الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انقلاب النيجر : إصرار في نيامي و هلع في باريس .

علي فضيل العربي

2023 / 9 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


.

هل تحوّلت إفريقيا إلى مقبرة للديمقراطيّة و الليبيراليّة ؟
قامت القيامة في بلد النيجر الشقيق و لم تقعد . لأنّ جماعة من العسكر انقلبت على الشرعيّة الدستوريّة ، و أزاحت الرئيس المنتخب عن كرسي السلطة . حقّا ، لقد حدث ذلك منذ أسبوعين في بلد غنيّ بثرواته الظاهرة و الباطنة ، و أراضيه الزراعية الخصبة و شبابه ، بلد يعيش في أحضانه شعب مسلم ، طيّب ، مسالم ، لكنّه يعاني من ويلات الفقر المدقع إلى حدّ المتربة .
و السؤال المطروح : أين تذهب عائدات الذهب و اليورانيوم و غيرها من ثروات النيجر الشقيق ؟
لقد هبّ الغرب بقيادة فرنسا ، التي مازالت تحنّ إلى سالف وجودها الاستعماري ، بمعيّة ثلّة من الأفارقة المغرّدين في سربها ، و تظاهروا ، بل صنعوا مندبة على الديمقراطيّة و الشرعيّة . و الحقيقة أن شعب النيجر المسكين لا يعنيها من قريب أو بعيد ، بل هي سبب ما يعانيه من فقر و تخلّف و أزمات أمنيّة حادة ، و من تغوّل بعض الجماعات المسلّحة التي تنشط في دول الساحل . إنّ فرنسا تلعب على الحبلين ، فهي تلعب دور الصديق و العدو . و هذا دأب الاستعمار القديم الذي لم يستوعب و لم يهضم طرده من إفريقيا الغنيّة بثرواتها و شبابها . أين كانت فرنسا و الغرب عندما حدثت انقلابات سابقة على الشرعيّة الدستوريّة في إفريقيا ؟
و لكن الحقيقة التي لا غبار عليها ، فإنّ فرنسا و الغرب لا يهمّهما الديمقراطيّة في النيجر أو في إفريقيا كلّها ؛ بشمالها و جنوبها ، بشرقها و غربها . ما يهمّ السلطات الفرنسيّة ، هو الحفاظ على مصالحها الاقتصاديّة و مكاسبها الثقافية التي جنتها أثناء احتلالها للنيجر و ما بعد استقلال هذا البلد الإفريقي الساحلي ، الواقع في منطقة استراتيجيّة ، غنيّة بالمعادن الثمينة و بشبابها البكر ، الطموح . هدفها من كلّ العيطة و الزيطة هو الهيمنة على الموارد الطبيعية ؛ من غاز و بترول و يورانيوم و ذهب و حديد و غيرها من المعادن الثمينة . أين كانت فرنسا الديمقراطيّة - رافعة ثلاثيتها الثوريّة ؛ الحريّة و الأخوّة و المساواة - في ميدان الشانزيليزيه و قوس النصر ، أثناء الانقلابات العسكريّة السابقة في إفريقيا ؟ أم الديمقراطيّة الفرنسيّة و الغربيّة لا تطلق العنان للسانها و جوارحها ، و لا تلمز و تهمز و تلغو و تملأ الدنيا ضجيجا و عجيجا كالعربة الفارغة على مضمار أسفلت القرون الوسطى ، تبدي حرصها على الشرعيّة الدستوريّة ، إلاّ إذا شعرت بأنّ مصالحها في خطر .
لقد نهب الغرب الاستعماري خيرات إفريقيا لعدّة قرون مضت و لم يشبع - و لن يشبع - و مازال ينهب من خلال حكومات إفريقيّة غير وطنيّة ، عميلة و خائنة لشعوبها مقابل عمولات أو مساعدات وهميّة . إنّ الغرب لا يتذكّر الديمقراطيّة و حقوق الإنسان في إفريقيا و لا يزعم الدفاع عنهما إلاّ إذا تهدّدت مصالحه . فالديمقراطيّة الإفريقيّة – في نظر الغرب – هي تنصيب حكام تُبّعا له .
هناك حرب أهليّة في السودان و الصومال . هناك في إفريقيا العميقة مجاعة و جياع و أمراض ومرضى و حفاة و عراة ، فراشهم التراب و غظاؤهم السماء و عبيد في أسوء حال . لكنّ عيون الغرب مغمضة ، بل هي عمياء لا تُبصر سوى مناجم اليورانيوم و الذهب و الحديد و الفوسفات و منابع النفط و الغاز و غيرها من خيرات إفريقيا المثقلة بالهموم و المآسي و الديون و الأمراض الفتّاكة و المرتوقة .
مازالت دماء ضحايا فرنسا الاستعماريّة من الشهداء الأبرياء ، لمّا تجف بعد في المغرب العربي وإفريقيا عموما . و مازال الدهر لم يكشف بعد عن جرائمها كلّها في الجزائر ، و كلّما افتضحت جريمة لها ، هنا أو هناك ، تبعتها أخوات لها أكبر و أفظع . إنّ فلسفة المستعمر ، و سيكولوجيّة الاحتلال لا يحدّها مكان و لا زمان . و ربّما اعتقد بعض المغفّلين ، أنّ الغرب الاستعماري قد تخلّى عن فلسفة احتلال الأخر و إذلاله و استعباده و نهب خيراته ، و تخلّى عن أطماعه ، المتوارثة عن العصر الوسيط ، عصر المغامرات و القرصنة و الاكتشافات الجغرافيّة ، و هو – لعمري – اعتقاد خاطيء و مهلك ، مردّه إلى الغفلة و السذاجة و الجهل بعبر التاريخ ومخرجات السياسة .
إن الانقلاب في النيجر مؤشر على يقظة الشعوب التي نخر عظامها الاستغلال الأوروبي غير المشروع لثرواتها المعدنيّة ، ما ظهر منها على السطح و بطن ، و ما خفيّ منها و ما هو ظاهر للعيان .
إنّه الصيف الإفريقي الماطر ، يا سادة ، الذي أيقظ الأفارقة في جنوب الصحراء و الساحل من سبات دام عقودا من الاستغلال و الاستدمار ، عكس الربيع العربي المزعوم الذي دمّر البنيان و خرّب النسيج الاجتماعي ، و ما نجا منه دمّرته الطبيعة ، و أكملت سلسلة الخراب و الدمار في الحوز و درنة و ما جاورهما . إن الغرب الصليبي الرافع لراية حقوق الإنسان منذ عقود من الزمن البشري ، ينفق عشرات التريليونات على الحروب البينيّة و الأهليّة ، و على تطوير الأسلحة الفتّاكة ؛ التقليديّة منها و غير التقليديّة ، و على أقمار التجسّس و أجهزته و عملائه ، في الوقت الذي يتضوّر أطفال أبرياء و أمّهات مغلوبات على أمرهنّ جوعا و خوفا . لماذا يغض الغرب المنافق الطرف عن مآسي أطفال اليمن و سوريا و السودان و فلسطين و الروهينغا ، بينما أظهر للعالم أشدّ الاهتمام و منتهى الإنسانيّة عند تعلّق الأمر بأطفال أوكرانيا ؟ لماذا عجز مجلس الأمن و جمعيته الأمميّة المتّحدة قولا لا فعلا عن وضع نهاية للحرب في اليمن و سوريا و السودان ؟ لماذا تبدو الدول الأوروبيّة الغنيّة – و غناها من ظهر إفريقيا – مقتّرة و ممسكة و قابضة اليمين في إعاناتها لضحايا الكوارث الطبيعيّة المدمّرة ؟
إن ما ابتليت به إفريقيا من مآس و استبداد و كوارث ، تتحمّل مسؤوليته و وزره فرنسا . لعدّة أسباب أهمّها : أنّ هذه المجتمعات الإفريقيّة المنضويّة أنظمتها تحت سقف الفلسفة الفرانكفونيّة ، مازالت تعتبرها فرنسا غنيمتها التاريخيّة و امتدادها الاستراتيجي ؛ الثقافي والسياسي و الاقتصادي . و مازالت فرنسا تنظر إليها بعين الوصيّ على أيتام قصّر لم يبلغوا بعد سنّ الرشد ، بل إنّ فرنسا تحلم – توهّما – بالعودة عسكريّا تحت غطاء محاربة الإرهاب الجهادي و الجماعات المتطرّفة و بارونات السموم . بينما الواقع أنّ عدم الاستقرار في المستعمرات الفرنسيّة السابقة ، راجع بالدرجة الأولى إلى السياسة الفرنسيّة القائمة على فلسفة النوستالجيا الاستيطانيّة ( الحنين الاستيطاني ) و الأنانيّة الفوقيّة و النظرة إلى الشعوب الإفريقيّة نظرتها إلى البقرة الحلوب .
لقد غزت فرنسا الجزائر في يونيو 1830 م ، بحجة تحرير الجزائر من الاستعمار العثماني ، و فرضت على مدينة الجزائر حصارا استمرّ ثلاث سنوات . و " أنّ الجنرال دي بورمون كان ينوي تماما عدم التخلّي عن مدينة الجزائر للعثمانيين ، و هو الذي كان قد صرّح للكولورليس ، و للعرب ، و لسكان المدينة ، أنّ الجيش الفرنسي قد جاء لطرد الأتراك طغاتكم ، و أنّهم سيحكمون كما كانوا يحكمون من قبل في بلدهم أسيادا مستقلّين في مسقط رأسهم ، و بعد أن قال أنّ الولاية ستخضع قبل خمسة عشر يوما أعلن تباعا أنّ المور ( 1 ) و العرب ينظرون إلينا كمحرّرين "( 2 ) .
حان الوقت لتطبيق شعار إفريقيا للأفارقة ، دون إفراط أو تفريط . و إنّ مبدأ التعاون بين الأمم و الشعوب مبدأ فطريّ ، لا تنفر منه الطبيعة . إنّ الكون مبنيّ على التناسق و التكامل ، فالكائنات الأرضيّة و الفضائيّة تمارس سياسة التعاون و التكامل و التدافع في مسارات متوازيّة أو متفاعلة . إنّ النظام الكوني قائم على عنصري الإيجاب و السلب ، و زوال أحدهما عاقبته الخراب و نهاية العالم .
لقد حان الوقت لتعود إفريقيا و خيراتها لأبنائها ، و ليرفع الاستعمار القديم ميسمه عن إفريقيا . إنّ إفريقيا في حاجة إلى البدء في كتابة تاريخ جديد ، و بمداد وأقلام أبنائها البررة . إنّ إفريقيا الغنيّة بمواردها الطبيعيّة ، الثريّة بشبابها و إطاراتها و تراثها الحضاري ، جديرة بالعيش في ذروة القمّة ، لا في حضيضها الأسفل .


هامش :
( 1 ) المور : المور و جمع الموريون . بالإسبانية ( موروس ) و بالإنجليزية ( مورس ) ، و بالفرنسية ( مور ) . مصطلح في اللغات الأوروبيّة ، شاع استعماله في وصف عرب الأندلس و المسلمين
(2) تاريخ الجزائر المعاصرة – شارل روبير اجيرون ص 76 / 77 - - ترجمة عيسى عصفور – منشورات عويدات – بيروت و ديوان المطبوعات الجامعية – الجزائر – ط 2 – 1972 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق لإقامة الدولة 


.. -الصدع- داخل حلف الناتو.. أي هزات ارتدادية على الحرب الأوكرا




.. لأول مرة منذ اندلاع الحرب.. الاحتلال الإسرائيلي يفتح معبر إي


.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم مناطق عدة في الضفة الغربية




.. مراسل الجزيرة: صدور أموار بفض مخيم الاعتصام في حرم جامعة كال