الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آراء مؤرخي الأدب في تحديد العصر الحديث

صبري فوزي أبوحسين

2023 / 9 / 26
الادب والفن


يبدأ العصر الحديث عند عدد كبير من الباحثين منذ دخول الفرنسيين مصر سنة 1213هـ/1798، حتى آننا هذا، ويعرض الأدب العربي فيها محددًا بعنصر المكان حسب البلاد العربية المختلفة، بسبب كثرة الإبداع والمبدعين كثرة تستعصي على أن تدرس بطريقة إجمالية شمولية!.
إن كثير من المؤرخين يذهبون إلى أن عصر الأدب الحديث يبدأ منذ زوال الحكم العثماني ومجيء الاحتلال الغربي لوطننا العربي، يقول د/أحمد هيكل: "يبدأ العصر الحديث للأدب العربي في مصر - بل للتاريخ المصري كله- بتلك السنوات التي شهدت خروج البلاد من ظلمات العصر التركي، لتفتح عيونها على نور الحضارة الحديثة، ولتأخذ طريقها في موكب المدنية المتقدمة، وذلك بعد أن أغمضت عيونها عن النور، وعوقت خطاها عن السير زهاء ثلاثة قرون، هي مدة الحكم التركي الكريه. ومن الممكن تحديد تلك البداية، بسنوات الحملة الفرنسية من سنة 1798م إلى 1801م، أي بأواخر القرن الثامن عشر وأوائل التاسع عشر". عندما صدم الإنسان العربي صدمة حضارية فاعلة، صدمة صورها الدكتور أحمد هيكل نقلا عن عبدالرحمن الجبرتي بقوله:" ويكفي لتصور المستوى العلمي، وما بلغه من تخلف حينذاك، أن نقرأ ما حكاه الجبرتي عن دهشته البالغة هو وبعض إخوانه، خلال زيارتهم لمعمل علمي من معامل الفرنسيين، وحضورهم بعض التجارب هناك، فقد تحدث الجبرتي عن ذلك كله، وكأنه يتحدث عن عمل من أعمال السحر.. يقول الجبرتي في حديثه عن المعمل، وبعض التجارب العلمية التي كان يجريها الفرنسيون: ... وأفردوا مكانًا في بيت حسن كاشف جركس لصناعة الحكمة والطب الكيماوي، ومن غريب ما رأيته في ذلك المكان أن بعض المتقيدين لذلك، أخذ زجاجة من الزجاجات الموضوعة فيها بعض المياه المستخرجة، فصب منها شيئًا في كأس، ثم صب عليها شيئًا من زجاجة أخرى، فعلا الماء، وصعد منه دخان ملون حتى انقطع وجف ما في الكأس، وصار حجرًا أصفر، فقلبه على البرجات حجرًا يابسًا أخذناه بأيدينا ونظرناه، ثم فعل كذلك بمياه أخرى فجمد حجرًا ياقوتيا، ثم أخذ مرة شيئًا قليلًا جدًّا من غبار أبيض، ووضعه على السندال، وضربه بالمطرقة بلطف، فخرج له صوت هائل كصوت القرابانة، انزعجنا منه فضحكوا منا ... ولهم فيه أمور وأحوال، وتراكيب غريبة، ينتج منها نتائج لا يسعها عقول أمثالنا!.."( ).
ويعلل الدكتور أحمد هيكل هذا التحديد قائلاً:" وليس ذلك باعتبار الحملة الفرنسية خيرًا أسدى إلى مصر، بل باعتبارها عملًا عدوانيا مدبرًا، أثار في مصر ما كمن من عناصر القوة، فقد اتخذت الحملة الفرنسية من العلم أسلحة ضمن أسلحتها، ومن العلماء جندًا في عداد جندها، ومن هنا رأى المصريون في تلك الحملة علما غير ما يعرفون، وعلماء غير ما يعهدون، وأدركوا خطورة ذلك كله عليهم أن لم يكن لهم مثله، فتطلعوا إلى نور الحضارة الحديثة، وبدءوا التأهب للسير في موكب المدنية المتقدمة.. وهكذا كانت تلك الحملة تنبيهًا غير مقصود لعناصر القوة في الشعب المصري العظيم، تمامًا كما تنبه عناصر المقاومة في جسم الكائن الحي، حين يتسلل إلى دمه مكروب يريد أن يفتك به، فيتسلح الجسد بما فيه من قوى كامنة، ويقاوم بما احتفظ به من حيوية محجبة، وحينئذ قد يكسب مناعة أقوى مع الزمن، وصحة أتم على الأيام"( ).
ويذهب آخرون إلى جعل بداية العصر الحديث محددة بحدث نضالي يفخر به وليس حدثًا احتلاليًّا استدماريًّا، وذلك يتمثل في تولي محمد علي حكم مصر، أو حركات التحرر من الاحتلال التركي أو الغربي، أو الحركات الدعوية الإصلاحية في ربوع الوطن العربي كالحركة الوهابية في الجزيرة العربية، والحركة المهدية في السودان، والحركة السنوسية في ليبيا والجزائر.
والرأي الوسط في ذلك أن نحدد بداية العصر الحديث زمنيًّا لا حدَثيًّا، وبطريقة معممة وليست مفصلة، كأن نقول: إن العصر الحديث بدأ في مستهل القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.
وتاريخ الأدب العربي في العصر الحديث طويل المدة الزمنية، متنوع المساحة الجغرافية جدًّا، لا يمكن لباحث أن يدرسه دراسة علمية استقصائية في كتاب واحد؛ لذا لجأ كثير من الباحثين إلى تقسيمه أقسامًا، حسب توجه كل دارس، منهم الدكتور أحمد هيكل الذي لجأ إلى معيار المنهج التاريخي في التقسيم، قائلاً:" تعاقبت السنون منذ تلك البداية إلى عهدنا الحاضر، ومر الأدب -والتاريخ المصري كله- بفترات مختلفة، لكل منها طابع خاص؛ ولذا يحسن أن يقسم هذا العصر الحديث الطويل، الذي يبلغ نحو قرن وثلثي قرن إلى فتراته المختلفة، التي يتميز كل منها -إلى حد كبير- بطابعه السياسي والاجتماعي والثقافي، ثم بطابعه الأدبي، نتيجة لذلك كله، وبهذا يتيسر الدرس، ويكون أقرب إلى الدقة، وتلك الفترات هي:
الفترة الأولى: من الحملة الفرنسية إلى ولاية إسماعيل من1798 إلى 1863م.
الفترة الثانية: من ولاية إسماعيل إلى الثورة العرابية من 1863 إلى 1882م.
الفترة الثالثة: من الاحتلال البريطاني إلى نهاية ثورة 19 من 1882 إلى 1922م.
الفترة الرابعة: فترة ما بين الحربين من 1922 إلى 1939م.
الفترة الخامسة: من الحرب العالمية الثانية إلى قيام ثورة 23 يولية من 1939 إلى 1952م.
الفترة السادسة: من قيام الثورة إلى اليوم من 1952 إلى اليوم( ).
ولكنه تقسيم معتمد على الحالة السياسية في وطن عربي واحد هو مصر، دون نظر إلى بقية أجزاء الأمة العربية. وهذا من أهم المزالق التي تنال من كثير من الدراسات المؤرخة للأدب العربي في العصر الحديث؛ فمعظمها يتحول نحو الوجهة الإقليمية الجزئية القاصرة!.
ويلاحظ على معظم مؤرخي العصر الحديث ومحقبي الأدب الحديث تجاهلهم لأثر الأزهر الشريف ودوره في النهضة الأدبية الحديثة، بطريقة تكاد تكون متعمدة، نابعة من نظرة استعلائية إقصائية يعرفها القاصي والداني للأسف! ويعد كتاب "الأزهر وأثره في النهضة الأدبية الحديثة" للأستاذ/ محمد كامل الفقي- الذي يعرض فيه المؤلف نماذج لشخصيات أزهرية مؤثرة في النهضة الأدبية مثل الشيخ حسين المرصفي والشيخ حمزة فتح الله وغيرهما، ويتناول الشعر في العصر الحديث وشعراء الأزهر، والتجديد في الشعر ونظر علماء الأزهر إلى الشعر- من أبرز الجهود التي أزالت هذا الغبن الواقع على مؤسسة الأزهر شيوخًا وأدباء وباحثين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري


.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب




.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس


.. بحضور شيوخ الأزهر والفنانين.. احتفال الكنيسة الإنجيليّة بعيد




.. مهندس الكلمة.. محطات في حياة الأمير الشاعر الراحل بدر بن عبد