الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا عن روح آكل لحوم البشر بعد قرار حكم الاعدام؟

خالد يونس خالد

2006 / 11 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


عاش آكل لحوم البشر صدام حسين في قصور ذهبية، أرهب شعبه ودفن الأطفال والنساء أحياء في مقابر جماعية، وأحرق أبناء الشعب العراقي في أتون حروب طاحنة، وخنق الكرد بالأسلحة الكياوية، وحطم كل انتفاضة بالحديد والنار، وكسح أراضي الدولة الجارة، الكويت، وسلب ونهب واغتصب. وعذب الرجال وهتك الأعراض واغتصب النساء، وعاش متباهيا، فقُبض عليه في حفرة متعفنة، وأُذِلَّ واحتقر، وأصبح أضحوكة العصر، ثم حُكِمَ عليه بالإعدام شنقا حتى الموت في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني. ولكن؟؟؟
أموت وفي ذاكرتي شيء من "ولكن". ففي ولكن، كما في "حتى" الذي رددها سيبويه وهو على فراش الموت، من أن شيئا من "حتى" باقي لم ينته منه. نعم ولكن "أخت إنّ وأخواتها" تنصب الأول وترفع الثاني، لا تغيب عن القضايا المطروحة للحوار والتمحيص والتحليل. ولكن، هل أن حكم الإعدام بحق آكل لحوم البشر مجرد مسرحية أميركية ليس إلاّ. فقد استنكرت منظمة العفو الدولية على قرار الحكم، وطالبت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بتعيل قرار الحكم، وطالب وزيرا خارجية فرنسا وإيطاليا بإلغاء عقوبة الإعدام بحق الطاغية صدام، كما طالب الإتحاد الأوربي بضرورة إلغاء حكم الإعدام في العراق لأن الدول الديمقراطية الأوربية ألغت حكم الإعدام رغم أنه باق في بعض الولايات الأميركية.

الحكم بالإعدام على الطاغية قليل قليل قليل
ومهما يكن من أمر فقد انتصرت إرادة الشعب العراقي، وما نسمع من القيل والقال عن قرار المحكمة ودستورية المحكمة وتسييس المحكمة، وقانونية القرار أو عدم قانونيته فإن الحكم على الطاغية العراقي بالأعدام قليل قليل قليل. الدكتاتور آكل لحوم البشر يستحق قرارا يناسب عدد الأرواح التي أكلها الطاغية، وقد تجاوزت حدود العقل وعبرت أجواء الانسانية بكل سعتها وعمقها.
لسنا هنا بصدد كتابة جرائم وخطايا هذا المخلوق الذي يسمى صدام، لأن كتابة آلاف الصفحات لا تكفي ولا تفيد، لاسيما أن كل تلك الجرائم منقوشة بنقوش دموية مؤلمة وحزينة في قلوب كل العراقيين الشرفاء. فلا حكم الإعدام تمسح تلك النقوش، ولا إعدام الأرواح الشريرة من صدام وأزلامه يمحو الذكريات الأليمة والأحلام الحزينة. والأهم من ذلك أن قتله ودفنه في تراب وطننا العراقي تدنس هذا التراب الطاهر، وقد تشكو الأرض من أننا نظلمها حين نجبرها أن تحتضن جثة آكل لحوم البشر صدام.
هنا أتساءل لماذا نظلم أنفسنا باعدام آكل لحوم البشر؟ الإعدام يريحه مما هو فيه من مذلة وهوان، ولا أعتقد أن الأعدام يسعد أرواح شهداء الأمة العراقية، ولا تُفرح ذوي الشهداء سوى يوما أو بضعة أيام حين تُزهق روح الطاغية الشريرة فتذهب إلى الجحيم، فلا يراها المعذبون في الأرض حتى يفرحوا. وإذا صحت المقولة "أن الأرواح الشريرة لاتموت" ، فماذا عن روح صدام حسين التي كانت أم الأرواح الشريرة؟
السؤال الذي يلح أن يطرح نفسه هو فيما إذا كان اعدام الطاغية العراقي كافي؟ والتساؤل الآخر هو فيما إذا كان إعدام صدام يريح عذابات أجيال من العراقيين الذين عايشوا سنين العمر في الظلم والمذلة والهوان؟ فهل ينبغي للعراقيين أن يريحوا الدكتاتور من هذه الحالة المزرية التي يعيشها في زنزانته الانفرادية؟
أصاب الأستاذ عبد الرحمن الراشد في مقاله، ماذا عن روح صدام؟ وصدق الأستاذ شاكر النابلسي أن كثيرا من حكامنا دكتاتوريون وينظرون إلينا كعبيد لهم. فلماذا لانجد طريقة مثلى للتعامل مع روح صدام الشريرة لتكون عبرة لمن يعتبر، ولتكون درسا لكل المستبدين، والأهم من كل ذلك لنريح أنفسنا ونريح أرواح شهدائنا الطاهرة، ونعطي درسا مفيدا للأجيال في أن يفهموا أن الظالم يلقى مصيره لأن الظلم لايدوم. وليعرف الجميع أن الديمقراطية هي الطريقة المثلى في أن نعيش أخوة سواسية في الحقوق والواجبات، نعيش في وطن واحد، وطن الجميع، وسيد القوم خادمه، ولا عبيد ولا فرق بين السلطان المحكومين.

قد لاتموت الروح الشريرة
أخشى أن يجعل الإعدام من آكل لحوم البشر عند بعض ضعاف النفوس شهيدا. أخشى أن لاتموت روحه الشريرة كما تقول الأسطورة عن الأرواح الشريرة التي تعيش في أذهان وأفكار بعض الناس من الذين لايفهمون الخير، وهم يقدسون الشر. فروح هتلر تعيش في نفوس النازيين الجدد، وأفكار هتلر وأطروحات غراندي راسخة في أفكار النازيين. ولا زالت الأفكار الفاشية لموسوليني تعيش في أذهان الفاشيين أيضا. ولا زالت الستالينية في ممارساتها مقمصة في ممارسات المتشددين الذين لايفهمون الديمقراطية، كما عبرت الخبيرة السويدية في شؤون الشرق الأوسط بياتريس زيدلر بلومبري في كتابها "الشرق الأوسط في ظل الحرب العراقية" باللغة السويدية، من أن ستالين كان المثال الذي يُحتذى به عند صدام حسين.
ما نخشاه أن إعدام صدام حسين تجعل من روحه تتقمص في نفوس أولئك القومجيين المتعجرفين ضد بني قومهم والأقوام الأخرى. فصدام حسين يمثل قمة التطرف القومي في وقت تنصهر القوميات في بوتقة الوطنية والديمقراطية.

ما العمل إذن؟؟؟؟؟؟؟؟؟
عقاب التاريخ يختلف من إنسان لإنسان. كثيرون من المستبدين حكموا شعوبهم بالبارود، وحكمت محكمة التاريخ حكمها عليهم بشكل أو بآخر. انتحر هتلر، حطم الروس أصنام ستالين ونبشوا قبره، شاه إيران مات في المنفى بعد أن شُرد من وطنه ولم تقبله أية دولة حاكما فدفن في مصر، شارود مات وهو حي، وتعفن وأذل، بول بوت أهين واحتقر إلى أن دُفن في حفرة من النار. ولازال التاريخ ينتظر الكثير من الطغاة، فلا تنفعهم ملياراتهم التي يسرقونها من الشعب.
يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ مَن أتى الله بقلب سليم.
لقد تعلمنا من التاريخ أنه لايرحم أحدا أيها الذين تحكموا شعوبكم بالظلم والفساد!!!
صدام حسين يموت في السجن كل يوم ألف مرة، وربما يكون حكم الإعدام وسيلة لإنقاذه من هذه الموتات البطيئة المذلة المهينة في صالات المحكمة، وعتمة الزنزانة، وهو يُساق بالسلاسل الحديدية إلى المحكمة ثم يُطرد منها طردا مهانا مرة تلو مرة، وهو يفقد السيطرة على نفسه فيصرخ وكأنه يبكي.
أخرجوا الظالم صدام من سجنه الإنفرادي حتى يتخلى عن أحلامه وحيدا، وضعوه في سجن بين بضعة أفراد من المجرمين الذين اقترفوا جرائم اعتيادية، لكي يعرف المجرم قدره المنحط بين المجرمين، فهؤلاء المجرمون يعلَموه كم هي مذلة ومؤلمة الإهانة والاحتقار. حين كان هو وأزلامه يهينون السجناء من أبناء الشعب العراقي في السجون، ويجبرونهم بالاعتراف أمام اغتصابهم لأخوات وبنات السجناء الذين كانوا أبرياء في أغلب الأحوال. وحتى إن كانوا مذنبين، فما ذنب النساء فيما فعل الرجال.
لاتنفذوا حكم الإعدام على صدام اليوم لأن حكم الإعدام أقل وأقل بكثير من أن يستحق. خذوه إلى صالة المحكمة يوميا في قضية تلو قضية، وشددوا عليه الخناق في حدود القانون، حتى يراه كل عراقي يشفي غليله من الظلم الذي عاناه. أجعلوه يبكي كل يوم وهو بين السجن والمحكمة، يصرخ حتى تفرح أرواح الشهداء. الموت قليل عليه، فاجعلوه يترجى من الشعب أن يموت، ويطلب من الشعب العفو ألف مرة ومرة، حتى تموت ذاكرته، ويموت فكره، ويصبح أضحوكة بين الناس، ليعرف الجميع أن الشعب العراقي لن يرحم الطغاة، ولن يتسامح مع جلاديه. ليكن مثالا للإنسان المحطم الذي لا يعرف إلا الهزيمة والتخاذل. ليهتف الشعب، عاشت العدالة، وإذا لم يكن الجحيم مسكنا لصدام آكل لحوم البشر فلمَن خلق الله الجحيم؟؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المغرب.. قطط مجمدة في حاوية للقمامة! • فرانس 24 / FRANCE 24


.. موريتانيا: مع تزايد حضور روسيا بالساحل.. أوكرانيا تفتتح سفار




.. إسرائيل تحذر من تصعيد خطير له -عواقب مدمرة- بسبب -تزايد اعتد


.. هدوء نسبي مع إعلان الجيش الإسرائيلي عن -هدنة تكتيكية- انتقده




.. البيان الختامي لقمة سويسرا يحث على -إشراك جميع الأطراف- لإنه