الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا لا (تتعولم) أمريكا؟

حسن مدن

2023 / 9 / 18
العولمة وتطورات العالم المعاصر


أكثر، وأشد، أنواع هجاء العولمة شيوعاً هو ذاك الذي ينعتها بالأمركة، فكأننا حين نتحدث عن «عولمة» العالم، يكون قصدنا «أمركته».

ومع أن هذا الهجاء تنقصه الدقة في الكثير من أوجهه، لكنه غير خالٍ تماماً من الوجاهة، على الأقل من زاوية واحدة كبيرة الأهمية، هي أن الصعود المدوي لعولمة العالم في العقدين أو الثلاثة المنقضية، تزامن مع الهيمنة شبه المطلقة للولايات المتحدة الأمريكية على العالم، بعد انهيار ثنائية القطبين العالميين مع انهيار الاتحاد السوفييتي، وما تلا ذلك من تقهقر مكانة روسيا، عموده الفقري، وانشغال الصين بترتيب بيتها الداخلي أولاً، بصمت، وبعيداً عن الاستعراض، وتحاشي التنطح لأدوار عالمية لم تكن تجد أن لحظتها قد أزفت بعد.
لكن ما من شيء ثابتٍ على حاله، الثابت الوحيد في الدنيا هو التغيير.

روسيا التي خرجت متهالكة واهنة القوى بعد سباق الحرب الباردة الطويل، لم تعد كذلك، وحتى لو لم تستعد سالف المجد السوفييتي، لكنها باتت قوة كبرى قادرة على منازلة الهيمنة الأمريكية في أكثر من منطقة، بينها منطقتنا العربية مثالاً، وفي يدي فلاديمير بوتين أوراق قوة لا يصح الاستخفاف بها يرميها وقت يشاء.

الصين هي الأخرى كفت عن أن تكون الدولة المنكفئة على نفسها، المنصرفة لشأنها التنموي الداخلي، فهي اليوم تتصرف بمنطق القوة العالمية التي ليس بالوسع تجاهل كلمتها، ما فرض تغييراً في الاستراتيجيات الأمنية والدفاعية الأمريكية لتتوجه نحو آسيا البعيدة، حيث تأتي مؤشرات جادة على أن عالم القطب الواحد ينتهي أو يوشك على الانتهاء.

يمكن الحديث هنا أيضاً عن الصعود الألماني، فلعل هذه الدولة، باستعادة وحدتها، كانت أكثر المستفيدين من نهاية الحرب الباردة، لجهة استعادة دورها المحوري لا في أوروبا وحدها، وإنما في العالم كله، حتى لو ظلت مقصية من حق العضوية الدائمة في مجلس الأمن.

إلى ذلك كله تواجه الهيمنة الأمريكية على مناطق نفوذها صعوبات جمة؛ فهي لا تحظى بالقبول في كل مكان تعتقد أنها تسيطر عليه. باحث أمريكي قال مرة ما مفاده: كون الآخرين يشربون الكوكاكولا ويلبسون الجينز، لا يعني أن تفكيرهم بات أمريكياً، أو أنهم يستسيغون السياسات الأمريكية.

غاية القول أن العولمة لم تعد أمريكية. العالم يتعولم بألوان سياسية وثقافية متعددة، وفي كلمات أخرى: لقد حانت اللحظة التي لن يعود ممكناً بعدها أن يدار العالم من مركز واحد. ثمة مراكز قوة كبرى، تتشكل وتؤثر، لكن الناقص في هذا هو أن تعترف الولايات المتحدة بحاجتها، هي، إلى أن «تتعولم»، وتكف عن حلم «أمركة» الآخرين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ‏مفهومك خاطئ عن العولمة
د. لبيب سلطان ( 2023 / 9 / 18 - 10:49 )
نعم استاذ حسن مفهومكم للعولمة مستوحى من بوتين ومن وتشينغ بينغ ومفكرين رجعيين امثال الكسندر دوغين وقبلهما هتلر وامبراطور اليابان وموسوليني ان امبراطورياتهم لها حقوق جيوسياسية ولابد من تكتلهم بقطب ينهي ماتدعوه العالم الاخادي القطب الذي يسمونه اميركا او الغرب او قبل قرن سموه بريطانيا لو تراجع حتى ابسط تعريف لهذا المصطلح على ويكيبديا مثلا سيخبرك ان العولمة هي وسائل لربط العالم بمصالح مشتركة تعود بالنفع لكافة الدول وتقلل من مخاطر صراعها ..والمفهوم الاعم لها هو خلق مفاهيم ومصالح مشتركة تقرب تعاون وتفاعل الدول والشعوب في قضاياها المشتركة ليصبح العالم - قرية للجميع-
انك تبارك بوتين ودعواه لاقامة قطب امبراطوري .. وها هي دعوته نصف مليون قتيل من شعبين متجاورين..هذا اول الغيث...هل سألت نفسك ما هو دافع بوتين ؟ وهل العلمانية باقامة امبراطوريات ..واين استفاد العالم من قطبيات القرن العشرين..حرب عالمية واخرى اجتاحت العالم الثالث..القطبيات ليست عولمة كما جاء في مقالتكم الدوغينية البوتينية ..انها عكسها تماما جعل العالم ينعم بسلم من دون اقطاب ودون امبراطوريات.ودون ديكتاتوريات كالتي تفخر بها

اخر الافلام

.. نتنياهو: فكرة وقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة غير مطروحة ق


.. استقبال حجاج بيت الله الحرام في مكة المكرمة




.. أسرى غزة يقتلون في سجون الاحتلال وانتهاكات غير مسبوقة بحقهم


.. سرايا القدس تبث مشاهد لإعداد وتجهيز قذائف صاروخية




.. الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد يترشح لانتخابات الرئ