الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بارقة أمل من بيت حانون؟!

جوزيف بشارة

2006 / 11 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


بعدما سرقت الأحداث الأمنية في العراق صدارة نشرات الأخبار لفترة ليست بالقصيرة، عادت الأخبار القادمة من الأراضي الفلسطينية إلى المقدمة مرة أخرى بعد المذبحة التي ارتكبتها المدفعية الإسرائيلية بقرية بيت حانون بقطاع غزة والتي راح ضحيتها ثمانية عشر فلسطينياً معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ. لقي الحدث ردود أفعال قوية في معظم بلدان العالم من ضمنها إسرائيل ذاتها وحليفتها الرئيسية الولايات المتحدة. فقد أعربت إسرائيل عن أسفها! وبررت بغرابة شديدة هجوم المدفعية بخلل في مدافعها أدى إلى إصابة الهدف المدني عن طريق الخطأ! علامات تعجب كثيرة حول هذا الهجوم البربري الذي من شأنه أن يزيد المسائل تعقيداً في ما يتعلق بحاضر ومستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي استبدلت الجهود المشتركة لحله بالعنف والعنف المضاد، بعدما ماتت عملية السلام.

الحدث البشع لا ينبغي أن يمر مرور الكرام كغيره من الأحداث الدموية التي يروح ضحيتها الأبرياء. فالحدث يبدو كما لو كان نتيجة للاحتقان الذي تشهده الساحة الامنية في قطاع غزة في الاونة الأخيرة أو ربما انتقاماً مقصوداً من الجماعات الفلسطينية المسلحة التي تستمر في قذف إسرائيل بالصواريخ من، وهي الصواريخ التي أقلقت مضاجع السياسيين الإسرائيليين رغم أنها لا تهدد المناطق المأهولة سكانياً في إسرائيل. وقد تسببت أعمال العنف والانتقامية المتبادلة في تعطيل اتفاقات أوشك الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي على التوصل إليها برعاية مصرية بشأن تبادل الجندي الإسرائيلي الأسير بعدد من الأسرى الفلسطينين. التبرير الإسرائيلي للحدث لا يبدو منطقياً على الإطلاق، إذ كيف لمدفعية الجيش الأكثر تجهيزاً في المنطقة وربما العالم أن تخطيء هدفها بهذه السهولة؟ هذا فضلاً عن أنه كعادة الإسرائيليين لم يعلنوا عن أية العقوبات بحق المتسببين بالخطأ المزعوم إن وجد.

لا يبدو في الأفق أن الحدث سيتم التعاطي معه بطريقة مختلفة فلسطينياً أو إسرائيلياً أو عربياً أو دولياً فعلى المستوى الفلسطيني يسود الاعتقاد بأن العمل العسكري المضاد والانتقام بالعمليات المقابلة هو السبيل الأمثل في ظل تمسك حركة حماس الإسلامية بالحرب والقتال والعنف كسبيل وحيد للتعامل مع الإسرائيليين. ولا ينتظر ان يتوقف قيادات حركة حماس عن تخليهم الكامل عن المسار السياسي التفاوضي الذي يأتي في إطار إيمان هذه القيادات بضرورة تمديد الصراع إلى أجل غير مسمى أملاً في حدوث انقلاب في ميزان القوى بالمنطقة يطيح بإسرائيل من المنطقة. أما على المستوى الإسرائيلي، فلا يتوقع أحد من المراقبين حدوث تغير في سياسة إسرائيل القائمة على الردع الصارم ، ومحاولة تقليم أظافر حركات العنف الفلسطينية المسلحة، والمعاقبة الجماعية للفلسطينيين. ولقد جاء تعيين السياسي الإسرائيلي المتشدد ليبرمان ليضع نهاية للأمال المحدودة بحدوث تلين في السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين.

عربياً ذكرت الانباء القادمة من الجامعة العربية أن وزراء الخارجية العرب سيعقدون اجتماعاً طارئاً يوم الأحد المقبل لمناقشة تداعيات الهجمات الوحشية الإسرائيلية. من غير المفهوم جدوى هذا الاجتماع الطاريء الذي ينتظر أن يأتي غير مثمر كغيره من الاجتماعات العربية الهزلية. لا ينتظر أن يطرح العرب حلولاً جذرية للمآزق الحالي الذي تشهده الساحة الفلسطينية وتداعياته على المنطقة. ولا يتوقع أن يخرج الاجتماع بقرارات حاسمة تعود بالمسار السياسي للقضية الفلسطينية إلى واجهة الأحداث. كما لا ينتظر أن يقوم الجانب العربي بممارسة الضغوط على حركة حماس للعودة إلى الواقعية ووقف إطلاق النار الذي يجنب الفلسطينيين الاعتداءات الإسرائيلية الوحشية التي تستنزف قدراتهم وطاقاتهم. أما على المستوى الدولي، فمن المؤكد أن القضية الفلسطينية لم تعد من القضايا الملحة بعدما سيطر المأزق الأمني في العراق على جل اهتمامات الإدارة الأمريكية؛ الدافع الرئيسي لأي تحرك دولي.

لا شك في أن مسئولية المذابح التي يذهب ضحيتها المدنيون تقع بالمقام الاول على عاتق طرفي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي اللذين هجرا قاعات المفاوضات وانتقلا إلى ساحات القتال متفرغين لأعمال العنف والقتل والمذابح التي يدفع ثمنها الأبرار من المدنيين. من المؤكد أن لا غنى إطلاقاً عن المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. لذلك فإن الجانب الاكبر من اللوم في هذا الصدد يقع على عاتق قيادات حركة حماس الذين أوقفوا المسار التفاوضي مع الإسرائيليين، منذ جاءوا إلى سدة الحكم في المناطق الفلسطينية، لتحقيق أيديولوجيتهم المتطرفة القائمة على اللاءات المعروفة؛ لا اعتراف، لا تفاوض، ولا سلام، أملاً في زوال إسرائيل يوماً. ولكن هذه الأيديولوجيا لن تخلف سوى المزيد من القتل والعنف والثأر.

ليت الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي يستمعان إلى صوت العقل والحكمة ويعودان إلى التفاوض، فحاجتنا للسلام تزداد بشدة حين يسقط الأبرياء صرعى الحرب والعنف. وليت الطرفين يستعيضان عن سياسة الانتقام بسياسة التفاوض السلمي المفيدة للجانبين. لقد كان العنف والعنف المضاد هما اللغتان الوحيدتان البديلتان للمفوضات المعطلة، وكانت دماء المدنيين الأبرياء هي الثمن الباهظ للغباء السياسي الذي يمارسه الطرفان الفلسطيني والإسرائيليين. إن وقف نزيف الدم يتطلب التعقل وضبط النفس والعودة الغير مشروطة لطاولة المفاوضات في إطار عملية سلام عادلة يقودها شجعان من الجانبين ممن لم تتلوث أياديهم بدماء الأبرياء من المدنيين. فهل يتعقل المسئولون في الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي سعياً لحقن الدماء؟ وهل تضع مجزرة بيت حانون حداً للعنف؟ وهل تنطلق بارقة أمل للجميع من قرية بيت حانون بعدما أصابنا اليأس من العنف والثأر والدماء؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليبيا: ماذا وراء لقاء رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني


.. صفاقس التونسية: ما المسكوت عنه في أزمة الهجرة غير النظامية؟




.. تونس: ما رد فعل الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي بعد فتح تحقيق


.. تبون: -لاتنازل ولا مساومة- في ملف الذاكرة مع فرنسا




.. ما حقيقة فيديو لنزوح هائل من رفح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24