيبة التي فرضها الاحتلال الياباني على الشعب الصينيّ . نقطته كانت أنّ الغزو و الاحتلال اليابانيّين ، إلى جانب كلّ الدمار و العذابات التي جلبها لمئات الملايين من الشعب الصينيّ و الأمّة الصينيّة ككلّ ، إنتهى إلى المساهمة و بطريقة كبيرة في الإنتصار في نهاية المطاف للثورة الصينيّة ، و معها إمكانية إجتثاث الأسباب الأساسيّة و العام للإستغلال و الإضطهاد الفظيعين الذين تعرّضت لهما جماهير الشعب الصينيّ ليس لسنوات و عقود فحسب بل لقرون و آلاف السنوات .
موقف ماو الساخر – يجب أن نشكر اليابان لغزوها الصين – يعكس واقع أنّ غزو الصين و إحتلالها من قبل الإمبرياليّة اليابانيّة إنتهى إلى المساهمة بطريقة كبيرة في نجاح الثورة الصينيّة . لكن هذه الثورة لم تكن تستطيع النجاح إذا كان الذين يقودونها ، و بوجه خاص ماو ، لم يدركوا و لم يتصرّفوا وفق الظروف الموضوعيّة المتغيّرة الناشئة عن عزو اليابان و إحتلالها الصين ، لا سيما مع حدوث هذافى الإطار العام للحرب العالميّة الثانية – و تاليا الظروف المتغيّرة نوعيّا مجدّدا ، داخل الصين و في العالم ككلّ ، مع نهاية الحرب العالميّة الثانية حيث هُزمت اليابان و وُضع حدّ لإحتلالها الصين .
دروس حيويّة لهذا الزمن النادر حيث أصبحت الثورة ممكنة أكثر :
طبعا ، ما من أحد بوسعه ان يقول بصفة مؤكّدة أنّ الثورة الصينيّة لم تكن في نهاية المطاف لتنجح حتّى و إن لم تغزو اليابان الصين ( أو أنّه لم تكن لتوجد أبدا ثورة بقيادة شيوعيّة في روسيا دون الحرب العالميّة الأولى ) . و مثلما قد شدّد ماو كذلك ، الماركسيّون ليسوا من قارئي البخت ، الماركسيّة – الشيوعيّة تتطوّر بإستمرار كعلم و تنطلق من أساس تحليل الواقع الموضوعي المتغيّر بلا توقّف .
المسألة ، مرّة أخرى ، هي أنّ الثورات لا تتطوّر في خطّ مستقيم ، بل عبر عديد المنعرجات و الإلتواءات بما فيها تراجعات و هزائم ، و أحيانا تراجعات و هزائم جدّية ، في المسار . و تنسجم السيرورة الفعليّة مع موقف آخر لماو ينسحب حتّى على ثورة مظفّرة – أنّ الأمر يتعلّق بالقتال و الفشل بشكل متكرّر إلى تحقيق النصر في نهاية المطاف . و على طول المسار ، هناك حاجة إلى تطبيق المنهج و المقاربة العلميّين للتعلّم ليس فقط من الخطوات المقطوعة إلى الأمام و من ما يتبيّن أنّه سياسات صحيحة و إنّما كذلك من الأخطاء و الصعوبات و التراجعات و الهزائم و القيام بإستمرار بتحليل علميّ للوضع المتغيّر بإستمرار ، و تشخيص و إغتنام الإنفتاحات للتقدّم خاصة في أوضاع حيث توجد تغيّرات عميقة و نوعيّة في الوضع الموضوعي موفّرة إمكانيّة تقدّم كبير ، و ربّما حتّى إنتصار الثورة .
و من خلال تطبيق هذا المنهج و هذه المقاربة العلميّين ، يمكن أن يكون و قد كان مركّزا بصلابة أنّ هناك أساس و إمكانيّة – ليس تأكيد أو " حتميّة " بل قاعدة و إمكانيّة عمليّين – لثورة تهدف إلى تحقيق عالم شيوعي و في نهاية المطاف تحٌّق الظفر . و حتّى بينما اليوم الظروف في الولايات المتّحدة و العالم مختلفة جدّا عن ما كانت عليه خلال مختلف مراحل اثورة الصينيّة ، في الجزء الأوّل من القرن الفارط ، أو الثورة الروسيّة في 1917 – و الثورة في هذه البلاد بديهيا لن تكون و لا يمكن أن تكون نوعا من " النسخ " لواحدة من هتين الثورتين – لا سيما في هذه الأوقات المضطربة الآن ، إمكانيّة ثورة فعليّة حقيقيّة ، أجل تماما في هذه الولايات المتّحدة الأمريكيّة الإمبرياليّة القويّة . إلاّ أنّ هذه الإمكانيّة لا يمكن إدراكها دون المنهج و المقاربة الشيوعيّين ، كما جرى تطويرهما مع الشيوعيّة الجديدة . و لا يمكن أن تنشأ ثورة و لن تنشأ دون تطبيق هذا المنهج و هذه المقاربة للقيام بإستمرار و العمل إنطلاقا من تقييم علميّ للواقع الموضوعي المتغيّر بلا هوادة و الآن بسرعة – بما في ذلك التحدّات المهيبة و الصعوبات المغيظة ، لكن التطوّر الأكثر جوهريّة لتناقضات النظام الرأسمالي – الإمبريالي و تبعات ذلك ، على الصعيد العالمي و أيضا ضمن هذا البلد عينه .
و هذه المقاربة العلميّة حيويّة بالخصوص في هذه الأوقات عندما تكون تناقضات هذا النظام تتغيّر بشكل كبير – و فوق كلذ شيء ، هذه الأزمنة النادرة حيث ، كما أشار لينين ، سنوات و عقود من " الأوقات العاديّة ط تتكثّف في أشهر و أسابيع ، حيث التناقضات تحتدم بصفة متكرّرة و تتسارع التغيّرات مصعّدة من أفق كارثة كبرى بالنسبة للإنسانيّة و أيضا إمكانيّة إنتزاع مستقبل مختلف راديكاليّا و أفضل ، عبر الثورة .
هذا زمن الأزمة النادرة :
لماذا ؟ مثلما جرى شرح ذلك في " التنظيم من أجل ثورة فعليّة : سبع نقاط مفاتيح " :
" تفوّق البيض العنيف و الإجراميّ و التفوّق الذكوريّ و علاقات إضطهاديّة أخرى و تعمّق الأزمة في المجتمع و العالم ككلّ بما في ذلك الحروب المستمرّة و تواصل تحطيم البيئة : كلّ هذا لا يمكن في نهاية المطاف معالجته بأية طريقة إيجابيّة في إطار النظام الذى يحكم في هذه البلاد و يهيمن على العالم ككلّ – النظام الرأسمالي – الإمبريالي . في ظلّ حكم هذا النظام ، لن يفعل كلّ هذا إلاّ أن يزداد سوء . فتعمّق الإنقسامات داخل هذه البلاد الآن من القمّة إلى القاع يعنى أنّ الذين حكموا هذه البلاد لمدّة طويلة ( الطبقة الرأسماليّة – الإمبرياليّة ) لم يعودوا قادرين على الحكم ك " قوّة موحّدة " بالطرق " العاديّة " التي إعتاد الناس على القبول بها – بنظام حكم له قناع خارجي " ديمقراطي " لتغطية واقع أنّه عمليّا دكتاتوريّة رأسماليّة تعتمد في جوهرها أساسا على القوّة المسلّحة لمؤسّسات " العنف الشرعيّ" ، الشرطة و الجيش . و نتيجة تغيّرات كبرى في هذه البلاد و في العالمك ككلّ ، صار جزء من الطبقة الحاكمة ممثّل في الحزب الجمهوريّ فاشيّا : إنّهم لم يعودوا يؤمنون أو يشعرون بالإضطرار إلى القبول بما كانت " ضوابط " " ديمقراطيّة " الحكم الرأسمالي في هذه البلاد . و قسم آخر من الطبقة الحاكمة ممثّل بالحزب الديمقراطي ، لا إجابة لديه حقيقيّة عن هذا – بإستثناء محاولة الحفاظ على " الطريقة العاديّة " التي فرضها الحكم الإضطهادي لهذا النظام طوال قرون بينما الفاشيّون مصمّمون على تمزيق هذه " الضوابط " و الحكم عبر وسائل إضطهاديّة عدوانيّة أكثر سفورا ؛ دون القناع التقليدي للمفترضة " ديمقراطيّة للجميع " .
الأزمة و الإنقسامات العميقة في المجتمع لا يمكن إلاّ أن تعالج بوسائل راديكاليّة ، من صنف أو آخر – إمّا وسائل راديكاليّا رجعيّة و إجراميّة و إضطهاديّة و مدمّرة و إمّا وسائل راديكاليّة ثوريّة تحريريّة . و هذا الحلّ يمكن تماما أن يحدث بطريقة أو أخرى في غضون السنوات القليلة القادمة . و هذا الوضع النادر مع تعمّق و إحتدام النزاعات في صفوف السلطات الحاكمة و في المجتمع ككلّ يوفّر قاعدة أقوى و إنفتاحات أكبر لكسر قبضة هذا النظام على الجماهير الشعبيّة . في مثل هذا الوضع ، الأشياء التي ظلّت في الأساس نفسها لعقود يمكن أن تتغيّر راديكاليّا في فترة زمنيّة قصيرة . لا يجب أن نضيّع هذا الزمن النادر – يجب أن نغتنمه لتكون لدينا فرصة نضال حقيقيّة لإيجاد حلّ ثوريّ تحريريّ حقّا مع عدم التعرّض لقمع رهيب و رجعيّ و قاتل و لحلّ مدمّر . "(1)
و هذا مرّة أخرى يتطلّب بصرامة " المضيّ ضد تيّار " المشاعر العفويّة للجماهير بما فيها النزعة العنيدة لدي الكثيرين لأن يعلقوا بأخدود مهترئ من التعويل على " الطريقة التي كانت عليها الأشياء على الدوام " حتّى مع أنّ هذه " الطريقة " تتمزّق بعمق و تتفتّت جراء إشتداد و حتّى إمكانيّة وجوديّة ل" الزلازل " التي تنفجر في هذه البلاد و العالم ككلّ و كما شدّدت على ذلك قبلا ، الناس – الجماهير الشعبيّة في مختلف أنحاء المجتمع – تحتاج إلى إيقاظها بقوّة من خلال نضال حاد و أحيانا شرسا لجعلها تواجه ذات الفظائع الحقيقيّة جدّا المتشكّلة في الأفق القريب و أيضا الإمكانيّة الحقيقية لطريق ثوريّ إلى الأمام للخروج من براثن هذا الجنون . و هذا يعنى القطيعة مع العلاقات السائدة و طُرق تفكير هذا النظام الفاسد الرأسمالي – الإمبريالي بما فيه أحابيل الرمال المتحرّكة للإنتخابات و الإختيار بين الممثّلين الديمقراطيّين و الجمهوريّين من الطبقة الحاكمة لهذا النظام .
و التالي الذى كتبته قبل سنوات الآن قد شدّد بقدر كبير المعنى الإستعجالي اليوم :
" بالفعل إذا و متى تبلغ النزاعات بين مختلف فئات الطبقة الحاكمة نقطة حيث تبدأ في إتّخاذ أبعاد عدائيّة هي نفسها ، يكون ذلك علامة على التصدّعات و التشقّقات العميقة و الحادة منتهى العمق و الحدّة في كامل النظام القائم ؛ و مثل هذا الوضع يجب أن يغتمنه المضطهَدون ليس للوقوف إلى جانب فئة من البرجوازيّة ضد فئة أخرى – و هكذا يساعدون الطبقة الحاكمة على " إصلاح " النظا القديم المتصدّع و على تعزيز دكتاتوريّتها ، بشكل أو آخر – و إنّما بدلا من ذلك ، للنهوض في نضال ثوري للإطاحة بحكم البرجوازيّة برمّته " (2)
الجماهير الشعبيّة : كلّ الذين يعانون بصفة فظيعة جدّا في " الأوقات العاديّة " من العيش في ظلّ حكم هذا النظام الرأسمالي – الإمبريالي . كلّ الذين يتطلّعون إلى عالم أعدل و مستقبل يستحقّ الحياة فيه ، لكن مستقبلهم سيكون شيئا فظيعا حقّا إذا ما وقع السماح للأشياء بالتواصل في الإطار الذى رسمه هذا النظام ... الجماهير الشعبيّة ، بأعداد نامية بإستمرار ، يجب أن تعي معنى و تبعات هذا الزمن النادر بما في ذلك عبر النضال الشرس بقدر ما هو ضروري لكسبها لرفع أنظارها و التعرّف ليس على ضرورة و لكن أيضا على إمكانيّة إغتنام هذا الزمن النادر للقيام بالثورة و إنتزاع شيء يكون إيجابيّا حقّا ، أجل شيئا تحيريّا حقّا ، من هذا الزمن النادر .
الهوامش :

1. Organizing for an Actual Revolution: 7 Key Points is available at revcom.us. A fuller analysis of why this is a rare time when revolution becomes more possible, even in a powerful imperialist country like the U.S., is contained in the major work by Bob Avakian Something Terrible,´-or-Something Truly Emancipating: Profound Crisis, Deepening Divisions, The Looming Possibility Of Civil War—And The Revolution That Is Urgently Needed, A Necessary Foundation, A Basic Roadmap For This Revolution, which is also available at revcom.us.
2. This statement by Bob Avakian is from his book Democracy: Can’t We Do Better Than That? (published by Banner Press, 1986) emphasis added.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ا?ستاذ بجامعة سان فرانسيسكو: معظم المتظاهرين في الجامعات الا


.. هل وبخ روبرت دينيرو متظاهرين داعمين لفلسطين؟ • فرانس 24 / FR




.. عبد السلام العسال عضو اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي


.. عبد الله اغميمط الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم التوجه




.. الاعتداء على أحد المتظاهرين خلال فض اعتصام كاليفورنيا في أمر