الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل ثقافة جماهيرية بديلة46

عبدالرحيم قروي

2023 / 9 / 16
الارشيف الماركسي


_ خطوط أولية لنقد الاقتصاد السياسي
فريدريك إنجلس
الحلقة الخامسة
_______________
العمل، العنصر الرئيسي في الإنتاج، ""مصدر الثروة""، النشاط الحر للإنسان، يظهر عند الاقتصادي في وضع غير مفيد. وكما فُصل الرأسمال عن العمل، كذلك الآن ينشطر العمل أيضاً للمرة الثانية؛ إن إنتاج العمل يواجه العمل بصورة الأجرة، وهو مفصول عن العمل؛ وبحكم العادة تقرره المزاحمة أيضاً، لأنه لا وجد لمقياس ثابت لأجل تحديد نصيب العمل في الإنتاج. حسبنا أن نقضي على الملكية الخاصة حتى يسقط من الحساب هذا الانقسام غير الطبيعي، ويصبح العمل مكافأة للعمل، وتتكشف بكل وضوح الأهمية الحقيقية للأجرة المغتربة من قبل: أهمية العمل لأجل تحديد تكاليف إنتاج شيء ما من الأشياء.
لقد رأينا أن كل شيء ينحصر في المزاحمة، في آخر المطاف، ما دامت الملكية الخاصة قائمة. والمزاحمة هي مقولة الاقتصادي الرئيسية، ابنته المحبوبة ولا أكثر، التي لا يكل من ملاطفتها وتدليلها، - ولكن انظروا أي وجه مدوزة يتكشف هنا.
تقسيم الإنتاج إلى جانبين متضادين – الجانب الطبيعي والجانب الإنساني – الأرض التي هي ميتة وقاحلة إذا لم يخصبها الإنسان، والنشاط الإنساني، الذي الأرض على وجه الضبط شرطه الرئيسي. ثم رأينا فيما بعد كيف انشطر النشاط الإنساني بدوره إلى عمل ورأسمال. وكيف عامل هذا الجانبان أحدهما الآخر بعداوة. وهكذا قد حصل عندنا نضال جميع العناصر الثلاثة بعضها ضد بعض عوضاً عن مساندة بعضها بعضاً، والآن، إضافة إلى هذا، تجلب الملكية الخاصة معها انقسام كل من هذه العناصر الثلاثة. فإن قطعة من الأرض تعارض قطعة أخرى، ورأسمالاً يعارض رأسمالاً آخر، وقوة عمل تعارض قوة عمل أخرى. وبتعبير آخر نقول: بما أن الملكية الخاصة تعزل كلاً في وحدته الفظة بالذات، وبما أن لكل فرد نفس المصلحة التي لجاره، فإن مالك الأرض يواجه مالك الأرض بعداوة، والرأسمالي يواجه الرأسمالي، والعامل يواجه العامل. وفي هذه العداوة بين المصالح المتماثلة، من جراء تماثلها على وجه الضبط، تكتمل لاأخلاقية حال الإنسانية الراهن؛ وهذا الاكتمال هو المزاحمة.
إن الاحتكار هو نقيض المزاحمة. ولقد كان الاحتكار صيحة المركنتيليين القتالية، بينما كانت المزاحمة صيحة الاقتصاديين الليبراليين الحربية. وليس من الصعب أن نرى أن هذا النقيض يخلو كلياً من أي مضمون. ينبغي على كل مزاحم أن يتمنى لنفسه الاحتكار، سواء كان عالاً أو رأسمالياً أم مالك أرض. وينبغي على كل جماعة غير كبيرة من المزاحمين أن تتمنى الاحتكار لنفسها ضد جميع الآخرين. إن المزاحمة ترتكز على المصلحة، والمصلحة تخلق الاحتكار من جديد؛ خلاصة القول إن المزاحمة تتحول إلى احتكار. ومن جهة أخرى، لا يمكن للاحتكار أن يوقف تدفق المزاحمة؛ وفضلاً عن هذا، يخلق الاحتكار نفسه المزاحمة، مثلما منع الاستيراد أو الرسوم العالية تخلق مباشرة مزاحمة التهريب. – إن تناقض المزاحمة يشبه تماماً تناقض الملكية الخاصة بالذات. في مصلحة الفرد بمفرده أن يملك كل شيء؛ أما المجتمع، ففي مصلحته أن يملك كل فرد على قدم المساواة مع الآخرين. وهكذا تكون المصلحة العامة والمصلحة الفردية على طرفي نقيض. إن تناقض المزاحمة يتلخص في أنه ينبغي على كل امرئ أن يتمنى الاحتكار لنفسه، بينما لا بد للمجتمع بأسره، بصفته هذه، أن يخسر من الاحتكار، ولا بد له بالتالي من أن يقضي عليه. وفضلاً عن ذلك، تفترض المزاحمة الاحتكار، عنينا بالضبط احتكار الملكية، - وهنا يتبدى نفاق الليبراليين من جديد، - وما دام احتكار الملكية قائماً، فإن ملكية الاحتكار ستظل تملك معه التبرير نفسه، لأنه ما دام الاحتكار قائماً، فإنه يعني الملكية. ولهذا، أي تذبذب حقير أن يتهجم المرء على الاحتكارات الصغيرة ويحتفظ بالاحتكار الأساسي! وإذا أدرجنا هنا موضوعة الاقتصادي المذكورة آنفاً، - فإن كل ما لا يمكن أن يكون موضع احتكار، لا يملك قيمة، ولذا لا يمكن لكل ما لا يجيز هذا الاحتكار أن يدخل في صراع المزاحمة هذا؛ – ولذا يلقى تأكيدنا أن المزاحمة تفترض الاحتكار التبرير التام.
يتلخص قانون المزاحمة في كون الطلب والعرض يسعيان على الدوام إلى التطابق فيما بينهما. وفي كونهما، لهذا السبب بالذات، لا يتطابقان أبداً. فإن الطرفين ينفصلان أحدهما عن الآخر ويتحولان إلى طرفي نقيض حاد. إن العرض يسير دائماً وراء الطلب مباشرة، ولكن لا يحدث أبداً أن يلبيه بدقة؛ فهو إما كبير أكثر من اللزوم، وإما صغير أكثر من اللزوم، ولكنه لا يتناسب أبداً مع الطلب، لأنه ما من أحد يعرف، في هذه الحالة اللاواعية للبشرية، مقدار الطلب أو مقدار العرض. فإذا كان الطلب أكبر من العرض، فإن السعر يرتفع، الأمر الذي كأنما يستحث العرض. وما أن يظهر في السوق هذا العرض المتزايد حتى تهبط الأسعار؛ وإذا زاد العرض على الطلب، فإن هبوط الأسعار سيزداد إلى حد أن يشتد الطلب بدوره من جراء ذلك. هكذا يحدث على الدوام. ولا تقع أبداً حالة سليمة، بل يحدث دائماً تعاقب التهيج والارتخاء، الذي ينفي كل تقدم، ويحدث التذبذب الأبدي الذي لا ينتهي أبداً. وهذا القانون، مع تسويته الدائمة، التي تعوض في مكان عن الخسارة في مكان آخر، إنما يجده الاقتصادي قانوناً ممتازاً. وهذا هو موضع اعتزازه الرئيسي، ولا يمكنه أن يشبع من النظر إليه، ويدرسه في جميع الظروف الممكنة وغير الممكنة. ولكنه واضح مع ذلك أن هذا القانون قانون طبيعي بحت، وليس قانون الروح. إنه قانون يلد الثورة. ويظهر الاقتصادي مع نظريته الرائعة عن الطلب والعرض، ويحاول أن يبرهن لكم أنه ""لا يمن أبداً إنتاج كمية من المنتوجات أكبر من اللزوم"". بينما الواقع يجيب بالأزمات التجارية التي تنشب من جديد بانتظام مثل المذنبات، وتحدث عندنا الآن بالمتوسط كل خمس – سبع سنوات. وفي السنوات الثمانين الأخيرة، حلت هذه الأزمات التجارية بانتظام مثلما كانت تحل الأوبئة الكبيرة من قبل، وجلبت من البلايا واللاأخلاقية أكثر مما جلبت الأوبئة. (راجع ويد. ""تاريخ الطبقة المتوسطة والطبقة العاملة""، لندن، سنة 1835، ص211). وبديهي أن هذه الثورات التجارية تؤكد صحة القانون، تؤكد صحته بأكمل نحو ولكن ليس بذلك الأسلوب الذي يصوره لنا الاقتصادي. فما عسانا أن نفكر في هذا القانون الذي لا يستطيع أن يشق لنفسه طريقاً إلا عبر الثورات الدورية؟ إنه قانون طبيعي يرتكز على كون المشتركين يتصرفون هنا بلا وعي. فلو أن المنتجين، بصفتهم هذه، يعرفون أية كمية يحتاج إليها المستهلكون، ولو أنهم ينظمون الإنتاج، ويوزعونه فيما بينهم، لاستحالت تذبذبات المزاحمة واستحال ميلها إلى الأزمة. ابدأوا الإنتاج عن وعي، مثل الناس، وليس مثل الذرات المنتشرة، التي لا تعي وحدتها الأصلية، تتخلصوا من جميع هذه المتضادات الاصطناعية والباطلة. ولكن ما دمتم تواصلون الإنتاج بالأسلوب الحالي، غير الواعي، غير المعقول، الموضوع في حكم الصدفة، فإن الأزمات التجارية ستبقى أيضاً؛ ولا بد لكل أزمة لاحقة أن تكون أكثر شمولاً، وبالتالي أشق من الأزمة السابقة، ولا بد لها أن تخرب عدداً أكبر من صغار الرأسماليين، وتزيد بصورة أسرع فأسرع تعداد أفراد الطبقة التي لا تعيش إلا بالعمل؛ ولا بد، بالتالي، من أن تزيد بصورة ملحوظة عدد الأفراد الذين يحتاجون إلى عمل – الأمر الذي يشكل معضلة اقتصاديينا الرئيسية، وأخيراً لا بد لكل هذا أن يستتبع ثورة اجتماعية لا تحلم بها حكمة الاقتصاديين المدرسية.
إن تقلب الأسعار الدائم الذي تخلقه ظروف المزاحمة، يحرم التجارة نهائياً من آخر آثار الأخلاقية. وينقطع الحديث عن القيمة. إن ذلك النظام الذي يضفي، حسبما يبدو، مثل هذه الأهمية على القيمة، والذي يرفع تجريد القيمة، بشكل النقود، إلى مصف وجود خاص ما، - هذا النظام نفسه يدمر بواسطة المزاحمة كل قيمة ملازمة داخلياً للأشياء، ويغير كل يوم وكل ساعة علاقة جميع الأشياء بعضها ببعض على صعيد القيمة. فأين تبقى في هذا الإعصار الإمكانية لأجل تبادل يرتكز على المبادئ الأخلاقية؟ وفي هذا التذبذب المتواصل إلى أعلى وإلى أسفل يجب على كل امرئ أن يحاول اغتنام الفرصة السانحة لأجل الشراء والبيع، يجب على كل امرئ أن يصبح مضارباً، أي أن يحصد حيث لم يزرع، أن يغتني بفضل خسارة الآخرين، أن يبني حساباته على تعاسة الغير أو أن يغتنم الفرصة لأجل الكسب. إن المضارب يأمل دائماً في المصائب، وبخاصة في القحط، ويستغل كل شيء كما استغل، مثلاً، في حينه، حريق نيورورك. ولكن ذروة اللاأخلاقية هي المضاربة في البورصة بالأوراق المالية، المضاربة التي تنزل التاريخ، والبشرية معه، إلى دور وسيلة تلبي جشع المضارب الحذر أو المضارب المجازف. ولكن لا ينافقنّ التاجر ""الوقور"" المتأدب بصدد لعبة البورصة: أشكرك، أيها الخالق، وإلخ. إن هذا التاجر مقيت مثل المضاربين بالأوراق المالية، وهو يضارب بقدر ما يضاربون، ولا بد له من أن يضارب، - إذ إن المزاحمة تجبره على هذا، - وتجارته تنطوي، بالتالي، على تلك اللاأخلاقية التي تنطوي عليها صفقات رجال البورصة. إن حقيقة المزاحمة تتلخص في نسبة القوة المستهلكة إلى القوة المنتجة. وفي نظام جدير بالبشرية، لن تكون ثمة مزاحمة غير هذه. سيتعين على المجتمع أن يحسب ما يمكن إنتاجه بالوسائل الموجودة تحت تصرفه، وأن يعين، وفقاً لنسبة هذه القوة المنتجة إلى جمهور المستهلكين، إلى أي حد يصح زيادة أو تخفيض الإنتاج، إلى أي حد يصح إجازة البذخ أو الحد منه. ولكن لأجل تكوين فكرة صحيحة عن هذه النسبة وعن مقدار ازدياد القوة المنتجة الذي يمكن توقعه من تنظيم المجتمع بصورة معقولة، ليطالع قرائي بحوث الاشتراكيين الإنجليز، وكذلك جزئياً بحوث فوريه.
إن المزاحمة بين مختلف الأفراد، المنافسة بين الرأسمال والرأسمال، بين العمل والعمل وإلخ. في ظل هذه الظروف، تنحصر في التباري الذي يقوم على الطبيعة الإنسانية والذي لم يوضحه بصورة مقبولة حتى الآن غير فوريه، - التباري الذي سيجده، مع إزالة المصالح المتضادة، المجال الأصيل والمعقول الملازم له.
_____________
إن نضال الرأسمال ضد الرأسمال، نضال العمل ضد العمل، نضال الملكية العقارية ضد الملكية العقارية، يدفع الإنتاج إلى حالة من الحمى، تنقلب فيها جميع علاقاته الطبيعية والمعقولة رأساً على عقب. وما من رأسمال يستطيع أن يصمد لمزاحمة رأسمال آخر، إذا لم يطور نشاطه إلى أقصى حد. وما من قطعة أرض تمكن حراثتها بنفع، إذا لم يرتفع مردودها باستمرار. وما من عامل يصمد في وجه مزاحميه إذا لم يبذل في العمل جميع قواه إلى أقصى حد، دون أن يتنكر لجميع الأهداف الإنسانية حقاً. إن الاسترخاء في جانب هو حتماً عاقبة مثل هذا التوتر الخارق في الجانب الآخر. وحين يكون تذبذب المزاحمة تافهاً، وحين يكون الطلب والعرض متساويين تقريباً، فلا بد أن تحل في تطور الإنتاج مرحلة يظهر فيها فيض من القوة المنتجة كبير إلى حد أنه لا يتوفر شيء لجمهور ضخم من الشعب لأجل العيش، وإن الناس يشرعون يموتون جوعاً – وذلك بسبب الوفرة على وجه الضبط. وفي هذا المجال، وفي هذه السخافة المتجسدة، تتواجد إنجلترا زمناً مديداً. أما إذا تذبذب الإنتاج بمزيد من القوة، - وهذا عاقبة ضرورية لوضع الأمور الموصوف، - حل تعاقب الازدهار والأزمة، وفيض الإنتاج والركود. إ الاقتصادي لم يستطع يوماً أن يستوضح لنفسه هذه الحالة الجنونية؛ ولأجل توضيحها ابتدع نظرية السكان التي هي سخيفة بقدر سخافة هذا التناقض في وجود الغنى والفقر في آن واحد، وحتى سخيفة بقدر أكبر. إن الاقتصادي لم يتجرأ على رؤية الحقيقة. لم يتجرأ على الاعتراف بأن هذا التناقض هو عاقبة بسيطة للمزاحمة، وإلا لأطيح بكل نظامه.
أما بالنسبة لنا، فإن هذا أمر من السهل تفسيره. إن القوة المنتجة الموجودة تحت تصرف البشرية لا حد لها. ومن الممكن زيادة مردود الأرض إلى ما لا نهاية له بتوظيف الرأسمال والعمل والعلم. ومن الممكن في غضون عشر سنوات إيصال بريطانيا العظمى ""الفائضة السكان""، كما يستفاد من حسابات أبرز الاقتصاديين والإحصائيين (راجع أليسون، ""مبادئ السكان""، المجلد الأول، الفصل الأول والفصل الثاني) إلى حالة تتمكن فيها من إنتاج ما يكفي من الحبوب لأجل عدد من السكان يوازي ستة أضعاف عددهم الحالي. إن الرأسمال يزداد يوماً بعد يوم وقوة العمل تنمو مع نمو السكان، والعلم يخضع قوى الطبيعة للناس، يوماً بعد يوم، وبقدر أكبر فأكبر. وهذه القدرة المنتجة التي لا حد لها من شأنها، إذا ما استعملت عن وعي وفي مصلحة الجميع، أن تخفض في فترة وجيزة، وإلى الحد الأدنى، العمل الذي هو من نصيب البشرية؛ ومن شأنها، إذا وضعت تحت تصرف المزاحمة، أن تقوم بالأمر نفسه، ولكن في إطار التضاد. إن قسماً من الأرض يُعرض لأفضل أشكال الحراثة، بينما يبقى القسم الآخر – وفي بريطانيا العظمى وإرلندا 30 مليون أكر من الأرض الجيدة – غير محروث. ويدور قسم من الرأسمال بسرعة لا تصدق، بينما القسم الثاني يبقى ميتاً في الصناديق. ويشتغل قسم من العمال 14 – 16 ساعة في اليوم بينما القسم الآخر يبقى بلا عمل، بلا شغل، ويموت جوعاً. أو أن هذه الأضداد لا تفعل فعلها في آن واحد: اليوم تجري أمور التجارة جيداً، الطلب كبير جداً، في كل مكان يسير العمل، الرأسمال يدور بسرعة مدهشة، الزراعة تزدهر، العمال يشتغلون حتى الضنى – غداً يحل الركود، الزراعة لا تعوض الجهود المبذولة، تبقى مساحات كبيرة من الأرض غير محروثة، الرأسمال يتجمد فجأة في أوج حركته، العمال يبقون بلا شغل، والبلد كله يعاني من فيض الثروة وفيض السكان.
وسير الأمور هذا لا يمكن أن يعتبره الاقتصادي صحيحاً، وإلا تعين عليه، كما قيل، أن يتخلى عن كل نظامه القائم على المزاحمة؛ وتعين عليه أن يرى كل سخافة اختلاقه للتعارض بين الإنتاج والاستهلاك، بين فيض الثروة وفيض السكان. ولجعل هذا الواقع يتطابق مع النظرية، - ذلك أنه لم يكن من الممكن إنكار هذا الواقع – اخترعت نظرية السكان.
يزعم مالتوس، مؤسس هذا المذهب، أن السكان يضغطون دائماً على وسائل العيش، وأن عدد السكان يتزايد بقدر ما يتزايد الإنتاج، وأن الميل الملازم للسكان إلى التكاثر أكثر من وسائل العيش الموجودة تحت تصرفهم هو سبب الفقر كله، والعيوب كلها. لأنه حيث يوجد عدد من السكان أكثر من اللزوم، تعين إقصاؤهم بنحو أو آخر: إما يجب تمويتهم بالعنف، وإما يجب أن يموتوا جوعاً. وما أن يحدث هذا، حتى تتشكل من جديد ثغرة تمتلئ في الحال من جديد بفضل تكاثر السكان الباقين، ويحل الفقر السابق من جديد. وهكذا يحدث، حسب زعمه، وفي جميع الظروف، لا في الحالة الحضارية وحسب، بل أيضاً في الحالة الطبيعية. إن متوحشي هولندا الجديدة* حيث يوجد إنسان واحد بكل ميل مربع، يعانون من فيض السكان بقدر من الشدة كما في إنجلترا. خلاصة القول، إذا شئنا أن نكون منسجمين، تعين علينا أن نعترف بأن الأرض كانت فائضة السكان حتى عندما لم يكن يوجد سوى إنسان واحد. ومن هذه المحاكمة ينجم استنتاج مفاده ما يلي: بما أن الفقراء على وجه الضبط هم الفائضون، فلا يتعين فعل أي شيء من أجلهم عدا تسهيل موتهم جوعاً قدر الإمكان، وإقناعهم بأنه يستحيل تغيير أي شيء في هذا الصدد، وبأن الخلاص الوحيد لأجل طبقتهم يتلخص في التكاثر أقل ما يمكن؛ وإذا لم يسفر هذا عن أية نتيجة، تعين على الأقل، إنشاء مؤسسات حكومية لأجل إماتة أولاد الفقراء بلا ألم، كما اقترح ""ماركوس""، علماً بأنه يجب أن يكون نصيب كل عائلة عمالية ولدين ونصف ولد وأنه يجب إماتة الأولاد الزائدين عن هذه النسبة بلا ألم. يعتبر منح الصدقات جريمة، لأن هذا يعزز فيض السكان! وبالمقابل يعتبر من المفيد جداً إعلان الفقر جريمة وتحويل البيوت لأجل الفقراء إلى مؤسسات قمعية كما فعل ذلك في إنجلترا قانون الفقراء ""الليبرالي"" الجديد. صحيح أن هذه النظرية تتطابق بصورة سيئة جداً مع تعاليم الكتاب المقدس بصدد كمال الرب وخلقه، ولكنه ""سيء ذلك الدحض الذي يواجه الكتاب المقدس بالوقائع!"".
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حشود غفيرة من الطلبة المتظاهرين في حرم جماعة كاليفورنيا


.. مواجهات بين الشرطة ومتظاهرين في باريس خلال عيد العمال.. وفلس




.. على خلفية احتجاجات داعمة لفلسطين.. مواجهات بين الشرطة وطلاب


.. الاحتجاجات ضد -القانون الروسي-.. بوريل ينتقد عنف الشرطة ضد ا




.. قصة مبنى هاميلتون التاريخي الذي سيطر عليه الطلبة المحتجون في