الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية للفتيان المعجزة طلال حسن

طلال حسن عبد الرحمن

2023 / 9 / 19
الادب والفن


رواية للفتيان

المعجزة

طلال حسن



شخصيات الرواية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ الأم

2 ـ دادو

3 ـ الكاهن

4 ـ الحطاب

5 ـ ازور

" 1 "
ـــــــــــــــــــــ

عند شروق الشمس ، طرق باب البيت ، فألقت الأم ما كان بين يديها ، ونهضت متحاملة على نفسها ، وسارت ببطء عبر الفناء ، نحو الباب .
وكالعادة هتفت : من بالباب ؟
وجاها الردّ فوراً : أنا .
ودون أن تعرف بالضبط ، من هو " أنا " هذا ، فتحت الباب ، وإذا خادم كاهن معبد آشور في نينوى ، فقالت له : تفضل ، ادخل .
لكن الخادم لم يدخل ، وإنما قال لها : جئت إلى ابنك ، دادو .
فقالت الأم : دادو مازال نائماً .
وقال الخادم : الكاهن يريده .
ولاذت الأم بالصمت ، آه من الكاهن ، ومضى الخادم مبتعداً ، وهو يقول : فليذهب إلى المعبد ، ويقابل الكاهن ، حالما يستيقظ .
وأغلقت الأم الباب ، وقفلت عائدة عبر الفناء إلى الداخل ، وراحت تعد طعام الفطور لابنها دادو ، لن تخبره بأن الكاهن يريده ، حتى ينتهي من فطوره ، وإلا فإنه كالعادة ، لن يأكل منه لقمة واحدة .
استيقظ دادو متثائباً ، دون أن ينهض من فراشه ، لم توقظه أمه عامدة ، ولم تستعجله ، فهي لا ترتاح إلى الكاهن ، رغم تعبدها ، ومواظبتها على زيارة معبد الإله آشور ، بمناسبة أو غير مناسبة .
وبعد أن اغتسل بماء بارد ، ربما ليطرد البقية الباقية من النوم في عينيه ، جلس إلى السفرة قبالة أمه ، وراح يتناول طعام الفطور .
ونظرت إليه أمه ، وقالت : تأخرت البارحة في العودة إلى البيت .
وردّ دادو ، دون أن يتوقف عن تناول الفطور : كنت في حديقة المعبد ، مع الكاهن ، آه كان الإله سين يطل علينا ساطعاً من بين الأشجار .
وقالت أمه : لو كانت لك زوجة ، لجلست معها في ضوء القمر ، هذا ما يفعله الشباب في عمرك ، لا أن يجلسوا مع كاهن عجوز .
ورمقها دادو بنظرة سريعة ، وقال : سمعت الباب يُطرق ، قبل أن أستيقظ .
وقاطعته أمه قائلة : لابدّ أن أزوجك .
وتساءل دادو : من طرق الباب ؟
لم تجبه أمه ، وإنما قالت : أكمل فطورك .
وبدل أن يكمل دادو فطوره ، أبعد عنه الطعام ، وقال : أخبريني أولاً .
ولاذت الأم بالصمت فترة ، ثم قالت بصوت يشي بانفعالها : خادم الكاهن .
وهبّ دادو من مكانه ، وهو يقول : لابدّ أن الكاهن يريدني لأمر هام .
وقالت الأم محتجة : لكنك كنت معه ليلة البارحة على ضوء القمر .
ومضى دادو مسرعاً إلى الخارج ، وهو يقول : وهذا ما يثير قلقي .
ولحقت به أمه ، عبر فناء البيت ، إلى الباب الخارجي ، وقالت بنبرة مصالحة : لا تتأخر عن الغداء ، سأعد لك اليوم ما تحبه ، كبة برغل محشية .
لكن دادو مضى في طريقه ، دون أن يلتفت إليها ، أو يحفل بالكبة المحشية ، رغم أنه كان يحبها ، أكثر من أي شيء آخر في العالم .


" 2 "
ــــــــــــــــــــ
لم يجد دادو الكاهن العجوز في غرفته ، كما لم يجده في الحديقة ، ولا تحت الشجرة الضخمة ، التي قضيّا تحتها ساعات من ليلة البارحة .
ووقف دادو مفكراً ، ترى أين الكاهن العجوز ؟ فهو قلما يغادر المعبد ، نعم إنه هنا ينتظره ، في مكان ما ، مادام قد أرسل في طلبه ، آه .
وأسرع نحو حرم المعبد ، لابد أنه الآن بين يدي الإله العظيم آشور ، ودخل الحرم ، وسبقته عيناه المتلهفتان إلى تمثال الإله آشور ، عجباً ، لم يكن الكاهن العجوز بين يديه ، أين هو إذن ؟
ومن إحدى الزوايا المظلمة ، داخل حرم المعبد ، جاءه صوت هادىء عميق واهن ، إنه الكاهن العجوز يخاطبه قائلاً : دادو .
والتفت دادو نحو مصدر الصوت ، ولمح في الظلام الكاهن العجوز يقف جامداً ، فأسرع إليه ، وقال : سيدي ، أرسلت خادمك في طلبي ، وأخشى أن أكون تأخرت عليك ، أرجو أن تكون بخير .
فمد الكاهن العجوز يده ، وتشبث بيد دادو ، وقال : اطمئن ، مازلت بخير .
وصمت لحظة ، ثم قال : الجو هنا حار ، خذني إلى الحديقة .
وسار دادو ببطء ، ممسكاً بيد الكاهن العجوز ، وقال : أنت محق ، لنذهب إلى الحديقة .
وخرجا إلى الحديقة ، وتوقف الكاهن العجوز لحظة ، وتنفس بعمق ، ثم واصل سيره ، متشبثاً بيد دادو ، وهو يقول : دادو ، ما تحدثت به إليك ، خلال الأسابيع الأخيرة ، تأكدت من صحته تماماً .
وتوقف دادو ، وقال متسائلاً : الإله مردوخ !
فقال الكاهن العجوز : سيظهر بنفسه قريباً ، في معبد المدينة المقدسة .. نيبور .
ونظر دادو إليه صامتاً ، فقال : هذا ما أكدته لي جميع الإشارات الغامضة ، التي قرأتها وراء سطور الرقم الطينية المقدسة للأولين .
وسار الكاهن العجوز ببطء أشد ، ويده مازالت متشبثة بيد دادو ، وقال بصوت متعب : لنجلس تحت الشجرة ، لديّ ما أقوله لك .
وجلسا جنباً إلى جنب تحت الشجرة ، التي قضيّا تحتها ساعات ليلة البارحة ، وقال الكاهن العجوز : والبارحة ، قبيل الفجر ، جاءني في المنام .
وتساءل دادو : من ؟ الإله آشور ؟
فرد الكاهن العجوز قائلاً : لا ، الإله مردوخ .
وقال دادو متعجباً : لكن الإله مردوخ في نيبور .
وقال الكاهن العجوز : صحيح إنني كاهن معبد آشور في نينوى ، لكن أمي من نيبور .
ولاذ دادو بالصمت لحظة ، ثم قال : أعتقد أنك قلت لي مرة ، إن أمك من اريدو .
وبشيء من الحزم ، ردّ الكاهن العجوز : كلا ، ليست من اريدو ، وإنما من نيبور .
وثانية لاذ دادو بالصمت ، فقال الكاهن العجوز : جاءني الإله مردوخ في المنام ، وقال لي بصوته الإلهي المذهل ، سأنزل من مقامي في السماء ، إلى معبدي في نيبور ، وأريدك أن تزورني حيث أنزل .
ونظر دادو إليه ، وقال : سيدي ، نيبور المقدسة ليست قريبة ، وأنت لم تعد صغيراً ، ومن الصعب أن تصل إلى هناك الآن .
فقال الكاهن العجوز : أنت محق ، يا بنيّ ، ولهذا أرسلت في طلبك .
وصمت لحظة ، ثم أضاف قائلاً : أرادني أن أكون في نيبور ، أنا شخصياً ، أو من ينوب عني ..
وشد على يد دادو ، وقال بصوت هادىء عميق : وأنت من سينوب عني ، يا دادو .



" 3 "
ــــــــــــــــــــ

فوجئت الأم ، بعد منتصف النهار ، بابنها دادو يعود إلى البيت ، وهو يجرّ وراءه حصاناً ، لا يبدو أنه قوي أو فتيّ ، لا يصلح ربما إلا للوقوف بهدوء ، أمام مذود مليء بالجت الطري .
وغضت الأم النظر عن الحصان ، وألقت نظرة سريعة على دادو ، وقالت : تأخرت عند الكاهن العجوز ، حتى بردت كبة البرغل .
وشدّ دادو الحصان إلى شجرة خارج البيت ، وقال : لا بأس ، يا أمي ، تعالي نأكل .
وحول كبة برغل كبيرة ، محشوة جيداً باللحم ، جلس دادو وأمه العجوز ، وقبل أن يبدآ بتناول الكبة ، قالت الأم : هذا حصان المعبد ، على ما أظن .
وكسر دادو الكبة ، وأخذ قطعة منها ، راح يلتهمها ، وهو يهزّ رأسه أن نعم ، فوضعت الأم لقمة في فمها الأدرد ، وقالت : لقد رأيته ، في المعبد ، عند وفاة أبيك ، قبل سنوات .
فقال دادو ، وفمه مليء بالطعام : إنه حصان مبارك ، فهو يعيش في معبد الإله آشور .
وقالت الأم : أظن أن هذه هي المرة الأولى ، التي يخرج فيها من المعبد .
ودفع دادو قطعة أخرى من الكبة في فمه ، وقال : نعم ، خرج من معبد الإله آشور ، وسيأخذني إلى معبد الإله مردوخ في مدينة نيبور المقدسة .
وتوقفت اللقمة في فم الأم العجوز ، حتى كادت تختنق ، وصاحت : ماذا ! نيبور ؟
ونهض دادو ، وقال : كبة البرغل لذيذة جداً اليوم ، أعطيني كبة أخرى ، سآكلها وأنا في الطريق إلى لقاء الإله مردوخ ، في المدينة المقدسة .
وهبت الأم العجوز من مكانها ، وقالت بصوت منفعل : إن أباك ، رغم خفة عقله ، لم يُقدِم على شيء كهذا ، في أي مرحلة من مراحل عمره .
ونظر دادو إلى أمه ، وقال بصوت هادىء : أمي ، الإله مردوخ ، ناداني من معبده ، في مدينة نيبور المقدسة ، ويجب أن أذهب .
فردت الأم قائلة : لكننا لا نعبد الإله مردوخ ، بل نعبد الإله آشور .
وقال دادو : الآلهة كلهم إخوة ، كما يقول الكاهن العجوز ، ونحن نعبدهم جميعاً .
وتوقفت الأم العجوز مذهولة ، وقالت بصوت تغرقه الدموع : لقد جُنّ دادو .

" 4 "
ــــــــــــــــــــ

رغم اعتراضات أمه العجوز ، وتوسلاتها المعززة بالدموع ، امتطى دادو حصان المعبد ، الذي قال عنه الكاهن ، بأنه مبارك من الإله آشور نفسه .
ولم ينسَ دادو ، قبل أن ينطلق نحو مدينة نيبور المقدسة ، لمقابلة الإله مردوخ ، أن يوصي أمه قائلاً : قولي للبستاني ، أن يرعى البستان ، حتى أعود .
وحثّ دادو حصانه برفق ، فهو ليس حصاناً عادياً ، وإنما حصان المعبد ، يرعاه ، ويحميه ، ويمنحه القوة والصبر ، الإله آشور نفسه .
وتطلع بعيداً ، حيث الآفاق المفتوحة ، التي مازال يغمرها ضوء النهار ، الطريق ممتدّ ، وصعب جداً ، والمسافة بين نينوى ونيبور طويلة جداً ، لكن ـ وهذا هو المهم ـ سيجد في نهايتها الإله العظيم مردوخ .
وعند اللقاء ، الذي لن ينساه عمره كله ، سيقول للإله مردوخ ، إنه جاء نيابة عن كاهن معبد آشور ، لأنه عجوز ومتعب جداً ، ولن يتحمل مشاق السفر ، وهو تلميذه ، وبمثابة ابنه أيضاً .
وسيفرح الإله مردوخ ، فقد لبى كاهن معبد آشور نداءه ، صحيح إنه لم يأتِ بنفسه ، لكن لا بأس ، فهذا ما يستطيعه ، فهو إنسان .. إنسان عجوز .
وفوجىء دادو بغياب الشمس ، وحلول الظلام ، حتى لم يعد يتبين طريقه جيداً ، إنه لا يدري كيف مرّ الوقت بهذه السرعة ، فقد كان مستغرقاً في أحلامه ، ولقائه الذي لن يتكرر ، بالإله العظيم مردوخ .
وأوى إلى شجرة ضخمة ، ربط حصانه الأثير إليها ، وتمدد على مقربة منها ، وهراوته الضخمة ، التي ورثها عن أبيه ، في متناول يده ، تحسباً من مهاجمة وحش ضار ، جائع ، قد يفكر في العشاء به .
وتذكر دادو ، أنه لم يتناول طعام العشاء ، ففتح الصرة ، التي أعدتها له أمه ، آه يا لأمه الحبيبة ، فهي رغم زعلها ، لم تضع له في الصرة كبة واحدة ، بل وضعت كبتين محشوتين باللحم .
وعلى الفور ، تناول دادو نصف كبة ، ونام ، نعم ، عليه أن يقتصد ، فهو من نينوى ، وأهل نينوى ، أحفاد الحكيم العظيم احيقار ، معروفون بحرصهم ، وعدم تبذيرهم ، والتأني ، و ..
وأيقظته شمس الصباح ، بأشعتها الساطعة الدافئة ، فهبّ إلى حصانه الأثير ، الذي يحميه الإله آشور نفسه ، وانطلق نحو نيبور المقدسة .
لم يتوقف دادو طول النهار ، إلا ليشرب الماء من الغدران أو الآبار ، التي يصادفها على الطريق ، ناسياً أمر الطعام ، وهل من المعقول ، أن يتذكر الطعام ، حتى لو كان كبة برغل محشية ، وهو يفكر في الإله العظيم مردوخ ؟
وعند المساء ، أوى متعباً إلى شجرة ، فربط حصانه الأثير إليها ، وجاء بصرته ، وجلس تحت الشجرة ، ليتناول عشاءه ، وما إن فتح الصرة ، حتى أقبل رجلان ماشيان ، وتوقفا على مقربة منه .
ونظر أحدهما إلى الآخر ، بعد أن رمقا صرة الطعام بنظرة خاطفة جائعة ، وقال الأول : هذا مكان جيد ، لنقض ِ الليلة هنا .
فردّ الثاني ، وعيناه الجائعتان تلتهمان الكبة المحشية : أنا معك ، إنه مكان جيد .
ونظر دادو أليهما ، فقال الأول : سنبات هنا ، على مقربة منك ، إن لم تمانع .
وردّ دادو قائلاً : ولمَ أمانع ؟ إن مبيتكما هنا لن يكلفني أيّ شيء .
وجلس الرجلان على مسافة أمتار منه ، وأخرج كلّ منهما كسرة خبز من بين ثيابه ، وعيونهما تحوم حول الكبة المحشية .
وغمز أحد الرجلين للآخر ، ثم التفت إلى دادو ، وقال : نحن رفاق سفر ، لنأكل معاً .
وعلى الفور ، ردّ دادو قائلاً : لا ، ليأكل كلّ منّا مما معه من طعام .
فقال الرجل الثاني : لكن ليس معنا نحن غير هذا الخبز اليابس .
ونهش دادو قطعة من الكبة المحشية ، وقال : إذن كُلا الخبز اليابس .
وصمت الرجلان محنقين ، فتابع دادو قائلاً : نحن أهل نينوى ، نعمل دائماً ، وفي كلّ المناسبات ، بوصايا حكيمنا العظيم .. أحيقار .
وصمت لحظة ، ثم تابع قائلاً : قال مخاطباً ابنه بالتبني نادين ، يا بنيّ نادين ، لا تشتهِ كبة غيرك ، مهما كانت محشية .
وهزّ الأول رأسه ، وقال الثاني : لا أظن أن احيقار ، قال هذه الحكمة ، رغم أنه من نينوى .
فقال دادو، وهو يجهز على نصف الكبة المحشية : ما أدراكَ ؟ أنت لست من نينوى .




" 5 "
ــــــــــــــــــــــ

أفاق دادو قبيل الفجر ، فلم يجد الرجلين ، وإن وجد حصانه الأثير في مكانه ، من يدري ، ربما لم يكن الرجلان لصين ، وحتى لو كانا كذلك ، فما كان بإمكانهما سرقته ، إنه حصان الإله آشور .
وأراد أن يفطر ، قبل أن يواصل سيره إلى المدينة المقدسة نيبور ، لمقابلة الإله مردوخ ، لكنه فوجىء بعدم وجود صرة الطعام ، يا للصين اللعينين ، لقد سرقا الصرة بما فيها من طعام ، ولاذا بالفرار .
وامتطى دادو الحصان ، وواصل طريقه نحو نيبور ، رغم أنه لم يتناول شيئاً من الطعام ، يا للإله آشور ، لقد حمى حصانه من اللصوص ، لكنه لم يحم ِ كبته المحشية ، وتركه فريسة للجوع ، ترى ماذا يمكن أن يقول أحيقار في مثل هذا الحال ؟
مهما يكن ، فلابدّ أن هناك حكمة وراء ذلك ، لقد جاء من أجل هدف سام ٍ ، سيذهب إلى نيبور ، ويقابل الإله العظيم مردوخ ، عند نزوله من مقره في السماء ، حيث يعيش الآلهة خالدين .
وسار الحصان بثبات فوق الطريق ، على العكس مما توقعت أمه ، وربما الفضل في ذلك يعود إلى الإله مردوخ ، رغم أن الحصان ، ليس حصانه وإنما هو حصان الإله آشور ، مهما يكن فالآلهة أخوة ، يعاون بعضهم البعض عند الحاجة .
وعند منتصف النهار ، لمح من بعيد رجلاً يقف قرب مرتفع من التراب كأنه القبر ، وحثّ حصانه ، لعل الرجل المسكين بحاجة إلى مساعدة ، وما إن اقترب منه ، حتى عرف أنه أحد الرجلين اللذين استغلا فرصة نومه ، وسرقا كبة البرغل منه .
ورفع الرجل عينيه المذنبتين إلى دادو ، ثم أشار إلى القبر ، وقال : صاحبي .
وهمهم دادو ، دون أن يعلق بكلمة ، فتابع الرجل قائلاً :
أكل الكبة وحده ، فمات .
وهمز دادو الحصان برفق ، وواصل طريقه ، وهو يقول : إنها حكمة الإله آشور .
وتوقف الرجل ، في مكانه قرب القبر ، يتابع دادو ، على حصان المتعب حتى غاب .
وشعر دادو بالعطش ، عندما رأى بئراً على طرف الطريق ، فتوقف على مقربة منه ، وترجل عن الحصان ، ليرتاح قليلاً ويشرب بعض الماء .
وقبل أن يشرب جرعة ماء واحدة ، أقبل عليه ثلاثة رجال متربين ، اثنان منهم يمتطي كلّ منهم حصاناً ، أما الثالث فكان راجلاً .
وأحاط الرجال الثلاثة به ، فرفع إليهم نظره خائفة متوجساً ، وقال : لابدّ أنكم عطشى مثلي ، تفضلوا الماء كثير ، وهو على ما يبدو ماء .. عذب .
ونظر الرجال الثلاثة إلى الحصان ، وقال الرجل الراجل : نريد هذا الحصان .
فردّ دادو قائلاً : هذا الحصان ليس لي ..
فقال رجل الثاني : دعه مادام ليس لك .
فقال دادو : إنه للإله آشور .
ونظر الرجل الراجل إلى رفيقيه ، وقال : لابد أنه قادم من مدينة نينوى .
وأيده دادو قائلاً : أنت محق ، وسيأخذني هذا الحصان لمقابلة الإله مردوخ .
ونظر الرجل الثالث إليه ساخراً ، وقال : يبدو أنه رجل مهم ، لا يتعامل إلا مع الآلهة .
وقال الرجل الثاني : نحن بحاجة إلى هذا الحصان ، وسنأخذه منك .
وترجل الرجلان عن حصانيهما ، وتقدم ثلاثتهم بخطى ثابتة من دادو ، وقال الرجل الراجل : سنأخذه كرهاً إذا اقتضى الأمر .
وأدار دادو نظره بينهم ، وقال : هذا حصان الإله آشور ، ولن أتنازل عنه .
فقال الرجل الثالث ، وهو يشير إلى رفيقيه : هذا يعني كرها .


" 6 "
ـــــــــــــــــــ

فتح دادو عينيه المتورمتين ، وتلفت حوله مذهولاً ، أهو في العالم الأسفل ؟ من يدري ، لكن أمامه فتاة شابة جميلة ، أو هكذا يراها .
يا للعجب ، فتاة ! لا يمكن ، فحسب معلوماته ، التي أخذها من كاهن معبد الإله آشور في نينوى ، لا توجد فتيات جميلات إلا في دلمون .
جنة دلمون ، إنه لن يحتاج هنا ، لا إلى الحصان ، الذي أخذه منه اللصوص الثلاثة ، ولا إلى كبة البرغل المحشية ، التي سرقها منه اللصان الأحمقان ، وتسببت في موت أحدهما ، بل ولا حتى لكاهن معبد آشور نفسه ، فهو في .. الجنة .. في دلمون .
ومالت عليه الفتاة الشابة ، وقربت منه كوز ماء ، وقالت : اشرب ، أنت عطشان .
ورفع دادو رأسه بصعوبة ، وتمتم قائلاً بصوت واهن : هذا الكوز .. يشبه كوز أمي العجوز .. في قريتنا البائسة .. في الأرض .
وتراجعت الفتاة الشابة ، وأبعدت الكوز عنه ، وقالت كأنها تحدث نفسها : المسكين ، مازال يهذي .
واعتدل دادو قليلاً ، متلفتاً حوله ، ثم قال : يبدو أنني لست في دلمون ، بل في ..
وقاطعته الفتاة الشابة قائلة : أنت في كوخنا ، القريب من مدينة نيبور المقدسة .
وحاول دادو أن يهب واقفاً ، وهو يقول : نيبور ! نيبور المقدسة !
وكاد أن يتداعى على الأرض ، فأسرعت الفتاة الشابة ، وأسندته بذراعيها ، وقالت : ابقَ في مكانك ، أنت لم تتعافَ بعد .
وتملص دادو من بين ذراعيها خجلاً ، وهو يقول : آه لابد أن اللصوص الثلاثة ، ضربوني ضرباً مبرحاً ، قبل أن يأخذوا مني الحصان .
وأعادته الفتاة الشابة إلى فراشه ، ثم قالت : ارتح قليلاً ، أنت اليوم أفضل بكثير ، بعد أن كنت فاقد الوعي تقريباً خلال اليومين الأخيرين .
وتطلع دادو أليها ، وقال : لقد ضربني اللصوص قرب البئر ، فما الذي أتى بي إلى هنا ؟
فردت الفتاة الشابة قائلة : أبي حطاب ، وقد رآك مدمى قرب البئر ، فجاء بك إل كوخنا .
وتمدد دادو متأوهاً ، وقال : آه لولاه لمتُ في البرية وحيداً ، ولن يكون بإمكاني أن أواصل الطريق إلى مدينة نيبور المقدسة .
ونظرت الفتاة الشابة إليه ، وقالت : يبدو أنك من مدينة نينوى الآشوريين .
فقال دادو : نعم ، أنا من نينوى ، وسأواصل طريقي ، في أقرب فرصة ، إلى مدينة نيبور المقدسة ، لألتقي بالإله مردوخ .
وحدقت الفتاة الشابة فيه مندهشة ، وتمتمت : الإله مردوخ !
فقال دادو : سألتقي به نيابة عن كاهن معبد الإله آشور في نينوى ، فالكاهن رجل عجوز ، مريض ، لا يقوى على السفر من نينوى حتى نيبور .
وحدقت الفتاة الشابة فيه صامتة مذهولة ، ثم قالت كأنها تحدث نفسها : يا للآلهة ، يبدو أن ضرب اللصوص الثلاثة أشد مما كنت أتصور .
وفوجئت الفتاة ، حين صاح دادو محتجاً : صدقيني ، لستُ مجنوناً .
وقالت الفتاة معتذرة : لا ، لستَ مجنوناً ، لكن ابقَ عندنا حتى تشفى ، ثم واصل طريقك .
وتململ دادو في فراشه متوجعاً ، وهو يقول : آه لابد أن أصل نيبور في الوقت المناسب ، أخشى أن ينزل الإله مردوخ من مقامه في السماء ، ولا يجدني في المعبد ، فيعود إلى السماء ، دون أن أحظى بلقائه ؟

" 7 "
ـــــــــــــــــــــ

عند المساء ، عاد الأب إلى الكوخ ، بعد أن باع ما جمعه من حطب ، واشترى بثمنه بعض الطعام والفواكه ، بل وحلويات أيضاً .
وما إن دخل الكوخ ، ووقع نظره على دادو ، متمدداً في فراشه ، حتى ابتسم ، وقال مستبشراً : آه ها أنت قد أفقت من غيبوبتك أخيراً .
ثم أشار إلى ابنته الشابة ، وكانت تقف فرحة إلى جانبه ، وقال : والفضل يعود إلى ابنتي ازور .
وأخذت ازور ما جلبه أبوها من طعام وفواكه وحلوى ، وهي تقول بصوت حيي : بل الفضل لك أنت أولاً ، يا أبي ، وما قمنا به معاً واجب .
وتحامل دادو على نفسه ، واعتدل قليلاً ، وقال : أشكركما ، لولاكما لكنت الآن ضيفاً عند الإلهة ايرشكاكيل ، في العالم الأسفل .
وصمت لحظة ، ثم قال : والأهم لانتهت مهمتي المقدسة ، التي كلفني بها كاهن معبد الإله آشور .
ونظر الحطاب إلى ابنته ازور مندهشاً ، فقالت قبل أن تنصرف لإعداد سفرة الطعام : أبي أنت متعب ، اذهب واغسل يديك ووجهك ، سنأكل حالاً .
وعلى الفور ، ذهب الحطاب إلى الخارج ، واغتسل شارد الفكر ، ثم عاد إلى الكوخ ، وإذا ابنته ازور قد أعدت السفرة ، فنظر إلى دادو ، وقال : اليوم فطمتَ ، ولن تطعمك ابنتي ازور ، كما فعلت في اليومين الماضيين ، تعال وتناول الطعام بنفسك .
ونهض دادو من فراشه ، بمساعدة الفتاة الشابة ازور ، وجلس أمام السفرة ، وجلس الأب قبالته ، ثم أشار إلى ابنته ، وقال : تعالي إلى جانبي .
وجلست ازور إلى جانب أبيها ، ورمقت دادو بنظرة خاطفة ، وقالت : هيا .. لنأكل .
ومدّ دادو يده ، واقتطع قطعة من السمكة التي أمامه ، ووضعها ببطء في فمه ، فنظر إليه الأب مبتسماً ، وقال : كلْ جيداً ، لعلك تستعيد قوتك الأولى .
وبعد العشاء ، وقبل أن يأوي كلّ منهم إلى فراشه ، ليرتاحوا من عناء النهار ، جلسوا يتسامرون ، على ضوء القنديل الخافت .
وتحدثت ازور عن أمها ، التي رحلت إلى العالم الأسفل قبل أكثر من سنتين ، وعن أبيها الطيب ، الذي يدللها كما لو كانت طفلة صغيرة .
وابتسم الأب متأثراً ، فقالت آما في ابتسامة دامعة : قبل أن ترحل أمي ، في نهاية مرض طويل موجع ، قالت لأبي ، عندما أرحل تزوج أنت .
بقي الأب صامتاً ، وابتسامته حائرة فوق شفتيه ، فتابعت ازور قائلة : قالت له أمي ، تزوج فقد ترزق بولد ، يقف إلى جانبك ، ويساعدك في عملكَ .
ورمق الأب دادو بنظرة خاطفة ، وقال وكأنه يردّ على ابنته : لديّ ازور .
وقال دادو : ازور بنت .
فردّ الأب قائلاً : لكنها أفضل من عشرة أبناء .
وبدا لدادو أن الأب فهمه خطأ ، فقال : أعني إنها قد تتزوج يوماً ، وتتركك إلى زوجها .
وهمً الأب أن يردّ عليه ، لكن ازور قاطعته قائلة : لن أتزوج ، وأترك أبي .
فقال دادو : هذا ما تقوله الفتيات عامة ، لكن ماذا لو تدخلت عشتار ؟
ونظرت ازور إليه ، لكنها لم تحر جواباً ، فأطرقت رأسها ، ولاذت بالصمت .


" 8 "
ــــــــــــــــــــ

في صباح اليوم التالي ، استيقظ الحطاب مبكراً ، ومضى إلى الغابة ، وكالعادة أخذ معه أتانه ، ليذهب بما يحتطبه إلى السوق ، ويبيعه هناك ، ويشتري بثمنه ما يحتاج إليه هو وابنته ازور .
وعند الضحى ، وبعد أن تناول طعام الإفطار ، الذي أعدته له ابنة الحطاب ازور ، خرج دادو متمهلاً من الكوخ ، وجلس تحت الشجرة ، وسرعان ما لحقت به ازور ، وجلست إلى جانبه .
ورمقته ازور بنظرة خاطفة ، وقالت : تبدو اليوم أفضل بكثير ، يا دادو .
ونظر دادو إليها ، وقال مبتسماً : والفضل يعود لكِ ، يا ازور .
وابتسمت ازور ، وقالت : بل لأبي .
واتسعت ابتسامة دادو ، وقال : لكما كلاكما ، لكن بالأخص لك .
وقالت ازور : أشكرك .
وتطلع دادو بعيداً ، ثم قال : لقد تأخرت بسبب هذا العارض ، والمفروض أنني الآن ، بين يدي الإله مردوخ ، في المدينة المقدسة نيبور .
وصمت دادو ، فقالت ازور : مهما يكن ، فنيبور ليست بعيدة من هنا ، ويمكنك أن تصل إليها في غضون ساعات .
وقال دادو : عليّ أن أرحل فجر الغد ، لعلي أصل نيبور ، قبل غروب الشمس .
والتفتت ازور إليه ، وقالت : لكن جراحك لم تندمل بعد ، وقواك مازالت واهية .
فرد دادو قائلاً : أصبح لي من القوة ، ما تمكنني من مواصلة طريقي ، لأصل في الوقت المناسب إلى نيبور ، وألتقي بالإله مردوخ .
وصمت دادو ، وصمتت معه ازور ، وثقل الصمت بينهما ، فنهض دادو ، وقال : أتمنى أن أبقى أكثر ، لكن عليّ أن أذهب ، وسأذهب غداً .
ونهضت ازور بدورها ، وقالت : إذا كان لابدّ من الذهاب ، فمن الضروري أن لا تذهب ماشياً .
فقال دادو : لكنك تعرفين ، يا ازور ، أن حصاني أخذه اللصوص .
وردت ازور قائلة : لدى أبي ، إضافة إلى الأتان ، حمار يمكنك أن تأخذه .
فقال دادو : لا ، لا ، إنه حمار أبيك .
فقالت ازور : خذه إلى نيبور ، ثم أعده إلينا .
ونظر دادو إليها صامتاً ، فقالت ازور مبتسمة بدلال : أم إنك لا تريد أن ترانا ، بعد أن تشفى ، وتذهب إلى نيبور ، ثم تعود مباشرة إلى نينوى .
ومدّ دادو يده ، وأمسك يدها بشكل عفوي ، وهو يقول : لا ، لا تقولي هذا ، يا ازور .
ووقفت ازور ، وقد احمرّ وجهها خجلاً ، وسرعان ما سحب دادو يده محرجاً ، واستدار بسرعة ، وهرع إلى داخل الكوخ .

" 9 "
ـــــــــــــــــــــ

لم يعترض الأب ، على ما اقترحته ابنته ازور ، بخصوص أخذ دادو للحمار ، ليسافر به إلى المدينة المقدسة نيبور .
وفي صباح اليوم التالي ، وبعد أن تناولوا معاً طعام الإفطار ، ودع دادو الفتاة ازور ، وأباها الحطاب ، وركب الحمار ، وانطلق به متجهاً نحو نيبور ، لملاقاة الإله العظيم مردوخ .
ووقفت ازور وأبوها عند باب الكوخ ، يتابعان دادو ، وهو يبتعد على الحمار ، وهتف الأب بصوت مرتفع : دادو ، لا تتأخر .
وبصوت يشي بتأثرها ، هتفت ازور : نحن ننتظرك ، يا دادو .
وهزّ الأب رأسه ، يا للجنون ، سيقابل الإله مردوخ ، ودمعت عينا ازور المحبتين ، ولكي لا يرى أبوها دموعها ، وقد يفسرها خطأ ، استدارت سريعاً ، وفرت بدموعها إلى داخل الكوخ .
وأخذ الأب عدة التحطيب ، ثم ركب أتانه ، واتجه نحو الغابة ، وهو يقول لازور : لا تنتظريني على الغداء ، قد لا أعود حتى مغيب الشمس .
وعلى غير عادتها ، لم تردّ ازور على أبيها ، ربما لأنها مشغولة بأمر آخر ، وراحت تتابعه بنظرها ، وهو يبتعد على أتانه ، حتى غاب .
وطوال ذلك اليوم ، دون أن يخطر في بالها الطعام أو الشراب ، قضّت ازور معظم ساعات النهار ، جالسة تحت الشجرة ، أمام الكوخ .
ولم تفق إلا حين أوشكت الشمس على الغروب ، وحان موعد عودة أبيها ، فنهضت من مكانها ، ومضت إلى داخل الكوخ ، وراحت تعد طعام العشاء .
وعند حلول الليل ، عاد أبوها متعباً ، بعد أن باع ما إحتطبه ذلك اليوم ، وجلسا إلى السفرة ، وأخذا يتناولان طعامهما صامتين ، وسرعان ما نهض كلّ منهما ، وأويا إلى فراشيهما ، دون أن ينبس أحدهما بكلمة واحدة ، وما لبثا أن استغرقا في النوم .
في مساء اليوم التالي ، على العشاء ، قال الأب ، وهو يضع لقمة في فمه : تأخر دادو .
فقالت ازور : المسافة ليست قصيرة .
وابتسم الأب ، وقال : لعل لقاءه بالإله مردوخ ، طال بعض الشيء في نيبور .
وبدا لآزور ، أن أباها ربما كان يسخر من دادو ، فقالت بنبرة احتجاج : هذه ليست فكرته ، إنها فكرة كاهن معبد آشور في نينوى ، وهو يحبه ، وجاء إلى نيبور مجاملة له .
ولاذ الأب بالصمت مراعاة لابنته ، ثم نهض ، وأوى إلى فراشه ، وهو يقول : عملي اليوم كان متعباً ، سأنام لعلي أرتاح .





" 10 "
ــــــــــــــــــــــ
في وقت متأخر من تلك الليلة ، طرق باب الكوخ ، طرقات متعجلة ، فهبت ازور من فراشها ، ولم تكن قد نامت إلا منذ وقت قصير .
واعتدل الأب في فراشه ، مغالباً النعاس ، وقال : ترى من يكون ، في مثل هذه الساعة من الليل ؟
وأشعلت ازور القنديل ، وفي غضون ذلك ، طرق باب الكوخ ثانية ، فنهض الأب من فراشه ، وهتف متسائلاً : من بالباب ؟
وجاءهما صوت يعرفانه يقول : أنا .
وخفق قلب ازور بقوة ، وتمتمت ملهوفة : دادو .
وقال الأب ، وهو يقترب من الباب : إنه دادو ، ما الذي جاء به في هذا الوقت المتأخر ؟
وقالت ازور : أبي ، افتح الباب بسرعة .
وفتح الأب الباب ، ورفعت ازور القنديل عالياً ، فوقع ضوءه على دادو ، وهو يقف خارج الكوخ ، وحماره يقف إلى جانبه .
وقبل أن يتفوه الأب ، أو ابنته ازور بكلمة ، قال دادو : عفواً ، الوقت متأخر ، لكني فضلت أن أقضي الليل هنا ، وليس في نيبور .
ولاذ الأب بالصمت ، فقالت ازور : تفضل .
وخرج الأب من الكوخ ، وأخذ مقود الحمار من يد دادو ، وقال : تفضل ادخل ، ريثما أربط الحمار ، إلى جانب الأتان في الحظيرة .
ودخل دادو ، بعد أن ابتعد الأب بالحمار ، وتوقف أمام ازور ، والقنديل في يدها ، وقال : في معبد الإله مردوخ ، عرفت لماذا أرسلني الإله إلى نيبور .
فنظرت ازور إليه متحيرة ، وقالت بصوت متردد : لقد قلت لنا السبب .
وهزّ دادو رأسه مبتسماً ، وقال : من الصعب أن يفهم الإنسان حكمة الآلهة .
وحدقت ازور فيه صامتة ، فقال دادو : جاء بي إلى هنا لأراكِ ، يا ازور .
والتمعت عينا ازور ، لكنها لم تنطق بكلمة واحدة ، فقال دادو : بستاني في نينوى ، بحاجة إلى وردة نادرة ، وأنتِ هذه الوردة .
وجنّ قلبها فرحاً ، لكنها تطلعت إليه بنظرة سريعة ، وقالت : هل رأيت الإله مردوخ ؟
وحدق دانو فيها ملياً ، ثم قال : رأيت معجزته .
ونظرت ازور إلى الباب ، وقالت : جاء أبي .
لم يناموا مباشرة ، رغم أن الليل ، كان قد تجاوز منتصفه ، وأصغت ازور صامتة ، وانتظر الأب أن يتحدث دادو عن الإله مردوخ ، لكنه بدل ذلك ، تحدث عن بستانه في نينوى .
وقال دادو : إنه بستان واسع ، ورثته عن أبي ، وقد انشغلت عنه للأسف ، بكاهن معبد آشور ، و .. وأشياء أخرى ، وبمجرد أن أعود إلى نينوى ، سأبذل فيها ما كان يبذله أبي من جهود ..
وصمت لحظة ، نظر خلالها إلى ازور ، وقال : لكني بحاجة إلى من يساعدني ، ويقف إلى جانبي .
ثم نظر إلى الحطاب ، وخاطبه قائلاً : إنني بحاجة إلى رجل مثلك ، تعال واعمل معي في البستان .
وعلى الفور ، ردّ الحطاب بشكل حاسم : كلا ، ولدت هنا ، وسأبقى هنا حتى النهاية .
ولاذ دادو بالصمت لحظات ، قلب خلالها النظر بين آما وأبيها ، ثم ركز نظره على الأب ، وقال : حتى لو جاءت ازور معي إلى نينوى .
وتساءل الحطاب مذهولاً : ماذا !
فرد دادو قائلاً : إنها فتاة شابة ، ومن حقها أن تتزوج .
ونظر الأب إلى ازور ، ثم هبّ واقفاً ، وقال : إن الوقت متأخر ، فلننم الآن .
بعد يومين ، كانت قافة صغيرة متجهة نحو نينوى ، الحطاب على أتانه ، وازور على الحمار ، ودادو يسير صامتاً فرحاً إلى جنبها .












ايضاحات
ــــــــــــــــــــــــ
1 ـ آشور : معبود الآشوريين ، ومعناه أفق السماء.
2 ـ سين : التسمية الأكدية للإله ننار إله القمر .
3 ـ مردوخ : كبير الآلهة في بابل ، الإله ايا والده ،
ووالدته الإلهة دامكينا ، وهو الذي قتل
رمز الشر الإلهة تيامة .
4 ـ عشتار : إلهة الحب والحرب .
5 ـ أحيقار : حكيم آشوري كبير ، عُرف قبل ايسوب
اليوناني بحكمه وحكاياته الخرافيه .
6 ـ نينوى : عاصمة الدولة الآشورية ، سقطت عام " 612 " ق . م
7 ـ نيبور : برزت مدينة نيبور في الألف الثالث
قبل الميلاد ، كأهم مرطز ديني
للسومريين ، وكان فيها مدرسة كبرى
لتعليم الكتابة .
8 ـ اريدو :مدينة عراقية قديمة ، من مدن ما قبل
الطوفان ، تقع على بعد " 40 " كيلومتر
عن مدينة الناصرية .
9 ـ دلمون : الجنة عند السومرييين ، وتقع في
البحرين .
10 ـ الأتان : هي أنثى الحمار .


30 / 5 / 2015








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??