الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيرة بطاقة هوية -1-

باسم المرعبي

2023 / 9 / 24
سيرة ذاتية


مع بداية العام الدراسي الذي يتوافق وبداية الشهر العاشر (تشرين الأول)، بدأتُ الدوام ولكن على وجل. كان هذا في العام 1986، وكنت في المرحلة النهائية من دراستي للمسرح في أكاديمية الفنون الجميلة، أي في الصف الرابع، بعد عطلة صيفية عاصفة استُدعي فيها جميع طلبة الجامعات في العراق إلى الانتظام في معسكرات للتدريب على السلاح. كانت الجبهات المشتعلة في الحرب مع إيران لحوالي ست سنوات مضت، بحاجة إلى أجساد ودماء جديدة، كي تستمر المحرقة، خاصة مع التعنّت الإيراني في رفض أي دعوة لوقف الحرب ومن أي طرف أتت. لا أريد الخوض الآن في تفاصيل كثيرة لا يمكن الإلمام بها أو استيفاءها، في وقفة كهذه. أعود إلى قاعة الدرس الذي أُحب، فقد كان اختياري دراسة المسرح، عن عشق وحلم كان يرادوني مبكراً، تبلور أكثر مع سنوات بداية النضج والشباب في مرحلة الدراسة المتوسطة وما تلاها، لأصبح أسير هذا الحلم، بعد ذلك تماماً. وها أنا أخيراً في الكلية والقسم المنشودَين. مضى الأسبوع الأول على بداية الدوام وأعقبه الثاني والثالث، وأنا بين مصدق ومكذب إمكانية الاستمرار بالدراسة، إذ إنني أدرى بما ارتكبت، فقد خالفت أوامر السيد الرئيس الذي كان قد أصدر هو نفسه قرار تعبئة الطلبة ومعهم الأساتذة في هذه المعسكرات، فالزمن زمن حرب، وكل شيء تقريباً موقوف لها. كان ذلك وفقاً لقرار ما يُعرف بمجلس قيادة الثورة المرقم 720 في 8ـ6ـ1986.
لم ينتظم وجودي في المعكسر إلا لأيام قليلة معدودة في البداية. كان قراري الدائم في هذه الحرب، هو إنني لا أريد أن أقدّم أي نوع من الخدمة لنظام صدام، في معاركه وحروبه، وكأن المسألة كانت شخصية بيني وبينه. وهو ما كان. بعد حوالي شهر من بدء الدوام، وهو ما استغربت له، أي طول فترة عدم التعرّض لي، حدث ما كنت أنتظره وأخشاه، ذات صباح. كنت في المحاضرة وقد مضى وقت غير قليل على بدئها، فجأة دخل شخص أو اثنان، لا أتذكر الضبط، هل كانوا من الإدارة أم من الحزبيين والجلاوزة في الكلية. استدعوني وبيد أحدهم ورقة، أبلغوني أنني مفصول وفقاً للقرار (كذا) ويجب عليّ ترك القاعة ومراجعة قسم الطلبة لأخذ كتاب فصلي من الكلية إلى دائرة التجنيد في منطقتي من أجل الالتحاق بالجيش. فقد كان القرار يقضي بالخدمة سنة واحدة في الخطوط الأمامية لجبهات القتال، وبعد إتمامها يمكن العودة إلى الدراسة. من جهتي كان لديّ قراري، أيضاً كما ذكرت، وهو أن لا دخول إلى الجيش في الحرب، مهما كان الثمن!
مع مغادرتي الكلية وبيدي صكّ "الفصل"، (أحتفظ بنسخة منه، حتى اليوم)، بدأت مسيرة التشرد والتخفّي والمطاردة الداخلية بهواجس لا يعرفها إلّا من عاش تلك السنوات وخبِرها، فالبلد في قبضة الأمن والمخابرات والحزبيين ووحدات الانضباطية التي تجوب الشوارع ويمكن أن تصادف مفرزة تفتيش مدنية متنقلة تعترض السابلة أو السيارات فجأةَ، مع أخبار الاعدامات للفارين من الخدمة العسكرية التي تُرتكب في كل مكان، حتى في المناطق المدنية وبين الأهالي، على وقع زغاريد وحماس جواري الحزب واتحاد النساء. كان أي خطأ صغير أو اشتباه أو إشكال في الشارع يمكن أن يقود إلى كارثة.
في الأشهر الأولى من الفصل ومن تمثيل دور الطالب، حيث ارتداء الزي الموحد والضرب على غير هدى، أتذكر أني صادفت، في كراج العلاوي في بغداد، الصديق محمد محبوب الذي كان يدرس السينما، كان هو الآخر مفصولاً لنفس السبب، وقد التحق بالجيش تنفيذاً للقرار. قال لي: باسم! الإعدام صار يشمل حتى المتخلفين من الخدمة وليس الفارّين فقط. يريد بذلك تنبيهي إلى خطورة الأمر. قلت له، أنا اتخذت قراري وهو عدم الالتحاق بالجيش.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شيرو وشهد مع فراس وراند.. مين بيحب التاني أكتر؟ | خلينا نحكي


.. الصين تستضيف محادثات بين فتح وحماس...لماذا؟ • فرانس 24 / FRA




.. تكثيف الضغوط على حماس وإسرائيل للتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النا


.. اجتماع تشاوري في الرياض لبحث جهود وقف إطلاق النار في قطاع غز




.. هل يقترب إعلان نهاية الحرب في غزة مع عودة المفاوضات في القاه