الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جمال عبد الناصر .. والفئات الأربع الغاضبين عليه !!

أحمد فاروق عباس

2023 / 9 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


تقترب الذكرى السنوية لوفاة جمال عبد الناصر - ٢٨ سبتمبر ١٩٧٠ - وقبلها ومعها وبعدها لا ينقطع النقاش حول أهم شخصية عربية فى القرون الأخيرة ..

وكلامى عن عبد الناصر لن يذهب الى الحديث عن انجازاته ، ولا عن اخفاقاته ، ولا التحديات التي واجهها في زمانه ، ولكن سيكون نقاشا لناقديه ..

والغاضبين على عبد الناصر ومنه أربعة أنواع .. هم :

١ - المتحمسين للديموقراطية وأنصارها ..
٢ - اليمين السياسي ..
٢ - اليمين الدينى ..
٤ - الماركسيين أو الشيوعيين ..

وسوف نناقش اليوم النوع الأول من هؤلاء الغاضبين ..

١ - المتحمسين للديموقراطية بدون فهم ، وأنصارها المتيمين دون تريث ..

وممثلهم الأهم قديما حزب الوفد ، وممثلهم حديثا الليبراليون الجدد مثل د سعيد النجار ، د عبد المتعم سعيد ، د محمد البرادعى ، وممثلهم الآن أغلب الشخصيات التى تطلق على نفسها لقب النشطاء ..

وحجتهم الرئيسية أن عبد الناصر الغى الديموقراطية فى مصر ، وأن الرجل لم يكن ديمقراطيا ..

ولم يسأل هؤلاء أنفسهم بضعة أسئلة بديهية ..

- وهل كانت هناك ديموقراطية في مصر قبل عبد الناصر ؟!

إن مصر لم تعرف طوال تاريخها سوى الحاكم الفرد ، سواء في أيام الفراعنة من أقدم العصور إلى عصر الممالك والسلطنات الإسلامية ، وآخرها - واسوأها - السلطنة أو الخلافة العثمانية التى حكمت مصر لأربعة قرون ..

- فهل عرفت مصر الديموقراطية طوال تلك القرون ؟!
- هل عرفت مصر الديموقراطية مع مجئ الحملة الفرنسية في القرن ١٨ ؟!
- هل عرفت مصر الديموقراطية مع قدوم الاحتلال البريطانى عام ١٨٨٢ ؟!

كل من يتكلم عن الديموقراطية فى مصر ويبكى عليها بدموعه ربما يقصد فترة الثلاثين سنة من ١٩٢٣ - صدور أول دستور مصرى - إلى ١٩٥٢ ..

وهذه الأعوام الثلاثين - ٢٩ سنة بالضبط - أجريت فيها عدة انتخابات ، زورت في أغلبها ، وصعد إلى الحكم بموجبها أحزاب ليس لها وجود أو رصيد في الشارع ، مثل حزب الأحرار الدستوريين وحزب الشعب - الذى أنشأه اسماعيل صدقى وهو فى السلطة وتبخر بمجرد تركه لها - وحزب الكتلة وحزب السعديين ..

وعندما كان تجرى انتخابات نزيهة كان يفوز بها دائما حزب الوفد ، ومع ذلك كان لا يستمر في الحكم أكثر من شهور ، وأبعد عن السلطة ٦ مرات بدون أى مبرر إلا رغبة القصر أو رغبة الإنجليز !!

وأكبر فترة متصلة حكم فيها كانت سنتين وبضعة شهور ، وكان مجموع السنوات التى حكم فيها الوفد مجتمعة ست سنوات فقط ( من ٢٩ سنة هى مجموع سنوات الحياة البرلمانية في مصر ) ..

وحتى خلال هذه ال ٢٩ سنة تعرض النظام البرلماني في مصر لتحدي كيانات لا تؤمن أساسا بالديموقراطية ، أو - فى أحسن الفروض - لديها مفهومها الخاص جدا عن الديموقراطية ، مثل الإخوان المسلمين والتيارات الشيوعية وحزب مصر الفتاة ..

.. والنتيجة أن مصر لم تكن تعيش في جنة الديموقراطية قبل ١٩٥٢ وجاء عبد الناصر وحرمها منها ..

ثانيا - وباختصار - الديموقراطية تحتاج لكى تعيش وتستمر درجة من النمو الاقتصادي ، يسمح بتعدد المراكز الفاعلة في المجتمع ، ما بين عمال ورأسماليين ، لهم دورهم في دورة الإنتاج، بحيث يتم تداول السلطة بين الطلائع السياسية لهذه التيارات الاجتماعية والسياسية ، وهو ما لم يكن متوفرا فى مصر وقتها ، وغير متوفر - للأسف - حتى الآن ..

وهو عين التجربة البريطانية ، وهى اعرق الديموقراطيات الحديثة ..

ففى بريطانيا يتم التنافس السياسي بين تيارات اقتصادية واجتماعية ، ممثلة في الرأسماليين - وراء حزب المحافظين - وهو حزب الارستقراطية الانجليزية والفئات المحافظة ..

بينما تقف الطبقات العاملة وراء حزب العمال ، وهو حزب النقابات العمالية والاتحادات المهنية والتيارات اليسارية في بريطانيا ، وحزب الأحرار يمثل بطريقة ما الطبقات الوسطى في بريطانيا ..

وقد أخذت التجربة البريطانية قرون حتى تكتمل ، فحتى أواخر القرن ١٩ لم يكن يسمح بالتصويت في الانتخابات البريطانية إلا لمن يمتلك مقدارا معينا من الأراضى الزراعية أو مقدارا كبيرا من المال ..
ولم يكن يسمح للمرأة الانجليزية - وهى نصف المجتمع - بالتصويت في الانتخابات إلا عام ١٩١٨ ..

وحتى فى التجربة البريطانية الحديثة ، هناك كثيرون يرون - ومنهم ناقدون بريطانيون وغربيون - أن الديموقراطية البريطانية - والأمريكية - ما هى إلا مسرحية ..

وفى رأيهم أن من يحكم بريطانيا - وأمريكا - هى الطبقة الرأسمالية فقط ، وهى تسمح لفئات وعناصر أخرى - كالطبقة العاملة أو الوسطى والعناصر الذكية والطموحة فيهما - بلعب المباراة الديموقراطية تحت إشرافها وبشروطها ..

وهو رأى مثقفين كثيرين فى أمريكا ، يرون أن حزبا واحدا هو من يحكم أمريكا ، وهو حزب الرأسمالية الأمريكية ، أما قصة الجمهوريين والديموقراطيين فهى اجنحة داخل الحزب الواحد تعطى مذاق الاختلاف ونكهته ، دون جوهره أو حقيقته ..

وكذلك في بريطانيا ، فالعمال والمحافظين - طبقا لهذا الرأى - الواجهة المطلوبة لالهاء الجماهير ، ولكن السلطة الحقيقية في مكان آخر ..

فالعائلات البريطانية الثرية هى من تحكم بريطانيا في الحقيقة منذ القرن ١٧ ، ولديها الوسائل لإيصال كلمتها إلى الواجهات السياسية لاخراجها كما تريد ، وذلك في القضايا الرئيسية اما القضايا اليومية أو العادية فيمكن تركها للمنافسات الحزبية فى البرلمان ووسائل الإعلام ..

نرجع إلى التجربة المصرية ..
ففى غيبة تلك القوى الاقتصادية أو عدم نضجها - كما فى التجربة المصرية - يحدث الفراغ الذى يبحث عمن يملئه ..

هو ما يسمح بظهور أحزاب قائمة على زعامات فردية ، تظن في نفسها الإلهام ، أو أنها أوتيت الحكمة والزعامة دون غيرها ، وهو نمط منتشر فى أحزاب العالم الثالث ..

أو أحزاب طائفية - لمجموعات معينة من السكان - مثل الأحزاب الكردية في تركيا ، أو الأحزاب الشيعية في العراق ، أو الأحزاب المارونية والدرزية في لبنان ..

أو أحزاب تمسك بالدين فى قبضتها ، طريقا سهلا ومضمونا إلى السلطة ، بدون خبرات أو تجارب أو علم ، وسط شعوب مستعدة أن تمشى وراء أى أحد يقول قال الله وقال الرسول حتى لو كان دجالا أو محتالا .. وهو نمط أكثر انتشارا في منطقتنا .. منطقة الشرق الأوسط ..

وفى ظل هذا الفراغ المخيف - غيبة قوى اقتصادية وطبقات اجتماعية متماسكة لها جذورها في تربة البلاد - تلجأ الشعوب إلى مؤسسات الاستقرار والاستمرار لديها ، تحتمى بها من الفوضى الكامنة تحت الرماد ، أو من خطر تيارات متعصبة أوجاهلة ، أو من شبق رجال يرون في هذا الفراغ فرصة لا تعوض او - وهو أخطر ما فى الموضوع - قد يغري هذا الفراغ قوى أجنبية لها مطالب ولها أطماع ، وقد تجد أن شراء منصب رئيس الجمهورية اقصر الطرق وأيسرها لبلوغها المراد ..

( وتجربة زيلينسكى في اوكرانيا شاهد ودليل .. رجل باع بلده ودمرها ، وادخلها فى حرب مع قوة عظمى عسكريا من أجل عيون من جاءوا به إلى السلطة .. وهى - طبعا - أمريكا !! ) ..

وتعطى قوى الاستقرار والاستمرار في الدولة الفرصة لبلادها حتى تنضج التيارات الاقتصادية والاجتماعية الأصيلة ، وحيث تصل إلى درجة من التوازن فى القوة لا ينفع معها - بديلا عن الحرب الأهلية - إلا التنافس السياسي الديموقراطى ..

والفريق الثاني من الغاضبين على جمال عبد الناصر - بعد المتحمسين للديموقراطية - هم أهل اليمين السياسى .. وهو موضوع حديثنا القادم ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغم المعارضة والانتقادات.. لأول مرة لندن ترحّل طالب لجوء إلى


.. مفاوضات اللحظات الأخيرة بين إسرائيل وحماس.. الضغوط تتزايد عل




.. استقبال لاجئي قطاع غزة في أميركا.. من هم المستفيدون؟


.. أميركا.. الجامعات تبدأ التفاوض مع المحتجين المؤيدين للفلسطين




.. هيرتسي هاليفي: قواتنا تجهز لهجوم في الجبهة الشمالية