الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النص الشعري لدى الشاعرة التونسية القديرة أ-نعيمة المديوني يعانق عوالم إبداعية متعددة. قصيدتها -أكره أن لا أكون أنا- نموذجا

محمد المحسن
كاتب

2023 / 9 / 25
الادب والفن


يخضع اي نص نتناوله للقراءة بما يحتويه من العناصر والاشكال والصور إلى قراءات متعددة، وان هذا التناول يختلف من قارىء الى اخر،ذلك كون اية قراءة في أساسها تاخذ مبرراتها بما يمنحها النص الابداعي لها عبر متابعة كل ما يحتويه من أساليب وسمات وملامح وجمل مترابطة،سواء ما تدخل بشكلها الضمنيّ الترميزي أو ما تدخل بشكلها المعلن للتعبيرعن رؤية المبدع التي يبثها معجمه اللغوي (لكل فرد طريقته الخاصة في بناء الجمل والربط بينها دون بعضها الاخر او يستعمل ادوات معينة دون اخرى)(د شكري عياد،مدخل الى علم الاسلوب،ص22)
الشاعرة والكاتبة التونسية القديرة الأستاذة نعيمة المديوني تسعى في كتابتها الشعرية إلى تجاوز الرؤية الاحادية المحدودة وتجاوز الإطار الواحد بحيث يكون للنص أكثر من ضفة وكواليس متعددة ويصبح النص بمثابة الملعب اللأمحدود لتذوق معاني والخوض في أسئلة كبيرة كالحياة والحرية و الأنثى والذات والمرأة. وغيرها..
تتحاشى أ-نعيمة المديوني الإكليشيهات المكررة وتحاول أن تعانق عوالم متعددة.
في قصيدتها ” أكره أن لا أكون أنا ” التي أهدتها إلى" كلّ آمرأة تبحث عن ذاتها وفي داخلها دفء يغمر الكون بسخاء.."تهتف الشاعرة “
**أكره أن لا أكون أنا **
أكره أن لا أكون أنا
اذا خلا المكان من غيرنا
اذا داعبنا أوراق الشّجر وتجلّى القمر
أكره أن أضع عصابة تحجب عنّي السّيول والرّبى
أن أبتسم والدّمع يسكن المقل
أكره أن أضحك والقلب ترافقه العلل
أن أقول ما لا أحبّ أن أقول ساعة تحتضننا آلسّماء
ساعة تهب السّواقي أريجها
أكره أن تدمع الرّوح والوجه باسم
أن تذرف آلسّماء مدامعها وتراقص الأرض رماحها
أكره أن يتجمّل الفؤاد وجيده بآلأسى صارخ
أكره أن أسير مكبّلة بأصفاد التّقاليد العمياء
أن أصافح الرّياح
أن أغرس الياسمين فينبت الشّوك جارحا
أكره لسعة الصّقيع والدّفء منّي غير بعيد
كيف لي أن أكون أنا والأقنعة من حولي مغرية
كيف لي أن أسبح في اليمّ وحيتانه آثمة
أكره أن لا أكون أنا
ساعة ترسل الشّمس ضفائرها
ساعة يكبّر للصّلاة في محراب الهوى
أيّها الفؤاد قف للغيوم
ٱبسط كفّك
تعود إليك جذلى
أيّها السّاحر هاتني برعشة قاتلة لحظة مجون خالدة
لأكون أنا ساعة يصفّق الطّير مسبّحا
ساعة أغنم بك
ساعة أصير منك الحياة
ساعة تصير مني ملكا
ساعة يشهق الهوى شهقته المزلزلة
وأشرب من كأسك
نعيمة المديوني
الشاعررة تعلن بجسارة من لا يخشى لومة لائم وبصريح العبارة “أكره أن لا أكون أنا ” قاطعة الشك باليقين.وفي نفس الآن قد تؤكد بقولها هذا أنها ليست بالمرأة الخاضعة لأية سلطة،فتنحني لتسبح مع التيار وتتبع خطاه.إنها رمز التحدي والصمود. شعارها “لكم دينكم ولي دين”.
عنوان صاغته بفنية عالية،عكَس مواقف الشاعرة الواضحة من الأنا والآخر،قريبا كان أو بعيدا.
إنه صرخة مدوية في وجه ما يعج به المحيط من أمراض اجتماعية خطيرة،تجد لها في المجتمعات المتخلفة مرتعا تعشش فيه وتبيض وتفرخ،من نفاق بشتى ألوانه.."كيف لي أن أكون أنا والأقنعة من حولي مغرية..كيف لي أن أسبح في اليمّ وحيتانه آثمة".."أكره أن أسير مكبّلة بأصفاد التّقاليد العمياء.."
صرخة أنثى..صرخة عبرت عنها بمختلف الصيغ التركيبية والصرفية في قصيدتها المذهلة "أكره أن لا أكون أنا" قصيدة مفعمة حتى الثمالة بالرفض والتحدي والمواجع..
ويبقى النفاق أخطر أنواع الأمراض الاجتماعية (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا) س النساء 145.
ويبقى كذلك الإبداع مهما كانت قوة معانيه،ومهما تضمنه من رسائل لمن يهمه الأمر،لن ينال شرف الأدبية الشعرية،تضمن له وسام الانتماء لهذا الجنس الراقي المتميز،سوى بتفجير لغته بتعبير أدونيس،وانسيابيتها وانزياحها عن المألوف.إنها الوظيفة المفروض فيها الهيمنة على ما سواها،بتعبير ياكبسون.إنه مجموعة من القواعد الجمالية.إنه قدرة الشاعر على ما تبدعه أنامله من فن تعبيري وما ترسمه من جمال صور بلاغية،في انسجام تام بين مستويات قوله الصوتية والإيقاعية والتركيبية والصرفية والدلالية.
الشاعرة نعيمة المديوني بمهارة المتمكن من صرة صنعته،استطاعت بلغة شفيفة رائقة،وبجمالية شاعرية راقية،و ببلاغة مائزة،أن تجعل القارئ يتناغم معها ويرقص على ايقاع كلماتها العذبة..
و لا بد ان نشير في النهاية ما قلناه في البداية من أن كل نص له وضعه وسماته وان القراءت تعتمد على قارىء يعبرفيها عن تصوراته ورؤاه الذاتية التي يطرح افكاره ويوظفها ويفسرها ويقوم بفك شيفرة الرسالة التي يحملها النص الابداعي كلياً أو جزئياً حسب ما يناسبها،اضافة اعتماده على ذاتيته في فك الرموز،وهذه ما تجعل كل قراءة تختلف عن الاخرى وتجعل لكل نص قراءات متعددة.
وهذا اعترافا منا من ان قراءتنا للقصيدة الرائعة " أكره أن لا أكون أنا " نابعة من ذاتيتنا وانها حتما ليست القراءة الاخيرة لها والتي لا بد ان تتبعها قراءات اخرى مختلفة.
ختاما أقول : تتحلى الشاعرة التونسية المتميزة أ-نعيمة المديوني بحضور إبداعي أفقي،يُغدق على النص من عتبات ومضامين النَّرجسي،ما يخوّل لها البصمة الخاصة،ويميّزها بين أسماء وازنة لها ضلوعها في الشعرية العربية الحديثة سواء داخل تونس أو خارجها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا