الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاريخ العراق الحديث في رواية -خريف على شاطئ النورس- سمير العزاوي

رائد الحواري

2023 / 9 / 19
الادب والفن


تاريخ العراق الحديث في رواية

"خريف على شاطئ النورس"

سمير العزاوي

بعد رواية "اغتيال لرحيل" لباسلة الصبيحي التي تحدثت فيها عن أثر الهجرة وما تحدثه من الم وقسوة على المهاجر، تأتي هذا الرواية لتعطينا صورة توثيقية عن أسباب الهجرة ودوافعها.

اللافت في رواية "خريف على شاطئ النورس" أن الزمن الروائي طويل جدا يمتد لأكثر من ستين عاما، وضمن هذا الزمن يكشف لنا السارد طبيعة النظام الرسمي العربي الذي لا ينسى أو يتجاهل أو يتعاطف مع من يتعاطى السياسة، فرغم وجود أكثر من نظام حكم العراق إلا أن غالبيتها تعاملت مع "صالح" كجسم غريب، وكشخص مريض، يجب أن يوضع في مكان منعزل لكي لا (يلوث) الآخرين بمرضه، من هنا نجده يتعرض في كل مرحلة من مراحل التغييرات السياسية في الحراك للاعتقال والتعذيب، والمدهش في هذه الاعتقالات أنها بدأت أيام النظام الملكي أي قبل عام 1958 بتهمة الشيوعية، وانتهت عام 1996 بتهمة الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، وهذا يشير إلى أن المعارض في المنطقة العربية يبقى مطلوبا للنظام حتى مماته، ولا مجال أمامه إلا القبول بأن يكون مطلوبا ومراقبا ومطاردا ومنبوذا، أو يختار الهجرة حيث يمكنه العيش بسلام.

وبعد أن يتم احتلال العراق من قبل الأمريكيان عام 2003، يمسى حال العراقي أكثر قسوة، حيث تكثر حالات الخطف ومطالبة الخاطفون بفدية مالية عالية، والتي تنتهي غالبا بمأساة مزدوجة: " يأخذون الأموال ويلقون بجثث المغدورين على قارعة الطريق" ص197و198، مما دفع "صالح وعائلته" إلى الهجرة عام 2007 إلى تركيا لتكون محطته نحو الحياة العادية.



عنوان الرواية: "خريف على شاطئ النورس"

ضمن هذا السياق جاءت الرواية، زمنها ممتد، تتناول كل الأنظمة السياسية التي تعاقبت على العراق، ووصولا إلى احتلاله وتمزيقه وتخريبه وتشريد وقتل أهله، فالعنوان يعطي إشارة إلى القارئ أن هناك أحداث عاصفة جرت وتجري في اماكن جميلة، وهذا يجعلنا نستنتج أن العنوان يخدم فكرة الرواية وأحداثها.

طريقة تقديم الرواية ولغة السرد

تبدأ الرواية بآخر حدث وهو الوصول إلى "إسطنبول في الثالث والعشرين من أكتوبر لسنة سبع بعد الألفين" ص17، وبالحديث عن الزمن: "تأخر الخريف هذا العام، لقد أتى بعد عسر... الطقس بخيل ببرد قارص والغيوم حبلى بقطرات مطر فقيرة وخجلة" ص17، نلاحظ أن السارد يستخدم ألفاظ تتناسب وعنوان الرواية: "الخريف، عسر، بخيل، ببرد، قارص، فقيرة، خجلة" هذه الفاتحة الخريفية ستكون مسار أحداث الرواية من بدايتها وحتى نهايتها التي انتهت في البحر: "يتقطع الصوت القادم من أعماق الأسى، والصدى يعود نحيلا خائبا لا رجاء فيه، سماء، وصوت نوارس مهاجرة وجبال بعيدة فحسب، لا أحد قادر على تمثل العون... وجثث توسدت ما بين الماء واليابسة في انتظار خلاص فضي نحو ذلك العالم الأبيض.. طارت حناجرهم ـ تبعث الصراخ المتراكم من وجد الألم المؤرخ للعراق ـ وحدها النوارس البيضاء من عاشت على رمال العراق وكابدت همومه غير أنها غادرت الحياة جثة على رمال غيه...!!" ص206، فالخريف لم يقتصر على البداية فحسب، بل امتد واستمر حتى نهايتها، وهنا نصل إلى أن هناك الأحداث مؤلمة وقاسية ومتعبة على القارئ كما هي على السارد، وهذا ما استدعى وجود طريقة تقديم سلسة لأحداث الرواية التي تم عرضها من خلال عشرة فصول متسلسلة ومتصلة، وبلغة أدبية تخفف تلك القسوة، فالأحداث (عادية) يقابلها لغة عادية، لكن عندما تكون هناك أحداث دامية وموجعة نجد لغة السرد تأخذ في التألق، فعندما يتم اعتقال "صالح" يستخدم السارد هذه اللغة: "وفي الليل يدرك بصيص ضوء القمر سطرا من ظلام زنزانته، ذلك النور الخافت الذي يعمل الغبش في بصره المتثاقل، غرفة مبعثرة البناء مثل شعر رأسه وصفحة ذقنه التي خاصمها المقص منذ زمن" ص86، فالسارد يعي انه يقدم أحداث مؤلمة وغارقة في القسوة، فأراد أن يمررها بأقل الأضرار النفسية على القارئ من خلال لغة أدبية ممتعة، وهذا ما جعل الفكرة تصل بأقل الأضرار عليه.

وبعد أن يتم احتلال العراق عام 2003 من قبل الأمريكان وحلفائهم من الغرب يقدم هذا الحدث الدامي بهذه الشكل: "ذهب المحتلون بكل نقاء، صار ملوثا بغبار الطائفية وبدا التضييق، يتسلل بكلابه بين الأزقة المتعبة فيعمل تمزيقا.. وتقسمت بغداد السلام إلى مناطق شيعية وأخرى سنية، غاب التزاور بين الأهل، وانفصمت عرى القربى، فلا عم ولا خال، جاءت مفاهيم أخرى تتعلق بقضية عمرها الف وأربعمئة سنة...، الموت البشع وجد وطنا له بين العقول الخاوي" ص190و191، إذا ما توقفنا نعد هذا المشهد نجد اللغة الأدبية التي توصل فكرة الألم، وفي الوقت ذاته تمتع القارئ، وهنا يمكن إبداع السارد الذي قدم رواية واقعية ومؤلمة من خلال العقل الباطن، فكلما أشتد الألم وظهرت القسوة تألقت اللغة، وهذا ما يجعلها إحدى وسائل المقاومة التي استخدمت في (طرد/محاربة/مواجهة) الموت والحرب والظلم الذي وقع على العراق والعراقيين.



الأحداث

تكاد أن تكون الرواية وثيقة تاريخية للعراق من أيام فيصل الثاني ونوري السعيد وعبد الإله وحتى عام2007، من هنا يضعنا السارد أمام تلك الفترة: "في استقبالهم جند مدججون يحاولون إزاحة المظاهرة عن مسيرتها المنتهية بوزارة الدفاع..، الشارع ينتفخ أكثر مع الوقت بجموع من الشباب المتعطش لسمو الفكرة والخبز المعفر بالحرية، تتقدمهم لافتات رافضة لانحراف الملك فيصل ومن ولااه" ص65، يمكن للقارئ معرفة زمن الأحداث من خلال الحديث عن الملك فيصل، لكن السارد من خلال سرده يتعمد تحديد زمن وبدقة: "في نهاية سنة ثمان وخمسين وتسعمئة بعد الألف اقتادته أفكاره "غير المنضبطة" نحو طريق بدايتها هجرات نهايتها، حتى كانت مساحة المد القومي ـ الشيوعي ـ تتسع، تبعا لمدركات الزمان واحتياجات المكان" ص66، هذا التحديد لم يأت من فراغ، وإنما أراد به السارد توثيق ما جري في العراق منذ ثورة 1958 واحتلال وما عاناه العراقي من ويلات.

بداية التغيير الجذري كانت بهذا الشكل: "العراقيون يصحون على انقلاب إلى حيث الحكم الجمهوري، يقوده عبد الكريم قاسم" ص73، وما تبعه من قتل العائلة المالكة بطريقة متوحشة، مما جعل "جمعة" يسأل عن فحوى هذه الثورة ونهجها بقوله: "ـ هل كان في الأمر ما يسوغ قتل العائلة الحاكمة بهذه البشاعة، هل كان ضروريا سحل عبد الإله؟" ص77، اللافت في هذا السؤال أنه يحمل رسالة للقارئ، تتمثل بفكرة أن نهج العنف يؤدي إلى نهاية عنيفة وحتى متطرفة، وهذا ما حصل مع عبد الكريم قاسم الذي أطيح به: "لقد أعدم عبد الكريم قاسم...! أنصت الجميع بحزن، ولم يجف بعد دم العائلة الملكية، الدم يأتي بالدم، يخيم الحزن على المنازل، والزقاق وبغداد... مات الكلام وجاء صوت البنادق ليملأ الهواء.." ص97، هذا حال من يمارس العنف، فالسارد أراد أن يأخذ القارئ إلى مكان/ إلى طريقة أخرى للتغييرلطريق ناعمة وسلسة، كسلاسة تقديم الرواية وتسلسلها، فحتى العنف يجب أن يواجه بطريقة هادئة/ناعمة، فهو من خلال سرد أحداث الرواية يؤكد ما جاء في الآية القرآنية "أدفع بالتي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم" من هنا نجده يقدم أي ثورة جرت في العراق بطريقة قاسية وعنيفة: "في السابع عشر من تموز من سنة ثمان وستين، من جديد ثورة عنيفة تخرج رأسها بعد عقد ونيف من الانقلابات العسكرية وغير العسكرية...، للآن الحكم للبعثيين...استطاع الوجه الجديد من السيطرة على القصر الجمهوري والإذاعة وبذلك أجهز على أركان الحكومة.. مفهوم الدولة بدأ بالذوبان حتى ضاع في أروقة القوة والسلطة والإعلام المسيس وانتهى بذلك زمن التعددية، أبعدها بغضب وحل الحزب الواحد هو حزب البعث" ص111و112، من هنا ـ حسب رأي السارد وما يقدمه في الرواية ـ يمكننا القول: إن التغييرات في العراق لم تكن تلبي طموح الشعب العراقي ومصالحه الوطنية، فالتغييرات كانت تجري بعيدا عن الشعب وتطلعاته، وبقرارات شخصية، أو ضمن رؤية حزبية ضيقة: "في الثلاثين من حزيران سنة ثلاث وسبعين قام ناظم كزار بانقلاب فاشل خططته له المخابرات العراقية بأمر من صدام حسين، تقضي ـ باغتيال أحمد حسن البكر عند باب طائرته حال وصوله من بلغاريا" ص122، ثم ينقلنا إلى محاولة انقلاب داخل حزب البعث في عام 1979 وكيف تم إعدام قادة من الصف الأول في الحزب، ليوصلنا إلى الحرب الإيرانية العراقية.

اللافت في وصف الحرب الإيرانية العراقية أن السارد ينحاز لوطنيه العراقية: "الأخبار تتسارع، إيران تدق طبول الحرب على العراق، تفجير هنا..، وقصف هناك..، نجح هؤلاء في استفزاز (النزق) في الثاني من نيسان سنة ثمانين قنابل تلقيها أياد إيرانية على تجمعات لطلبة من الجامعة المستنصرية، في اليوم الخامس قنابل أخرى على موكب تشييع شهداء المستنصرية..، يقف صدام حسين في موقع الحدث، يقول: "والله إن الدماء التي نزفت على أرض المستنصرية لن تذهب سدى" أغلقت الحدود..، منع السفر على العراقيين ـ لأجل غير مسمى..، أصبح العراق سجنا كبيرا" ص143، نلاحظ أن العدوان بدأ من الإيرانيين، وأنه عدوان تكرر أكثر من مرة، مما دقع القيادة العراقية لترد عليه، فرغم أن السارد يقدم "صدام" بصورة قاسية وعنيفة، إلا انه في هذا الموضع كان موضوعيا حيث نقل ما قاله بحيادية، هذا يشير إلى أن العراقي حتى لو كان معارضا للسلطة الحاكمة، إلا أنه يبقى مخلصا لوطنه ولشعبه ولأمته.

وعندما يأخذنا إلى دخول العراق إلى الكويت، أيضا نجده منحازا للعراق: "في الثاني من آب سنة تسعين نجح الأوغاد مرة أخرى في استدراج (النزق) إلى المكيدة" ص151، فالعراقي بطبيعته وطني ومنتمي لقضاياه، وينظر إلى أهمية العراق ومكانته في المنطقة، يتحدث "العم سلمان" عن هذه الحدث بقوله: "ـ والله المشكلة مو بالشعبين، المشكلة في سياسة الحكومات، ما جان لازم ياخذون نفطنا وهمه عارفين إحنا طالعين من حرب ومحتاجين كل فلس، وصدام لا زم يعطي مجال للمسايسة" ص154، اللافت في هذا المقطع أن السارد يقدم موقفه السياسي من دخول الكويت بواسطة شخصية شعبية (عادية) حتى انه جعلها تتحدث باللهجة المحكية، لتأكيد بساطتها وشعبيتها وعدم ارتباطها بالسياسة الرسمية، وما حديثه عن العدوان الذي قام به الغرب مستعينا بأكثر من ثلاثين دولة: "ففي السابع عشر من كانون الثاني سنة أحدى وتسعون بدأ القتال، وهذه المرة مع ثلاث ثلاثين دولة وعلى رأسها أميركيا لا دولة واحدة" ص ص155، ألا تأكيد لحبه للعراق الذي ظلم كثيرا بسبب مواقفه الوطنية والقومية، ولأهميته الجغرافية والتاريخية الحضاري، فالغرب والعربان يريدون تدميره إنهاء وجوده كقوة عسكرية واقتصادية، وكمصدر حضاري ثقافي، وهذا ما كان بعد أن تم احتلاله في سنة2003 من قبل الأميركيان وحلفائهم الغربيين.

وطنية العراقي

رغم الانقلابات العديدة والدامية التي حصلت في العراق، إلا أن العراقي كانت منتميا لوطنه، من هنا نجد السارد يذكر بغداد بأكثر من موضع، وهذا يشير إلى حالة التماهي بينه وبينها، لكن الانتماء لا يقتصر على اللفظ باللسان وما في القلب ومن مشاعر، فيجب أن يظهر هذا الحب من خلال العمل والمواقف تجاه القضايا الوطنية/القومية المفصلية.

وجدنا مواقف السارد المنحازة لوطنه العراق من خلال تقديمه لعدوان الإيراني على العراق، ومن خلال دخول العراق إلى الكويت، ومن خلال احتلاله من قبل الأمريكان، لكن هناك مواقف عملية تؤكد انتماء العراقي لوطنه ولشعبه، يحدثنا عن الدكتور عوني البغدادي الذي سهل على "صالح و جمعة" دخول الدامعة بعد حل لهما مشكلة مصاريف الدراسة: "ـ عفوا دكتور على العكس، أنت في منزلة الوالد..، تعرف حضرتك أننا تخرجنا ومقبلين على الدراسات العليا، والدراسة تحتاج إلى تمويل، نحن لم نحصل على عمل لحد الآن..

ـ وما الذي يمنعكما من العمل في مكتبي الهندسي؟ بابه مفتوح لكما في كل وقت، ما رأيكما إذا التقينا اليوم عصرا فيه؟خذوه تدريبا، وبأجور تليق بالكفاءة والنشاط الذي أعرفهما عنكم" ص103، هذا الموقف العملي يقدمه السارد بهذا الفقرة: "حب الوطن ليس شعارا ولا حزبا سياسيا ينتميان إليه إنما هو إحساس بالمسؤولية المجتمعية، وتربية الوعي عند الناس" ص107، نلاحظ أن هناك حرص على السلوك النبيل بعيدا عن الانتماءات الضيقة، فالوطنية تكمن في العمل والموقف وليس في الشعار والتقوقع في فئة ضيقة تعمل لمصالحها على حساب مصالح الشعب والوطن.

هذا الموقف الوطني الأخلاقي يكرره "صالح وجمعة" مع "العم سلمان" عندما يشتريان له دكان ليعمل به بدل التجوال وهو حامل قطع القماش على كتفه: "ـ ما رأيك عم سلمان بهذا المحل؟

...

ـ هذا المحل لك عم سلمان... نعم عم سلمان هذا هدية لك، إنه تعبير عن تقديرنا وامتنانا لك على الأيام الخوالي التي تعلمنا فيها منك" ص110و111، نلاحظ أن المواقف الإنسانية والوطنية نابعة من الأخلاق التي يتمتع بها "صالح وجمعة" فالسارد يقدم القارئ من هذا السلوك الذي ينعش فيه بذرة الخير التي يريدها أن تكون شجرة مثمرة، تلقي بخيراتها على كل الناس، وما عمل الخير الذي فعلاه إلا ثمرة من ثمرات ما غرسه "الدكتور عوني" عندما حل مشكلة تمويل دراستهما.

وبعد العدوان الثلاثيني عام 1991 على العراق وما أحدثه من خلال خراب ودمار ، إلا أن العراقي استمر في البناء والعمران: "بدأت مسيرة الإعمار، لكنها لم تدم طويلا في ستة أشهر استطاع شباب العراق وكفاءاته من إرجاع الحياة إلى مدن العراق على أحسن مما كانت عليه" فكرة البناء حاضرة وواضحة، لكن اللافت في المقطع تكرار السارد للفظ: "العراقي/العراق" ثلاث مرات، وهذا يشير إلى ما يمحله من حب لوطنه، وبهذا يكون القول/المشاعر/الحب للوطن مقرونة بالفعل/بالكتابة/بالسرد الروائي.

المكان

بداية نشير إلى أن كل من هُجر من وطنه غصبا وكرها يبقى متعلقا به، وهناك نؤكد كلمة "كل" التي جاءت كحقيقية واقعية وأدبية، ففي الأدب الفلسطيني نجد هذه الظاهرة، وها هو الأدب العراقي والسوري بعد الخراب العربي يأخذ بهذا الأمر، فقد تم ذكر بغداد بأكثر من موضع في الرواية، وقدم بصورة ناعمة ولافتة: "الساعة العاشرة صباحا في منزل صالح نافذة الغرفة نصف مفتوحة، ستائرها شفافة تعبث بها النسائم في ارتخاء هانئ تسمح باستدراج عصافير الصباح، وبعضا من أشعة الشمس الحانية...، ربيع بغداد الساحر يتقدم بثقة نحو المدينة المخملية، أصوات العابرين الزقاق ممزوجة بالدعة" ص36، إذا ما توقفنا عند مضمون الفقرة سنجدها ناعمة وهادئة وتنعش المتلقي، لكن جمالها لم يقصر على وصف المكان بصورة مجردة فحسب، بل من خلال أعطاه الحياة والحيوية من خلال "العابرين" فهو مكان فيه حياة/جمال اجتماعي، كما نجد فكرة البيضاء من خلال الألفاظ المجردة: "صباحا/صباح، نافذة، مفتوحة، شفافة، النسائم، ارتخاء، هانئ، عصافير، أشعة، شمس، الحانية، ربيع، بغداد، الساحر، بثقة، المخملية" وبهذا يحمل المكان أكثر من جمال، جماله المجرد، جمالية الاجتماعي، جمال الألفاظ التي قدم بها.

الشيوعي

غالبا ما جاءت صورة الشيوعي إيجابية في الأدب العربي، وهذا يشير إلى الظلم الذي وقع وما زال يقع علبهم، وإلى مواقفهم الوطنية، السراد يؤكد إيجابية الفكر الشيوعي من خلال الحوار الذي تم بين الأستاذ أرشد وصالح":

"الأستاذ أرشد: هل سمعت ب قال ماركس يا صالح؟

ـ صالح: أعرف انه صاحب فلسفلة في الاقتصاد والمال.

ـ الأستاذ أرشد يسرد باهتمام: لقد عاش من اجل قضيته "الشعب" ومات فقيرا معدوما" ص62و63، بهذه المقدمة الفكرية أراد السارد أن يقرب المتلقي من الماركسية ويحببه بها، لكنه يقدمنا أكثر من نهج وسلوك الشيوعي من خلال هذا المشهد:

"ـ كيف نؤدي الصلوات الخمس، ونحن أعضاء في الحزب الشيوعي؟

ـ أنا أفتح نوافذي على كل رياح العالم، لكني لا اسمح لها باقتلاعي..، ...عندما انتمينا إلى هذا الحزب، لم نر غيره في الساحة ينظر إلى الوطن بعين الاعتبار، ولكن في اللحظة التي نشعر فيها أنه سيأخذنا إلى جرف الإلحاد أو الدم فعلينا أن نبرأ منه، وننتقل إلى جرف آخر أكثر تعبيرا عن العمل من اجل الوطن" ص72و73، بهذه الرؤية العقلية ينظر صالح إلى الحزب، فهو وسيلة لبناء الوطن ورفع شأن الناس، وليس لرفع شأن الحزب وأعضاءه، إذن الحزب وجد لخدمة الوطن والشعب، وعندما يفقد هذا الهدف يفقد دوره ووجوده، فليس هناك ما هو مقدس بعد الله، سوى الوطن والشعب.

الرواية من منشورات كنوز المعرفة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى2020.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا


.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب




.. طنجة المغربية تحتضن اليوم العالمي لموسيقى الجاز


.. فرح يوسف مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير خرج بشكل عالمى وقدم




.. أول حكم ضد ترمب بقضية الممثلة الإباحية بالمحكمة الجنائية في