الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل ثقافة جماهيرية بديلة47

عبدالرحيم قروي

2023 / 9 / 17
الارشيف الماركسي


خطوط أولية لنقد الاقتصاد السياسي
فريدريك إنجلس
الحلقة السادسة والأخيرة

فهل يتعين عليّ أن أعرض بمزيد من التفصيل هذا المذهب الخسيس، السافل، هذا التجديف الكريه على الطبيعة البشرية، وأن أتتبع استنتاجاته اللاحقة؟ أخيراً، تبرز هنا أمامنا لاأخلاقية الاقتصادي في أرفع أشكالها. ماذا تعني جميع حروب وويلات نظام الاحتكار بالمقارنة مع هذه النظرية؟ والواقع أنها بالذات حجر الزاوية في نظام حرية التجارة الليبرالي، الحجر الذي لا بد أن ينهار الصرح كله إذا ما سقط. لأنه ما دام قد أقيم البرهان على أن المزاحمة هي هنا السبب الأول للفقر والبؤس والإجرام، فمن ذا الذي يتجاسر، والحالة هذه، أن يقول كلمة في الدفاع عنها؟
إن أليسون قد زعزع في المؤلف المذكور أعلاه نظرية مالتوس باستشهاده بالقوة المنتجة الملازمة للأرض، وبمعارضة مبدأ مالتوس رواقع أن كل امرئ راشد يستطيع أن ينتج أكثر مما يستهلك، - هذا الواقع الذي بدونه ما كانت البشرية تكاثرت، وحتى، فضلاً عن ذلك – ما كانت تواجدت، وإلا، بمَ كان من الممكن أن يعيش الجيل الناشئ؟ ولكن أليسون لا يتسرب إلى كنه الأمور، ويتوصل بالتالي في آخر المطاف، إلى نفس النتيجة التي توصل إليها مالتوس. صحيح أنه يبرهن عدم صحة مبدأ مالتوس، ولكنه عاجز عن دحض الوقائع التي ساقت مالتوس إلى مبدئه.
ولو أن مالتوس لم ينظر إلى القضية بنحو أحادي الجانب، لكان رأى، بلا مناص، أن فيض السكان أو فيض قوة العمل يرتبط دائماً بفيض الثروة، وفيض الرأسمال، وفيض الملكية العقارية. ولا يكون عدد السكان مفرطاً في الكبر إلا حيث القوة المنتجة مفرطة في الكبر عموماً. وهذا ما تبينه بوضوح ما بعده وضوح حالة كل بلد فائض السكان، وبخاصة إنجلترا، منذ أن كتب مالتوس. هكذا كانت تلك الوقائع التي كان يجب على مالتوس أن يدرسها بمجملها والتي كان لا بد لدراستها أن تؤدي إلى استنتاج صحيح، وعوضاً عن هذا، تمسك بواقع واحد، وترك الوقائع الأخرى جانباً، ولهذا خلص إلى استنتاج جنوني. وتلخص الخطأ الثاني الذي اقترفه في الخلط بين وسائل العيش ووسائل الشغل. إما أن السكان يضغطون دائماً على وسائل الشغل، وأن عدداً معيناً من الناس يمكن توفير شغل له، وأن العدد نفسه منهم يجري إنتاجه، - خلاصة القول إن إنتاج قوة العمل قد ضبطها حتى الآن قانون المزاحة، وأنه تعرض بالتالي هو أيضاً للأزمات والتذبذبات الدورية – فإن هذا واقع يعود الفضل في إثباته إلى مالتوس. ولكن وسائل الشغل ليست وسائل العيش. ففي حال ازدياد قوة الآلات ونمو الرأسمال، لا تتزايد وسائل الشغل إلا كنتيجة أخيرة. أما وسائل العيش، فإنها تتزايد في الحال ما إن تزداد القوة المنتجة نوعاً ما على العموم. وهنا يبرز تناقض جديد في الاقتصاد السياسي. فإن الطلب كما يفهمه الاقتصادي، ليس الطلب الفعلي، والاستهلاك، كما يفهمه، استهلاك مصطنع. إن الممثل الفعلي للطلب، المستهلك الفعلي، ليس بنظر الاقتصادي إلا ذاك الذي يستطيع أن يعرض معادلاً لما يحصل عليه. ولكن إذا كان من الواقع أن كل امرئ راشد ينتج أكثر مما يستطيع أن يستهلكه، وأن الأولاد مثل الأشجار التي تعيد النفقات عليها بفيض وعلاوة – وكل هذا من الواقع – فإنه ينبغي الظن أنه كان لا بد لكل عامل أن تتوفر له إمكانية إنتاج كمية أكبر بكثير من الكمية التي يحتاج إليها، وأنه كان لا بد للمجتمع بالتالي أن يزوده بطيبة خاطر بكل ما يلزم؛ كان ينبغي الظن أنه يجب أن تكون العائلة الكبيرة بالنسبة للمجتمع هدية مرغوب فيها شديد الرغبة. ولكن الاقتصادي لا يعرف، بحكم غلاظة مفاهيمه، أي معادل غير ما يُدفع نقوداً رنانة محسوسة. وهو مقيد في متضاداته بدرجة من الشدة بحيث إن الوقائع الدامغة للغاية قلما تقلقه مثلها في ذلك مثل المبادئ العلمية للغاية.
نحن نقضي على التناقض بمجرد أننا نلغيه. وحين تتمازج المصالح المتضادة حالياً، يزول التضاد بين فيض السكان في جهة وفيض الثروة في الجهة الأخرى، يزول ذلك الواقع المدهش، المدهش أكثر من جميع عجائب جميع الأديان مأخوذة معاً، وهو أنه لا بد للأمة أن تموت جوعاً بسبب الثروة والوفرة، على وجه الضبط؛ يزول الزعم الجنوني القائل إن الأرض عاجزة عن إطعام الناس. إن هذا الزعم هو أسمى آيات الحكمة في الاقتصاد السياسي المسيحي؛ أما أن اقتصادنا السياسي هو مسيحي من حيث الجوهر، ففي وسعي أن أبرهن هذا في كل موضوعة، في كل مقولة – وسأفعل هذا في حينه. إن نظرية مالتوس ليست سوى التعبير الاقتصادي عن العقيدة الدينية بصدد التناقض بين الروح والطبيعة وبصدد فساد الاثنتين النابع من هنا. وبطلان هذا التناقض الذي كشف من زمان في ميدان الدين ومعه، قد بينته كذلك، كما آمل، نظرية مالتوس بأنه كفؤ طالما لم يوضح لي، انطلاقاً من مبدئها بالذات، بأي نحو يمكن أن يموت الشعب جوعاً – بسبب الوفرة على وجه الضبط – وطالما لم يجعل الاقتصادي هذا التوضيح متطابقاً مع العقل والوقائع.
ولكن نظرية مالتوس كانت عاملاً انتقالياً ضرورياً بالتأكيد، دفعنا إلى الأمام إلى ما لا نهاية. فبواسطتها، كما على العموم بواسطة الاقتصاد السياسي، شرعنا نهتم بالقوة المنتجة للأرض البشرية. وبعد التغلب على هذا النظام الاقتصادي لليأس، ضمنّا أنفسنا إلى الأبد دون الخوف من فيض السكان. ومن نظرية مالتوس، نستمد أقوى الحجج الاقتصادية في صالح التحويل الاجتماعي، لأنه حتى لو كان مالتوس على حق بالتأكيد، لكان من الضروري مع ذلك الشروع حالاً في هذا التحويل، لأنه وحده دون غيره، لأن تنوير الجماهير المحقق بفضل هذا التحويل، من شأنهما وحدهما دون غيرهما أن يجعلا من الممكن أيضاً الحد المعنوي من غريزة التكاثر، الذي يعتبره مالتوس نفسه أسهل وسيلة ضد فيض السكان وأكثر الوسائل فعالية. وبواسطة هذه النظرية صرنا نفهم خارق إذلال البشرية، وتبعيتها لظروف المزاحمة؛ وقد بينت لنا هذه النظرية كيف حولت الملكية الخاصة الإنسان في آخر المطاف إلى بضاعة إنتاجها وإبادتها لا يتوقفان هما أيضاً إلا على الطلب؛ وكيف قتل نظام المزاحمة من جراء ذلك ويقتل يومياً ملايين الناس. وكل هذا رأيناه، وكل هذا يحفزنا على وضع حد لإذلال البشرية هذا عن طريق القضاء على الملكية الخاصة والمزاحمة وتضاد المصالح.
ولكن لنرجع مرة أخرى إلى النسبة بين القوة المنتجة والسكان لكي نبين إلى أي حد يخلو الخوف الواسع الانتشار من فيض السكان من دون أي مبرر كان. فإن نظام مالتوس يقوم كله على الحساب التالي. إن عدد السكان ينمو، كما يزعم مالتوس، بمتوالية هندسية: 1+2+ 4+ 8+ 16+ 32 وإلخ: وإن القوة المنتجة للأرض تنمو بمتوالية حسابية: 1+ 2+ 3+ 4+ 5+ 6+. الفرق جلي، مرعب؛ ولكن هل هو صحيح؟ أين أقيم البرهان على أن القوة المنتجة للأرض تنمو بمتوالية حسابية؟ لنفترض أن مساحة الأرض المحروثة محدودة. إن قوة العمل المبذولة في هذه المساحة تنمو مع نمو السكان، وحتى لنفترض أن مقدار الغلة ليس دائماً يزداد مع ازدياد نفقة العمل بنفس القدر الذي يزداد به العمل؛ وفي هذه الحالة يبقى عنصر ثالث ليس له، بالطبع، أية أهمية بنظر الاقتصادي، هو العلم؛ والحال أن تقدمه لا نهاية له، ويجري، على الأقل، بنفس السرعة التي يجري بها نمو السكان، وبأي نجاحات تدين الزراعة في هذا القرن للكيمياء وحدها، وحتى لشخصين فقط، هما السير همفري ديفي ويوستوس ليبيخ؟ ولكن العلم ينمو، على القل، بالسرعة التي ينمو بها السكان. ينمو السكان بنسبة عدد أفراد الجيل الأخير، ويتحرك العلم إلى الأمام بنسبة كتلة المعارف التي ورثها من الجيل السابق، ولذا ينمو العلم هو أيضاً، في الظروف العادية تماماً، بمتوالية هندسية. وما هو المستحيل على العلم؟ ولكن من المضحك التحدث عن فيض السكان ما دام ""يوجد في وادي المسيسيبي من الأراضي غير المحروثة ما يكفي لأجل نقل كل سكان أوروبا إليه""، ما دام من الممكن على العموم اعتبار الثلث فقط من الأرض محروثاً، وما دام من الممكن زيادة منتوج هذا الثلث من الأرض إلى ستة أضعاف وأكثر، وذلك عن طريق تطبيق الأساليب المحسّنة المعروفة حالياً لحراثة الأرض، وعن طريقها فقط.
إذن، تعارض المزاحمة الرأسمال بالرأسمال والعمل بالعمل والملكية العقارية بالملكية العقارية، كما تعرض كلاً من هذه العناصر بالعنصرين الآخرين. وفي الصراع ينتصر الأقوى؛ وللتكهن بنتائج هذا الصراع، يجب علينا أن ندرس قوى المتصارعين. أولاً، الملكية العقارية والرأسمال – وكل مهما بمفرده – أقوى من العمل، لأنه يتعين على العامل أن يعمل لكي يعيش، بينما يستطيع مالك الأرض أن يعيش من ريعه والرأسمالي من فوائده، وعلى الأقل، من رأسماله أو بفضل الملكية العقارية المحولة إلى رأسمال. ومن جراء هذا، لا يبقى للعامل غير الضروري الضروري، لا يبقى له غير وسائل العيش، بينما يتقاسم الرأسمال والملكية العقارية أغلبية المنتوجات. وفضلاً عن ذلك، يزحزح العامل القوي من السوق العامل الضعيف، والرأسمال الكبير الرأسمال الصغير، والملكية العقارية الكبيرة الملكية العقارية الصغيرة. وتؤكد الممارسة صحة هذا الاستنتاج. وإنها لمعروفة أفضليات الصناعي الكبير والتاجر الكبير بالنسبة للصناعي الصغير والتاجر الصغير، ومالك الأرض الكبير بالنسبة لمالك مورغن* واحد وحيد من الأرض. ومن جراء هذا، يبتلع الرأسمال الكبير والملكية العقارية الكبيرة، في الظروف العادية، بموجب حق القوي، الرأسمال الصغير والملكية العقارية الصغيرةن أي يجري تمركز الملكية. وأثناء الأزمات التجارية والزراعية، يجري هذا التمركز بسرعة أكبر بكثير. – وعلى العموم تنمو الملكية الكبيرة بصورة أسرع بكثير مما تنمو الملكية الصغيرة لأنه يُحسَم من الدخل لأجل تكاليف الحيازة في الملكية الكبيرة نصيب أقل بكثير. وتمركز الملكية هذا هو قانون ملازم للملكية الخاصة بقدر ما تلازمها جميع القوانين الأخرى، ولا بد للطبقات المتوسطة أن تزول أكثر فأكثر حتى صبح العالم مقسوماً إلى مليونيرين وفقراء مدقعين، إلى ملاكين عقاريين كبار ومياومين فقراء. ولن يجدي نفعاً أي قانون، أو أي تقسيم للملكية العقارية، أو اية تقسيمات للرأسمال من باب الصدفة؛ فلا بد لهذه النتيجة أن تحل وهي تحل إذا لم يسبقها تحويل العلاقات الاجتماعية تحويلاً تاماً، وتمازج المصالح المتضادة، والقضاء على الملكية الخاصة.
إن المزاحمة الحرة، شعار الاقتصاديين الرئيسي في أيامنا، هي شيء مستحيل، فقد كان الاحتكار ينوي، على الأقل، وقاية المستهلك من الخداع، رغم أنه لم يكن بمقدوره أن يحقق هذه النية. أما القضاء على الاحتكار، فإنه يفتح الباب على مصراعيه أمام الخداع. أنتم تقولون: المزاحمة تنطوي على الوسيلة ضد الخداع، إذ أن أحداً لن يشتري أشياء رديئة، ولكن هذا يعني أنه ينبغي أن يكون كل امرئ خبيراً في كل صنف من البضائع؛ وهذا مستحيل. ومن هنا ضرورة الاحتكار، كما تبين تجارة الكثير من البضائع. يجب أن تملك الصيدليات وما إليها الاحتكار. والبضاعة الأهم – النقود – تحتاج، أشد ما تحتاج، إلى الاحتكار على وجه الضبط. وكلما كانت أداة التداول تكف عن أن تكون احتكار الدولة، كانت تنشب أزمة تجارية! ولذا يعترف الاقتصاديون الإنجليز، بمن فيهم الدكتور ويد، بضرورة الاحتكار هنا. ولكن الاحتكار أيضاً لا يقي من النقود المزيفة. انظروا إلى المسألة من أي جانب كان، فإن كل جانب يعرض من المصاعب قدر ما يعرضه أي جانب آخر. إن الاحتكار يلد المزاحمة الحرة، والمزاحمة الحرة تلد – بدورها – الاحتكار: ولهذا يجب أن يسقطا كلاهما، ومع إزالة مبدأ ولادتهما ستزول المصاعب نفسها أيضاً.
لقد تسربت المزاحمة إلى جميع علاقاتنا الحياتية وأنجزت الاستعباد المتبادل الذي يتواجد فيه الناس حالياً. والمزاحمة هي تلك الآلية الجبارة التي تدفع المرة تلو المرة إلى النشاط نظامنا الاجتماعي بسبيل الشيخوخة أو بسبيل الهرم أو بالأصح انعدام النظام، ولكن التي تبتلع في الوقت نفسه قسماً من قواه المستضعفة في حال توتيرها كل مرة. إن المزاحمة تسود على نمو البشرية العددي، وهي تسود كذلك على تطورها الأخلاقي. إن من يلم، ولو نوعاً ما، بإحصاءات الإجرام، الإجرام سنوياً، والذي تلد به أسباب معينة جرائم معينة. إن انتشار النظام المصنعي يؤدي في كل مكان إلى تفاقم الإجرام. ومن الممكن التكهن سلفاً بما يكفي من الدقة، سواء بالنسبة لمدينة كبيرة أم بالنسبة إلى مدينة صغيرة، - كما لم يكن ذلك من النادر في إنجلترا – بالعدد السنوي للاعتقالات والجرائم الجنائية، وحتى بعدد جرائم القتل، وعدد جرائم السرقة مع العنف، وعدد السرقات الصغيرة وإلخ.. إن هذا الانتظام يبرهن أن الإجرام أيضاً توجهه المزاحمة، وإن المجتمع يخلق الطلب على الإجرام، وإن هذا الطلب يلبيه عرض مناسب؛ وإن الثغرة التي تتشكل إثر عمليات الاعتقال أو النفي أو الإعدام التي تطال عدداً معيناً من الناس، يسدها في الحال من جديد أناس آخرون، مثلما كل نقص في السكان، يسده في الحال قادمون جدد، وبتعبير آخر نقول إن الإجرام يضغط على وسائل العقاب مثلما يضغط السكان على وسائل الشغل. وإني لأترك لقرائي القول إلى أي حد من العدالة تمضي معاقبة المجرمين في هذه الظروف، ناهيك عن جميع الظروف الأخرى. فهنا يهمني أمر واحد فقط، هو أن أثبت انتشار المزاحمة في ميدان الأخلاق أيضاً وأن أبين أي درك من الانحطاط ساقت الملكية الخاصة الإنسان.
في نضال الرأسمال والملكية العقارية ضد العمل، يملك العنصران الأولان في وجه العمل أفضلية خاصة أخرى، هي مساعدة العلم، لأن العلم أيضاً موجه في ظل العلاقات الراهنة ضد العمل. مثلاً: الاختراعات الميكانيكية جميعها تقريباً، وبخاصة آلات هارغريفس وكرومبتون واركرايت لغزل القطن، قد استدعاها نقص قوة العمل. إن الطلب المشتد على العمل قد استتبع دائماً اختراعات زادت كثيراً من قوة العمل وقللت بالتالي من الطلب على العمل البشري. وإن تاريخ إنجلترا منذ 1770 حتى أيامنا دليل متواصل على هذا. والاختراع الكبير الأخير في غزل القطن - المول* - قد استتبعه الطلب الخارق على العمل وارتفاع الأجور، وقد ضاعف عمل الآلات، وخفض بالتالي العمل اليدوي إلى النصف، وحرم نصف العمال من العمل، وخفض بالتالي أجور النصف الآخر؛ وقضى على اتفاق العمال ضد الصناعيين ودمر البقية الأخيرة من القوة التي كانت لا تزال تتيح للعمل أن يصمد في الصراع غير المتكافئ ضد الرأسمال. (قارن الدكتور يور. ""فلسفة المانيفاكتورات""، المجلد 2). صحيح أن الاقتصادي يقول إن الآلات نافعة للعمال في آخر المطاف لأنها ترخص الإنتاج وتخلق بالتالي لأجل منتوجاتها سوقاً أوسع، وإن الآلات تؤمن على هذا النحو، من جديد، وفي آخر المطاف، شغلاً للعمال الذين بقوا بلا عمل. صحيح تماماً. ولكن لماذا ينسى الاقتصادي هنا أن إنتاج قوة العمل تضبطه المزاحمة، وأن قوة العمل تضغط دائماً على وسائل الشغل، وأنه سيظهر بالتالي، من جديد نحو الزمن الذي لا بد أن تحل فيه هذه المنافع، عدد فائض من المتزاحمين الذين يفتشون عن عمل، وأن المنفعة تمسي بالتالي شبحاً، بينما الخسارة – الحرمان المفاجئ من وسائل العيش بالنسبة لنصف العمال وهبوط أجور النصف الآخر – ليست البتة شبحاً؟ لماذا ينسى الاقتصادي أن تقدم الاختراعات لا يتوقف أبداً وأن هذه الخسارة تتأبد بالتالي؟ لماذا ينسى أن العامل لا يستطيع أن يعيش – في ظل تقسيم العمل، المتعاظم إلى ما لا نهاية له بفضل حضارتنا – إلا إذا كان بوسعه أن يجد مجالاً لبذل قواه على آلة معينة للقيام بعمل جزئي معين؛ وأن الانتقال من شغل إلى آخر، جديد، مستحيل تماماً على الدوام تقريباً بالنسبة للعامل الراشد؟
ومع دراسة تأثير الإنتاج الآلي، أصل إلى موضوع آخر، أبعد، هو النظام المصنعي؛ ولكن لا رغبة عندي ولا وقت للانصراف هنا إلى بحثه. ولكني آمل في أن تسنح لي الفرصة عما قريب لكي أحلل بالتفصيل لاأخلاقية هذا النظام الكريه وأفضح بلا هوادة نفاق الاقتصاديين الذين يبرزون هنا بكل لمعانهم.
كتبه إنجلس في أواخر 1842 – كانون الثاني (يناير) 1844.
صدر في مجلة ""Deutsch- Franzosische Jahrbucher"" سنة 1844.
التوقيع: فريدريك إنجلس.
النص الأصلي بالألمانية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مواجهات بين الشرطة ومتظاهرين في باريس خلال عيد العمال.. وفلس


.. على خلفية احتجاجات داعمة لفلسطين.. مواجهات بين الشرطة وطلاب




.. الاحتجاجات ضد -القانون الروسي-.. بوريل ينتقد عنف الشرطة ضد ا


.. قصة مبنى هاميلتون التاريخي الذي سيطر عليه الطلبة المحتجون في




.. الشرطة تمنع متظاهرين من الوصول إلى تقسيم في تركيا.. ما القصة