الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مُكَابَدَة

عبد الله خطوري

2023 / 9 / 17
الادب والفن


بعد جهد جهيد بذلته حَبة آلحصى، استطاعت بلوغ قمة الوهدة ذات شتاء .. رَنَتْ الى تلابيب البطاح تكسوها ندف ثلوج همستْ ما أجملني لو غدوتُ حُبَيبةً من بَرَد، وما كادت تنهي خواطرها حتى باغتتها إحداهن ويحك ما أسمج ما تقولين إن الأنواء تذيبنا لا تتعجلي لا عمر لنا .. انتكست برهة خمنت ليتني أكون إحدى تلك القطرات؛ فردت عليها رُذيذة هَوَتْ على عجل تعسا لك أختاه إن الحَرور أيام الصر يقهرنا .. انتفضَتْ حَبة الحصى صائحة لأكُنْ حَرًّا لافحا حارقا جبارا لهيبا في سماء صمائم البلدات .. ضحكت زفرة الشمس من أحلام يقظتها يا سخفك فيقي من غفوتك إن أشعتنا لَتَتَعَذَّبُ تسيح تنحسر من هول أدعية مستغيثين طالبي عودة الروح لعيون عهدوها جاريات تا الله لا عمر لنا فتريثي .. فكرَتْ حبة الحصى لِمَ لا أكون أنا ..!؟.. ثم كَفَّتْ عن النظر الى قاع الوادي أين تتمايل مسالك العابرين وتنفرج فجاج الراجلين .. رَفَعَتْ وجهَها الى السماء، فإذا بها قمة أخرى أكثر علوا تمد إليها ذراعين مديدتين تدعوها .. ماذا تنتظرين .. ودون تردد شمرت عن ساقيها انتحَتْ جنبا تنفسَتْ بعمق ثم بخطوات ثابتة وئيدة جعلتْ ترتقي تخوض غمارَ شعاب بلا شعاب عساها تبلغ يوما شعفة قمة آلمُحال ...
فعلا، من الكائنات مَنْ تبذل جهدا جبارا كي تكون عادية في حياة عادية (١) بقِيَم عادية (٢)، مجرد كينونة تعيش بَساطةَ مَعيشٍ بفطرة شفيفة بسليقة سليمة من شوائب آلسبيل .. بكد .. نعم .. لكن، دون منغصات دون كثرة تفكير أو مقارعة طواحين مُحال .. باغي السترة والتيقار (٣) .. ينهض في غسق الفجر يُشَمر عن ساعديِ آلعَرَق والمكابدة يظل منهكا حتى مغيب شموس نهارات مديدة بَخيلة في الحقول في آلمروج في آلفجاج في شعفات آلجبال في آلبراري في آلنجود في آلبطاح في آلسهول في آلثكنات في الطرانْشِيات (٤) في آلثغور في آلفلوات في آلصحاري في آلبِحَار وأسواق آلتماسيح لاكْريييه (٥) سوق الجملة أسواق العرق المهدور يجدُّ رغم آلأيام آلعجاف في العَرصات في البساتين في آلمجاري حُمّى آلأفرنة طرقات آلسعي المحدودبة المتشعبة طالعا بعربة يدوية مهترئة تجرها دواب منهكة أو منحدرا بكروسة يتيمة مترنحة تضبط توازنها يدان مجدورتان هابطا ملتويا تراه بين الممكن والمحال يعاني لا يبالي شاهقا في الدروب والأزقة زافرا .. ياااارب .. في بلدات أعماق العناد ... عن بائع البطيخ والدلاح (٦) وسمك السردين جافيل (٧) المغشوش عن طالبي خردة لافيرايْ (٨) والخبز اليابس المكروم والنخالة وحليب الصباح وألبان الجُمعات عن جوابي آلآفاق عن "الزبالين" عن الساعين في آلمطارح وآلمستنقعات الى الأرزاق عن هؤلاء وأمثالهم عن آبائنا وأمهاتنا عنا نحن كيف كنا كيف صرنا الآن هنا في كل زمان ومكان أريدُ أنْ أحكي بعض خطرات مناحاتي .. فاللهم فآشهد ها قد بلغت من أنباء آلمشهد ما قد أبصرت .. (٩)

☆إشارات :
١_"لا أحد يعرفُ أن البعض يبذلون مجهوداً جبارا لكي يكونوا مجردَ أشخاص عاديين" ألبير كامو
٢_في مذكراتها، سألت انديرا غاندي والدها "جواهر لال نهرو" : ماذا يحدث في الحرب ؟ رد والدها : ينهار التعليم والاقتصاد .. قالت : وماذا يحدث بعد آنهيار التعليم والاقتصاد ..؟.. أجابها والدها : تنهار الأخلاق .. قالت : وماذا يحدث أيضا لو آنهارت الأخلاق..!؟..رد عليها : وما الذي يبقيك في بلد انهارت أخلاقه ؟
٣_باغي السترة والتيقار : يرجو سترا بعيدا عن منغصات المنغصين
٤_طرانشيات : ( tranchées ) كلمة فرنسية من لفظة التي تعني الخنادق، وهي مثال لأعمال الضنك العسيرة التي يكابدها المكابدون
٥_لاكريييه : la criée سوق المزاد وتطلق في الاستعمال الدارج المغربي على أسواق الجملة
٦_الدلاح : البطيخ الأحمر
٧_جافيل : مسحوق غسيل
٨_لافيرايْ : Ferraille خردة
٩_(يا وطني فاشهد
ها قد بلغت
من أنباء المشهد
ما قد أبصرت)
•عبدالله راجع من قصيدة (أعلنت عليكم هذا الحب)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لأي عملاق يحلم عبدالله رويشد بالغناء ؟


.. بطريقة سينمائية.. 20 لصاً يقتحمون متجر مجوهرات وينهبونه في د




.. حبيها حتى لو كانت عدوتك .. أغلى نصيحة من الفنان محمود مرسى ل


.. جوائز -المصري اليوم- في دورتها الأولى.. جائزة أكمل قرطام لأف




.. بايدن طلب الغناء.. قادة مجموعة السبع يحتفلون بعيد ميلاد المس