الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يبدو أن مؤسسة الجريمة المنظمة الحاكمة في اسرائيل، كأخلاقها، لا تتغيّر - سنيه والأخلاق

هشام نفاع

2006 / 11 / 10
القضية الفلسطينية


حين كانت بيت حانون تشيّع قتلاها وتجزع على جرحاها، كان نائب وزير الحرب، د. افرايم سنيه، منشغلا بمسائل في باب الأخلاق. لا، بالمرّة، فهو لم يقِس بأي معيار معهود ومفترض، مدى أخلاقية ما نقلته الكاميرات أمامه في الاستوديو، ممّا أوقعه جيشه بالمدينة المنكوبة، بالأحرى المذبوحة. بل أشغلَ نفسه الهشّة الرقيقة بالسؤال: من يتحمّل المسؤولية الأخلاقية عما وقع؟
بادئ ذي بدء اهتمّ سنيه بالقول إن الصور مؤلمة لنا جميعًا. أنا أصدقه. أصدقه حرفيًا. فالصور هي ما يؤلمه، لكن ليس المصوَّرين من أجساد غضّة مهشّمة ومقطّعة. الصور تثير الاحراجات الدبلوماسية وهذا مؤلم له، أما الوجوه في الصور فهي مجرد مادة مصوّرة.
هنا انتقل الطبيب سنيه، الذي لا بدّ يحفظ عن ظهر قلب قسَم أبي قراط، الى الخوض في علم الأخلاق. وذهب الى الاستنتاج فورًا دون مناقشة: نحن نتحمّل المسؤولية العسكرية (ووضع راحته على صدره) ولكن، أضاف: المسؤولية الأخلاقية تقع "عليهم". لم نفهم من "هم"- أهم الضحايا، أم المقاتلين، أم حماس، أم كل الفصائل، أم كل المذكورين؟
لماذا تقع "عليهم" المسؤولية الأخلاقية؟ سنيه فسّر: نحن غادرنا غزة وتحوّلت الى وكر لإرهاب صواريخ القسّام.
لنبدأ من الآخر الى الأول: ما معنى "تركنا غزة"؟ هل يعني ذلك انتهاء احتلالها والسيطرة عليها وممارسة القتل والتدمير فيها؟ واضح أن الجواب سلبي. فما نفذه الجيش الاسرائيلي من إعادة انتشار خارج غزة وتحويلها الى غيتو محاصر، لا يعني "تركنا غزة". هذا الاستخفاف بالعقول وكأنّ اسرائيل استكملت عفّتها بإعادة الانتشار تلك، لا يسري سوى على خفيفي العقول، أو ثقيلي الدم من الاسرائيليين. هذه الديماغوغيا فاضحة لشدة انفضاحها. وأصلا، هل وعد أي فلسطيني سنيه وغيره بأنهم سيرون في إعادة انتشار الجيش، نهاية للقضية الفلسطينية؟ هل سألت اسرائيل أي فلسطيني في العالم حين قررت ما أسمته "الانسحاب من طرف واحد"؟ التسمية وحدها كافية لتوضيح الأجوبة.
إذن هذا الهراء اللئيم قد يتسوّق جيدًا في مجتمع مريض كالمجتمع الاسرائيلي، لكنه سيظل هراءً لكلّ من لم تصرع عقيدة القوّة والبطش أخلاقه وضميره.
نعود الى تقسيمة المسؤوليات: اسرائيل تتحمل المسؤولية العسكرية، بينما تلك الأخلاقية منها ملقاة "عليهم". حسنًا، سعادة نائب الوزير يريد إفهامنا أن الأخلاق شيء والفعل شيء. فهو يقيم جدارًا فاصلا بينهما مسبقًا. هناك نتيجة تتمثّل بقتل وتقطيع أطراف وجرح مدنيين معظمهم أطفال. كيف جرى هذا؟ بفعل قصف بقاذفات المدفعية في قلب حي سكنيّ. سنيه صريح، وهو يأخذ المسؤولية العسكرية على هذا. ولكن أين تتفاعل المسؤولية الأخلاقية بالضبط؟ أين يعيش هذا المخلوق بالضبط؟ كيف يمكن فصل المسؤولية الأخلاقية على نفس الفعل الذي يعترف نائب وزير الحرب الاسرائيلي بمسؤولية فعله؟ معضلة.
هذه المسألة/المعضلة لا تختلف جوهريًا عن الألم الذي تسببه الصورة للسيد سنيه وأشكاله. فالصورة منفصلة عن شخوصها. شخوصها لا يهمّون سنيه. والدليل أن قذائف جيشه قتلتهم وقطّعت أوصالهم عبر عدم الالتفات الى مصيرهم بالمرّة ضمن "هامش خطأ" تصويب المدافع. أما الأخلاق فلا علاقة لها بالأفعال والممارسات. لأن الأخلاق محفوظة بأمر إلهي سابق للتاريخ والكون والطبيعة للجيش الأكثر أخلاقية في العالم وحده. الأخلاق هي صفة مولودة حصرية غير قابلة للتغيير والتبديل يملكها الصهاينة دون غيرهم. وحتى لو قتلت قذائفهم أطفالا وهم نيام في بيت حانون، فلن تسقط أية شعرة أخلاق من الجيش القاتل. المسؤولية الأخلاقية تظلّ على عاتق المقتول. ماذا قالت غولدا مئير مرّة: لن أسامح الفلسطينيين لأنهم يضطروننا الى قتلهم..
يبدو أن مؤسسة الجريمة المنظمة الحاكمة في اسرائيل، كأخلاقها، لا تتغيّر. هنا لا يعود اليأس منها مجرّد ردّة فعل متألّمة، بل أدق تحليل لما يمكن توقعه منها: لا شيء. هذه مؤسسة لا تريد سوى الحرب. هذا ما تتقنه وتدمنه. من يريد معها سلامًا عليه أن يجبرها عليه إجبارًا. بالقوّة.
المجد والخلود للضحايا الصغار والكبار في بيت حانون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبح -الحي الميت- السنوار يخيم على قراءة الإعلام الإسرائيلي ل


.. الحركة الطلابية في الجامعات : هل توجد أطراف توظف الاحتجاجات




.. جنود ماكرون أو طائرات ال F16 .. من يصل أولاً إلى أوكرانيا؟؟


.. القناة 12الإسرائيلية: إسرائيل استخدمت قطر لتعمّق الانقسام ال




.. التنين الصيني يفرد جناحيه بوجه أميركا.. وأوروبا تائهة! | #ال