الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشاعر كامل ألركابي : يعشق النخيل والمراكب والثلوج

ماجد لفته العبيدي

2006 / 11 / 12
الادب والفن


ولد الشاعر كامل الركابي 1954 في مدينة الناصرية ,مدينة الأدب والفن والسياسة واستنشق فيها النسمات الندية التي ظلت في ذاكرته , هاجر منذ الطفولة إلى البصرة الفيحاء , حيث تختلط العطور بالبخور في سوق الهنود , وتزدحم الشوارع في السيارات والعربات القادمة من الميناء , في البصرة حيث الأجواء الخليجيةالساحرة , وصفير البواخر التي تداعب أمواج الخليج , والمراكب التي تتوسد الشواطىء , والنوارس المحلقة في أجواء الميناء , والغافية على أسطح المراكب والسفن , تلك النورس التي تنظر بلا مبالاة إلى صيادي الأسماء وعمال الميناءالذين أنهكهم البحر, وراقصتهم أمواجه العاتية ,وأسمعتهم أغانيه الراقصة التي اهتزت لها أجسادهم بعنفوان .

الشاعر كامل الركابي الذي لم تبارح الناصرية مخيلته , حمل البصرة بفضاءاتها بحقيبة السفر , ضيق حينما غادرها كادت الشوارع تحاصره والصرائف تلاحقه , بعد إن ضيق المخبرين عليه وعلى رفاقه وأصدقائه اللذين لم يستسلموا للركوع والإذلال , فملئت بهم السجون , واستشهد الآخرون أو تشردوا في الوطن والمنافي البعيدة .
حينها كانت الخطوة الأولى لشاعرنا الشاب في المنفى , مخلفا ورائه الوطن بحسرته,و بذكرياته الجميلة العالقة في عطر الحناء , وعبق الياس والكافور ,بجمال الشناشيل البصرية , ورقصات الهيوة وتصفيق الخشابة , وظل الوطن بين ضلوعه قلب يخفق وهاجس دائم , فكتب يقول في قصيدته [ راحت البصره ]
ابشواطيها ونخلها
راحت البصره
ابسواجيها ونهرها
راحت البصره
ونزع جف السواد
من وجه
ام البروم الحلوه
خضرتها وسمرها
لابعد محبوب
يمشي ويه الحبيبه
إن الشاعر كامل الركابي في هذه الأبيات الشعرية يبكي مدينته التي أنهكتها الحروب , ودمرتها القذائف , وانحنى فيها النخيل من ثقل الجرائم , وهو يحاول عبر قصيدته هذه إن يرسم لوحة لمدينةالبصرة مستخدما اللون الأسود والأحمروالأخضر , ليجسد فيهما الربط بين الحياة والموت , والعلاقة بين الفرح والحزن ,
ويسعى الركابي عبر قصيدته أيضا إن يصور للقاريء مدينة البصرة العامرة بالحب , المليئة بالرموز الأدبية والفنية .
وفي قصيدة أخرى للشاعر بعنوان [النخيل ] سعى الشاعر إلى وصف تفاصيل المكان وطبيعة مناخ القصيدة , وكانت النخلة التي ترتبط بالوطن والذكريات, حاضرة في قصيدة الشاعر كامل الركابي , وهو يتغزل بشموخها وثمرها وظلالها ومعاناتها التي شبهاها بما يجري للوطن والشعب , ويقول الشاعر في قصيدته :
نخلة الساعي
نخله وحدانيه
برحي
ابهالنخيل ..,
ضي شمس تموز سرها
ومن زغر
تكره الليل
يغار منها الحابسي
ويغزها شوكه
وهيَّ وحدانيه
تسكتْ ..
يسِّد عليها الهوه الزهدي
اسنين
وتنود ابنفسها
وهيَّ وحدانيه
تكبتْ ..
يكطع المي عنها
جذر الديري
وتلوب ابعطشها
وهيّ وحدانيه
تسكت ..

إن كامل الركابي حاول في مجموعة من قصائدة , أ ن يستخدم الكلمات العربية الفصيحة مع الكلمات العامية , وهو يعي إن هذه المحاولة تشكل امتداد لمحاولات سبقه فيها آخرين , ومن أبرزهم الشاعر اللبناني يوسف الخال , وجاءت هذه المحاولة الناجحة بوضوح في قصيدته [ عرب وأكراد ] :
آنا انحو..
نحو المجنون بالذات
كسرة حزن
وجه الصبح
واسكر بالعذابات
واحني احلامي
باول ليل
لعيون الصداقات
واذا صادفني عايد*
رافع الرايات
اكله:الله عليك
ابماردين*
اشلون جنه انبات ؟
جعلنه من الملابس
جمرللجاي
وعملنه من الكواغد
فرش وامخاد
نمنه-وسكف مامش-
عرب وأكراد
هذا من الجبايش
ذاك من أربيل
وانت احلى نجم
مر ليل بغداد
وفي صورة شعرية جميلة أخرى كتب الشاعر الركابي عن الحرب والتهجير والغربة والسلام في قصيدته [ الحمامة ] :
بعد مافلشوّا عشها
تسكن بروحي
الحمامه
وبعد ماخربوّا عشي
اسكن بروح
الحمامه
جنت أظن
عشي جميل

لقد كتب كامل ألركابي العديد من القصائد عن الشهداء , الذين عايشهم في الكفاح المسلح والعمل الطلابي ,وكانت قصيدة [ شمس ومطر ] واحدة من هذه القصائد كتبها للشهيد [ علي سيد إبراهيم ] , ذلك الشاب الجنوبي الذي لم تفارقه الابتسامة والذي يعرفه العديد من شباب الناصرية , لشجاعته وحماسته وإخلاصه للافكار وعمله, فكتب عنه الشاعر كامل ألركابي قصيدة جميلة يقول فيها :

ياعلي
وكل بيت
كل شارع حزين
يعرف اشكد
روحي مليانه حنين
للسهر واللمَّه
وسوالف عمرنه الماتشح عنها السنين
اشما تفاركنه
,الشمس تنطي ضواها
الروحك وروحي
ضواها


إن هذه الصور الشعرية الجميلة التي تظهر من خلالها قيمة الشهيد , باعتباره قمة التضحية الإنسانية , في النضال من اجل العدالة والحرية والديمقراطية والتقدم الاجتماعي , رسمها الشاعر بشفافية عالية ووجدانية رهيفة وانفعالات إنسانية فياضة , عبرفيها عن جملة من المتناقضات التي تمثل وحدة الحياة , وهي تعبير عن عملية الصراع بين الخير والشر , وفي قصيدة أخرى بعنوان [غياب ] الى الشهيد الفنان الراحل فوّاد يلدا – أبوأيار ] قال الشاعر أيضا :
والمطر موحش
وريح الليل
غيم أسود
ولانجمه تبشِّر بالصحو
وﮔلبي حزين
هاجرت من وجهه
دورات الفصول
وخلَّت ابدمه الحنين
والثلج للخاصره
وممشاي طين
ظل الشاعر كامل ألركابي ينظر إلى العالم المحيط به من بين صرائف الشغيلة والكادحين التي تنيرها الفوانيس , وعلى ضوء هذه الفوانيس التي تنير وجدان شاعرنا الركابي أيضا , كتب قصيدة [فوانيس ] التي قال فيها :

الكل فوانيس السهر
والليل
ودموع الصريفه
الكل جفن
مذبوح من الهجر
ماحّن ليه طيفه
الكل حزن بالروح
ظل يلعب ابكيفه
الكل قطار
ايمر محطاته البعيده
ومايفزز جرح ضيفه
روحي ضحكه
تبوس المودعين
وتضِّوي إبرصيفه !
إن الموسيقية الداخلية لقصائد الركابي تأخذك بقطارها عبر المحطات البعيدة للوطن, ورغم الحزن الذي يطبع هذه القصيدة ,لكنها تطل بك من نوافذ الأمل القادم ,حينما يتسرب الضوء عبر النوافذ في الصباحات , ليطرد الظلام ويطارد الزمان المهرول خلف العربات , عندما يختلط على الروح الحزينة في لجة الزحام , صوت
الضحكات والقبلات التي يطبعها الزمن فوق حقائب المسافرين .
وفي قصيدة ( دمعة جنوبية ) يقول الشاعر ألركابي :
جمر يشعل حنيني
ويشتعل سيف
واكلك:حيل دمّيني
لوّن اتشوف
ذبحي ايصير الك كيف
إخذ دمي بجفوفك
طشَّه للشمّات
حلاوه وخاف كون
ايجيسك الحيف
يلغالي
ولا هالزعل بعيونك
يفيض ادموع
كل دمعه جنوبيه
ويكتب الشاعر أيضا قصيدة أخرى مشحونة بالعواطف الإنسانية , تسجل ملحمةإنسانية نقشت على الحجر , وظلت على الأرض ذكريات منسية , من بقايا خراطيش ودم وكتاب ممزق , ووجه لازالت لسيقت في الأرض , تشتم عبق الورد ورائحة الأرض الممزوجة برائحة البارود , وأيادي لازالت ممسكة في بقايا الأوراق المحترقة , وأثار على الاكتف لحمالات البنادق , وشفاه مزقتها الأسنان العالقة ببقايا اللحم البشري المشوي , كان ذلك يوم أطبق فيه الوادي على أبناءه في جبال كوردستان , فجاءت قصيدة الشاعر [ كردستان] لتجسد هذه اللحظة الوجدانية , التي استخدم فيها الشاعر أدواته الشعرية بأبداع , ورسم لنا لوحة معبرة عن تلك التضاريس الوعرة لخارطة الإحداث , فيقول الشاعر في قصيدته :
صباح الخير...كردستان
صباح الخير
وتغنّي الطيور..ألوان
صباح الخير
للخُضره
ابكلي الرمان*
صباح الخير
لاحلامك رعد*
بعيون بشت آشان*
ظلّت ع الصخر
مرسومه بالدم
وطن , نخله , طفل فرحان
يابصره
رعدنه ابمطر يضويها
المراجل دم
لوغطّت سماها احزان
خزن كلبه هموم الناس
شعلها وشبّت ابدخان
نار اتوّجرت بالظيم
من كثر السهر والغربه
والحرمان
صباح الخير يحبيِّب والف بوسه
للذكرى التمر ابسيدي بلعباس*
وتغني ابدربها ايام وهران* !
يسعى الشاعر إلى إصدار مجموعته الجديدة , بعنوان [ فوانيس ] والتي تضم مجموعة من قصائده التي شارك فيها بمناسبات عديدة, كتبها وهو يحمل قلبه بين يديه , لينبض شعرا بشفافية وموسيقية داخلية جميلة ,إن لغة الشاعر المحكية الغزيرة مكنته من استخدام أدواته الشعرية ببراعة وتقنية عالية .
الشاعر كامل الركابي واحد من شعراء السبعينات الذين واصلوا طريقهم الشعري على الرغم من كل المصاعب الإنسانية والاجتماعية التي واجهته , يرى أهمية الشعرالشعبي تكمن في ملامسته هموم الناس ومشاعرهم الوجدانية الإنسانية وحاجاتهم اليومية, والتصدي للإرهاب والتكفير والظلامية والتخلف , وكل القوى الساعية بكل جهودها لتعطيل دور الأدب والفن والثقافة في المجتمع العراقي .
واليوم يقع على عاتق جيل الشاعر كامل ألركابي مهمات ثقافية وإنسانية جسيمة , في مواجهة ثقافة العنف والإرهاب والظلام , وهو يسعى مع أقرانه من الشعراء , من أمثال حمزة ألحلفي , وريسان الخزعلي ,وكاظم غيلان, ورحيم ألغالبي , وفالح حسون الدراجي , ورحيم المالكي ,و رياض النعماني , وآلاف من الشعراء والمبدعين و الفنانين والأدباء والصحفيين والمثقفين من الشباب والرواد , لتسخير أقلامهم للكتابة عن هموم الناس وأحوالهم, عبر رفد الساحة الثقافية بنتاجاتهم الشعرية والأدبية الإبداعية , لبناء المشهد الثقافي العراقي الجديد , وتحقيق حلم العراقيين الجميل في غدا أفضل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ذكريات يسرا في مهرجان كان السينمائي • فرانس 24 / FRANCE 24


.. الفنان السعودي سعد خضر لـ صباح العربية: الصور المنتشرة في ال




.. الفنان السعودي سعد خضر يكشف لـ صباح العربية سبب اختفائه عن ا


.. الفنان السعودي سعد خضر يرد على شائعة وفاته: مزعجة ونسأل الله




.. مهرجان كان السينمائي : فيلم -البحر البعيد- للمخرج المغربي سع