الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التاريخ في كتاب -سؤال فلسطين الزمان والمكان- سعادة مصطفى ارشي

رائد الحواري

2023 / 9 / 20
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


التاريخ في كتاب
"سؤال فلسطين الزمان والمكان"
سعادة مصطفى ارشيد
بما أن فلسطين ما زلت محتلة، بما أن سورية ما زالت ممزقة إلى أقطار متنافرة، فهذا يستدعي البحث عن الأسباب التي أدت إلى ما هي فيه من احتلال وتمزيق، من هذه النقطة يبدأ الباحث "سعادة مصطفى ارشيد" كتابة فيعرفنا على بدايات فكرة الغرب لتمزيق سورية، من خلال إقامة وطن لليهود فيها، حيث بدأت مع حملة نابليون على مصر والشام، إلى أن عمل الإنجليز تحقيقها عمليا بعد الحرب العالمية الأولى، بعد أن احتلوا المنطقة وتقاسموها مع الفرنسيين، آخذين حصة الأسد من التركة العثمانية، مُبقين للفرنسيين هامش يرضونه به، دون أن يراعوا مصالح السوريين وتطلعاتهم نحو التحرر والوحدة.
اللافت في الكتاب أنه يوضح طبيعة سكان منطقة شرق المتوسط الذين استطاعوا أن يصهر كل من آتى إلى بلادهم وجعلهم جزءا أصيلا من المكون الاجتماعي، من هنا كان الإبداع والتألق الحضاري والثقافي المتمثل في: "مساهمتها في الحضارة الأبجدية والملاحم والأشعار والألحان في مجال الفن وحساب السنة والدائرة في الفلك والهندسة والشراع والدولاب والمحراث والشرائع والقوانين الناظمة للمجتمع والفرد" ص15، مؤكد أنها تتميز بثقافتها وتاريخها وحضارتها الواحدة، وما الطرح الصهيوني بتواجد دولة لليهود في فلسطين قبل المسيح ما هو ألا كذبة اخترعتها الصهيونية المتحالفة مع الإمبريالية الغربية لإبقاء المنطقة تحت سيطرة الأخيرة، من هنا يستشهد بقول أحد الباحثين الأثريين اليهود: "سبعون عاما من الحفر والتنقيب ومع ذلك وصلنا إلى طريق مسدود فالقضية كلها مختلقة إذ لم نجد دليلا واحدا يؤكد وجودنا التاريخي على هذه الأرض، فنحن لم نكم ولم نكن هنا ولم نهاجر إلى مصر ولم نعد من مصر" ص18، بهذا المقدمة يكون الباحث قد أكد حقيقة التاريخية (عدم وجود دولة يهودية في فلسطين) وحقيقة واقعية "أن مشروع إقامة دولة يهودية في فلسطين هو مشروع الصهيوني الإمبريالي وجد لخدمة المصالح الغربية في المنطقة وفي العالم.
وبما أن الغرب مسيحي، والفكرة الصهيونية تعتمد على فكرة دينية (أرض الميعاد وشعب الله المختار) وهما على نقيض تاريخي وعقائدي، فقد عرفنا على بدايات التلاقي بين المسيحية/الإنجيل واليهودية/التوراة فكان لا بد من تناول هذا التلاقي الذي بدأ: "عام 1538 وأمر الملك هنري الثامن بإدخال التوراة (العهد القديم) إلى الكنائس وقراءة مقاطع منها في الصلوات، مع إبقاء النظرة السلبية لليهود" ص42، ثم يأخذنا إلى وجود الكنسية البروتستانتية" وكيف أنها أسهمت هي الأخرة في هذا التقارب وحتى إزالة العداء والتناقض مع التورة/اليهود: "تم شحن العقل البروتستانتي توراتيا والنظر إلى اليهود لا باعتبارهم أصحاب عقيدة دينية مختلفة فقط، وإنما بصفتهم أمة وشعبا" ص45.
ثم يعيدنا إلى نظرة الغرب إلى الدولة العثمانية الضعيفة، وكيف أنها عملت على ضرب دولة محمد علي في مصر القوية اقتصاديا وعسكريا واصفا إياها بهذا الوصف: "فأصبحت مصر دولة عصرية تتفوق بكثير لا على الدولة العثمانية فحسب وإنما على دول أوروبية عريقة مثل إسبانيا والبرتغال" ص56و57، من هنا عمل الغرب على إضعاف مصر مؤجلا الانقضاض على الدولة العثمانية، إلى حين أن تكون في أضعف ما يكون، حتى ينفرد بتركتها كما يريد ودون منافسة من أي قوة محلية، وطنية كانت أم قومية: "سعت أوروبا جاهدة للحفاظ على الدولة العثمانية وتحجيم تجربة محمد علي باشا الطموحة لبناء دولة عصرية في مصر ومحاصرة مشاريعه الهادفة للتمدد نحو الشام/ هادفة للإبقاء علة حياة الدولة العثمانية وتأخير انهيارها إلى أن تم التفاهم على حصص وارثيها" ص65.
من هنا كانت مصالح الغرب تكمن في وجود جسم يعزل المشرق العربي عن المغرب، وبما أن فلسطين هي همزة الوصل بينهما، فكان لا بد من اتخاذها مكانا لإقامة هذا الجسم الغريب في المنطقة من هنا جاءت فكرة إقامة دولة لليهود في فلسطين: "أن فلسطين هي الجسر الواصل بين مصر وأخواتها في آسيا، إن فلسطين هي بوابة المشرق، والحل الأمثل هو إسكان قوة غريبة على هذا الجسر وتلك البوابة، بحيث تكون جاهزة لقطع الطريق أمام الوحدة" ص61، من هنا المشروع الصهيوني الغربي في فلسطين هو مشروع استعماري إمبريالي وليس مشروعا دينيا، وما الغطاء الديني إلا عامل جذب لليهود ليس أكثر.
وهذا يأخذنا إلى شركة الهندي الشرقية التي يملكها الإنجليزي اليهودي "روتشيلد" وكيف طرح مشروع الهيمنة على قناة السويس لتسهل نقل البضائع بين آسيا وأوروبا، وما في ذلك من مكاسب مالية واقتصادية له ولشركته تحديدا: "دفع روتشيلد أربعة ملاين جنيه من فوره لدزرائيلي لشراء الأسهم، وافقت الحكومة من فورها (بالطبع عاد لروتشيلد قسم كبير من المبلغ الذي كان قد أقرضه للخديوي)" ص83، هذا الطرح يأخذنا إلى اقتصادية الهدف من الهيمنة الإنجليزية على القناة، وإضافة إلى المصالح البعيدة لها، والتي تكمن في استمرارية هيمنتها على العالم.
لم تكن حدود دولة الفصل بين المشرق العربي والمغرب واضحة المعالم، مرة نجدها تضمن ضفة النهر الشرقية من درعا إلى العقبة، ومرة نجده تبدأ من عكا ومرة من صور لتمتد شرقا لتصل إلى حماة: "أنهم يريدون أن تصل حدودهم الشمالية مدينة حماة، وأنها كانت تصل إلى هناك في عهد الملك سليمان، أضاف أن في ذلك مبالغة إذ يكفي أن تمتد الحدود من مدينة صور شمالا، علما أن اتفاقية سيكس بيكو جعلت حد فلسطين الشمالي مدينة عكا وجعلت طبريا أرضا سورية وهذه يجب أن تكون من فلسطين من أجل قيمتها المائية، وفي النهاية اقترح أن تمتد حدود فلسطين من صور إلى جنوب دمشق جنوبا إلى العقبة مشتملة على أجزاء من حوران ومدينة درعا وجبال عجلون والسلط" ص237، وهذا ما يؤكد وحدة الجغرافيا السورية، وأن فلسطين جزء منها، وهذا ما أدركه الفلسطيني حينما "أصدر عارف العارف صحيفة أسبوعية في القدس هي الأولى بعد الاحتلال الإنجليزي باسم صحيفة سوريا الجنوبية" ص238.
إذن الهدف الغربي يكمن في إيجاد من يحمي مصالحه في المنطقة وفي العالم، فكان الطرح الصهيوني بإقامة دولة في فلسطين هو الحل الأمثل لهم ولليهود الذين كانوا يشكلون لهم مشكلة، وهذا ما طرحه هيرتزل: "أن اليهود سيكونون في خدمة المشاريع الإنجليزية في شرق قناة السويس" ص112، وبدأ المشروع الصهيوني في الانبعاث من خلال التواصل مع كل الملوك والحكام المتنفذين في الغرب ليساعدوهم على تحقيق غايتهم، من خلال ما يملكه "روتشيلد" من نفوذ مالي واقتصادي بحث استطاعوا التواصل مع قيصر روسيا وقصير ألمانيا وملك إنجلترا وحكومتها، وحتى مع السلطان العثماني والولاة في فلسطين، وفعلا استطاعوا النجاح من خلال إصدار وعد بلفور الذي منه اتضح معلم المشروع الصهيوني في إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وبعد الحرب العالمية الأولى وانتصار الإنجليز والحلفاء أخذت الهجرة اليهودية إلى فلسطين تظهر وتزداد، فالإنجليز مهدوا لها كل السبل والظروف من خلال المندوب السامي "هربرت صموئيل" اليهودي.
الباحث يأخذنا إلى حال العرب في المشرق العربي من خلال الشريف حسين والثورة العربية التي ساهمت بشكل فاعل على دحر الأتراك من المنطقة، ثم يحدثنا عن كيفية التلاعب بهم من قبل الإنجليز بعد أن أعطوهم وعودا تتناقض مع وعد بلفور والاتفاقيات بينهم وبين الفرنسيين، فكانوا ضحية خداع الإنجليز، فضاع أملهم في التحرر والاستقلال والوحدة، وضاعت أرضهم بعد أن تم تزيقها واحتلالها.
ولم يتوقف خداع الإنجليز للعرب فقط، بل تعداه إلى الفرنسيين أيضا، يقول رئيس الوزراء الإنجليزي "دافيد لويد جورج" للسفير الفرنسي على احتاجه على الجنرال اللنبي الذي دخل مناطق (فرنسية) كانت ضمن اتفاقية سايكس بيكو بقوله: "أن تفاق سايكس بيكو قد تجاوزتها الأحداث، وغيرت تفاصيلها الانتصارات التي حققتها الجيوش الإنجليزية والتشكيلات العسكرية العاملة تحت قيادتها، وأن من حقق الانتصار بالحرب هو الجيش الإنجليزي عموما وبالشرق خصوصا ولم تكن لفرنسا وجيشها من دور يذكر" ص215، هكذا هم الإنجليز، أو بالأصح هكذا هو المنتصر، يفرض ما يريده وبالطريقة التي يريدها، ودون أن يجرأ أحد على الوقف بوجهه، من هنا قبل الفرنسيين بالأراضي التي ألقاه الإنجليز لهم.
يتوقف الباحث عن دخول القوات الفرنسية إلى سورية ويبين الموقف البطولي للقائد السوري "يوسف العظمة" الذي واجه بقوات المحدودة عددا وعدة "خمسمئة مقاتل" جيش مكون من ثلاثين ألف مقاتل يمتلكون أفضل وأحدث الأسلحة، مبينا أن الفرنسيين كانوا يتوقعون معركة لبعض دقائق فقد، لكن بطولة القائد وجنود جعلتها تدوم ساعات حيث استشهد وجنوده.
ثم يأخذنا إلى ما جرى مع أبناء الشريف حسين "فيصل وعبد الله" وكيف أنهما تعرضا لخداع الإنجليز فكان في أضعف ما يكون، من هنا قبلا بما القي لهم، فالأول تخلى عن العرش في سورية تحت ضغط الفرنسيين، ليكون بعدها ملك على العراق، والثاني بقي في معان إلى أن أتي إلى عمان ليكون فيها أميرا على شرق الأردن.
بهذا المرور التاريخ قدم لنا الباحث "سعادة مصطفى ارشيد" ما يقربنا من الواقع، كاشفا حقيقة تتمثل في أن لا علاقة لليهود في فلسطين وأن مشروعهم مشروع استعمار استيطاني يهدف إلى تحقيق مصالح الإمبريالية الغربية على حساب الفلسطيني/السوري/العربي.
هناك بعض الأخطاء المطبعية كما هو الحال في الصفحة 99 "لمصر لمصر" وصفحة 196السطر الأخير "عنقصص" والصفحة 235 "الجميعيلت".
الكتاب من منشورات أبعاد بيروت، لبنان، والأزبكية للطباعة والنشر، رام الله، فلسطين، الطبعة الثانية 2023.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استمرار التظاهرات الطلابية بالجامعات الأميركية ضد حرب غزّة|


.. نجم كونغ فو تركي مهدد بمستقبله بسبب رفع علم فلسطين بعد عقوبا




.. أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني يبحث تطورات الأوضاع


.. هدنة غزة على ميزان -الجنائية الدولية-




.. تعيينات مرتقبة في القيادة العسكرية الإسرائيلية