الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مركز الثقل بالعالم ينتقل

سعيد مضيه

2023 / 9 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


بركس وملولاتها

يكتب المؤرخ الهندي فيجاي براشاد عن الحياة الدولية الراهنة ومؤشرها قيام بريكس الموسعة، ويقول :" وكما هي الحالة غالبا في التاريخ فإن تصرفات امبراطورية وهي بالنزع تخلق أرضية مشتركة لضحاياها لأن يبحثوا عن بدائل جديدة".
جاء في مقالته:
في اليوم الأخير من قمة بريكس في جوهانسبيرغ رحبت الدول المؤسسة – البرازيل ، روسيا ، الهند، الصين وجنوب إفريقيا بالدول الست التي انضمت الى الاتفاقية : الأرجنتين ، اثيوبيا ، مصر ، إيران ، العربية السعودية والإمارت العربية المتحدة.
حاليا باتت شراكة بريكس تضم 47.3 بالمائة من سكان العالم ، بنسبة 36.4 بالمائة من جمالي الدخل سنوي العالمي حسب القوة ب الشرائية .
ولدى المقارنة مع مجموعة السبعة ( كندا ، فرنسا، ألمانيا ، إيطاليا ، اليابان ، المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية)وتشكل ما لا يزيد على 10 بالمائة من سكان العالم وحصتها تبلغ 30.4 بالمائة من االناتج العالمي حسب القوة الشرائية.
في العام 2021 كانت الدول التي تشكل اليوم مجموعة بريكس الموسعة تنتج 38.3 بالمائة من الإنتاج الصناعي بالعالم ، بينما مجموعة السبعة تنتج 30.5 بالمائة.
جميع المؤشرات المتوفرة ، بما في ذلك إنتاج المحاصيل والحجم الكلي لإنتاج المعادن، تبين القوة الضخمة لهذا التجمع الجديد. قال سيلزو أموريم ، مستشار حكومة البرازيل واحد مهندسي بريكس أثناء الدورة السابقة باعتباره وزير خارجية ، ان التطور الجديد دليل على ان " العالم لم يعد يخضع لإملاءات مجموعة السبعة."[ سكوت ريتر:مجموعة السبعة مقابل بريكس- خارج السياقات]
بكل تأكيد دول البريكس ،باتت تمثل ، رغم كل سلالاتها وتحدياتها الداخلية، حصة من إجمالي الدخل بالعالم اكبر مما تنتجه مجموعة السبعة ، التي تواصل التصرف كهيئة تنفيذية للعالم.
ازيد من 40 دولة عبرت عن الرغبة في الانضمام الى منظمة بركس، رغم ان 23 دولة فقط قدمت طلبات الانتساب الى بريكس قبل انعقاد القمة في جنوب إفريقيا ( منها سبع دول من بين 13 دولة في منظمة الدول المصدرة للنفط –اوبيك).
إندونيسيا ، التي ترتيبها السابع من حيث الدخل الوطني بدليل القوة الشرائية سحبت طلب انتسابها الى بريكس في اللحظة الأخيرة ، لكنها قالت انها سوف تفكر في الانضمام في وقت لاحق؛ تعكس تعليقات رئيس جمهورية اندونيسيا جوكو ويدودو، مزاج القمة : علينا ان نرفض التمييز بالتجارة؛ ويجب عدم إعاقة الصناعة في مرحلتها النهائية. علينا جميعا مواصلة التحدث عن تعاون متكافئ وشامل."
بريكس لا تعمل مستقلة عن التشكيلات الجديدة الهادفة لبناء منابر بعيدة عن قبضة الغرب ، مثل مجموعة دول ميركا اللاتينية والكاريبي ومنظمة شانغهاي للتعاون . بدلا من ذلك عضوية بريكس لديها الامكانية للحث على الانضواء الإقليمي لأولئك المرتبطين بهذه المنابر الإقليمية. كلا المنظومتين عابرتين للإقاليم تميلان لتيار تاريخي تدعمه معطيات هامة قامت بتحليلها مؤسسة تري كونتيننتال : مؤسسة الأبحاث الاجتماعية، مستخدمة سلسلة من الأرقام الإحصائية المتوفرة والموثوقة.
الحقائق واضحة : النسبة المئوية لدول الشمال من الإنتاج العالمي هبطت من 57.3 بالمائة عام 1993 الى 40.6 بالمائة عام 2022 ، مع تقلص نسبة الولايات المتحدة من 19.7 بالمائة الى 15.6 بالمائة فقط من الإنتاج العالمي- رغم امتياز الاحتكار الذي تتمتع به؛ في العام 2022 كان إنتاج الجنوب العالمي ، بدون الصين،بنسبة القوة الشرائية، أعظم من إنتاج الشمال.
يناضل الغرب ، ربما بسبب الهبوط الاقتصادي السريع ، للاحتفاظ بهيمنته عن طريق الدفع باتجاه حرب باردة جديدة ضد الدول البازغة ، مثل الصين. ربما يمكن تلخيص أفضل البينات المنفردة للخطط العرقية والسياسية والعسكرية والاقتصادية التي يعتمدها دول الغرب في بيان أعلنته منظمة حلف الأطلسي (ناتو)والاتحاد الأوروبي:
" سوف تقوم دول الناتو والاتحاد الأوروبي بأدوار تنسيق وتكامل تعزز بصورة متبادلة في دعم السلم والأمن الدوليين. سوف نفعّل المزيد من منظومة الأدوات المجتمعة في حوزتنا السياسية والاقتصادية والعسكرية لمتابعة اهدافنا المشتركة لمنفعة البليون نسمة من سكان بلداننا."
لماذا ترحب بريكس بهذه الدول اليائسة ، بمن فيها دولتان ملكيتان في حظيرتها؟ اجاب لولا ، رئيس البرازيل ، لدى الطلب منه التأمل بصدد طبيعة الدول الأعضاء الجدد:
" ما يهم ليس الشخص الذي يحكم، بل الأهمية التي تحظى بها الدولة ؛ لا نستطيع رفض الأهمية الجيو سياسية لإيران وغيرها من الأقطار التي ستنضم الى منظمة بريكس".[ المرجع : الهند : مسافر متردد مع بريكس].
هذا هو المقياس الذي بموجبه قررت دول بريكس توسيع المنظمة الائتلافية . في صميم نمو بريكس ثلاث قضايا على الأقل: السيطرة على موارد الطاقة وممراتها؛ حاليا تنتج إيران ، السعودية، والإمارات، الأعضاء مع روسيا ، العضو الرئيس في الأوبيك ما مقداره 26.3 مليون برميل من النفط يوميا ، أقل قليلا من 30 بالمائة من الإنتاج اليومي للنفط.
مصر ليست من دول الأوبيك ، ومع ذلك فهي إحدى أكبر منجي النفط في إفريقيا، تنتج 567650 برميل يوميا ؛ ودور الصين في التوسط بين السعودية وإيران في إبريل الماضي اتاح دخول الدولتين المنتجتين للنفط الى عضوية بريكس. القضية هنا ليست مجرد إنتاج النفط ؛ إنما إنشاء ممرات دولية جديدة للطاقة .
مبادرة الحزام والطريق بقيادة الصين أقامت شبكة نفط والغاز الطبيعي مندمجة مع توسيع ميناء خليفة وإنشاء مرافق الغاز الطبيعي بالفجيرة والرويس بالإمارات المتحدة ، جنبا لجنب مع رؤية السعودية للعام 2030.
وهناك توقع واعد ان تبدأ بريكس الموسعة تنسيق البنية التحتية لطاقتها خارج بريكس+، بما في ذلك حجم النفط والغاز الطبيعي المستخرجة.
يجري على نار هادئة معالجة التوتر بين روسيا والسعودية هذاالعام ، نظرلتجاوز روسيا حصتها لتعويض عقوبات الغرب المفروضة منذ بداية الحرب في أكرانيا.
والآن يكون منبرا آخر للبلدين، خارج الأوبيك+ ومع الصين على الطاولة لبناء أجندة مشتركة حول الطاقة . تخطط العربية السعودية لبيع النفط الى الصين باليوان الصيني مقوضة بذلك بنية نظام البيترودولار ؛ وكذلك المصدران الآخران للنفط الى الصين ، العراق وإيران، توصلان لها الطلقة مقابل اليوان.
المباحثات في قمة بريكس وكذلك البيان النهائي ركزا على ضرورة تعزيز بنية تنموية ومالية للعالم الذي لا يخضع لثلاثية صندوق النقد الدولي والوول ستريت والدولار الأميركي.
على كل حال ، لا تسعى بريكس للالتفاف حول المؤسسات الدولية للتجارة والتنمية القائمة، مثل منظمة التجارة الدولية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. مثلا ، اكدت بريكس أهمية "نظام التجارة المستند الى قواعد ومحوره منظمة التجارة الدولية"، ودعت الى "شبكة أمان مالية كونية محكمة وفي مركزها [صندوق النقد الدولي] بموارد كافية ".
مقترحاتها لا تكسر بصورة جذرية مع صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة الدولية؛ بالعكس تقدم ممرين مزدوجين باتجاههما : أولهما ان تمارس بريكس سيطرة وتوجيه أقوى على هاتين المنظمتين ، اللتين يشترك الأعضاء في عضويتها ، لكنها مطوعة وفقا لأجندة الغرب. وثانيهما، أن تستقر دول البريكس على طموحات إنشاء مؤسساتها الموازية ( مثل بنك تنمية جديد- إن دي بي). يبلغ تمويل السعودية للبنك قرابة تريليون دولار، وهذا يشكل جزءا هاما من موارد البنك.
يجري في الأغلب تنفيذ أجندة بريكس لتحسين " استقرار البنية المالية العالمية ومصداقيتها ونزاهتها" عن طريق " استعمال العملات المحلية وترتيبات عملة بديلة ونظم مدفوعات بديلة".
يرجع مفهوم "العملات المحلية" الى الممارسة المتنامية للدول لاستعمال عملتها الخاصة في التجارة عابرة الحدود والاستغناء عن الدولار. فرغم أن 150 بلدا على وجه التقريب في العالم تعتبرعملتها قانونية، فان مدفوعاتها عبر الحدود تتوقف في الغالب دوما على الدولار(الذي شكل عام 2021 نسبة 40 بالمائة من السيولة على شبكة سويفت- مجتمع الاتصالات المالية اللاسلكية للبنوك العالمية).
وهناك عملات اخرى تلعب دورا محدودا يشكل اليوان الصيني 2.5 بالمائة من مدفوعاتها عبر الحدود.
على كل حال ، ان بزوغ منابر عالمية للتراسل – مثل النظام الصيني للمدفوعات البنكية عابرة الحدود والواجهة الهندية المتحدة للمدفوعات ، والنظام الروسي للمراسلة المالية – وكذلك نظم عملة رقمية إقليمية يعد بزيادة استخدام العملات البديلة . مثال ذلك أرصدة كريبتو كارينسي زودت باختصار مسربا محتملا لنظم تجارية جديدة قبل ان تهبط قيمة أرصدتها ، ومؤخرا وافقت بريكس الممتدة على تشكيل مجموعة عمل لدراسة عملة بريكس المرجعية.
على خطى توسع بريكس قال بنك التنمية الجديد أنه سيوسع أيضا عضويته؛ وكما تلاحظ "استراتيجيته العامة ، 2022- 2026" ، فإن 30 بالمائة من تمويله سيكون بالعملات المحلية. وقالت رئيسة البنك ، ديلما روسيف، كجزء من إطاره من أجل نظام تنمية جديد ان بنك التنمية الجديد سوف لا يتبع سياسة صندوق النقد الدولي ، التي تقضي فرض شروط على الدول المقترضة.
قالت روسيف،" نحن نزدري اي نوع من الاشتراط ؛ في الغالب يمنح القرض وفق شرط اتباع سياسات معينة، ونحن لا نقوم بذلك ؛ نحن نحترم سياسية كل بلد"
في بيانها أوردت دول بريكس اهمية "الإصلاح الشامل للأمم المتحدة، بما في ذلك مجلس الأمن."
في الوقت الراهن يضم مجلس الأمن 15عضوا، خمسة من بينهم دائمون- الصين ، فرنسا ، روسيا، المملكة المتحدة والولايات المتحدة.لا يوجد أعضاء دائمون من أميركا اللاتينية ومن افريقيا او من البلدان الأكثر سكانا مثل اللهند.
لتعديل عدم التكافؤ يقدم بريكس دعمه ل"التطلعات المشروعة للدول النامية والبازغة من افريقيا وآسيا واميركا اللاتينية ، بما فيها البرازيل والهند وجنوب إفريقيا كي تلعب دورا أعظم في الشئون الدولية."
لم يؤد رفض دول الغرب السماح لكل من هذه البلدان مقعدا دائما بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة سوى تعزيزالتزامها لنهج بريكس ورفع سوية دورها في مجموعة العشرين.
ان دخول اثيوبيا وإيران في منظمة بريكس يبين كيف تكون استجابة هذين البلدين الكبيرين في الجنوب العالمي لسياسة العقوبات التي ينتهجها الغرب ضد عشرات البلدان ، بما فيها بلدان مؤسسان لمنظمة بريكس ، الصين وروسيا.
تجمع مجموعة الأصدقاء في الدفاع عن ميثاق الأمم المتحدة – بمبادرة فنزويلاعام 2019- 20 دولة معا اعضاء في الأمم المتحدة تواجه حدة العقوبات غير المشروعة ، من الجزائر حتى زيمبابوي. حضر العديد من هذه الدول اجتماع قمة بريكس بدعوة من الدولة المضيفة وهي تواقة للانضمام الى بريكس الموسعة أعضاء كاملي العضوية.
نحن لا نعيش فترة ثورات؛ يسعى الاشتراكيون دوما الانطلاق باتجاه ديمقراطي تقدمي. وكما هي الحالة في التاريخ على الغالب فإن تصرفات امبراطورية وهي بالنزع تخلق أرضية مشتركة لضحاياها لأن يبحثوا عن بدائل جديدة، ولايهم أن كانت البدائل جنينية و تناقضية . يشير تنوع الدعم المقدم لمنظمة بريكس الى تنامي خسارة الهيمنة السياسية للامبريالية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 9 شهداء بينهم 4 أطفال في قصف إسرائيلي على منزل في حي التنور


.. الدفاع المدني اللبناني: استشهاد 4 وإصابة 2 في غارة إسرائيلية




.. عائلات المحتجزين في الشوارع تمنع الوزراء من الوصول إلى اجتما


.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه إلى الدوحة وهنية يؤكد حرص الم




.. ليفربول يستعيد انتصاراته بفوز عريض على توتنهام