الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيرة بطاقة هوية -5- حقيبتي في يدي وفي جيبي بضع قصائد

باسم المرعبي

2023 / 9 / 28
سيرة ذاتية


أريد أن أركض، يا إلهي
أركض
لا كمُطارَد
فهذا ما فعلته طوال حياتي

"كلمات ثم كلمات" ـ 1997

في القسم الثالث كنت توقفت عند استفسار الشخص في قسم التصحيح في الجريدة التي عملت فيها، عن عدم تواجدي في الكلية، حين كان هناك. وعوداً إلى هذه النقطة، أقول، كان الشخص المعني هو عبد الرزاق عارف، ويُكنّى بأبي ميسون. قد لا يعني هذا الاسم لمن لا يعرفه، شيئاً. وأنا بدوري لم أكن أعرفه قبل عملي في الجريدة. كان شخصاً في منتهى اللطف، والأريحية، هكذا رأيته وعرفته. على العكس من شخص آخر، لا أريد ان أسمّيه، بدا غاضباً على الدوام، ولا يتوانى عن الدخول في نقاش حاد، أشبه بالشجار، كلامياً، إذا ما دعت الحاجة، وهو ما حدث بيني وبينه بسبب مفردة، والجدل حول صحتها، أتذكر أنها كانت تتعلق بـ الأنا ـ الأنوية، شيء من هذا القبيل. لكن عبد الرزاق الذي هو شقيق الصحفي مظهر عارف، كان خلاف ذلك من سلاسة الطبع والدماثة. وكان قد سألني بعفوية، إنه لم يرني في الكلية ذلك الصباح، وقد قصدها بغرض زيارة ابنته، وبشأن هذه الأخيرة، أرجو ان لا يكون ذلك من ضلال الذاكرة، لبعد الزمن عن تلك الوقائع، أعني غن كانت لها أبنة هناك، أما ما يتعلق بالزيارة ذاتها والحديث حولها، فمما لا يُنسى لدي. كان دوامي في القسم يبدأ بعد الثانية ظهراً، والفصل الذي بدأت العمل فيه كان شتاء، أتذكر ذلك الآن بدلالة المدفأة كهربائية، في القسم المُضاء بالنيون الأبيض. لم يكن السؤال في ذاته مخيفاً، أو عجيباً، فليس بالضرورة أن يراني أو يصادفني في زيارة عابرة وسريعة. لكن الخوف من تكرر "مصادفات" وأسئلة، كهذه، تلفت بدورها، حتى لو عرضاً، الانتباه وقد تثير التساؤل، هو ما دفعني بعد فترة قصيرة، إلى مغادرة العمل رغم أهميته لي في التورية على وضعي، فيما لو سارت الأمور بسلام، إضافة إلى ما أتقاضاه من أجور، تُعدّ جيدة، في كل الأحوال.

هوية لا تخطر على بال!
قلة من أصدقاء ومعارف يعرفون أنني كنت يوماً ما طالباً في معهد مهني مجهول. ذلك هو كان "معهد السكك" في الشالجية، في بغداد. التحقت بالمعهد عام 1977، فقط كي أكون في بغداد. بعد أن قطعت دراستي في الإعدادية، (الثانوية). يتراءى لي أنني كنت شخصية طالعة من رواية أو قصيدة ، أكثر مما كنت واقعياً. كنت أترنم مع نفسي بمقطع شعري لم يتبق منه الان في ذاكرتي، سوى هذه الجملة "حقيبتي في يدي، وفي جيبي بضع قصائد..". في المعهد درست أولاً، في قسم المحركات، ثم حوّلت إلى الإشارات، وهو قسم آخر لا علاقة له بالأول. من دراستي في هذا القسم، وفي فترة التطبيق الصيفي، عرفت أن سكة القطار تحمل شحنات كهربائية معينة، أو ممغنطة لابد من إدامتها وصيانتها، وهو ما عاينته على أرض الواقع في مهمة أحببتها، قمنا بها برفقة مهندس وعدد من العمال. لاحقاً كتبت قصيدة كاملة بعنوان "السكك الحديد" بتأثير من تلك الأجواء، منها:
.........
أتملى عشبا في خطى حصان ينفق فوق السكة الحديد،
والسكة الحديد تطارد الأفق
وتعلّق الطيورَ حتى هواء آخر وتشمت بالأحصنة الخضر
.........
المشهد لا يتسع لقامة تتكسر كرماد
السيجارة فوق بلاط لامع
المشهد محجوز ليد موظف البنك تُحصي
جساراتِ المقاول،
ويدُ المقاول تجلو السكة، تمغنطها،
لتتقصف سيقان العصافير أدراجَ الكهرباء.

ثمة الكثير من التفاصيل التي تكاد تستدرجني للكتابة عنها، لأهميتها، لكني لست الآن بصدد ذلك، فقط أردت التنويه عن المعهد كمدخل أو تعليل لكيفية حيازتي هوية هذا المعهد العجيب، أقول العجيب، لاختياري له، دون تخطيط مسبق وبما يُشبه المصادفة. وكما انتفعت منه في التفرغ لقراءاتي الأدبية، أيضاً أنجدني هذا المعهد الكريم، بعد سنوات ببطاقة هويته التي مازلت أحتفظ بها، وقتها. كان تاريخ الهوية المقصودة ينتهي سنة ۱۹۸۰، وما كان أسهل أن أضع الرقم الذي أشاء على الصفر. وهكذا كان. غيرت الصفر إلى ۹، كانت الهوية لا علاقة لها بهوية الجامعات المعروفة، حجماً ولوناً. كان لونها أبيض وشكلها يميل إلى المربّع وكبيرة نسبياً. الغريب أنني استخدمتها دون أن أعرف إن كانت لا تزال معتمَدة في المعهد الذي انقطعت عنه منذ حوالي سبع سنوات، أو أكثر قليلاً، أم لا. ولحسن الحظ، ولِما نشره الله عليّ من واقية، فإن رجل الأمن الذي فأجأنا في مقهى حسن عجمي، ما بعد ظهيرة أحد الأيام، يدور على الجالسين معايناً أوراقهم، ليس له أدنى فكرة عن معهد بهذا الاسم. لكن نظرته للهوية والبرهة التي استغرقها في ذلك، وحتى شكله، لا يزال كل ذلك محفوراً في ذاكرتي، كوشم غير قابل للمحو.

8ـ11ـ2022

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات دفاعية في أوكرانيا تحسبا لهجوم روسي واسع النطاق


.. مدير وكالة المخابرات الأميركية في القاهرة لتحريك ملف محادثات




.. أمريكا.. مظاهرة خارج جامعة The New School في نيويورك لدعم ال


.. إطلاق نار خلال تمشيط قوات الاحتلال محيط المنزل المحاصر في طو




.. الصحفيون في قطاع غزة.. شهود على الحرب وضحايا لها