الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ح 18 / رواية ( تمزقات . . في ارض موحلة بالأكاذيب ) - عملي الروائي قبل الاخير ، 2021 - رواية غير منشورة

أمين أحمد ثابت

2023 / 9 / 27
الادب والفن


عامان مرا منذ تقدم امجد لطلب اللجوء وقبلها ستة اشهر قضاها في انهاء دورته في فرنسا وتنقله بين البلدان الأوروبية بفيزته الاتحادية المصرحة له بذلك ، مستكشفا أي منها الأنسب للعيش واسرته حين يستقدمها للعيش معه ، كانت فترة تطول كعشرة أعوام بالنسبة لمهى واطفالها . . ولنا أيضا – لم يكن سهلا عيش زوجته تلك المدة كما لو انها ظرفية عابرة يمكن مسايرتها بأي حال من الأحوال ؛ كانت تكابد قلة التواصل معنا إلا حين تصادف ضغطا من مالك السكن والدائنين المرسلين طلب حضور الى قسم البوليس عند مشرف انصار الله ؛ وكانوا يهددون بإحضار قهري لابنها مهند الذي لم يتجاوز الحادية عشرة من العمر ، او في حالة مرض احد اطفالها او مشكلات نفسية علقت في مهند جراء ما يسمعه من هروب والده وتركهم ضائعين ومهانين دون وجود احد يرزحون عليه – كان موتورا غاضبا شديد الانفعال والنزوع الى التعارك مع أي كان ، لا يفرق بين عمه او جده او خاله إذا ما رمي بكلمة تعترض على سلوكه او طريقة تعامله – كان جسده اشتدت بنيته وامتط طولا لإرث عن والديه . . فبدى مكتمل الرجولة ببأسه . . خلال فترة غياب والده – كان متشبعا في وجوده صاحبا لأبيه على الدوام . . بروح فدائية لا تعرف الخوف من أي شيء – كانت الظروف القاسية اقوى من عمره الصغير ليتحملها ، اصبح متوحشا شديد التحسس ، معاركا لمن يحتك به بأية بنية او عمر . . وإن كان مسلحا . . او حتى مجموعة يجدها متقصدة لاستفزازه – يجب مواجهة هذه الحياة القذرة المعادية له وامه واخوته . . بكل من فيها - علق فيه كلام ابيه . . قبل سفره وما كان يكرر ذات القول عند كل غياب له في اسفاره الماضية . . انت رجل البيت عندما لا أكون موجودا ، انت حاميهم ، لا تعتمد على احد أن يحميكم ، فالآخرين وإن يحبونكم فلن يتركوا حياتهم ومشاكلهم ليتفرغوا لكم . . وهو ما قلناه له عند سفر ابيه وبعدها مرارا أنت رجل البيت . . مكان ابيك – كانت مهى تكثر الاتصال بهلع خوفا على مهند . . حين تراه يوميا اثناء عودته بعلامات عراك مع الاخرين في الحي والمدرسة التي اشارت مرارا على طباع مهند الشرسة الخطرة على الاخرين ، خاصة حين عرفت تهديد مجاميع ستتقطع له لضربه و . . اكثر من مرة بأنه استخدمت سكاكين عليه . . بعد عودته مرة الى المنزل والدم يسيل عن قطع بسكين على معصم احدى يديه ، تم اسعافه وتخييط جرحه وتقديم بلاغ الى قسم الشرطة عن المعتدين ، وأخرى بدم يسيل مع انتفاخ محمر من رأسه مكان الضربة بحجر او أداة معدنية قوية – ما في شيء ، الرجال تضرب وتنضرب - هو ما كان غالبا يقله ولا نجد غيرها لنعرف ما حدث ومع من ولماذا ؛ ففي عرفه فيما غرس فيه الرجال تتحمل ، عيب أن يقول او يشكو . . فهو ليس من طبع الرجال الحقيقيين ، المهم دافع عن نفسه – كانت تشكو مهى من انفلات مهند في غيابه حتى منتصف الليل خارج البيت ، وما عرفته عند غيابه حتى عن الحي طوال العصر وحتى بعد الثامنة ليلا . . بأن من بلغها رؤيته في مناطق بعيدة خالية يمشي فيها وحيدا – وهو لم يغادر من امام البيت سوى الى المدرسة على بعد شارع واحد فقط . . من قبل – اين تروح يا مهند ، كيف تترك امك لوحدها واخوتك وهي قلقة عليك ولا تعرف اين انت ؛ حتى لو اتصلت . . اين نبحث عنك ؛ ألا تعرف خطر الأوضاع ، نحن في حرب ، ومن يجدك سيأخذك الى الجبهة ، كيف سنعرف اين انت ، ما تفكر انك الأمين على اسرتك ، ماذا سيجري لأمك واخوتك إذا اختفيت ولا نعرف الوصول إليك ، حتى ابوك . . سيجن . . انت الذي نعرفه روحه التي يعيش عليها ، بدلا من انتظاره فترة منحه اللجوء وسفركم إليه ، يمكن يقدم بجنونه على خطأ يعرض نفسه للخطر . . أو يقرر العودة ضاربا عرض الحائط القبض عليه وتعذيبه وربما تصفيته – أتريد ذلك ؟ - يا عم انا ضيقان ، لا تخافوا علي – اعرف أنك رجل ولا يخاف عليك ، لكننا في وضع نخاف فيه انفسنا حتى لو كان ابوك معنا الان لخاف هو نفسه ، خوف لا يعني الجبن . . بل الحذر ، لا شجاعة أن يرمي الواحد منا نفسه بدون معنى ، وبيد من لا يساوي حتى فلسا واحدا – تمام يا عم . . فهمت ، وإذا ما في شيء سأتصل بك . . لا تخيفوا ابي . . تمام – خلاص اتفقنا ، تجنب المشاكل وإن ضقت لا ترح بعيدا عن الحي أو تعال إلى عند أي واحد من اعمامك ، لازم تكون في البيت قبل السابعة مساءا – وقلصت مهى تواصلها مع أهلها . . لكي لا تسمع أسطوانة الذنب الذي ارتكبته واستمرارها البقاء في مصيبتها هذه ، خاصة أن يلمسون ما هو اشد مما يعايرونها به ، . . الحياة المعيشية الصعبة بتوفر لقمة الاكل والحليب لأيمن و . . الجلوس في ظلمة مستديمة كل يوم ليلا ، فمولد الكهرباء الذي عاشوا عليه في الفترات الأخيرة قبل سفر امجد ، الذي تدبر قيمته من بيع سيارته لغرض السفر ؛ لم يشغل بعدها المولد لخطورته ولغلاء البنزين في السوق السوداء وخطر الشمع أن يسبب حريق بالمنزل ومن عليه ، خاصة وانها من عذاب الحياة لم تعد تركز على شيء ، كثير من الأمور تفوتها ، فهي قد قررت عدم التفكير وخفض تحسسها الذي كان معروفة به – مثل شخصياتنا – حتى ينقضي الوقت و . . يصدق امجد وترى نفسها وأولادها قد خرجوا من هذه الحفرة الغائرة ، المفقدة لهم صفة الحياة . . حتى ببارقة ضوء خافت لعيش يوم واحد دون عذاب وقلق واختناق ومهانة – كان يعشش في عقل والد مهى وبجبر مسايرته لطبيعته المعروفة باتباع افراد عائلته له حتى في تقبل اهوائه ومزاجه الشخصي . . في سوء الظن بزوجها ، بأنه مهيص هناك ، يلله . . وجد مهربا يدبر نفسه ويرميك معلقة بأطفال أربعة دون رحمة إلى المجهول – لو سمعت كلامنا من قبل ورميت أولاده له . . لكان هو الواقع في هذه المصيبة ، ولأنك صغيرة وحلوة الف من يتقدم لك افضل منه ، وفي الأخير انت في بيت ابيك معززة مكرمة . . حتى يمكن تسفيرك الى الخليج وتعيشي وكل الأمور التي تريدينها او تحلمين بها . . في متناول يدك ؛ من يقبل الان بحرمة معها أربعة أطفال . يمكنك تركهم لأعمامهم – أنا لا اثق بزوجك ، كانت غلطة انت فرضتيها علينا . . تحملي نتيجتها – هم التزموا بتحمل مسئولية أولاد اخيهم إذا غدر بك – تعرفي اني لا اطيق الأطفال ، ما بالك أربعة ، ليست مسئوليتنا ، ارم المصيبة عليهم وشوفي نفسك قبل فوات الأوان – لن نقدر نعمل لك شيئا – كان تشددا قاسيا بإهمالها المتناسي من ابيها اضر بحالتها النفسية اكثر سوء . . في عامها الأول من غياب امجد – ماذا كان يدور في عقله . . لا شيء معلن ، نخمن إلقاء التهم علينا واخينا إذا ما أصاب ابنته سوءا أو عادت إليه لسوء حدث لولد من أولادها . . طالبة الصفح والاخذ بحقها منا ، لم يكن يدرك أنه لا معنى لذلك ، وأن أي سلوك عدائي . . يفصل بانفصال ابنته ويؤذيها ، يريدها دونهم وهي لا تقبل العيش دون أبنائها – كانت مهى صبورة متجلدة ، خاصة وأن شقيقها قد التقى بأمجد في السويد – طلبا من اسرته ليرى عن قرب حقيقته تجاه زوجته وابنائه ، كان ابوه يرفض دفاعه عن امجد بأنه انسان جيد ليس كما يصوره الاب – اخبرهم بما ينزع الخوف والتخمينات السوداء من اذهانهم ، اموره على ما يرام ، وقد قدم طلب اللجوء . . وهو في وضع انتظار ، وتحويله عما قريب الى مكان إقامة طالبي اللجوء المقبولين كفترة اختبار ؛ انه ناضج ويعرف ما يريده افضل لأختي وعيالها ، كان بيسر وبسرعة أن يحصل على اللجوء في السويد وسويسرا وألمانيا لما يمتلكه من الصفات والخصائص والوضع والعمر والقدرة ، لكنه فضل مكانه ولو انتظر لعامين . . من اجل حياة افضل له واسرته ، فالبلدان الأخرى غالية بما فيها فرنسا ، التي تم اعلامه بخروجه عنها الى بلد اخر بعد انتهاء دورته والعودة اليها لتقديم طلب اللجوء ، . . إنه يحب مهى لا يفرط بها ولا يستغني عنها ابدا ، ولا يمكن أله العيش دون أولاده – كان مراد بعمر امجد تقريبا ، ولهما علاقة ود ومحبة وثقة بينهما لما يقارب اثنتا عشرة من بعد زواجه ، وحتى بعد استقراره في الخليج . . ظلا يتواصلان وتظهر قوة الرابطة بينهما حين كان يعود في زيارة الى اليمن قبل دخوله معسكر اللاجئين في فتراتها الأخيرة بعد مرور عامين – صفت الغيوم الملبدة بيننا بعدها . . لتعود مهى الى اضطرابها المرتعب المتعاظم شكا في الفترة من اقتراب نهاية العام الثاني من وجوده في معسكر اللاجئين – خاصة بعد أن نقل لإقامته في منزل صغير خاص في ضاحية بعيدة يعيش بين سكانها ، وقد اتقن اللغة الألمانية للتفاهم خلال تدريسها له ، وسمح له العمل في الخدمات الأولية لتوفير دخلا إضافيا لنفسه . . يدرسونه خلالها وتكيفه العيش أوروبيا مع المجتمع ولا يعاني من عثرة في ذلك أو يبدر منه سلوكا مشينا او خادشا لأخلاقيات من يمنح له حق اللجوء – كان تواصله عبر النت صورة وكلاما وجها لوجه و . . صوره وحالته هناك ، مكشفا عن حالة من الاستمتاع والصحة والارتياح – لا ندري أكان يطمئننا عليه ، او يكون لدينا انطباع لإراحة مهى وطمأنتها بحياة قريبة مذهلة لها وأولادها ، لا تخرجهم ممن قذارة هذا العيش الذي سنظل نرزح فيه ويعوضها عن كل العذاب والألم الذي عانته . . حتى كان قاسيا على اطفالها ، بل بما سينسيك كل السوء الذي عشتيه ، حتى أن المستقبل اصبح افضل لأولادك ، من يحلم يرسل احد أبنائه ليدرس في الغرب المتقدم ، كان حلما قبل عشرين سنة إلا لأولاد اللصوص الفاسدين في اعلى مناصب الدولة من قبل وكبار التجار من ظلال السلطة وربيبي النظام وقتها . . ومستحيلا الان – أم كان يرسل رسالة إلى اسرتها بما يكشف عن معدنه وصلابته وانه لا يترك ما يراه حقا له حتى يحصل عليه ، وانه قريبا جدا سيريهم صدقه وزيف اوهامهم ذات النوايا السيئة التي الصقوها عليه بهتانا ، سيريهم قيمة ابنتهم عنده وكم يحبها وكيف يعوضها عن الحياة السيئة التي طالتها – يبدو أن مهى فهمت الرسالة خطأ ، فهو في قمة استمتاعه وصحته ووسامته التي زادت لتصبغ عليه ملمحا اكثر وسامة وجاذبية للنساء ، حتى يهيئ للمرء أنه ولد وعاش هناك ، كان تأجيل الجلسات الأخيرة معه لأكثر من مرة لم تتقبلها و . . تشك أنه يتذرع بذلك ويراوغ . . كنوع من التنصل عن وعوده في استقدامهم إليه و . . تركها وأولاده في المهانة ومذلة العيش أعواما إضافية . . تعذرا بترتيب نفسه أولا وتجهيز ما يؤمن الحياة لها والأولاد ؛ لن يذهبوا إلا وكل الأمور جاهزة عنده لاستقبالهم – استمر هذا الاضطراب ونما حتى بعد ابلاغنا بقبول اللجوء ، وانه وفق الإجراءات القانونية للفترة الزمنية المطلوبة بعد منح اللجوء تقديم طلب لم الشمل والانتظار حتى يتم النظر فيه والموافقة عليه – كان الشك يهدم نفسيتها وصحتها . . وإن بدا على اطفاله عودتهم الى رونقهم وجمالهم اكثر مما كانوا عليه قبلا ، قريبا سيذهبون الى بابا ، سيعيشون في أوروبا ، سيزورون كل الملاهي ، كما قال بابا تتنقل تريد تذهب بريطانيا . . فرنسا . . ألمانيا . . سويسرا . .تذهب ببساطة وبدون خسارة . . اسهل من سفرك الى من صنعاء الى تعز قبل الحرب وقطع الطريق ، حتى لو تريد تروح أمريكا او استراليا . . اسهل من السفر الى مصر ، كل شيء جنان – كان فرحة لا تتسع لها الدنيا أن نرى عودة الروح وحب الحياة الى أطفال اخينا ، ما كان حلما صعبا لنا واولادنا وتصورا مستحيلا تحققه عند ابي مهى . . وإن كانت تحظى بدعم ضمني من أمها وخواتها واخويها – ليس لك إلا الثقة بزوجك ، انت في داخلك تعرفيه اكثر من امه واخوانه – حتى بدت تغيرات . . سعدت بها من بعد منتصف العام الثاني من غياب امجد ، كان أبو زوجته يزور ابنته دائما . . ولا يمر أسبوعا إلا واصادف وجوده عندها ، ويفرغ ما جاء به في سيارته من مواد غذائية واحتياجات . . حتى تزيد عن احتياجاتها واطفالها – كنت الأكثر ترددا للاطمئنان عليها . . ولم يقصرا شقيقي أيضا – تحولت علاقتنا الفاترة غير الاريحية بيني ووالدها السابقة . . لتصبح حميمية واكثر دفئا وتقاربا – كان هناك تغيرا غير متوقع من اثنينا ، لكوننا كنا قطبين متماثلين في ايجو شخصيتينا . . غالبا يحكم التنافر بينهما إذا لم يكن عامل الارتياح حاضرا في نفس الاثنين مسبقا ؛ لا ابحث عن أسباب لفهم ذلك ، لكننا ولأول مرة منذ زواج امجد يشعر كل طرف بطبيعية رابطة المودة مع الاخر ؛ على الأقل ظاهريا خلال ساعات من الحديث المتوافق عند تصادف لقائنا – ادركنا مؤخرا دون غضب وتحامل على بعضنا . . أن مهى واطفالها رابطة قوية تفرض نفسها علينا الطرفين . . ولا يمكن التنصل او التساهل بها ، انهم مسئوليتنا الطرفين ما دام زوجها غائبا – علمت قبلها أن اخويها يرسلون لها مصروفا بين الحين والأخر ولم تقصر خواتها وامها . . ربما بعلم ابيها ولكنه لم يكن يحب اظهار ذلك لنا بفعل التحسس وسوء الفهم الذي قطع بيننا من السابق – كان التوازن النفسي يستعاد لزوجة اخي واطفاله بعد عواصف قاتلة كادت تقتلعهم في وقتهم الصعب ، خاصة بعد انتهاء المصاريف التي تركها امجد لهم – وبمعرفتنا بطبيعة الحياة في هذا الوطن الذي نردد اسمه كخرافة اعظم ما يمكن أن يتصوره المرء على بلد . . لا تحظى بزمن يمر لتحقق فرحة أو سعادة تغمرك . . إلا ويأتي بعدها كالسيل العرمرم المزبد المدمر جارفا في طريقه كل شيء ، يأتي ما يقتلع الفرحة سريعا ويفقدك حتى الوقت لتذوق تلك السعادة والتمتع بك – استطعنا نقل مهى من سكنها المؤرق لحياتهم الى الطابق الأول من الدار الذي سكنته بطابقيه منى قبل سفرها الى أمريكا ، حيث سهلت انتقال سليم اخيها الأوسط وزوجه واطفاله للسكن في الطابق العلوي . . حين كان يبحث عن بيت للإيجار وصعب عليه ايجاده . . بعد أن ضغط عليه المالك لإخلاء بيته ، وجعلت ايجار الطابق الأول لسكن مهى وأولادها على نفقتها ترسله من أمريكا ولاحقا من معاشها التقاعدي الذي اعيد تسليمه من الشرعية – كانت ضغوط العيش المهين بدون رواتب لسليم وزوجته المعلمين لفترة كموجه تربوي منذ عشرين عاما وخدمة تصل الى اكثر من ثلاثين عاما ولزوجته بما لا يقل عن خمسة عشرة سنة ، وتغير اخلاق الناس سوءا وتعاملاتهم وشيوع السلاح حتى في ايدي الأطفال والمراهقين على نازع قبلي استقوائي غيب ملامح الحياة المدنية كلية عن صنعاء ، وتلاشي ملامح عودة الحياة الطبيعية لمدى يزيد عن عشرين عاما . . ولا مؤشرات على الأقل لعودة استلام الراتب . . حتى تحت وطأة الحصار في ظرف الحرب واللاحرب – كل الناس في حالة استنفار لأتفه شيء . . يفجر الخلاف وتناميه بقصور ذاتي نحو الشجار والتعارك بين الناس ، لم نكن حتى الاشقاء خارجين عن حالتهم هذه – رغم معرفتنا بضرورة ضبط النفس خلال هذا الزمن المقيت الذي يلمنا فيه – كنا ما أن نجتمع غالبا ما ينقاد الى نشوب عدم التفاهم والانسياب عفويا في مجرى الانفعالات الحانقة فينا . . نحو الشجار الكلامي ، نادرا ما تفلت الاعصاب للتلويح بالأيدي . . التي سريعا ما نوقف الامر عندها بتجنب كل واحد للآخر ؛ لا يمر يومان ولا وجود لما حدث بيننا سابقا ، وتنعاد الكرة مرة ومرة وتلو الأخرى ، وعند تلاقي تالي يتم الحديث بلاعقلانية الانزلاق الى ما يحدث بيننا دون سبب . . أحيانا لأمر تافه لاختلاف في الرؤية ، يرفع صوت احدنا ليفهم عند الاخر عدم احترام وتجاوز للأدب . . ولم يكن حقيقة كذلك ، كانت انفسنا المتعبة المقهورة المختنقة بانتهاء وجود هدف للحياة وتلاشي للأحلام المستبدلة بالخوف من بكره واستنزاف الاعصاب في مواجهات انفعالية داخل اسرتك وخارج البيت من لحظة استيقاظك نهارا دون عمل او دخل او امل وحتى يرخي الانهاك نفسه عليك ليسقطك في نوم كابوسي متقطع . . يفقدك الشعور بحياة ليوم تالي – كانت فترة تجاور في منزل واحد على حوش واسع يحيط بالبيت جامع لأسرة سليم وامجد . . تنقاد عفويا لتصبح الحياة منغصة بينهما – كان استعادة مهى وابنائها حالة الاطمئنان والعيش الآمن ، فالخوف الذي كاد يودي بعقلها في عيشها وحيدة في شقة مع اطفالها وفي محيط عدائي وبيئي رديء يشكل خطرا عليها واطفالها طالما ورب الاسرة غائبا دون رجعة في علمها . . لم يعد له وجود ، فأولادها وهي بين اعمامهم وفي حمايتهم ، خاصة حين رأت تحولهم الى شياطين مردة عند مواجهتهم لأمر يتهددهم من الغير أو حتى يتعلق بمهند . . بغض النظر كان محقا او خاطئا . . فهو امانة اخيهم الغائب ، خاصة وأن ابيه سيقلب الدنيا اعلاها اسفلها لمن يحاول المس او الاقتراب منه . . إنه فلذة ابيه مقابل كل الدنيا ؛ . . ولم يعد هناك ما يزعزع روحها بنقص الغذاء او العلاج او العيش في الظلمة الحالكة كل ليلة ، كانت احوالها متغيرة ، تعيش في سكن مؤمن ايجاره واحتياجات الاكل والمشرب متوفر كما كانت عليه قبل الحرب . . بل وافضل ، فأبيها لا يفرغ زادهم الذي أتى به قبلا . . إلا وجاء بغيره مجددا ، ولم تعد مفتقرة لنقود شراء احتياجاتهم اليومية ، بل صار بين يديها مالا تحصل عليه من وقت لآخر من اخويها في الخليج او شقيقتها الكبرى ، وكان امجد بعد حصوله على حق اللجوء يرسل لها ما يقدر عليه . . حتى حصوله على الموافقة لطلبه في لم الشمل واحضار اسرته إليه ، الذي لن يأخذ وقتا طويلا ، لن يزيد عن ستة اشهر . . ربما يزيد او ينقص قليلا ، وحتى لو زاد لن يزيد عن العام – هذا ما اخبرها به ، وانها تكون على استعداد للسفر اليه والأولاد في اية لحظة تصدر فيها الموافقة – كانت الفترة الأخيرة منعشة لحياة مهى وأولادها ، حتى بدت عليهم بحبوحة العيش وحتى في شراء الملابس الغالية كما كانوا في حياتهم السابقة ، حتى البسكويت بأنواعه الغالية والعصائر بمتناول أيديهم دائما ، وكانت الإضاءة الليلية متوفرة والمياه لا تنقطع و . . ووجودها بشكل دائم مع أهلها وفي بيتها بين اخ زوجها . . في بيت مؤمن من الداخل والخارج بسور وابواب حديدية . . وحوش واسع لمتنفس أولادها – كان الاعتزاز بالنفس والانفة والتحسس المرهف . . يحذر الآخرون عند التعامل معهم . . هي صفة الأولاد من ابيهم وامهم . . قد عاودتهم بعودتهم الى حياتهم الطبيعية . . بل واكثر ، فهم قريبا سيذهبون للعيش في أوروبا – كان شظف العيش المنكل بالآخرين ، المفقد عندهم حالة النضج المتفهم والمقدر للأمور ، جعلت جلافة مهند – التي يرى في نفسه رجلا من خلالها بعمره الاثنا عشر ربيعا ، خاصة بعد ما خاضه من ظروف قهرية قبيحة في عاميه الأخيرين . . فرضت عليه أن يتطبع بهذه الصفة – أن يبدو غير مؤدب ويفتقر للتهذيب . . حتى في تعامله مع عميه . . عدى الدكتور – إيش تعمل له . . يتعامل معك غير ما يتعامل معنا ؟ - كان كثيرا ما يصرخ عليه سليم وسبه بعدم احترامه الكبير . . خاصة وانه عمه شقيق اباه الكبير ، واتهامه بأنه من يتعدى الاخرين ويستفزهم في الحارة او أصحاب البقالات والمحلات على الشارع . . او الأولاد من ذات الحي – يا رجل ، اولادي يشتكون منه دائما ، واكثر من مرة يضرب ابني علي . . وأقول له ابن عمك وابوه مسكين غائب . اشتكيته اكثر من مرة لامه ، طلبت منها أن تنصحه وتفهمه – يا أخي . . يمشي من جنبي ما يسلم ، واحيانا اشوفه ينظر تجاهي بنص عين و . . كأني عدوه ؛ لازم يتربى وعاده صغير . . وإلا سيكون مستقبله مخيف – ويقول بكلام مستخف على سبيل الضحك – انظر إليه ، رغم وسامته فهو مرعب . . كزعيم من زعماء العصابات – توالت حياة المنغصات ، سليم واسرته يشكون ، فليس مهند بل والبنات تعلمين منه نفس السلوك المجابه والردود دون احترام لي او عمتهم ، ويتعاملون مع اولادي كأعداء ، حتى اني منعتهم من اللعب معهم او التواجد أينما يكونوا موجودين – هذا ليس كلام عاقل يا سليم ، انت بمقام ابيهم وامين عليهم ، تعرف الظروف الظالمة التي اذتهم كثيرا لغياب ابيهم . . عليك مسايستهم ، انت مسئول عليهم حتى يصلون الى يد ابيهم – قل لهم هذا الكلام . . ليعرفوا احترام عمهم ، تعتقد اتخلى عنهم ، لو مس واحد شعره منهم لأنحر ابوه – انا تربوي ، الاحترام واجب ، طاعة الاب والعمل بنصحه واجب ، . . يا أخي فهمت والدته اكثر من مره . . واعلمتها اعتدائه على علي . . والكلام والحركات للبنات فيما يعملونه من استفزازات . . تصدق . . ترد علي اولادي متربيين ولا يكذبون ابدا و . . يخبروني بكل شيء ، اولادك هم المؤذون ، يتقصدونهم دائما ، كلمني مهند لماذا ضرب علي . . ابنك ظل يستفزه ، . . طيب لماذا كلما لقيت مهند تهزئه وتكرر كلامك بأنه قليل ادب ، حتى عندما عاد يوم ما ضاربوه ثلاثة اتهمته انه من بدأ اذاه ، بينما اخويك عندما ذهبوا معه وجدوا من تضارب معهم كبار ، وأن هيئاتهم غير مريحة ، تعرف ما قالا . . مهند والله رجل شجاع فحل مثل ابيه ، ما ضارب وكسر المكان إلا وكان لهم مقاصد خبيثة قذرة تجاهه ، وما ينقله اليك اولادك بشراسة مهند واستفزازه للعيال في الشارع . . اخبرني انهم مع ابنك يتهامسون ويبدئون الاحتكاك معه والتهديد له – لا أعرف كيف تتكلم عنه وانت عمه ، ايوه ابني حمش وعصبي . . مثل ابوه . . لا يتردد في الدفاع عن نفسه او من يتقصده بالسوء . . حتى لو كانوا اثنين او ثلاثة – انت تعرف اخاك . . انه مثله . . هذا شيء مفروض تفرح به . . تريده يكون جبان – لا انت ولا اخوتك كذلك ، ولا جده واخواله – يا أخي واضح انها تعلمهم . . كيف يكونوا وقحين . . ولا يحترمون . . حتى اعمامهم – ما هذا الكلام . . كله لا معنى له . يا أخي هم ضيوف عندك ويقي لهم القليل ، انا لا اشوف كل ما تقوله فيهم ، المشكلة في الظروف القذرة التي تفقدنا كل شيء و . . تجعلنا فقط آلية انفعالية موتوره في ما نراه نؤوله وفق حالتنا السيئة بافتراض بسوء النية في الآخرين والظن بهم . . فنسلك برد فعل قاس ومحاكم للآخرين – انت كل شيء تحوله الى تنظير ، أقول لك شيء . . وتتكلم في شيء آخر – يا أخي انا احبهم والله اكثر من اولادي واخاف عليهم و . . ولا اريد شيء يؤذيهم او يجرحهم او يؤلمهم . . كيف نعمل – ولا حاجه ؛ يجمعون كل من في اسرنا . . الأبناء ومنهم الأطفال ونحن الإباء . . واهلنا من امنا . . ومن عرفونا عن قرب . . يقولون سليم هو اطيبكم وانقاكم . . بل وألطفكم واكثركم عاطفة صادقة – نعرف أن تصرفك مع مهند وامه واخواته وفق تصورك من حب . . وقلقك وشعورك بالمسئولية الا يؤلمهم شيء او يجرحهم ، لكن ما نحن فيه من حال لا يمكن أن يتخيله أحد ، كفاية أننا لم نصب بالجنون أو احد الامراض النفسية المعقدة من الذهان او الوسواس القهري او الفصام ، هذا الوضع يجعلك مثل أي واحد منا غير قادر على رؤية سلوكه او تعامله إذا كان خاطئا وقاسيا وغير صحيح مع الخصوصية لمن نتعامل معهم ، حيث تقودنا ضغوط الكبت النفسي المخزون الى إخراجها عندما نجد سلوكا من الاخر غير مقبول في الوضع الطبيعي . . لتبدو مواقفنا صارمة ، وهي لا تتناسب مع خصوصية الظرف لزوجة اخيك وأولادها ، فالأساس رعايتهم وتغاضي أي شيء يأتي منهم . . نعرفه أنه من الوضع الذي عانوا منه وضغط عليهم بأن كل ما في الحياة ضدهم وفي ضعفهم . . ما جعل تعاملهم وسلوكياتهم شرسة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي


.. تسجيل سابق للأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن يلقي فيه أبيات من




.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري


.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب




.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس