الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محاولة إغتيال طارق هل كانت من تدبير صدام حسين ؟*

جعفر المظفر

2023 / 9 / 20
سيرة ذاتية


من الصعب تبرئة صدام حسين من كثير من الأحداث الإجرامية التي حفل بها عصره فالرجل ذا عقلية تآمرية لا تتردد عن نصب الفخاخ لإنهاء الخصوم, وحين يكون في رأسه هدف فإن نصب سرادق المسرحيات التي تساعده على انجازه يكشف عن عقلية تم تكوينها في ظروف استثنائية جعلته لا يتردد عن تصفية أقرب الناس إليه.
إن مسرحية قاعة الخلد (22/7/1979) التي تم من خلالها إعدام نصف قيادة الحزب واثنين وعشرين كادراً متقدماً, وإيداعه السجن لأكثر من خمسة وعشرين آخرين على أن تتم تصفيتهم جميعاً تحت التعذيب الوحشي, والتي كانت فاتحة لعصر رئاسته المطلقة, وذلك في أعقاب إزاحته الرئيس أحمد حسن البكر, أكدت من جانبها أن الصديق الوحيد لصدام حسين هو صدام حسين, وحده لا شريك له.
وأنا شخصياً أتذكر جيداً بعد محاولة ناظم كزار مدير الأمن العام الإطاحة بالنظام العشائري الذي كان على أبواب الإستيلاء على الحزب والسلطة والدولة, أن صدام قال لنا في إجتماع ضم الكوادر المتقدمة في الحزب وعُقد في قاعة الخلد المشؤومة, وحضرته بصفتي عضواً في مكتب الطلبة والشباب القومي, وكان الهدف منه الحديث عن محاولة ناظم كزار وأيضاً لإقناع البعثيين بمشاركة أحد أفضل وأنقى البعثيين على الإطلاق وهو الشهيد الخالد عبدالخالق السامرائي, أتذكر جيداً أنه قال في معرض حديثه عن عبدالخالق السامرائي ولغرض الرد غير المباشر على الإتهامات التي تنال منه بدعوى انه لم يكن رحيماً حتى بأقرب اصدقائه, أنه لم يكن احتفظ بعلاقة صداقة مع أحد طيلة تاريخه سوى مع (فاتك الصافي).
ولن يكون صعباً العثور على تفسير بسيط لهذا التكوين النفسي فالرجل عاش منذ بداية حياته ظروفاً عائلية وبيئية خلقت منه ذاتاً كبيرة خائفة من المحيط وحاقدة عليه وميالة للإنتقام منه.
أحد معارفه حينما كان طالباً في ثانوية الكرخ وكان يشاركه نفس رحلة الصف الدراسي, بعد أن جاء إليها صدام مستجداً, قال أنه عرض عليه مساعدته غير أنه تفاجأ حين رد عليه موضحاً أنه, رغم تقديره لعرضه, فإن عليه أن يعلم بأنه لا يميل أبداً لعقد صداقة مع الآخرين وأنه تمنى عليه بعد ذلك ان لا يأخذ الأمر شخصياً.
ولست أحسب أن صدام كان من هذه الناحية استثناءً تاريخياً, لان الميل الشخصي إلى حسم زعامة السلطة, والبقاء فيها : واحداً أحَدْ, هي صفة يشاركها فيها أغلب الحكام المطلَقين الذين يتعاملون مع الدولة كمُلكٍ شخصي تم لهم الإستيلاء عليها بالقوة الغاشمة.
عبدالكريم الشيخلي كان شاركه لقمة الخبز ورِفقة السكن, وكانت الناس تحسبهما أشقاءً من ذات الرحم, إلا أنه أزاحه من القيادة ثم دبر مقتله دون أن يرمش له جفن, ولا تعرف الناس حتى هذه اللحظة السبب الذي دفعه إلى ذلك سوى كونه بتاريخٍ بعثي منافس.
كذلك فعل مع عبدالخالق السامرائي, لا لسبب مطلقاً إلا لكونه النقيض الأخلاقي الذي كان مستحيلاً بناء دولة العشيرة إلا على جثته, فَتَحين أول فرصة لكي يتهمه بمشاركة ناظم كزار محاولته الإنقلابية, ثم حكم عليه بالإعدام وساقه إلى ساحة الموت ولم يكلف نفسه بمحاكمته حتى ولو صورياً. وهناك من يعتقد أن صدام حسين متهمٌ أيضاً بقتل إبن خاله ووزير دفاعه عدنان خيرالله لأنه صار وقتها أحد الاسماء المطروحة بقوة لاستبداله في مرحلة كثر فيها الحديث عن ضرورة وجود البديل.
إن الصفحة ستضيق حتماً حينما تكون هناك نية لجرد ضحايا صدام حسين من أولئك الذين كانت جريمتهم الوحيدة أنهم كانوا آيلين للتكون كأسماء مرشحة لاستبداله, وذلك كحلٍ صار لازماً لإنهاء الأزمات المستفحلة في البلد التي كان هو شخصياً مصدرها الأساسي. وسيجد كل مهتم بهذا الشأن أن من السهل العثور على مصادر لو شاء أن يغني بها معلوماته, لذلك سأعفي نفسي عن مهمة ملاحقتها هنا, والتي ما جئت ببعضها إلا لغرض أن أطرح السؤال الأهم في هذا المشهد المفصلي, ألا وهو محاولة إغتيال طارق عزيز حينما كان يهم بالدخول من بوابة جامعة المستنصرية لنية حضور المؤتمر الأسيوي الطلابي الذي تقرر أن تنعقد جلسته الإفتتاحية في قاعة المؤتمرات العائدة لتلك الجامعة.
إن القنبلة التي ألقيت على موكب تشييع ضحايا المستنصرية بعد يومين من محاولة الاغتيال كانت قد أتت لتزيد الشكوك وتدعمها, فالقنبلة كما أشرنا قد ألقيت من مكان قريب من المدرسة الإيرانية التي تم اغلاقها قبل شهر. كما أن قوات الأمن التي انتشرت لحماية مسيرة التشييع كان متوقعاً منها حتماً ان تشدد الحراسة حول البيت الذي كانت تشغله المدرسة, وهو أمرٌ لم يكن تغفله قطعاً, ولو أن ذلك كان قد فاتها لما ظل مسؤول أمني دون محاسبة شديدة, بخاصة وأن الصف الأمامي للتظاهرة كان قد ضم عضوين من أعضاء القيادة القومية وأكثر من عشرة من الكوادر الحزبية المعروفة بما يجعل التضحية بهم أمرأ صعباً, لكننا مع ذلك لم نسمع بأن المحاسبة قد نالت ولو شرطيا بسيطاً من رجال الأمن فكيف بمديره العام ورؤوساء أقسامه.
إن كل هذا التقديم لا يعني بالضرورة أن صدام هو الذي دبر محاولة الإغتيال لكنه يعني أن إفتراض قيامه بذلك هو أمرٌ وارد تماماً, فالرجل كما هو معروف ذا عقلية تآمرية استباقية, وهناك أكثر من دليل على أنه كان على استعداد لتصفية أقرب الناس إليه لأجل الهيمنة على السلطة دون خوفٍ من خصمٍ أو رفيقٍ منافس, لذلك تصبح مهمة تبرئته صعبة جداً ويصير من يحاول القيام بها في موقفٍ لا يحسد عليه أبداً.
وتوقع أن صدام هو الذي كان وراء الحادثتين لا يفترض بالضرورة أنه كان السبب وراء قيام الحرب, وأرى أن تحميله وزر الأمر اعتماداً على هذه الأسباب هو تبسيط لواقع الصراع المعقد بين البلدين الذي يتحمل كثيراً الحديث عنه بما فيه دور الخميني الذي لم يكن يقل عن صدام في القمع أو التخلص من الخصوم والمنافسين.
وسأقول .. إنني سأتحدث عن ذلك في الحلقة القادمة وسأذكر بشكل خاص الأسباب التي تجعل البعض يستبعد أن يكون صدام مستعداً للتضحية بطارق عزيز بشكل خاص.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* في ضيافة المدافع ... ذكريات الأيام الساخنة (5)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -