الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إفريقيا-أوروبا: حلم الربط القاري الثابت

أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)

2023 / 9 / 16
السياسة والعلاقات الدولية


الترجمة:
تبدو براعة التكنولوجيا الحديثة أكثر استعدادا من أي وقت مضى لمواجهة التحدي الهائل المتمثل في إعادة الربط الفعلي بين قارتين، بعد أن انفصلتا إثر كارثة عصور ما قبل التاريخ قبل 5.3 مليون سنة. ويثير هذا المشروع، الذي تصوره الراحل الحسن الثاني وخوان كارلوس الأول، اهتماما متجددا من إسبانيا والاتحاد الأوروبي بعد سنوات من السبات. هنا وقفة عند المشروع العملاق للنفق تحت مضيق جبل طارق الذي سيعيد تشكيل مستقبل العلاقة بين الشمال والجنوب.
تم يوم الاثنين 3 مارس 1986 إرسال فريق من الإذاعة والتلفزة المغربية بشكل عاجل إلى طنجة لإعداد تقرير بمناسبة عيد العرش. صحفيون وتقنيون تفقدوا موقع حفر بئر ضمن مشروع الربط القاري الثابت بين المغرب وإسبانيا. وجب أن يكون التقرير جاهزا للبث في ذلك المساء. واستقبل المغفور له الحسن الثاني العاهل الإسباني في اليوم الموالي بمراكش بمناسبة عيد العرش.
أثار هذا المشروع الذي أراده الملكان حماسة الدول الواقعة على ضفتي البحر الأبيض المتوسط. بعد مرور 43 عاماً على إطلاقه، يبدو أن مشروع الربط القاري الثابت بين ضفتي مضيق جبل طارق لا يزال معلقاً.
بدأ هذا المشروع في عام 1979 من قبل الراحل الحسن الثاني وخوان كارلوس الأول، واستمر في التعثر بسبب عدم اليقين بشأن جدواه. وفي يونيو 1979، أعرب الملكان عن رغبتهما المتبادلة في إقامة ربط قاري ثابت يعزز الروابط بين أفريقيا وأوروبا. وقد تجسدت هذه الرغبة بعد عام من التوقيع على اتفاقية تعاون ثنائية يوم 24 أكتوبر 1980، تلتها اتفاقية إضافية في 29 يوليوز 1989، وقعتها الحكومتان المغربية والإسبانية. وأنشأت هذه الاتفاقيات لجنة حكومية دولية مشتركة وشركتين للدراسة: الجمعية الوطنية لدراسات مضيق جبل طارق في المغرب والجمعية الإسبانية لدراسات الاتصالات الثابتة عبر مضيق جبل طارق في إسبانيا.
- فرضيات
الطريق الأكثر احتمالا هو ربط بونتا بالوما (طريفة) بمالاباتا (طنجة). فكر الإسبان في البداية في إنشاء جسر معلق، قبل التركيز على نفق بأربعة مسارات للمركبات، وأخيرا الاحتفاظ بخيار نفق السكك الحديدية. شاركت العديد من الشركات المتخصصة في الأعمال التمهيدية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين مثل لومباردي وجيو داتا مع التنقيب في الجانب المغربي. وتتصور الخطط الجديدة عبور السكك الحديدية لمسافة 28 كيلومتر من المضيق في 30 دقيقة فقط، وفقا لأنجيليس ألاستروي، الرئيس التنفيذي للجمعية الإسبانية لدراسات الاتصالات الثابتة عبر مضيق جبل طارق . تشير المعلومات التي قدمها الاستروي إلى إمكانية وجود نفقين للسكك الحديدية يصل عمقهما الأقصى إلى 300 متر. أقصر طريق بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط هو 14 كيلومترا، لكن تبين أنه الأعمق أيضا حيث يبلغ عمقه 900 متر. وقد تطلب الوصول إلى هذا الاستنتاج ما يقرب من أربعة عقود من العمل، بما في ذلك الدراسات والاستكشافات للمنطقة البحرية..
انعقد الاجتماع الأخير للجنة المغربية الإسبانية المشتركة لمشروع الربط الثابت عبر مضيق جبل طارق، في دورتها الـ43 يوم 27 يونيو الاخير. وقد أتاح هذا الاجتماع، برئاسة نزار بركة، وزير التجهيز والمياه، وراكيل سانشيز خيمينيز، وزيرة النقل والحركية والأجندة الحضرية الإسبانية، فرصة لتقييم حالة التقدم في هذا المشروع. علما أن هذه الدورة، التي نظمها الجانب الإسباني، جاءت بعد فترة طويلة منذ الدورة 42 التي عقدت سنة 2009 بطنجة. وتعقد جلسات اللجنة بالتناوب في كل دولة بموجب اتفاقيات ثنائية، مما يدل على الرغبة المشتركة في إعادة إطلاق مشروع الربط الثابت. كان الهدف الرئيسي لهذه الجلسة هو تحديد المبادئ والخطوط العريضة لخطة العمل المشتركة بين الجمعيتين المغربية والإسبانية للفترة 2023-2025.
بالنسبة للجانب المغربي، فإن الحل الأبسط والأكثر اقتصادا من وجهة نظر الهندسة المدنية لهذا المشروع العابر للقارات هو النفق. ويبلغ الطول الإجمالي للأخير 37.7 كيلومتر، منها 27.2 كيلومتر تقع تحت قاع البحر. ستتألف المرحلة الأولى من إنشاء صالة استطلاع قبل بدء أعمال الحفر لإنشاء النفق الرئيسي. وسيتضمن الأخير قسمين متميزين، أحدهما لنقل الركاب والبضائع عبر القطار فائق السرعة، والآخر لنقل السيارات. التكلفة التقديرية 60 مليار درهم. توفير الوقت لن يقدر بثمن مقارنة بالعبور عن طريق البحر. سيكون المغاربة المقيمون في الخارج سعداء.
- الصعوبات الفنية والمالية
ومن الناحية الفنية، يمثل عبور مضيق جبل طارق تحديا هائلا. إن الظروف الجيولوجية، مع قيعان البحار غير المستقرة والتيارات العنيفة، صعبة بشكل خاص. إن بناء جسر، على الرغم من تحقيق إنجازات مبهرة في أماكن أخرى من العالم، أو نفق تحت الماء على عمق 350 متراً تحت سطح البحر، يطرح مشاكل تقنية كبيرة. إضافة إلى ذلك، تتعرض المنطقة لرياح قوية، مما قد يجعل الجسر عرضة لسوء الأحوال الجوية، ناهيك عن خطر اصطدام السفن. يمثل مضيق جبل طارق، الواقع عند التقاء الصفائح التكتونية الأوروبية والأفريقية، جيولوجيا معقدة مع مناطق غير مستقرة تتكون من الطين بالإضافة إلى تيارات محيطية قوية.
يجب أن تعلم أن نوعية التربة رديئة، وتختلف تماما عن الصخور الجيرية الموجودة تحت القناة. الظروف التقنية غير مواتية بشكل خاص، وتتجاوز تلك الموجودة في معظم الأنفاق في العالم. إن العقبات ليست مستعصية على الحل، لكن مسألة الجدوى الاقتصادية للمشروع تبقى مطروحة. ويبدو أن إنشاء نفق تحت البحر هو الخيار المفضل، خاصة وأن مشاريع أخرى مماثلة، مثل نفق سيكان في اليابان، أظهرت إمكانية التغلب على العقبات التقنية. ومع ذلك، لا تزال هناك أسئلة تتعلق بالتهوية والصرف والتحديات الجيولوجية، بما في ذلك الزلازل، والتي تشكل مصدر قلق خاص في هذه المنطقة.
وبالإضافة إلى الاعتبارات التفنية، فإن الجوانب الاقتصادية والمالية للمشروع معقدة بنفس القدر. تتراوح تقديرات التكلفة الأولية بين 5 و10 مليارات أورو، لكنها تختلف بشكل كبير حسب المصادر. لكي يكون الاستثمار مربحا، ستكون هناك حاجة إلى حركة مرور كبيرة، وهو أمر غير مؤكد نظرا للظروف الاقتصادية الحالية. وسيتطلب المشروع تمويلا كبيرا، ويبقى أن يتم تحديد الكيانات التي ستكون مسؤولة عن هذا المشروع. وأعرب مصرفيون أوروبيون وعرب عن شكوكهم بشأن الجدوى المالية للمشروع، مشيرين إلى أنه قد تكون هناك حاجة إلى أموال خاصة من المغرب وإسبانيا ومنظمات دولية لتمويل دراسات الجدوى.
- مشروع عالمي
ودعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة مرارا المملكتين إلى إحياء مشروع الربط القاري الثابت. عند عرض هذا المشروع، يشير المجلس الاقتصادي والاجتماعي إلى ثلاث مراحل للتنفيذ: أولاً، حفر نفق الخدمة تحت الماء ليكون بمثابة رواق للاستطلاع، ثم بناء وتشغيل أول رواق للسكك الحديدية. وأخيرا، سيتم التخطيط لإنشاء رواق السكة الحديد الثاني وفقًا لتطور حركة المرور في النفق الأول. قبل عشر سنوات، تحدث المجلس الاقتصادي والاجتماعي عن احتمال بدء الأشغال في عام 2025. ولا بد من القول إن الأمم المتحدة ترى أن هذا المشروع يمكن أن يعزز إمكانات التنمية في أوروبا وإفريقيا، وتحويله إلى منصة لوجستية رائدة على مستوى العالم. ووفقا للأمم المتحدة، سيصبح حلقة وصل قوية ومستمرة ومستدامة بين أنظمة النقل العابرة للقارات، وبالتالي يصبح بوابة متوسطية استراتيجية.
يستمر هذا النفق الطموح في جذب الاهتمام العالمي. تريد بريطانيا العظمى أن يعود النفق تحت الماء بالنفع على جبل طارق ويعزز التجارة مع المغرب. من جانبها، تطالب إسبانيا بالسيطرة على الجزء الأوروبي من النفق، مما يخلق توتراً دبلوماسياً حول هذا المشروع الكبير. لقد تدخلت الولايات المتحدة للضغط على الأطراف المختلفة لجعل هذا المشروع العالمي حقيقة واقعة.
وتتعلق العقبات السياسية التي تقف أيضا في طريق المشروع بالعلاقات غير المستقرة دوريا بين الرباط ومدريد. كما تخشى بعض الأحزاب الأوروبية المحافظة من تقديم طلب جديد لانضمام المغرب إلى الاتحاد الأوروبي بحجة قوية تتمثل في الربط القاري الثابت الذي من شأنه أن يدمج المغرب فعليا في أوروبا. وتحقيق هذا التثبيت في أوروبا يعني أيضاً إعادة الخلاف بين رئيسي سبتة ومليلية المحتلتين إلى طاولة المفاوضات، وإسبانيا لا تريد أن تسمع عن ذلك. بالإضافة إلى ذلك، لا تزال المخاوف قائمة داخل الاتحاد الأوروبي بشأن احتمال زيادة تدفقات الهجرة، على الرغم من أن المروجين للمشروع يعتقدون أن هذه المخاوف لا أساس لها من الصحة. كل هذه العناصر تجعل من غير المرجح إطلاق المشروع على المدى القصير أو المتوسط.
وبعيدا عن الاعتبارات التقنية والمالية، يتمتع المشروع بأهمية جيوسياسية كبيرة بالنسبة للمغرب وإسبانيا. ويرى الزعماء السياسيون من كلا البلدين أنه وسيلة لتعزيز التعاون والأخوة بين أوروبا وإفريقيا. ومن الممكن أيضاً أن يعمل على تعزيز الحوار القائم على المساواة بين ابقارة الأوروبية الغنية بالتكنولوجيا، والقارة الإفريقية الغنية بالموارد الطبيعية. وفي هذه الأثناء، لا يزال المضيق يعبر بالعبارات. هذه هي القوارب التي ستنقل آلاف المشجعين سنة 2030 إذا فاز المغرب، مع إسبانيا والبرتغال، بتنظيم كأس العالم. حدث سيعزز مشروع الربط القاري الثابت بينإأفريقيا وأوروبا، والذي يمكن إطلاق العمل فيه بمناسبة هذا الحدث العالمي ويستمر من 10 إلى 15 سنة. "We are the dreamers" (نحن الحالمون) كما قال المغني المغربي رضوان RedOne..
الرابط: https://www.lebrief.ma/afrique-europe-le-reve-dune-liaison-fixe-104277/?fbclid=IwAR3ah8lDJJs40dauXTyPasKOTydoc773es5C3rCtoD_5YIZEcshaaCCZQ6k_aem_AZYAa4Bt7hk_90f54dzqQnnpJ59eMJD4wLvtHcl8ZZG-ePtwhq6h2PAU48QWLiJV58NTvG_Vf7UjfXL3Gq0bSuE7








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تناور.. «فرصة أخيرة» للهدنة أو غزو رفح


.. فيديو يوثق اعتداء جنود الاحتلال بالضرب على صحفي عند باب الأس




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر تطورات القصف الإسرائيلي في جميع مدن ق


.. حماس: تسلمنا المقترح الإسرائيلي وندرسه




.. طالب يؤدي صلاته وهو مكبل اليدين بعدما اعتقلته الشرطة الأميرك