الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تطايَرَتْ شرارةُ الحرب في أوكرانيا إلى أرمينيا؟

عبد الحميد فجر سلوم
كاتب ووزير مفوض دبلوماسي سابق/ نُشِرَ لي سابقا ما يقرب من ألف مقال في صحف عديدة

(Abdul-hamid Fajr Salloum)

2023 / 9 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


طبيعي، كلما طالت الحرب في أوكرانيا، كلما تطاير شرارُها بعيدا، عبْر مواجهات غير مباشرَة بين الولايات المتحدة ودول الناتو، وبين روسيا.. ولاسيما في المناطق الساخنة كما سورية، وبعض الدول الإفريقية، واليوم أرمينيا..
هذه المواجهات لها أوجهٌ عديدة، وتصلُ أحيانا إلى المواجهات العسكرية غير المُباشَرة بين الطرفين.. وهذا ما نشهدهُ في سورية، وما نسمعهُ عن مخططات أمريكية جديدة مدعومة من التحالُف الدولي لمحاربة الإرهاب الذي يضمُّ أبرز دول الناتو..
**
اليوم تبدو أرمينيا هي جزءٌ من هذه المواجهات..
فبعد خرقِ أذربيجان لإتفاقية وقف إطلاق النار التي وقّعتها مع أرمينيا برعاية روسيا وضمانتها في 9 تشرين ثاني /نوفمبر 2020 ، ونصّت في أول بند أن تبقى القوات الأذرية والأرمينية في ناكورنو كاراباخ كلٍّ في مكانها الذي تستولي عليه، وأن ينتشر حوالي ألفي جندي روسي كقوات حفظ سلام في الإقليم، فقد قامت أذربيجان وبشكلٍ مفاجئٍ يوم 20 أيلول / سبتمبر2023 بِخرق ذاك الإتفاق واقتحمت المناطق التي كانت لا تزال تحت سيطرة الأرمن، وباقٍ فيها حواالي 120 ألف أرمني، تحميهم قوة عسكرية بسيطة من أبناء أرمن كاراباخ أنفسهم، وليس من الجيش الأرميني..
طبعا من غير الممكن لتلك القوة العسكرية البسيطة أن تواجه جيش أذربيجان المدعوم من تركيا.. ولذلك لم يكن أمامها سوى الإستسلام..
وهذا ما أدّى إلى موجة هجرة ة واسعة من أرمن كاراباخ باتجاه أرمينيا..
الأمر الذي ولّد شرارة غضبٍ واسعٍ في أرمينيا ضد رئيس الحكومة نيكول باشينيان، وضدّ روسيا، وتوجيه الاتهامات لها الرسمية والشعبية، من أنها تركت كاراباخ لقمة سائغة لأذربيجان.. وأُطلِقت كلمات كبيرة بحقها، كم (التخاذُل والتآمر) وغيرها..
والجميع تساءلَ، أين هي قوات حفظ السلام الروسية؟. وكيف سمحت بذلك؟.
الأرمن يُقارِنون بين موقف روسيا القوي إلى جانبهم في الحرب الأولى في كاراباخ بين عامي 1988 و 1994 ، وبين موقف روسيا اليوم.. ولكنهم يتناسون أن الدول مصالح وليست مبادئ وأخلاق، والمصالح متغيّرة، وأن مصالح روسيا في ذاك الزمن كانت مع أرمينيا، ولكنها في هذا الزمن مع أذربيجان وحليفتها تركيا..
وبالمقابل يرى الأرمن أن مصلحتهم كانت مع روسيا حينما وقفت معهم سابقا، ولكن هي اليوم تخلّت عنهم..
**
في أرمينيا(ومنذُ أن كنتُ أعملُ في السفارة بدءا من عام 2008) وأتابع الشؤون السياسية والحزبية، أدركتُ أن هناك قِوى تميل للغرب عموما كما جماعة حزب “العقد المدني” برئاسة الصحفي نيكول باشينيان الذي لم يتجاوز حينها 33 عاما (مواليد 1975) ..
وقوى تميل لروسيا، كما جماعة الحزب القومي، وهو حزب الرئيس الأرميني السابق سيرج سركيسيان(وينحدر أساسا من ناكورنو كاراباخ وكان من أبرز المقاتلين في الحرب الأولى)، والذي حكم من 2008 وحتى 2018 ، واستقال على وقعِ مُظاهرات واسعة ضدّه في العاصمة يريفان، نظمتها المعارضة حينها بقيادة نيكول باشينيان ذاتَهُ .. وكانت تربطني بشقيق الرئيس، حينها،البروفسور الأكاديمي وسفير المهام الخاصّة، ليفون سركيسيان أطيب العلاقات الشخصية.. ويزورني في مكتبي..
**
رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان عبّر بغضبٍ عن هذا التخلّي الروسي عن بلاده، قائلا:
( إن أنظمة الأمن الخارجي التي تنضوي فيها أرمينيا أثبتت أنها غير مُجدية لحماية أمنها ومصالحها)..
وأضاف كلاما آخرا مُهاجِما روسيا، ومُحمِّلا إياها المسؤولية.. وكذلك فعل وزير خارجيتهِ ..
فأرمينيا عضوا في منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي أسستها روسيا عام 2002 بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان، وكنوع من الثِقَل في مواجهة الناتو.. وتضم إلى جانب روسيا، أرمينيا وكازاخستان وقرغيزيستان وطاجيكستان..
وهذه المعاهدة هي من استندت عليها روسيا حينما أرسلت القوات الروسية في كانون ثاني/ يناير 2022 لإخماد الإحتجاجات المُلتهبة في وجه الرئيس الكازاخستاني السابق “نور سلطان نزار باييف” الذي حكمَ كازاخستان منذ تفكُّك الإتحاد السوفييتي وحتى 2022 .. يعني 32 سنة فقط لا غير..
فضلا عن وجود اتفاقية دفاع مُشترك بين أرمينيا وروسيا.. ووجود أكبر قاعدة جوية روسية في أرمينيا..
فهل سيُقدِم باشينيان على قلبِ التحالُفات، لاسيما أنهُ بالأساس ومنذ أن كان في المُعارَضة كانت له ميولا أمريكية،وهل ستسمحُ له روسيا بذلك، أم أن سيناريو أوكرانيا بين عامي 2004 و 2010 قد يتكرّر في أرمينيا؟.
**
الولايات المتحدة لم تتأخر في استغلال الموقف، وسارعت لإرسال وفد رفيع المستوى إلى يريفان في 25 أيلول / سبتمبر 2023، ضمّ مديرة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية “سامانتا باور” ، ومسؤولة الشؤون الأوروبية والأوراسية في الخارجية الأمريكية “ يوري كيم”.. وذلك لتأكيد (دعم الولايات المتحدة لسيادة أرمينيا واستقلالها وسلامة أراضيها، وديمقراطيتها، ولتلبية الإحتياجات الإنسانية الناجمة عن أعمال العنف الأخيرة في ناكورنو كاراباخ)، كما جاء في بيان السفارة الأمركية في يريفان..
وكان قد سبق الوفد الحكومي، وفدا من الكونغرس الأمريكي إلى يريفان..
سامانتا باور التقت حالا رئيس الوزراء باشينيان، وشدّدت على ذات الكلام الذي ورد في بيان السفارة الأمريكية.. وأنها جاءت إلى يريفان بطلبٍ من الرئيس بايدن، وأكدت على الشراكة الأمريكية مع يريفان، وعبّرت عن قلقها البالغ بشأن السكان الأرمن في إقليم ناكورنو كاراباخ، مطالبِةً بالسماح بوصول المنظمات الإنسانية الدولية وحركة التجارة إلى الإقليم دون أي عوائق..
**
وبذات الوقت وصل إلى يريفان وزير داخلية روسيا فلاديمير كولوكولتسيف، لعقد اجتماع امني مع نظيره الارميني في إطار اللجنة الامنية المشتركة.. بينما رفضت موسكو تحميل المسؤولين في يريفان لها، ولقوات حفظ السلام الروسية، مسؤولية ما حصل في كاراباخ.. وواضح أن هناك كان غضبا شديدا في موسكو من التصريحات الأرمينية.. وحمّل وزير الخارجية لافروف المسؤولية إلى فشل رئيس الوزراء باشينيان ووزير خارجيته، وأن الإتهامات ضد موسكو هي للتغطية على فشلهم..
**
أرمينيا تطالب بإرسال بعثة أممية إلى ناكورنو كاراباخ، وهذا ما سوف يُصعِّد من التدخُّل الدولي، ويُضعِفُ من دور روسيا في الإقليم بعد أن كان هو الدور الأساس، وربما الوحيد.. لاسيما في الوساطة بين البلدين..
وكان لافروف قد صرّح في آذار 2023 أن الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، يسعيان إلى فصل بلاده عن جنوب القوقاز، من خلال السعي لفرض سطوتهما على مفاوضات السلام بين أرمينيا واذربيجان..
فمعلومٌ أن هذه المفاوضات كانت تُشرفُ عليها روسيا فقط.. ودخول واشنطن وبروكسل على الخط اليوم سيُغضِبُ موسكو..
ولذلك صرح لافروف مِن على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم السبت 23 أيلول 2023، قائلا:
(أن دول الغرب تحاول فرض نفسها كوسطاء بين أرمينيا وأذربيجان، وهذا غير مطلوب)..
فبالنسبة لهُ وِساطة روسيا تكفي لتسوية الوضع بين الأطراف المتحارِبة..
بينما بالنسبة للغرب فروسيا فشلت في إدارة الأزمة في كاراباخ..
والغرب يسحب الملف رويدا من يد روسيا، وخاصّة بعد الحرب في أوكرانيا، لإضعاف دورها الإقليمي، مع السعي الغربي لإطالة زمن هذه الحرب، واستنزاف روسيا للنهاية..
ولذلك سيتمُّ عقد لقاء بين رئيس أذربيجان ورئيس وزراء أرمينيا في أسبانيا في تشرين أول القادم، 2023، بحضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون(وفرنسا داعمة بقوة لأرمينيا وفيها لوبي أرميني قوي جدا)، وحضور المستشار الألماني أولاف شولتس، ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال.
**
وفي ذات السياق التقى كلٍّ من الرئيس التركي أردوغان والرئيس الأذربيجاني إلهام عالييف في مقاطعة (ناخيشيفان) الواقعة على الحدود في أقصى جنوب شرق تركيا، والتي تتبعُ لأذربيجان، ولا ترتبط معها بحدودٍ برية، بمناسبة تدشين خط غاز، وأعربا عن سعادتهما البالغة في الإنتصار في كاراباخ، بينماعالييف يعربُ عن تقديره الكبير لتركيا لمساندتها أذربيجان، وهذا ما غيّر كل المعادلات.. ويعتبر بلادهُ مديونة لتركيا على موقفها الداعم تلك.. لا سيما أنها أرسلت المرتزقة من سورية سابقا للقتال بجانب اذربيجان..
فأين سيردُّ عالييف الدّين لأردوغان؟.
هل في سورية؟ أم في مكان آخر؟.
**
أُدرِكُ أن كثيرون يتعاطفون مع اذربيجان كدولة إسلامية، وحليفةٌ لتركيا الإسلامية التي يتزعمها اليوم الأخوان المسلمون من خلال الرئيس أردوغان وحزبهِ، ولكن لا تُركيا ولا أذربيجان مهتمون بالشؤون الإسلامية ولا بالمسلمين، إلا بِمقدار ما يخدم ذلك سياساتهم ومصالهم.. لا هُم ولا غيرِهم.. فالبَلدان يرتبطان بأقوى علاقات مع إسرائيل..
ولم نسمع أي مواقف منهم تنتصر للمسلمين الإيغور في الصين، باستثناء بعض التصريحات الخجولة والعابرة لأردوغان.. لأن مصالحهم مع الصين..
ولم نسمع أيٍّ منهم ينتصر للمسلمين الروهينجا في ميانمار.. لأنهُ لا مصلحة لهم بذلك.. بل لم نسمع هكذا انتصار للمسلمين من قِبل أكثر الدول تمسُّكا بالشريعة الإسلامية في العالَمين العربي والإسلامي، ولا من أمراء المؤمنين.. فلا مصلحة لهم بإزعاج الصين لأجل 11 مليون ونصف من المسلمين الإيغور.. بل الجميع تقريبا يتبنّى الرواية الصينية في الموقف من مسلمي الإيغور..
وكوني أرفض كل أشكال الإسلام السياسي، والمؤدلَج، فأؤكِّد أنني لا أُدافعُ إطلاقا هنا عن مسلمي الإيغور، الذين ينضوي بعضهم في صفوف الإرهاب الدولي، ويحاربون في سورية، وإنما أُفنِّدُ فقط النفاق الدولي..
ومن خلال عملي في مجال حقوق الإنسان في جنيف حينما كنتُ عضوا في وفد بلادي أوائل التسعينيات، كنتُ ألحظُ أن الوحيد الذي يهتمُّ بهؤلاء هي الدول الغربية، لاسيما الولايات المتحدة، تحت عناوين حقوق الإنسان، ولكن الحقيقة أن الإهتمام هو لأغراض سياسية، وتسجيل نقاط على الصين في قضايا حقوق الإنسان..
وكما أشرتُ في مقال سابق، فقد وقف أردوغان على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة وأطلق بعض الجُمَل تعاطُفا مع الفلسطينيين، ولكنهُ بعدها بساعات التقى بنيامين نتنياهو، واتّفقا على تعزيز العلاقات وتبادُل الزيارات قريبا..
يقول عالِم الرياضيات والفيزياء الفرنسي، هنري بوانكارِيه(1854 ـــــ 1912) :
الويلُ للضعفاء..
الحقُّ ما سنّ القويُ بسيفهِ.. فليسفهِ التحليل والتحريم..
هذا هو التاريخ.. يصنعهُ الأقوياء ويكتبهُ الأقوياء.. منذ آدم وحتى اليوم.. رغمَ أنهم على الصعيد الداخلي في بعض الدول يحتكمون إلى صناديق الإقتراع.. ولكنهم خارج بلدانهم يختلف الأمر..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. تقارير: الحرب الإسرائيلية على غزة دمرت ربع الأراضي الزراعية




.. مصادر لبنانية: الرد اللبناني على المبادرة الفرنسية المعدّلة


.. مقررة أممية: هدف العمليات العسكرية الإسرائيلية منذ البداية ت




.. شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي على خان يونس