الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق بين سياسة التفاهمات ودستور المكوّنات

محمد حمد

2023 / 9 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


يكاد العراق أن يكون الدولة الوحيدة في العالم التي تدار فيها السياسة بالتفاهمات بدل الدستور والقوانين. ويصرّ فيها السياسيون على عدم احترام أو تطبيق الدستور. ويتجازون على النصوص القانونية التي شرعها البرلمان بعد ساعات طويلة من النقاش والمناوشات والصراخ والشتائم.. ناهيك عن وجود كومة من القوانين الراكدة والنائمة نوم الموتى في مكاتب النواب وأصحاب القرار منذ سنين.
صحيح أن الدستور العراقي حمّال اوجه شأن القران. ولكن اذا كان هناك اجماع كبير على ما ورد في القرآن. فأن الامر يختلف كثيرا عما ورد في الدستور العراقي. وما يصدر من تفسيرات تخضع لأكثر من معيار او مقياس اومزاج هو دليل على لا مبالاة السياسيين العراقيين بمواد الدستور .
فاصبح العراقي منذ غزو واحتلال بلاده عام ٢٠٠٣ يملك أكثر من خيار "ديمقراطي" لا يحسد عليه للحصول على حقوقه المزعومة. وجلّها بعيده جدا عن المواطنة التي اصبحت ذكرى راقدة في نفوس وقلوب الأجيال السابقة. واليوم إن لم يحصل العراقي على ما يريد بانتمائه القومي فيلجأ إلى العشيرة واذا فشل في تحقيق مآربه فيقوم الحزب للوقوف إلى جانبه. وتبقى الطائفة الدينية أيضا ملاذا لا يستهان به في الوصول إلى الهدف.
وهذا الحديث يقودنا بشكل شبه عفوي إلى العلاقة الشاذة والغريبة بين حكومة المركز في بغداد وحكومة الإقليم في اربيل. ولا حاجة بنا إلى الخوض في تفاصيل وثنايا هذه العلاقة "المتميزة جدا في غرابتها. ويكفينا ما نسمعه من هذا الطرف أو ذاك حول تفسيره لمواد الدستور والنصوص الواردة في القوانين. ومن نافلة القول إن كل ما يصدر عن البرلمان الاتحادي بخصوص الاقليم هو مجرّد حبر على ورق شفاف. لان قانون "التفاهمات" في العراق هو الاقوى وهو السائد في علاقة الاقليم بالمركز. والدليل أن مسرور بارزاني رئيس حكومة اربيل ذهب الى بغداد بوفد "رفيع المستوى" من عيار اعضاء مجلس السوفييت الاعلى سابقا ! وقام بجولة على جميع الاطراف الحاكمة في بغداد، مارس خلالها الكثير من الضغط والتهديد ملوّحا بعصا أرباب نعمته الامريكان. وفي النهاية حصل على ما يريد كالعادة دون مقابل. وصرفت له الحكومة كومة من المليارات رواتب لثلاثة اشهر. يقول حكام بغداد انها صرفت للاقليم على شكل قروض. وهي في كل الاحوال عبارة عن "تمشية حال". كما قال احدهم. ولكن الظاهر هو أن سلطة "التفاهمات" اقوى بكثير من سلطة القانون والدستور.
ومع أن رئيس حكومة الاقليم مسرور البارزاني وصف قبل أيام قرار المحكمة الاتحادية العليا بانه "مهزلة" وهي إساءة لا يمكن السكوت عنها. الا ان حكومة بغداد استقبلته بحفاوة بالغة ومبالغ فيها كثيرا، وكأنه رئيس حكومة لدولة مجاورة للعراق. بل قدموا له ما يقارب 1𨈈 مليار دولار، وهي مكافئة له لخرقه الدستور وعدم اعترافه بالقوانين العراقية. وتشجيعا من الزمرة الحاكمة في بغداد سوف يستمر آل بارزاني بالغطرسة والاستبداد وإلاساءة للحكومة العراقية وللسطة القضائية التي لا يعترفون بها اصلا.
أما حكومة بعداد التي تخشى كثيرا من ردة فعل آل بارزاني وحزبهم العائلي ففد دأبت على عمليات الترقيع وسدّ الثقوب وملء الفراغات في العلاقة مع الاقليم، من أجل أن تحافظ على توازنها واستمرارها في البقاء لفترة أطول . فالجميع يدرك جيدا أن حزب آل بارزاني، الذي تحرّكه امريكا كما تشاء، يستطيع اسقاط الحكومة الاتحادية في اي وقت وبكل سهولة.
وعندما تقوم حكومة بغداد بمنح الاموال الى الاقليم بناءا على التفاهمات فقط فهي لا تتجاوز على الدستور فحسب، بل انها لا تعترف وبشكل فاضح بقانون الموازنة الاتحادية الذي أقرّه البرلمان وفرض على حكومة الاقليم التزامات محدّدة. لكن الاقليم لم ولن يلتزم باي اتفاقات او تفاهمات حتى لو "خضّرت نخلة براس" محمد شياع السوداني. وان العلاقة بين الطرفين سوف تستمر على هذا المنوال الى ان يأتي اليوم الذي نرى فيه خلاص الاقليم من حكم العوائل المتنفذة والمتسلطة على رقاب المواطنين الكرد منذ عقود.
ومع ذلك، هناك ما يثير الفرح ويعزز الامل بان حالة الدولة داخل الدولة التي يمارسها إقليم كردستان العراق بدأت تلفظ أنفاسها الأخيرة. فتركيا أغلقت عليهم أنبوب النفط. وإيران على أهبة الاستعداد لاجتياح الاقليم. كما ان انتشار الجيش العراقي وحرس الحدود على طول الشريط الحدودي لمدن العراق الشمالية يعتبر نقطة تحوّل ليست في صالح آل بارزاني. فقد بدانا نرى، ربما لأول مرة منذ سنوات، العلم العراقي يرفرف على الحدود العراقية بعد غياب "قسري" غير دستوري فُرض من قبل من توهّموا أنهم يحكمون دولة وليس اقليما من ثلاث محافظات محشورة بين الجبال. وفي الختام، نأمل ونتمنى أن يدرك حكّام الاقليم حجمهم وقدرهم الحقيقي.
ورحم الله امرءا عرف قدر نفسه !

.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حرب غزة..احتجاجات جامعات أميركية | #غرفة_الأخبار


.. مساعدات بمليار يورو.. هل تدفع أوروبا لتوطين السوريين في لبنا




.. طيران الاحتلال يقصف عددا من المنازل في رفح بقطاع غزة


.. مشاهد لفض الشرطة الأمريكية اعتصاما تضامنيا مع غزة في جامعة و




.. جامعة فوردهام تعلق دراسة طلاب مؤيدين لفلسطين في أمريكا