الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سجال الرواتب والعائدات بين بغداد وأربيل ... من المنتصر ومن الخاسر ؟

خالد الخفاجي
(Khalid Al Khafaji)

2023 / 9 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


لا يبدو إن الأمور تسير على ما يرام بين حكومة إقليم كردستان والحكومة المركزية في بغداد, حتى وان بدا إن مشكلة الرواتب قد أوجِدَ لها الحل بعودة رئيس حكومة الإقليم (مسرور البارزاني) مسرورا إلى اربيل وهو يزف لجمهوره بشرى انتزاع الرواتب من بغداد, بعد قرار رئيس الوزراء (محمد شياع السوداني) وبضغط أمريكي من إقراض حكومة الإقليم 2.1 تريليون دينار (1.6 مليار دولار) للسنة المالية الحالية لتوفير السيولة المالية لحكومة الإقليم وتمكينها من دفع رواتب الموظفين المتراكمة, على أن تسدد وزارة المالية الاتحادية مبلغ القرض من تخصيصات الإقليم في الموازنة العامة الاتحادية للسنة المالية الحالية بعد تسوية ما بذمته من ديون, رغم إقرار (السوداني) بأن "قانون الموازنة لا ينص على تمويل رواتب موظفي الإقليم، وإنما "حصة كردستان"، وأن الحصة ستصل كردستان بعد تسليمه إنتاجه من النفط إلى بغداد". وهنا تكمن المشكلة, فإذا كان الإقليم يطالب بأكثر من تخصيصاته واعتاد على نسبة الـ (17%) التي اقرها له (السخي) إياد علاوي أول رئيس وزراء لما بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003 بدلا من نسبته السكانية (12.7%), ويمتنع عن تسليم عائداته لبغداد (هذا طبعا إذا ما استأنف تصدير نفطه عبر الأنبوب العراقي إلى ميناء جيهان التركي المتوقف عن العمل حاليا بسبب اتفاق الإقليم مع الأتراك على تصدير النفط دون موافقة بغداد) .. فمن أين سيسدد الإقليم هذا القرض وبقية ما بذمته من ديون للحكومة المركزية اذا كان وحتى عندما إستأثر بعائدات التصدير لن يسدد ما عليه من ديون ؟ .. عاجلا أم آجلا سيكتشف المواطن المغلوب على أمره في الوسط والجنوب إن هذا القرض لن يسدد كالعادة, وهو التفاف آخر على قانون الموازنة العامة وستضاف قيمة القرض إلى مجمل الديون المعدومة القديمة.
من الواضح إن حكومة الإقليم تخفي حجم ومصير الأموال الطائلة التي تتسلمها من عائدات تصدير النفط والمنافذ الحدودية والمطارات والضرائب وتركت موظفيها دون رواتب, وسعت بشتى الوسائل إلى التحريض ضد بغداد واستجدائها التدخل الأمريكي كما في كل مرة لابتزاز المزيد من الأموال. وحكومة بغداد أيضا تخفي سبب استمرارها في ضخ الأموال إلى الإقليم رغم تنصله من الإيفاء بالتزاماته وتسليم عائداته إلى خزينة الدولة في مخالفات صريحة لقوانين الموازنات العامة السنوية التي تشترط تسليم حصة الإقليم من الموازنة العامة مقابل تسليمه لعائداته للخزينة العامة, كما إنها تتجنب الإفصاح عن ما بذمة الإقليم من ديون هائلة وتتحاشى ذكرها أو حتى التلويح بها أثناء الأزمات الدورية لكبح جماح مثيرو الحملات الإعلامية التي تشن من الإقليم ضد بغداد وتحميلها مسؤولية (تجويع الشعب الكردي) خشية إثارة نقمة مواطني الوسط والجنوب. ضعف الحكومة المركزية هذا حث عدد محدود من أعضاء مجلس النواب على المطالبة باستعادة الديون المتراكمة على الإقليم والتي بلغت أكثر من (128) مليار دولار مع تذكيره بانه جزء من دولة يجب إن يخضع لقوانينها وإجراءاتها, ومع هذا فلم تجد دعواتهم آذان صاغية من حكومة بغداد واستمرت في تجاهلها.
امتعاض الشارع العراقي ووضوح النتائج بعد انتهاء كل أزمة مالية بين الإقليم وبغداد يحثه على طرح العديد من الاسئلة وهي: لماذا تبدي الحكومة المركزية كل هذا الخضوع لحكومة إقليم يتبع لها حسب الدستور وحسب الاعتبارات السياسية والاقتصادية والجغرافية, وتتعامل مع المفاوض الكردي الضعيف الحجة وكأن على رأسه الطير, وتتركه يملي شروطه عليها وتتقبل عن طيب خاطر كشوفات حساباته المزورة والجرأة على منع ديوان الرقابة المالية من دخول دوائر الإقليم لتدقيق الحسابات والسجلات الخاصة بموظفيه ودوائره وأبواب صرف تخصيصاته المالية, إضافة إلى تقديمه لقوائم بأعداد مهولة من الموظفين والموظفين الوهميين (الفضائيين) الذين على بغداد دفع رواتبهم ؟ .. تساؤلات مشروعة نطرحها على المتشدقين بسيادة الدولة ونحن نرى السفيرة الأمريكية في بغداد (رومانيسكي) وهي تلقي طوق النجاة لحكومة الإقليم وفرض املاءاتها على الحكومة المركزية مع كل استنجاد واستجداء للتدخل الأمريكي من قبل الإقليم, ليس لقوة مفاوض الإقليم أو ارتكازه إلى منطق الحق وإنما لضعف الحكومة المركزية وتعمد الأمريكان إلى إبقاءها في هذه الحالة من الضعف, وعدم الحرص على المال العام وتركها التخصيصات المالية تنساب إلى الطبقة المخملية في الإقليم والى تمويل وتسليح وإيواء الحركات الانفصالية الكردية في دول الجوار والى الإعلام الأصفر وما يتبقى منها ستوزع كرواتب منقوصة على موظفي الإقليم.
وأخيرا .. في هذه السجالات لا يوجد خاسر من بين الحكومتين, فكلاهما رابح. حكومة الإقليم تغرف من مال مباح دون حسيب ولا رقيب, والحكومة المركزية لا تريد خسارة أقوى حلفاءها في تشكيل الحكومة وانسحابه الذي يلوح به دائما قد يهدد مستقبل العراق ألتعددي في ديمقراطية شوهاء قد تهتز صورتها أمام الأمريكان وتفقد دعمهم لها, أما الخاسر الوحيد فهو بلا شك الشعب العراقي بعربه وكرده, فهذه الأموال التي تختفي وتتبخر هي أمواله, وكان على الحكومتين أن تكونا أكثر حرصا وأكثر نزاهة وشفافية في تحقيق العدالة الاجتماعية, فهم يتقاضون أجرهم على ذلك, وليس الاستئثار بها على حساب أصحاب الثروة الحقيقيين, وإذا ما استمرت الحكومتين بالاستمرار في هذا النهج المريب فقد تستعر نيران الغضب التي تخبو تحت الرماد في أية لحظة كنتاج طبيعي لهذا النظام السياسي الفاسد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفاوضات الهدنة: -حماس تريد التزاما مكتوبا من إسرائيل بوقف لإ


.. أردوغان: كان ممكنا تحسين العلاقة مع إسرائيل لكن نتنياهو اختا




.. سرايا الأشتر.. ذراع إيراني جديد يظهر على الساحة


.. -لتفادي القيود الإماراتية-... أميركا تنقل طائراتها الحربية إ




.. قراءة عسكرية.. القسام تقصف تجمعات للاحتلال الإسرائيلي بالقرب