الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراء في كتاب المستبد-صناعة قائد صناعة شعب

أميرة الطحاوي

2006 / 11 / 13
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


اسم الكتاب: المستبد: صناعة قائد صناعة شعب
المؤلف : زهير الجزائري
الناشر: معهد الدراسات الاستراتيجية
عدد الصفحات:341 من القطع المتوسط(بملحقين لفهرس الأماكن و الأعلام)
مكان النشر :بغداد -بيروت
سنة النشر:2006
هذا الكتاب يكتسب أهمية خاصة، فمنذ أن تطالعه يسرك أن تجد عليه مكان طباعته "بغداد" ، جميل ألا تقتصر الأخبار القادمة من عاصمة الرافدين فقط على الموت المجاني اليومي، والكتاب واحد من بين مطبوعات عدة لمعهد الدراسات الاستراتيجية، صدر مؤخرا لمؤلفه الكاتب العراقي زهير الجزائري، والذي يشغل حالياً منصب رئيس تحرير وكالة أصوات العراق للأنباء، وهو في مؤلفه هذا يحاول الإجابة على تساؤلات عدة تتعلق بتاريخ النظام السياسي بالعراق منذ بروز حزب البعث، أهمها كيف مكن لحزب العبث أن يبقى طوال أكثر من ثلاث عقود مهيمنا ليس فقط على سدة الحكم بالبلاد ولكن حتى على التفاصيل الأدق لحياة ومصائر مواطنيه، وربما قدم هذا العمل مفتاحا لفهم بعض سلوكيات مواطني وساسة العراق حتى لحظتنا هذه؛ باعتبار أن ما أرسي في 3 عقود لن يمحى ببساطة في 3 أعوام مع إسقاط نظام حكم البعث.

أربعة عشر فصلاً مع مقدمة للباحث العراقي المجتهد فالح عبد الجبار، الذي يرى الكتاب"صورة لجيل الشباب الذي لم يعش أهوال نشوء الدولة البعثية الشمولية أيام صعودها، ليكون جسر تواصل بين جيلنا نحن، جيل الكهول الذي تجرأ على الزعيق بوجه غول الدولة المترعة بعوائد النفط، وعانى من أوضاع صعودها، وجيل الشباب الذي تحمل انحلال الدولة ودفع ثمن ذلك بالدم والدموع، من غير أن ينعم الجيلان بمسرات الآتي"

يتناول الكتاب تاريخ البعث كحزب وتاريخ صعود قائده والطريقة فائقة التعقيد التي سيطر بها كلاهما على المحيطين،أصدقاء وأعداء، وحتى على المواطنين عمليا ونفسياً، ينحو الكاتب باعتباره أيضا روائيا لعناوين ذات صيغة أدبية، لكنه لا يبخل بتبيان القصد حينا ويترك استنتاج ذلك للقاريء أحيانا أخرى، ويذيل النص بملحقين لفهرس الأماكن والأعلام معوضا قلة المراجع بصيغتها الأكاديمية في بعض الفقرات، وخاصة الإحالات لروايات شفهية أو مشاهدات فردية من قبل المؤلف كشرائط التعذيب مثلاً، وإن أثرى النص بتحليل مضمون ذي مغزى لبعض الوثائق الهامة والخطب المفصلية وأعداد من بعض جرائد النظام في الثمانينات والتسعينات عرض لها ضمناً وإن استحقت ملحقاً خاصا لأهميتها ولتسهيل المتابعة.

يبدأ الفصل الأول المعنون بالقومي والقطري بشرح الانقسام الأشهر في تاريخ حزب البعث العربي الاشتراكي وكيف أدار النظام بالعراق وقتها علاقاته الخارجية على عكس القاعدة الشهيرة "وحدة اشتراكية حرية" التي انقسم على مذبحها هذا الحزب، ثم ينتقل الفصل الثاني ترتيب البيت للطريقة التي أدار بها الحزب صراعاته الداخلية و كيف أزيح عمليا بالموت اغتيالا أو إعداما البعض في حين همش أو أقصي آخرون، و سيطر البعث على مجريات عمل الأجهزة الأمنية و الوسائل التي سنها وتبناها في متابعة وحتى محاصرة المتحالفين معه وخصومه المقبلين، وكيف كان عمل الأحزاب السياسية الأخرى محط رقابة لصيقة من البعث مثلما كانت حياة عوائلهم، ويعرض الفصل الثالث بالتحليل لأسباب انفصام عرى تجربة الجبهة والتي يكاد يلخصها عنوان الفصل بـ "الجبهة والنفط" مشيرا للتأثير السريع الذي أحدثه الارتفاع المذهل لأسعار النفط في أعقاب استخدامه عربياً كورقة ضغط في حرب أكتوبر1973 وانتصار الجيش المصري على إسرائيل، ويعرض في فصل متصل بعنوان جيل البعث كيف تحولت حياة المواطنين العراقيين في الريف والمدينة، مثلما زادت أطماع الدائرة الضيقة المقربة من النظام من العشائر و العوائل التي لديها عناصر مشاركة في هذا الحكم، راغبة في مزيد من التمكين بمعناه الاقتصادي و المعنوي، وكيف بدأت عملية إزاحة الحليف الشيوعي من المؤسسات التابعة بصورة أو بأخرى للدولة كالإعلام و الجيش والشباب، ولضمان عدم تأثير أي حزب أو معتقد آخر غير البعث على عقلية المواطن المتلقي لرسالة المؤسسات الإعلامية و التربوية.

"صعود من الخلف" هو الوصف الذي اختاره المؤلف للكيفية التي جرى بها ترقية صدام متخطياً حتى أحمد حسن البكر رئيس البلاد، وهو عنوان الفصل الخامس الذي يتناول أيضا علاقة القائد بالتابعين والرعية داخل الحزب والوطن، مؤرخا لقمة الصعود بليلة 17 يوليو1979 والتي أعدم فيها ربع مجلس قيادة الثورة بينما مات لاحقاً عدد آخر بحوادث سيارات مشبوهة ومنهم نجل وزوج ابنة البكر، وهو سبب أعلن وقتها لاعتلال صحة الأخير فتسليمه القيادة لمن كان القائد عمليا "صدام حسين" !.
بينما يحلل الفصل السادس علاقات العراق عربياً فإن علاقته بإيران ما بعد ثورة الخميني تأخذ حيزا كبيرا من المؤلف(الفصول السابع وحتى التاسع)، محاولا استنتاج الآلية التي استخدمها صدام لإقناع مواطنيه أنه يحارب لأجلهم، محولا جل نشاطات الحياة بالعراق لصالح هذه المعركة، والتي يكشف فيها عن تصريحات في 1986 تتوقع عقدا ثانيا من الحرب أوما سماه وزير الثقافة وقتها لطيف نصيف جاسم "مجتمع الحرب الطويلة" حيث كانت الميزانية المقترحة وقتها تنتهي عام1992، وتخطط لتخصيص ثلث اليد العاملة في الجبهة الحربية والثلثان الآخران في دورات تدريب للاحتياط، وأعداد المرأة العراقية و اليد العاملة المستوردة لإدراة الحياة المدنية، وحث النساء على الزواج المبكر وإنجاب ما لا يقل عن 5 أطفال لتوفير جيل احتياطي للجيل الذي سيموت، تكريس كل أجهزة الإعلام والثقافة لتعويد المواطن الائتلاف مع مجتمع الحرب الطويلة"!

وعلى هامش الحرب أيضا تمكن صدام من بسط مزيد من النفوذ على مواطنيه وضد معارضيه، وباسم الحرب وبستار من دخانها جرى في بدايتها قمع الشيعة وفي نهايتها قمع الأكراد، وبينهما تواصل التغلغل الأمني في حياة الجميع.
يصف الكاتب سنوات ما بين حرب الخليج الأولى والثانية بسنوات الهدؤ الحذر(الفصل العاشر)،وكيف كان من المستحيل العودة فجأة عن النظام العسكري، بل زادت وطأته(الفصل الحادي عشر)، وكيف أثرت المتغيرات الدولية انفراجة الأزمات ثم التقارب الشرقي الغربي ثم تحولات السياسة الخارجية السوفيتية، بالأخص فيما يخص الدعم للحلفاء التقليديين في الشرق الأوسط، وتحول توجهات موسكو في تسليح أصدقائها من مستوى الإغداق عليها إلى مستوى "الكفاية المعقولة" أي تسليح الدول بالحد الأدنى الكافي للدفاع عن نفسها، ورغم التوقع بأن تؤدي كل هذه التغيرات لانكفاء النظام الصدامي على ذاته ومغازلة تطلعات مواطنيه لحياة مدنية آمنة، خاصة مع تدهور أسعار النفط والبداية المترهلة لمجلس التعاون العربي(ضم مع العراق الأردن ومصر واليمن الجنوبي ثم الموحد) والتي لم تضف كثيرا لوضع العراق إقليميا ولا لتطلعات قائده للزعامة، فإن للنظام وقتها رأي آخر حيث جرى التخطيط لمغامرة أخرى تواصل دفع الدماء له،فكان غزو الكويت.

يمر الفصل ثاني عشر سريعا على انتفاضة 1991وما تلاها،وكيف ارتفع الهاجس الأمني للنظام لحد فاق المرض، ويؤرخ لصعود بعض العناصر في هذا الصدد، افرد المؤلف للدين واستغلاله من قبل نظام البعث فصلا كاملا مركزاً على استبداله عوضا عن القومية لتعزيز سطوته، ورغم عدم تناوله لمرحلة هامة جرى فيها أيضاً استغلال الدين لتصفية أيا ممن يشتبه في معارضتهم للنظام بالداخل بحجج أخلاقية(وهي مرحلة الحملة الإيمانية التي بدأت عام 1998 وقادها صدام وولداه) فإن النص يقدم مراحل التحول عن علمانية الدولة التي كانت قد ازدهرت في السبعينات وترسخت مجتمعياً، مشيراً لاستعارة النظام للتقاليد و الطقوس الدينية عند تسويق القائد أمام الجماهير كالاحتفالات الضخمة بالشوارع وتقديم القائد باعتباره هبة إلهية للعراق، ويتناول الفصل أيضا مؤشرا آخر على الانتقال في التعامل مع الدين وتوظيفه حيث يرصد أسلوب صدام في مواجهة الاضرابات الشيعية بأدوات شيعية، ثم تحوله لاحقاً للمواجهة المباشرة ضد الشيعة ومذهبهم متخلياً عما دأب عليه من تقديم نفسه كممثل لكل القوميات و المذاهب، أما الفصل الأخير فيشير بعنوانه "صناعة الرمز" لعملية معقدة بقت مستمرة ومتجددة بأدوات مختلفة حسب التغيرات، ولم تكن مهمة فردية لصدام وحده بل ساعده كثيرون من بين حلقات الحكم مستعذبين تسلطه راضين بدور التابع، صنع الرمز بوسائل القهر والخداع النفسي، حتى أصبح صدام موضوعا مقررا على كل مفردات الحياة لأي عراقي، لكن الرمز سقط فجأة فاضطرب الكثير في عقل وحياة و نفسية المواطن العراقي.
*عن العربة نت








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أميره
زهير الجزائري ( 2012 / 11 / 22 - 17:08 )
هل لكم يا أهل الحوار المتمدن أن توصلوني بالصيقة القديمه أميره الطحاوي خلال وجودي الحالي في القاهرة
تلفوني
0096467706700220
مع الشكر مقدما

اخر الافلام

.. الكبتاغون والكوكايين: سوريا -تهدد- الخليج وأمريكا اللاتينية


.. جانتي شعبان.. لقاء حصري لا يخلو من الطرافة والمعلومات المهمة




.. روسيا تعرض غنائم الحرب الغربية من أوكرانيا تزامنا مع احتفالا


.. غزة.. هل تستطيع إسرائيل الاستمرار في الحرب دون الأسلحة الأمر




.. احتجاجات في مالمو السويدية على مشاركة إسرائيل في مسابقة (يور