الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 45

عبدالرحيم قروي

2023 / 9 / 15
الارشيف الماركسي


_ خطوط أولية لنقد الاقتصاد السياسي
فريدريك إنجلس
الحلقة الرابعة
________
يستفاد من نظريات الاقتصادي أن تكاليف إنتاج البضاعة تتألف من ثلاثة عناصر: من الريع العقاري عن قطعة الأرض الضرورية لأجل إنتاج الخدمات، من الرأسمال مع الدخل منه، ومن الأجرة لقاء العمل المطلوب لأجل الإنتاج والتصنيع. ولكن يتبين في الحال أن الرأسمال والعمل متماثلان لأن الاقتصاديين أنفسهم يعترفون بأن الرأسمال هو ""العمل المتراكم"". وهكذا لا يبقى عندنا سوى طرفين: الطرف الطبيعي، الموضوعي – الأرض، والطرف الإنساني، الذاتي – العمل الذي ينوي على الرأسمال وعلى شيء ما آخر، ثالث، عدا الرأسمال، الأمر الذي لا يخطر في بال الاقتصادي، وأقصد، فضلاً عن العنصر البدني للعمل البسيط، العنصر الروحي لقابلية الاختراع، للفكر. فما شأن الاقتصادي وروح الاختراع؟ أولم يحصل على جميع الاختراعات بدون مشاركته؟ وهل كلفه واحد منها على الأقل شيئاً ما؟ فلماذا يقلق في هذه الحال بصددها عند حساب تكاليف إنتاجه؟ إن شروط الثروة بنظره هي الأرض والرأسمال والعمل وإلى أكثر من ذلك لا يحتاج. ولا شأن له وللعلم. ورغم أن العلم قد حمل إليه الهدايا من خلال برتوله وديفي وليبيخ وواط وكارترايت وإلخ..، الهدايا التي رفعته هو نفسه وإنتاجه إلى ارتفاع لا سابق له، فما شأنه وهذا؟ فالأشياء من هذا النوع لا يستطيع أن يأخذها بالحسبان، ونجاحات العلم تتخطى حدود حساباته. ولكن في ظل نظام معقول يقف فوق تجزؤ المصالح كما هو الحال عند الاقتصاديين، سيكون العنصر الروحي، بالطبع، في عداد عناصر الإنتاج، ويجد مكانه بين تكاليف الإنتاج وفي الاقتصاد السياسي. وهنا، بالطبع، سنعرف بشعور من الارتياح أن العمل في ميدان العلم يتعوّض مادياً أيضاً، ونعرف أن ثمرة واحدة فقط من ثمار العلم، مثل آلة جيمس واط البخارية، قد جلبت للعالم في السنوات الخمسين الأولى من وجودها أكثر مما أنفق العالم منذ بادء بدء على تطوير العلم.
وهكذا نجد قيد العمل عنصري الإنتاج – الطبيعة والإنسان – ونجد الأخير، مع خواصه البدنية والروحية؛ والآن بوسعنا أن نعود إلى الاقتصادي وإلى تكاليف إنتاجه.
____________
إن كل ما يمكن احتكاره ليس له قيمة، - هكذا يقول الاقتصادي. هذه الموضوعة سندرسها فيما بعد بمزيد من التفصيل. وحين نقول: لا ثمن له، فإن هذه الموضوعة صحيحة بالنسبة لنظام قائم على الملكية الخاصة. ولو أنه كان من الممكن الحصول بسهولة على الأرض كما على الهواء، فإن أحداً لن يدفع الريع العقاري. ولكن بما أن الحال ليس هكذا، وبما أن رقعة الأرض المستأثر بها في كل حالة بعينها محدودة، فإنه يتعين دفع الريع العقاري عن الأرض المستأثر بها أي المحتكرة، أو شراؤها بثمن البيع. ولكن بعد هذا التوضيح لنشوء قيمة الأرض، من الغريب جداً أن نسمع من الاقتصادي أن الريع العقاري هو الفرق بين مدخول القطعة التي تجلب الريع، وبين أسوأ قطعة لا تعوض سوى العمل لحراثتها. ومعلوم أن التعريف للريع العقاري معروض كلياً للمرة الأولى عند ريكاردو. أغلب الظن أن هذا التعريف صحيح علمياً إذا افترضنا أن هبوط الطلب ينعكس آنياً في الريع العقاري ويستبعد من الحراثة رقعة مناسبة من أسوأ قطعة من الأرض المحروثة. ولكن الحال ليس هكذا، ولذا كان هذا التعريف غير كامل، ناهيك أنه لا يشتمل على أسباب نشوء الريع العقاري وبأنه ينبغي بالتالي أن يسقط من الحساب. وعلى نقيض هذا التعريف، عاد العقيدت. ب. تومبسون، نصير عصبة مكافحة قوانين الحبوب، إلى تعريف آدم سميث وعلله. إن الريع العقاري، حسب فهمه، هو العلاقة بين مزاحمة الذين يسعون إلى الانتفاع بالأرض وبين المساحة المحدودة من الأرض المتوفرة. هنا، على الأقل، تظهر العودة إلى مسألة نشوء الريع العقاري؛ ولكن هذا التفسير ينفي الفوارق في خصب التربة كما يغفل التعريف المذكور أعلاه المزاحمة.
وهكذا نجد أمامنا من جديد تعريفين أحاديي الجانب، وبالتالي غير محددين للشيء نفسه. وكما عند دراسة مفهوم القيمة، يتعين علينا هنا أيضاً أن نجمع هذين التعريفين لكي نجد التعريف الصحيح الذي ينبع من تطور الشيء نفسه، والذي يشمل بالتالي جميع الحالات المتواجدة في الواقع. إن الريع العقاري هو النسبة بين مردود قطعة الأرض، الجانب الطبيعي (الذي يتشكل بدوره من الخواص الطبيعية وحراثة الإنسان، العمل المبذول على تحسين قطعة الأرض) – وبين الجانب الإنساني، المزاحمة. ليهز الاقتصاديون رؤوسهم بصدد هذا ""التعريف"". فإنهم سيرون، لما فيه رعبهم، إنه ينطوي على كل ما يمت بصلة إلى الموضوع.
ولا يمكن لمالك الأرض في أي حال من الأحوال أن يلوم التاجر.
فإن مالك الأرض ينهب باحتكاره الأرض. إنه ينهب بتحويله في صالحه نمو عدد السكان الذي يزيد المزاحمة، ويزيد معها قيمة أرضه، بتحويله إلى مصدر لنفعه الشخصي ما لم يكن نتيجة لجهوده الشخصية، ما يغدو من نصيبه من باب الصدفة تماماً. إنه ينهب عندما يؤجر أرضه مستأثراً في آخر المطاف بالتحسينات التي يجريها مستأجر قطعة أرضه. وهنا يكمن سر غنى كبار ملاكي الأراضي المتعاظم على الدوام.
إن البديهيات التي تصف أسلوب كسب مالك الأرض بالنهب، أي التي تقرر على وجه الضبط أن لكل امرئ الحق في نتاج عمله، أو أنه لا يحق لأحد أن يحصد حيث لم يزرع، ليست من اختلافنا. إن البديهية الأولى تنفي واجب إطعام الأولاد، والثانية تحرم كل جيل من حق العيش، لأن كل جيل يرث ما تركه الجيل السابق. هاتان البديهيتان هما، على العكس، عاقبتان للملكية الخاصة. فمن الضروري إما تحقيق جميع العواقب الناجمة منها، وإما التخلي عنها كما عن المقدمة.
وحتى الاستئثار الأولي بالأرض يتبرر بالزعم أن الحق في الحياة العامة كان موجوداً من قبل؛ ولذا تسوقنا الملكية الخاصة إلى التناقضات، أياً كانت الجهة التي نتجه إليها.
إن جعل الأرض التي تشكل بالنسبة لنا كل شيء، التي هي الشرط الأول لعيشنا، موضع متاجرة، قد كان الخطوة الأخيرة في المتاجرة بأنفسنا، وقد كان ولا يزال حتى أيامنا عملاً لاأخلاقياً لا تتفوق عليه غير لاأخلاقية المتاجرة بالنفس. ولكن الاستئثار الأولي بالأرض، احتكارها من قبل عدد قليل من الأفراد، حرمان جميع الآخرين من الشرط الأساسي لعيشهم، لا يقل البتة من حيث اللاأخلاقية عن المتاجرة بالأرض.
وإذا استبعدنا الملكية الخاصة هنا أيضاً، فإن الريع العقاري يقتصر على حقيقته، على الراي المعقول الذي يكمن من حيث الجوهر في أساسه. وفي هذه الحال تعود قيمة الأرض، المفصولة عن الأرض بصورة الريع، إلى الأرض بالذات. وهذه القيمة التي تقاس بالقدرة الإنتاجية للمساحات المتساوية في حال تساوي كمية العمل المبذول فيها، إنما يجب بالفعل أخذها بالحسبان عند تعريف قيمة المنتوجات بوصفها قسماً من تكاليف الإنتاج، كما أنها، مثل الريع العقاري، عبارة عن النسبة بين القدرة الإنتاجية والمزاحمة، ولكن بالمزاحمة الحقيقية، بتلك المزاحمة التي ستتطور في حينها.
__________
لقد رأينا أن الرأسمال والعمل هما متماثلان منذ بادئ بدء؛ وسنرى فيما بعد من محاكمات الاقتصادي نفسه أن الرأسمال، نتيجة العمل، يصبح حالاً من جديد، في سياق الإنتاج، أساس العمل، مادة العمل؛ وأن فصل الرأسمال عن العمل، المحقق للحظة، يقضى عليه بالتالي حالاً من جديد في وحدتهما؛ ومع ذلك، يفصل الاقتصادي الرأسمال عن العمل، ومع ذلك يتمسك بشدة بهذا التشعب إلى شعبتين، غير معترف بوحدتهما إلا بصورة تعريف الرأسمال: ""العمل المتراكم"". إن القطيعة بين الرأسمال والعمل، النابعة من الملكية الخاصة، ليست غير تشعب العمل إلى شعبتين في نفسه بالذات، هذا التشعب المناسب لحالة التشعب الأولى والنابع منها. وبعد تحقيق هذا الفصل، ينقسم الرأسمال من جديد إلى رأسمال أولي وإلى ربح، إلى زيادة في الرأسمال يحققها الرأسمال في سياق الإنتاج، رغم أن الممارسة تضم حالاً من جديد هذا الربح إلى الرأسمال وتدخله معه في التداول. ثم إن الربح نفسه ينشطر بدوره إلى فائدة مئوية وربح صافٍ. وفي الفائدة المئوية تبلغ لامعقولية هذه الانشطارات الحد الأقصى. ولكن لاأخلاقية المراباة، لاأخلاقية الحصول على دخل بدون بذل العمل لمجرد منح قرض، جلية للعيان – رغم أن جذورها تكمن في الملكية الخاصة – واكتشفها من زمان بعيد الوعي الشعبي غير المتحيز الذي يكون عادة على حق الأمور من هذا النوع. وجميع هذه الانشطارات والانقسامات الدقيقة تنجم من الفصل الأولي للرأسمال عن العمل، ومن انشقاق البشرية الذي ينجز هذا الفصل إلى رأسماليين وعمال، الانشقاق الذي يتفاقم يوماً بعد يوم، ولا بد له، كما سنرى، أن يشتد على الدوام. ولكن هذا الفصل بين الرأسمال، والعمل، مثله مثل فصل الأرض عن الرأسمال والعمل، الذي درسناه أعلاه، يتبين في آخر المطاف أمراً ما غير ممكن. ولا يمكن في أي حال من الأحوال تحديد النصيب الذي يعود إلى كل من الأرض والرأسمال والعمل في هذا المنتوج المعين أو ذاك. فإن هذه المقادير الثلاثة غير متساوية القياس. إن الأرض تخلق المادة الخام، ولكن ليس بدون الرأسمال والعمل. والرأسمال يفترض وجود الأرض والعمل، والعمل يفترض على الأقل وجود الأرض كما يفترض، بقدر أكبر، وجود الرأسمال. ووظائف هذه العناصر الثلاثة مختلفة تماماً ولا يمكن قياسها بمقياس مشترك رابع ما. ولذا، حين يتعين في ظل العلاقات الحالية تقسيم الدخل بين هذه العناصر الثلاثة، فمن المستحيل أن نجد من أجلها أي مقياس ملازم لها داخلياً؛ ويبت في الأمر مقياس غريب تماماً، صدفي، بالنسبة لها: المزاحمة أو الحق المتأنق العائد للقوي. إن الريع العقاري ينطوي على المزاحمة؛ وربح الرأسمال لا يقرره غير المزاحمة؛ أما حال الأجرة، فإننا سنراه الآن.
وما أن نستبعد الملكية الخاصة حتى تسقط من الحساب جميع هذه الانشطارات المنافية للطبيعة، يسقط من الحساب الفرق بين الفائدة والربح؛ الرأسمال لا شيء بدون العمل، بدون الحركة. وتتلخص أهمية الربح في أهمية ذلك الثقل الذي يضعه الرأسمال في كفة الميزان عند تحديد نفقات الإنتاج؛ وهذا الربح سيكون ملازماً للرأسمال بنفس القدر الذي سيعود به إلى الوحدة الأولية بين الرأسمال والعمل.
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مواجهات بين الشرطة ومتظاهرين في باريس خلال عيد العمال.. وفلس


.. على خلفية احتجاجات داعمة لفلسطين.. مواجهات بين الشرطة وطلاب




.. الاحتجاجات ضد -القانون الروسي-.. بوريل ينتقد عنف الشرطة ضد ا


.. قصة مبنى هاميلتون التاريخي الذي سيطر عليه الطلبة المحتجون في




.. الشرطة تمنع متظاهرين من الوصول إلى تقسيم في تركيا.. ما القصة