الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول القمة الأمريكية - الكورية الجنوبية - اليابانية

فهد المضحكي

2023 / 9 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


يتفق أغلب المحللين السياسيين بأن ما تحاول الولايات المتحدة فعله من خلال عقد اجتماعات مثل «كامب ديفيد» التي جمعت الرئيس الأمريكي بايدن والرئيس الكوري الجنوبي ورئيس الوزراء الياباني في الشهر الفائت، هو الإيهام بأنها قادرة على حشد «تحالفات» قادرة على الوقوف في وجه الصين وروسيا في آسيا. لكن في الحقيقة، وللكثير من الأسباب يبدو أن هذا الإيهام لم ينطلِ على أحد. على رأس هذه الأسباب الخلافات العميقة بين السياسة والأحلام اليابانية والسياسية والأحلام الكورية الجنوبية، وكذلك عدم رضا شعبي هذين البلدين عن سياسات حكومتيها لدرجة تُضعف قدرة الحكوميتين على اتخاذ أي موقف جدي يتخطى الكلام في الأجندة العملية للولايات المتحدة. ربما السبب الأكثر أهمية هو تراجع قدرة الولايات المتحدة على فرض جدول أعمالها وتمويله ما يضطرها «لمراعاة» الدول التي تريدها أن تنخرط في حلفها.

ما ذكرناه يقودنا إلى رؤى تحليلية لعدد من كتّاب شرق آسيا، ترجمة «قاسيون» تشير إلى إن خطة إدارة بايدن لبناء إطار ثلاثي يركُز بشكل واضح على القضايا الجيوسياسية على أساس التحالفات العسكرية الثنائية القائمة بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية يعدّ خطوة رئيسية في تعديل سياسة الأمن الإستراتيجي الأمريكية في منطقة المحيط الهادئ. بما أنه يستحيل إعادة إنتاج نسخة آسيوية من حلف شمال الأطلسي تضم عددًا كافيًا من الأعضاء، ومن الصعب أيضًا توسيع منطقة دفاع الناتو من أوروبا إلى منطقة المحيط الهادئ- الهندي، فإن ما تفعله الولايات المتحدة هذه المرة هو خيار دون المستوى من أجل خلق قاعدة عملياتية صلبة كفاية لتحمل نسخة جديدة من الناتو.

وحتى تنجح هذه القاعدة جديدة الصيغة يجب أن تتحقق عدة شروط يأتي على رأسها: أولاً، على الولايات المتحدة أن تحافظ على مقدار فاعل من الهيمنة، ولا يجب أن يكون هناك أي غموض أو تشوش وراء هذه السيطرة. ثانيًا، يجب أن يكون لدى اللاعبين الآخرين مخاوف أمنية كافية، وما يكفي من المبادرة والاستقلال لاتخاذ أفعال لا تخرج عن الإطار الأمني العام الذي يلائم مصالح الولايات المتحدة، وكل هذا دون أن يطالب هؤلاء اللاعبون الولايات المتحدة بالاستثمار بموارد إضافية من أجل تحقيق خطتها والحصول على منطقة عازلة إستراتيجية. ثالثًا، يحب أن يحافظ هؤلاء اللاعبون على درجة مرتفعة من التوافق مع الولايات المتحدة فيما يخص مصادر التهديد والتنبؤ الأمني وأن يكونوا قادرين على التركيز في مسائل الأمن وما يسمى «مصادر التهديد في منطقة الهندي-الهادئ» التي يوليها الأمريكيون أهمية أكبر.

يتناقض ما حدث في كامب ديفيد بشكل صارخ مع الأيام الأولى للحرب الباردة، عندما قادت الولايات المتحدة مجموعة من الحلفاء الأوروبيين لتشكيل حلف شمال الأطلسي لمواجهة ما تم تصنيفه تهديدًا إستراتيجيًا من الاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت. أثناء الحرب الباردة عندما تشكل ما يسمى «ستار الخيزران - النسخة الآسيوية من الستار الحديدي» أخذت الولايات المتحدة زمام المبادرة وقادت عددًا من الحلفاء العسكريين الثنائيين للتحوط ضد ما اعتبرته تهديدا أمنيًا.

قد يحاول البعض وصف ما يجري اليوم بأنه «حكمة إستراتيجية» لدى واشنطن تتناسب مع الظروف والمتطلبات الحالية، لكن من منظور النظريات الأساسية للجيوبولتيك وإطار التحليل العام للألعاب الإستراتيجية الدولية، يعكس هذا النمط حقيقة الافتقار إلى تشكيل تحالف على النمط القديم، ويؤدي إلى إحراج إستراتيجي لحلفائها الذين يتمنعون بشبه استقلال. لا يوجد حلفاء مستعدون لتحمل اللطمات ودفع ثمنها من أجل واشنطن، كما أن واشنطن ليست مستعدة لأخذ زمام المبادرة في رفع الجلسة والإعلان عن فشلها. لهذا يمكنها فقط الحديث عن الممثلين الذين لم يحضروا الاجتماع ولكنهم يعبّرون عن «دعمهم». هذا مثير للعواطف، ولكن غير حقيقي. بعد قراءة الوثيقتين الختاميتين، يتولد شعور بديهي أولي بأن هناك أفكارًا غنية والعديد من النقاط المفتاحية الواضحة، لكن الأشخاص والأموال والموارد اللازمة لتعزيز تنفيذ المفهوم الإستراتيجي غائبة عن الحساب. يظهر هذا نقصًا واضحًا في العرض الفعال. إن الوثيقتين الختاميتين أقرب ما يكون إلى قَسمِ رمزي بالإنجاز يلبي المطالب السياسية للانتخابات الداخلية الأمريكية، لكنّه ليس وثيقة توجيه إستراتيجي لديه متطلباته العملية والمادية، ناهيك عن عدم وجود نسخة تنفيذية مع مسار وتطور واضح.

من المهم أن نتذكر أمرًا آخر عند الحديث عن مدى هلهلة هذا الاجتماع ووثائقه الختامية. على الرغم أن طوكيو وسول حليفتان رسميتان مرتبطتان بالولايات المتحدة بموجب معاهدات عسكرية، إلا أنه لايوجد تحالف عسكري موثّق بين اليابان وكوريا الجنوبية. وحتى مع مشاركة الدول الثلاث في مناورات عسكرية مشتركة، تنشأ المشكلات المعبرة عن الحالة بشكل دوري، فسواء كنا نتحدث هنا عن موقف الحكومة اليابانيه من جزء دوكدو «تاكيشيما باليابانيه» من أنها عائدة لها وتحتلها قوات كوريا الجنوبية، فالحالات مثل استيلاء سفينة بحرية كورية على طائرة تابعة للبحرية اليابانيه، أو منع الكوريين للسفن اليابانيه إجراء مناورات بحرية مشتركة مع الولايات المتحدة في مياهها هي أمور لا تنسى. هناك الكثير من الأسباب التي تدفعنا للاقتناع بأن «اللقاء الرمزي» الذي جرى في كامب ديفيد بين الدول الثلاث قد قوبل بحذر من شعوب هذه البلدان.

ليس خافيًا على أحد أن رفض الحكومات اليابانية التوبة عن الجرائم التي ارتكبت خلال سنوات الحكم الاستعماري الياباني في كوريا، وعدم دفع طوكيو لتعويضات عن الإكراه الإجرامي لعشرات من الفتيات والنساء الكوريات على «خدمة» المحاربين اليابانيين في بيوت الدعارة الخاصة بالجنود، أو للرجال الذين أخذوا قسرًا إلى اليابان للعمل بالسخرة في المناجم والمؤسسات العسكرية، لايزال يثير الكراهية لدى الكوريين تجاه المستعبدين السابقين. في المقابل في اليابان، لايزال أفراد الجالية الكورية الكبيرة يتعرضون للتمييز مع القرارت بأن يلعبوا دور «غير المواطنين»، مع أننا نتحدث هنا عن أشخاص من الجيل الثالث ممن عاشوا في اليابان.

إن «الاتحاد» الذي يهدف للعرض في كامب ديفيد كان ممكنًا بفضل الموقف الذي لا يحظى بشعبية للرئيس الكوري الجنوبي الذي قام خلافًا لمصالح ومزاج شعبه باتخاذ موقف التابع لواشنطن وطوكيو. شرح بيتر كوزنيك، البروفيسور في الجامعة الأمريكية في واشنطن هذا الأمر بوضوح «لدى اليابان حكومة يمينية تتودد إلى الولايات المتحدة وتدعو إلى مضاعفة الإنفاق العسكري… لكنّه مع الرئيس الكوري يخفيان جماهير بلديهما. أظهر أحدث استطلاع بأن 70%؜ من الكوريين الجنوبيين يريدون أن تمتلك بلادهم سلاحها النووي الخاص بها دون الاتفاق مع اليابان… إن كلا الرئيسين الكوري ورئيس وزراء اليابان لا يتمتعان بالدعم والشعبية في بلادهما، ونتيجة لذلك فد تكون الإطاحة بكلتا الحكومتين خيارًا محتملًا يؤدي إلى الانهيار السريع لإمكانات التحالف العسكري». إن مراجعة سريعة لعمق القمة الثلاثية في كامب ديفيد يجعلنا ندرك أنها مختلفة عن العصر من حيث المفاهيم الأمنية وإدراك المخاطر. لم يعد النموذج الاقتصادي الذي اعتمدت عليه الولايات المتحدة لبناء حلف الناتو في أوروبا موجودًا. القوى الشرقية الصاعدة الموضوعة هدفًا للقمة لا غنى عنها في مجالات الاقتصاد والسياسة والأمن، بما في ذلك لكوريا الجنوبية واليابان وحتى الولايات المتحدة. إن ما جرى في كامب ديفيد مجرد استعراض مسرحي بدلالات رمزية للاستهلاك الانتخابي الأمريكي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - قارن حلف بوتينمع كيم جين ان
د. لبيب سلطان ( 2023 / 9 / 17 - 08:20 )
الاستاذ المضحكي
ارجو ان تكمل لنا مقالتكم وتتحف القارئ عن حلف بوتين مع كيم جين اين (الرابع)
الثلاثة الذين كتبت عنهم انظمة ديمقراطية لا تقمع شعوبها ولا تستعبدها كونها لاتحمل عقيدة او صفة ديكتاتورية وان تحالفت فهي لاتشكل الا حاجزا امام الديكتاتوريات بعد الدرس الذي تعلمته القرن الماضي من صعود الهتلرية ودرس الستالينية واليوم البوتينية التي تبني حلفا مع الصين واية الله وكيم الرابع ..فهل تغطي لنا هذا التحالف وهل انتم من انصاره ولماذا ..ارجو ان توضح للقارئ موقفك وتكمل هذه المقالة
مع التقدير

اخر الافلام

.. صحن طائر أو بالون عادي.. ما هي حقيقة الجسم الغريب فوق نيويور


.. دولة الإمارات تنقل الدفعة الـ 17 من مصابي الحرب في غزة للعلا




.. مستشار الأمن القومي: هناك جهود قطرية مصرية جارية لمحاولة الت


.. كيف استطاع طبيب مغربي الدخول إلى غزة؟ وهل وجد أسلحة في المست




.. جامعة كولومبيا الأمريكية تؤجل فض الاعتصام الطلابي المؤيد لفل