الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيرة بطاقة هوية -3- وقائع هروب فاشل

باسم المرعبي

2023 / 9 / 26
سيرة ذاتية


هناك أيضاً ما يستحق أن يُروى من وقائع تلك الأيام، قبل الخوض في واقعة المطاردة المُشار إليها، في الوقفتين السالفتين. حين صدر قرار الفصل من الكلية، كنت وقتها أسكن في شقة مستأجرة في منطقة الشعب، بمعية الأصدقاء، محمد النصار وموفق صبحي. كان النصار طالباً في كلية الآداب، وصبحي في كلية الشريعة. كانا بطبيعة الحال على علم بما آلت إليه أموري الدراسية! كان موفق قد مرّ بنفس مأزق الطرد من الكلية للسبب ذاته أي الهروب والتمرد على قرار تجنيد الطلبة. وعلى قلة الأيام التي تواجدنا فيها في المعسكر الذي كان في صحراء العْظَيم، لكنها حفلت بمشاهد الهروب أو محاولاته، وفي هذا الصدد لا أنسى مشهد محاولات هروبنا من المعسكر ومن ثم اللحاق بنا من قبل الانضباط العسكري، كانوا يطاردوننا بسيارات الإيفا العسكرية المعروفة. ذات مرة وكنا أنا موفق قد هربنا سوية، لكن أخطانا الطريق فسلكنا طريقاً مكشوفاً، يوصل إلى البوابة الرئيسية للمعسكر، مما جعلنا هدفاً للانضباطية، بعد مطاردة قصيرة لحقوا بي أولاً وأصعدوني إلى السيارة، لأني أيقنت أن لا فائدة من أي مقاومة أو الاستمرار بالهرب، وبقي موفق طليقاً يركض أمام السيارة ويراوغها، لن أنسى منظره وهو بدشداشة بيضاء ـ ولا أدري لماذا دشداشة؟!ـ يركض على الأرض الترابية المترامية، أمام السيارة، صاعداً، هابطاً، لعدم استواء الأرض، لما فيها من مرتفعات ومنخفضات بسيطة. كنت أضحك في دخيلتي، لأن موفق يحاول أمراً مستحيلاً فلا بد أن يمسكوا به وهو ما حدث بالفعل. لكن ما يجب أن يُشهد به هو أنه لم يحدث أن استخدموا أي نوع من العنف من أجل ضبط الهاربين، فقط يكتفون بسحب بطاقة الهوية ، ويحتفظون بها، كي لا يستطيع الطلبة مغادرة المعسكر مرة أُخرى. وسمعنا وقتها ان آمر المعسكر قد أصدر تعليماته لمفارز الانضباطية في المعسكر بعدم التعامل بعنف مع الطلبة، بعد حادث دهس مأساوي تعرّض له طالب من كلية الزراعة أثناء هروبه من المعسكر وعبوره الشارع العام. لقد استضاف معسكر العظيم طلاب ثلاث كليات هي أكاديمية الفنون الجميلة، والشريعة، والزراعة. في محاولة هربي الفاشلة الآنفة الذكر، سحبوا مني الهوية هذه المرة، لكن استطعت أن أستعيدها في نفس اليوم أو اليوم التالي، بواسطة عبد الحميد الصائح، الذي التحق منذ الأيام الأولى بالتوجيه السياسي للمعسكر.

موفق صبحي يخترع مثلاً من أجلي!

بعد انقضاء أيام المعسكر واتضاح كل شيء، وكان ثمة من الكليات من تهاون في مسألة غياب الطلبة أو عدم الالتحاق بالمعسكرات، بعد ترك صلاحية تطبيق قرار الفصل من عدمه لإداراتها، مثل كلية الآداب. أما الشريعة فلا أتذكر موقفها بالضبط ، لكن ما أعرفه أن موفق قد فُصل أيضاً لكنه تمكن من تدبّر أمر واسطة، وإن أخذ ذلك منه وقتاً ـ إلا أنه في الأخير نجح في العودة إلى مقاعد الدراسة. ومما أتذكره به من المواقف الطريفة التي كان عليها موفق، فمرة مثلاً، بقي ساهراً يحضّر للامتحان، لكنه مع بزوغ الفجر ذهب في سيارة أجرة إلى باب المعظم، لتناول وجبة الفطور التي هي عبارة عن صحن شوربة، فقد كانت بسطيات الأكلات السريعة هناك تسهر حتى الصبح، لكثرة حركة الجنود. وعاد إلى الشقة لينام، دون الذهاب إلى الامتحان. على أية حال، ذات يوم وفي الأسابيع الأولى التي أعقبت الفصل، وكنا نتمشى في المنطقة قريباً من الشقة، عرض عليّ محمد النصار، العمل مصححاً في جريدة الثورة، بحكم عمله السابق في هذا القسم، فقد عرف أنهم بحاجة إلى مصحح. ترددت أول الأمر، لأكثر من اعتبار، خاصة لما في ذلك من خطر انكشاف أمر فصلي، الذي يعني عليّ الالتحاق بالجيش لا العمل في صحيفة مثل الثورة! كانا يحاولان اقناعي، فانبرى موفق، وقال مستحضراً مثلاً من عندياته، كما أعتقد: "الحرامي يختل بمركز الشرطة!". قلت ربما مشاهدة موفق لمركز الشرطة الذي كان على مسافة منا ونحن نجتازه في طريقنا ونحن نتحدث بالموضوع هو الذي أوحى له بالمثَل. كان يقصد أن لا أحد سيشك اطلاقاً بي عندما التحق بهذا العمل في مكان مثل هذا، وهو ما كان حقاً. المهم، تقدمت إلى العمل، وخضعت لاختبار يتضمن ما هو لغوي وصحافي، بالنسبة لهذا الأخير قراءة خبر واكتشاف ما فيه من أخطاء، مضمونية، لا لغوية فقط. كان رئيس التحرير وقتها هو الشاعر حميد سعيد. وقد كان جو العمل في القسم أليفاً، ورغم ممارستي للعمل للمرة الأولى غير أني نجحت فيه، كان معي أيضاً حميد المختار وآخرون كان عملهم الأصلي التدريس، اختصاص لغة عربية. كما هو حال رئيس القسم، أحمد خطّاب عمر، الذي كان شخصاً دمثاً ومُراعياً للعاملين معه. وبعد تركي العمل بفترة، وصلتني منه دعوة مع محمد مظلوم ـ الذي عمل معه سابقاً، أيضاً ـ أو محمد النصار، للعودة إلى العمل، سائلاً عن سبب تركي إياه. ـ السؤال الذي لا إجابة له، وقتها ـ . كانت فترة بقائي في قسم التصحيح قصيرة للغاية فلم تتجاوز الشهر أو الشهرين، وقد وكان السبب المباشر لمغادرتي العمل هو سؤال أحد العاملين معنا، سيأتي ذكره لاحقاً. كان الكل يعرفني باعتباري طالباً في أكاديمية الفنون الجميلة كما أفدت أنا، لكن ذات ظهيرة فاجأني هذا الشخص، دون إضمار أيّ سوء: بقوله: اليوم كنت في الأكاديمية، لكن لم أرك؟!
3ـ11ـ2022
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا تعلن أسقاط 4 صواريخ -أتاكمس- فوق أراضي القرم


.. تجاذبات سياسية في إسرائيل حول الموقف من صفقة التهدئة واجتياح




.. مصادر دبلوماسية تكشف التوصيات الختامية لقمة دول منظمة التعاو


.. قائد سابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية: النصر في إعادة ا




.. مصطفى البرغوثي: أمريكا تعلم أن إسرائيل فشلت في تحقيق أهدف حر