الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اتفاقات أوسلو، موت بطيء ومأساوي

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2023 / 9 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


شلومو بن عامي*
كانت اتفاقات أوسلو للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين تُمثل ذات يوم منعرجاً تاريخياً جسد الاعتراف المتبادل من حركتين وطنيتين تقتتلان على نفس الرقعة من الأرض لأكثر من قرن من الزمان. لكن اليوم، بعد مضي 30 عاماً، تبين أن عملية السلام التالية كانت تحوي بداخلها بذور فنائها.

في العادة تكمن آفة عمليات السلام فيما يحيط بها من التباس وغموض، خاصة عندما تكون الصراعات ممتدة لفترات طويلة ونوايا كل طرف ورغبته وقدرته على الامتثال لأي اتفاق غير واضحة. وكانت التكاليف السياسية الباهظة المرتبطة بتقديم تنازلات لعدو لدود هي غالباً السبب وراء وأد المفاوضات في مهدها قبل التوصل لأي اتفاق. وهذا بالضبط هو ما تكشف عنه بوضوح بروتوكولات اجتماع لمجلس الوزراء الإسرائيلي في 1993 رُفعت عنه السرية مؤخراً وتمت فيه المصادقة على اتفاق أوسلو الأول مع منظمة التحرير الفلسطينية. تكشف السجلات أن ملامح الإخفاق النهائي كانت جلية منذ البداية.

في ذلك الوقت، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين يُمَنِّي النفس بأن رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات سيتمكن من تحجيم تنامي نفوذ حركتي المقاومة حماس والجهاد الإسلامي والمساعدة في تهدئة الانتفاضة التي ظلت تعصف في الضفة الغربية وغزة منذ 1987. لكن عرفات، خشيةً وصمه "عميل،" رفض أن يؤدي دور المتعهد من الباطن لأمن إسرائيل. وحينها، حذر وزير الخارجية الإسرائيلي ذو النظرة المتشائمة، شيمون بيريز، من أن "كيان منظمة التحرير" قد "يتصدع" بالكامل وأن "حماس على الطراز الإيراني" قد تأخذ مكانها؛ وقال رئيس الأركان العامة لقوات الدفاع الإسرائيلية إيهود باراك عبارته الشهيرة أن الاتفاق كانت به "من المسام أكثر مما في الجُبن السويسري."

رغم ذلك، كان اتفاق 1993 يمثل منعرجاً تاريخياً جسد الاعتراف المتبادل من حركتين وطنيتين تقتتلان على نفس الرقعة من الأرض لأكثر من قرن من الزمان. وخَدم أيضاً كاتفاق مرحلي، يُنشئ حكماً ذاتياً فلسطينياً في غزة وأجزاء من الضفة الغربية تحتلها إسرائيل منذ 1967. وقدم خارطة طريق لمعالجة قضايا الصراع المحورية، التي ضمت الحدود ووضع مدينة القدس ومحنة اللاجئين الفلسطينيين الذين تركوا منازلهم خلال حرب 1947.

للأسف، بعد انقضاء 30 عاماً من توقيع الاتفاق الأول و29 عاماً من تتويج الزعماء الثلاثة رابين وبيريز وعرفات بجائزة نوبل للسلام، نتذكر اليوم عملية أوسلو للسلام إلى حد بعيد كمثال ساطع للخداع الدبلوماسي. إن مواصلة إسرائيل الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وتوسعة المستوطنات، مما زاد من عدد المستوطنين الإسرائيليين من 115.000 في عام 1993 إلى قرابة 700.000 اليوم، قد أفرغت حل إنشاء دولة فلسطينية مستقلة من مضمونه وجعلته غير قابل للتنفيذ. وأصبحت المساحة الكاملة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط تمثل الآن فعلياً دُوَلية منفصلة حيث يُحرم الفلسطينيين في هذا الجيب الضيق المنفصل من حقوق الإنسان الأساسية بشكل متعمد ومُمنهج.

كذلك القدس، التي كان يُؤَّمل ذات يوم أن تكون أحيائها الشرقية العاصمة المستقبلية لدولة فلسطين، قد توسعت تحت السيطرة الإسرائيلية من 10.000 فدان في 1967 إلى قرابة 32.000 فدان اليوم. ويعيش اليهود والعرب في هذه المدينة ذات الكثافة السكانية العالية في ظل أنظمة قانونية وقضائية منفصلة. وفي حين تبقى الأطراف المعنية الدولية متمسكة بموقفها الداعي إلى دولة فلسطينية مستقلة، إلا أن هذه المحصلة أضحت تبدو بازدياد مجرد أضغاث الأحلام.

في الواقع، ما كانت اتفاقات أوسلو من الأصل معنية حقاً بتحقيق رؤية سياسية أياً كانت بقدر ما كانت مدفوعة بشعور باليأس. حيث لم يقبل رابين بخطوة مصافحة عرفات غير المتخيلة في السابق إلا بعدما أخفق في التوصل إلى اتفاق سلام مع الزعيم السوري حافظ الأسد، وأدرك أن التكاليف السياسية لإدارة عمليتي سلام متزامنتين لن تلقى قبول الإسرائيليين.

من جانبه، كان عرفات هو الآخر على نفس القدر من اليأس مثل نظراءه الإسرائيليين، خاصة بعدما أخطأ الزعيم الفلسطيني في تقدير التداعيات الجيوسياسية لانتهاء الحرب الباردة. إذ بوقوفه في صف غزو الديكتاتور العراقي صدام حسين للكويت في 1990، أبعد عنه الداعمين الخليجيين الأثرياء لمنظمة التحرير الفلسطينية، ما نتج عنه إفلاس المنظمة وعزلة دولية. وكانت هذه الحسابات الاستراتيجية الخاطئة من عرفات صورة مصغرة من خطيئة المفتي الأكبر للقدس الحاج أمين الحسيني حين أخذ جانب ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية.

علاوة على ذلك، ما كانت الانتفاضة الأولى، وهي الاحتجاجات الفلسطينية الأكثر كثافة منذ تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، لا بمبادرة من المنظمة ولا تحت قيادتها. وكان عرفات بحاجة ماسة إلى إعادة تأكيد سيطرته على الحركة الوطنية الفلسطينية وعازماً على تعزيز وجوده في الأراضي المحتلة بأي ثمن. وتُفسر نقطة الضعف اللحظية هذه لماذا كانت منتظمة التحرير لا تمانع في الرضا بقواعد حكم ذاتي محدودة في الضفة الغربية وغزة دون تأكيدات على قدرة الفلسطينيين على ممارسة حقهم في تقرير المصير. وبالتالي، خلت أوسلو حتى من التزام إسرائيلي بوقف توسيع المستوطنات، ناهيك عن تفكيكها.

في مقابل هذه الخلفية، دخلنا في دوامة شريرة من الإرهاب الفلسطيني والضربات الانتقامية الإسرائيلية القاسية خلال سنوات أوسلو، تكبد فيها الفلسطينيون عقاباً جماعياً وتراجعاً في الاقتصاد وتوسعاً في المستوطنات، وهو ما تواصل حتى خلال عهد رابين. وقبل اغتيال رابين في نوفمبر 1995 من قِبل متطرف يهودي رآه خائناً لأنه "باع أرض الميعاد،" كانت سلسلة من التفجيرات الانتحارية التدميرية قد نالت منه سياسياً بالفعل.

لقد بذرت عملية أوسلو للسلام بذور فنائها بتعمدها لغة "الغموض البَنَّاء" بخصوص طبيعة التسوية النهائية بين الإسرائيليين والفلسطينيين. كانت الاتفاقات معقدة، ملغمة بالثغرات، وعكست عدم توازن القوة بين كفتي المحتل الإسرائيلي والمحتلين الفلسطينيين. وأدت إلى رفع سقف توقعات كان مقدراً لها أن تصطدم بصخرة سرديات وطنية واعتبارات سياسية داخلية متناقضة.

هكذا بحلول الوقت الذي بدأت فيه المفاوضات حول اتفاق سلام نهائي، ما كان هناك مقترح سلام إسرائيلي- حتى المقترحات الشاملة المقدمة من رئيسي الوزراء الإسرائيليين إيهود باراك وإيهود أولمرت في عامي 2000 و2008، على التوالي- يستطيع أن يلبي التوقعات غير الواقعية لدى الفلسطينيين. علاوة على ذلك، وعبر ممارسة ضغط أكثر من اللازم على إسرائيل لدفعها للقبول بتسوية، مهدت هذه المقترحات ثم رفضها اللاحق الطريق أمام صعود أقصى اليمين الإسرائيلي المنادي بضم المستوطنات، كما يجسده الائتلاف الفاشي الرجعي الحالي بزعامة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

في هذا السياق، تقدم اتفاقات إبراهام 2020، التي طَبَّعت العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل وأربع دول عربية- الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان- شهادة على إخفاق أوسلو. كانت الحكمة السائدة خلال حقبة أوسلو أن السلام مع الفلسطينيين سيخدم كحجر انطلاق إلى السلام بين إسرائيل والعالم العربي الأوسع. لكن في نهاية المطاف سادت اعتبارات جيوسياسية، ويبدو أن إسرائيل والمملكة العربية السعودية تقتربان أكثر من التطبيع الدبلوماسي. وهو ما يجعل الصراع العربي- الإسرائيلي يبدو اليوم كشيء من الماضي أشبه بأثر بعد عين بشكل متزايد، رغم بقاء فلسطين مُحتلة.

في ضوء ما سبق، يجب على الولايات المتحدة، بوصفها الراعي الرئيسي لاتفاقات أبراهام، الاستفادة من هذه الاصطفافات الإقليمية المتغيرة للتخفيف من سوء المعاملة الإسرائيلية بحق الفلسطينيين. ويجب أن يكون أي تطبيع بين إسرائيل والسعودية مشروطاً على تقدم ملموس على الجبهة الفلسطينية. ولن يكون أي اتفاق يُخفق في تفكيك تحالف نتنياهو مع زمرة المتعصبين الرجعيين للمستوطنات أكثر من مجرد تلفيق تجميلي من بنات أفكار أُلعبان سياسي مخضرم.

*****
*شلومو بن عامي، وزير خارجية إسرائيلي سابق، هو نائب رئيس مركز توليدو الدولي للسلام ومؤلف كتاب "أنبياء بلا شرف: قمة كامب ديفيد 2000 ونهاية حل الدولتين" (مطبعة جامعة أكسفورد، 2022).
_____________________________
ترجمة: عبد المجيد الشهاوي
رابط المقال الأصلي: https://www.project-syndicate.org/commentary/israel-settlement-expansion-helped-doom-oslo-peace-process-by-shlomo-ben-ami-2023-09








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ما هو العمل ايها الاخ؟؟؟
سمير أل طوق البحراني ( 2023 / 9 / 18 - 08:38 )
سؤآل وجيه يجب ان يوجه الى فقيه مسلم شيعي لان في الجواب الصواب وتجنب الحراب وان استنكره بعض الاصحاب. الجواب هو كما يعتقد الشيعة ان لا محرر للقدس وفلسطين الا الامام الثاني عشر الغآئب عند ظهوره فعليه يجب التاقلم بين الفلسطينيين واليهود والاعتراف بما هو قآئم الآن بينهم وهذا الاعتراف هو تنفيذ اتفاقية اوسلو للسلام من جانب واحد والذي تصر عليه منظمة التحرير برآسة محمود عباس. اما الداعم الظمني لها هي محاولة طلب منظمة حماس هدنة طويلة الامد لا يعلم طولها الا الله. بنآء على ما تقدم قامت بعض الدول العربية بالتطبيع مع اسرآئيل وستتبعها بقية الدول عربية اخرى ـ ولا لوم على المطبعين طبعا ـ لان المعترف الضمني بما تقوم به اسرأئيل - رغم نفض اتفاق اوسلو - هي منظمة التحرير برآسة محمود عباس. السياسة وفنونها والضحية هم المستضعفون. سلام عليكم.

اخر الافلام

.. بعد الجامعات الأميركية.. عدوى التظاهرات تنتقل إلى باريس |#غر


.. لبنان وإسرائيل.. ورقة فرنسية للتهدئة |#غرفة_الأخبار




.. الجامعات التركية تنضم ا?لى الحراك الطلابي العالمي تضامنا مع


.. إسرائيل تستهدف منزلا سكنيا بمخيم البريج وسط قطاع غزة




.. غزة.. ماذا بعد؟ | جماعة أنصار الله تعلن أنها ستستهدف كل السف