الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حديث البيدق / المغرب.. زلزال.. و لكن.

نورالدين علاك الاسفي

2023 / 9 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


لم نكن على موعد معه؛ لكنه في الموعد المضروب زارنا و لم يخلفه؛ ليلا و نحن نيام جاءنا ، و لما طلعت الشمس كان قد غادرنا؛ و ترك خلفه ما يحدث بأخباره. ويطلعنا أنه من هنا مر، و أن الأرض زلزلت زلزالها؛ و تناثرت أثقالها.

سمع العالم ليلة الجمعة 08/09/2023 بالحدث الجلل؛ فالهزة طالت أركان المعمور. و طرأ ما لم يكن متوقعا.إلا عند من أسعفته النجوم بحدثانها.( ليلى عبد اللطيف في حلقات توقعاتها المدوّية). أو خبر وصغ الكواكب و أسرارها. ( تحذيرات هوغربيتس المتكررة؛ وربط تنبؤاته بتحركات الكواكب واصطفافها).
مراكز الرصد العالمية جاهرت؛ الزلزال كان مفاجئا؛ و خبيرنا المحلي حكى لنا بلطف؛ كنا في انتظاره؛ و الأمد به طال قبل أن يعلن عن نفسه.

هز قلب وطني الحبيب؛ و فجعت أفئدة ساكنة الأطلس/ الحوز. فاهتبلها المترصدون فرصة مواتية. من فرنسا صدع النشاز؛ و جند نفسه على معونة عصماء؛ عده أبناء موطني تدخلا سافرا؛ لا قبل لهم به؛ فلا أحد منا طلبها ؛ و لا حرت فيها أفئدة مفجوعة.

ليتعال الصوت الجاهر إزاء المتنطع:المغرب لم يرفض المساعدات لكنه يقبلها بالتدريج حسب الحاجيات وحتى لا تقع فوضى يصعب التحكم فيها .المغرب يمارس سيادته بغض النظر عن محاولة البعض الإيقاع بين المواطنين والسلطة. و أعرب ثان: المغرب لم يرفض أي عرض للمساعدة من أي بلد، هو فقط يوافق على طلبات الدول بالنظر للحاجيات التي يفرضها الوضع.. و آخر أردف: المغرب دولة ذات سيادة و على الجميع احترام اختياراته. و لهج ثالث:الذي يجب أن يعرفه الجميع.. حاليا ليس هناك نقص في المواد ولا المعدات ولا في الأطر المتخصصة ولا حتى في إي شيء ..المشكل في فتح الطرقات والجرافات تقوم بهذا الدور على أكمل وجه ... فالطائرات تنقل المصابين والمساعدات والاحتياجات للأماكن المعزولة بسبب انهيار الصخور وإغلاقها للمسالك الطرقية .

و رغم الحال من الطارئ الفاجع؛ توالت المواقف و الرؤى عبره تترى بلا توقف؛ من معين الإحساس بالمسؤولية الحضارية تمتح: بحكم صعوبة التضاريس و ارتفاع الجبال؛ نحن من يعرف منطقة الحوز، المسالك تسببت الصخور والحجارة في غلقها، قواتنا تشتغل ليل ونهار لفك الطرقات أما فرق الإنقاذ المكونة من جيش ووقاية مدنية؛ فقد وصلوا الى تلك المناطق مشيا على الأقدام وتسلقوا الجبال لكي يصلوا لعين المكان وهذا ليس بإمكان الجميع سوى أبناء المغرب؛ أما عن الإعانة فنرحب بها من الدول الصديقة؛ أصحاب اللون الأبيض أما أصحاب اللون الرمادي هؤلاء فنشكرهم.

ردت الأمة المغربية بعفوية صادقة؛ وهبت من كل فج عميق؛ من داخل البلاد و خارجه؛ ترعى المساندة؛ ضاربة المثل بحجم التضامن الوازن. أعاد للأرض لحمتها، فعزت أركان الوطن، و رسخت دعائم صيت ذائع؛ خاب من يعمل جاهدا على تغييبه.

بهذا الدعم غير المسبوق؛ المغاربة طرا كانوا عند الموعد، ففوتوا على دهاقنة السياسة و دهاليز الجيوبوليتيك الغربي؛ ما بات مرعيا حقيقة؛ و لا يغمض لهم جفن في تبنيه و تكريسه.

فماكرون يخاطب شعبا أبيا من علياء و يتفادى قواه الحية؛ و يعلن من طرف واحد زيارة. رتب لها من تلقاء نفسه، السلطات المغربية لم تقرها أو أعلنت عن أجندتها. في سلوك سافر يشي باستبدادية حكام؛ تنضح بنزق لوبيات دولهم العميقة ذات الديموقراطيات الشوفينية المتهالكة.

فهم لا يرضون إلا بالطرح المسيطر على هذا العالم، المركزية الأوربية كانت أبرز سماته، و من واقع أركانها المهتزة باتت في حيرة إما أن تقبل بالحاضر قبولا مطلقا أو ترفضه رفضا باتا، و في كلا الحالين، تواجه معضلات لا تنكر في تعاملها مع الوقائع الجارية. فإذا انغمست في الحاضر، فستكون ملتزمة بفكرة التقدم، و إذا أبقت على نفسها رافضة للحاضر فستظل تتحسر، تستلهم إرث الماضي، غفلا من أحداث تفرض نفسها بما يمور. و بهكذا صنيع سقطت في عقيدة إيديولوجية جامدة / دوغما. تصادر بالنتيجة كل جديد طارئ. [1]

كما ترك رعاة الجيوسياسية الخرقاء يعضون بنان الخيبة. سباستيان بوسويس / Sébastien Boussois؛ واحد منهم؛ نشر مقالا تحت عنوان: في المغرب، قطر كفاعل إنساني استراتيجي؛ [2] جاء فيه. في حين أن فرنسا تشعر بالإهانة، وتتخذ صمت المغرب بشكل سيء في مواجهة عرضها للمساعدة بعد الزلزال المروع الذي شهدته مراكش ومنطقتها، فإن دولا أخرى مثل إسبانيا والإمارات العربية المتحدة وقطر تمكنت بالفعل من الوصول إلى مناطق الكوارث في محاولة لمساعدة الناس الذين في محنة. و مرة أخرى، تقوم دولة مثل قطر، التي تتبع بالفعل إستراتيجية وسيط أزمة هجومية لسنوات، بدورها كفاعل إنساني رائد في عدة قارات.

و السياق في رأي كاتب المقال؛ هو وضع تعددية الأطراف/الأقطاب التي كانت في حالة من الفوضى لعدة سنوات، و إنهاك القوى العظمى، وعودة الفاعلين الإقليميين إلى السلطة، ناهيك عن دول متناهية الصغر تحلم بأن تغدو لاعبا جيوسياسيا لا مفر منه على رقعة الشطرنج العالمية. و كأني بالكاتب يصادر حقا بالغياب مشروعا؛ و لا يسعه الجهر به. ( بهذا الصدد مقال: الكسندر دوغين: عالم سباعي الأقطاب)[3].

كما يرى أنه و في مواجهة الانسحاب الأمريكي والشلل المتزايد للمجتمع الدولي، تأخذ الجهات الإقليمية الصغيرة الفاعلة مكانا متزايد الأهمية، مستفيدة ليس فقط من انخفاض سلسلة صنع القرار السياسي، ولكن أيضا من قدرة أكبر على التفاعل الفوري.

و إن أردت أن تزداد للأمر تبينا؛ أنظر للكاتب عينه و هو يعقد مقارنة. فيما يتعلق بأفغانستان، الحكومة القطرية هي التي كانت في المناورة. بينما في حالات الأزمات الأخرى، بالنسبة لفرنسا، فإن المنظمات غير الحكومية هي الأسرع في التدخل. لأنه في حالات الطوارئ، نحتاج إلى المرونة والتنظيم و البراغماتية. وهكذا، بعد يومين من الزلزال الذي وقع في المغرب، كانت الفرق السينمائية الإماراتية المنقولة - و التعبير من خيبة الكاتب- تسافر عبر الأطلس بحثا عن ناجين.

و من قهر الغصة حيال ما رصده؛ ينتهي إلى أن الفوائد التي يمكن جنيها من مثل هذا الالتزام ستكمن في إعادة تركيزها بقلب الأقوياء بالغرب؛ و في قدرتها على تأمين حلفاء استراتيجيين، فضلا عن هؤلاء في "جنوب العالم ".

أما بالنسبة للاحتياجات المحددة للغاية، فإن البلدان الصغيرة التي تستطيع تحمل تكاليفها لديها أيضا إجابات محددة و فورية للغاية. كما أنها علامة على تكيف هذه القوى الصغيرة مع البيئة الدولية الجديدة؛ ولكن أيضا مع تحول الصراعات، وطبيعة الكوارث الطبيعية المتكررة. و شيئا فشيئا، تكتسب الخبرة الإنسانية، كما سيتم البحث عنها بشكل متزايد في المستقبل. لتتولى مستقبلا دور الوسيط المحلي الاستراتيجي على هذا الكوكب، في مواجهة تراجع الوسطاء الغربيين التقليديين – الذين عفا عليهم الزمن إلى حد كبير اليوم في أفغانستان كما في أي مكان آخر- و تعقيد الأزمات الإقليمية.

التعبير الآنف حرفي من صاحب المقال؛ يوهم به صوابا محال على تغليط، و ذلك من شدة الاستخفاف و فرط التخفي. و ثمة مكمن الداء . إنه التجلي السافر للمواجهة الكاملة بين الغرب الجماعي وبقية العالم، وهي نتاج للرفض التام لوجهات النظر حول التطور اللاحق للبشرية. و قد تغافل عن درس زبيغينيو بريجينسكي الصريح: من المؤكد أن التوزع المتغير للقوة العالمية، مضافا إلى ظاهرة اليقظة السياسية الجماهيرية الجديدة، كل منهما بطريقته الخاصة، دائب على مضاعفة وتيرة تقلب العلاقات الدولية المعاصرة.[4]

البراغماتية؛ الفرق السينمائية؛ دول متناهية الصغر/ les microconfettis étatiques ؛ قلب الأقوياء في الغرب/cœur des puissants en Occident، "جنوب العالم "/ «Sud global» - بالمزدوجتين في الأصل- استعلاء من الكاتب لا تخطئه العين؛ يذكرنا بدرجة ما آل إليه وعي الغرب الشقي على سلم آفته. و ما يخالج قرار نخبة الغرب و يساور آمالها، و هي جادة التفكير فيه و لم لا إحيائه؛ و إن بات طي الماضي؛ لا يجدي نفعا إعادة إنعاشه.

فما كان مبيتا؛ مع الزلزال لاح مفضوحا للعلن. و من حنقها؛ غدت نخبته تعلنه جهارا. فالأوان في نظرها قد آن لتفعيل التجربة الاستعمارية من جديد. ليتبدى الصراح البراح. إن أعضاء النخبة الاقتصادية وشبكات تخطيط السياسات، تمتلك أكبر قدر من السلطة؛ لها سلطة مستقلة عن الانتخابات الديمقراطية. فالحاصل؛ أن السلطة مركزة، والنخب موحدة، وغير النخب متنوعة وعاجزة.

هل بات المغرب ملهما لدروس السيادة و رسوخ المواطنة الشهمة. لقد أفقد فرنسا معقلا؛ إلى الأمس القريب ما عتمت تحسبه سجينا لماضيها الامبريالي، و لن يشرئب بعنقه يوما؛ و ينفض عنه إرث الاستغلال المجحف و حجر الوصاية؛ و الحال؛ أنه أضحى له استقلال؛ يرعاه و يصونه بمهج عيونه.شأنه كباقي دول المعمور و دول إفريقيا المتنصلة من قبضة المركز الامبريالي الجديد. و لا تنفك كل يوم تذيقه وبال صنيعه. و تحذره التفكير فيما كان يتستر عليه.

بالمغرب. و صلة بالذي صار؛ الزلزال هزنا هزا؛ فعايشناه زائرا؛ لننتهي منه بترسيخ وعي ضاف بالسيادة و الانتصار للهوية. صحيح أن البيوت هدت على رؤوس أهالينا. لكن عدنا لحياتنا نستنهض هممنا. و مع بزوغ شمس كل يوم جديد؛ أرواح من فقدناهم تحدونا أملا؛ و تجعلنا نتطلع بتفان إلى استغلال فرص الانفتاح و التغلب على تحدياته، و المضي قدما في مقاربات جديدة للتموقع الجهوي و العالمي؛ بروح إعادة تنظيم أشكال التضامن، و الانتصار لوطننا و لما تعهدناه أمام قبور أحبتنا المجللة بأزهار الشموخ و الكرامة. [5]

--------------------
[1] - بيتر جران: ما بعد المركزية الأوربية. نظرة جديدة في تاريخ العالم الحديث. ترجمة: عاطف أحمد - إبراهيم فتحي - محمود ماجد. المجلس الأعلى للثقافة . مصر. 1998 . ص21.

[2] - https://www.almendron.com/tribuna/au-maroc-le-qatar-en-acteur-humanitaire-strategique/

Sébastien Boussois, docteur en sciences politiques, chercheur sur le Moyen-Orient, ULB, UQAM.

سباستيان بوسويس، دكتوراه في العلوم السياسية، باحث في قضايا الشرق الأوسط.

[3] - عالم سباعي الأقطاب - الكسندر دوغين ترجمة : نورالدين علاك الأسفي .

https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=805202

[4] - زبيغنيو بريجينسكي: رؤية إستراتيجية. أمريكا و أزمة السلطة العالمية. ترجمة؛ فاضل جتكر.دار الكتاب العربي. بيروت- لبنان. 2012. ص 9

[5]- المغرب الممكن. إسهام في النقاش العام من أجل طموح مشترك. تقرير الخمسينية. مطبعة دار النشر المغربية.الدار البيضاء. المغرب. 2006. ص 266.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قوات الاحتلال تخرب محتويات منزل عقب اقتحامه بالقدس المحتلة


.. بلينكن: إسرائيل قدمت تنازلات للتوصل إلى صفقة ونتنياهو يقول:




.. محتجون أمريكيون: الأحداث الجارية تشكل نقطة تحول في تاريخ الح


.. مقارنة بالأرقام بين حربي غزة وأوكرانيا




.. اندلاع حريق هائل بمستودع البريد في أوديسا جراء هجوم صاروخي ر