الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعد تلك المحاكمة.. أصبح الأمر خياراً بين الصعوبة والكارثة..

سيلفان سايدو
حقوقي وكاتب صحافي

(Silvan Saydo)

2006 / 11 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


على رغم أنّ محاكمة الرئيس العراقي المخلوع "صدام" واثنين من معاونيه أضحت في أولويات القضايا المثارة في الاعلام العالمي في هذه الأيام، وصدور الحكم بشنقه. بيد أنّ من السابق لآوانه الجزم بأنها ستكون العامل الحاسم المرجح لإنهاء أعمال العنف الدموي في العراق. كما واستبق "زلماي خليلزادة" السفير الامريكي في العراق بقوله: إنّ هذه المحاكمة ستوّحد من وحدة العراقيين..!! وربما حاول "خليلزادة" التنصل من أي مسؤولية أميركية عن مجريات المحاكمة.. لكن مهما يكن فالحقيقة التي لا يختلف عليه أثنين هي الطابع الدموي والوحشي الذين سادا إبان فترة حكمه، لكن هذا لا يمنعنا من الوقوف عند بعض الالتباسات التي شابت محاكمة الديكتاتور "صدام حسين" بين ما إذا كانت جنائية أم سياسية، وهل حكم على أساس أفعاله السياسية أم لمتطلبات ومسؤولياته وهو في منصبه؟. وذلك انطلاقاً من عدم الحط من شأن عدالة القضايا وتقليل من شأنها، التي حكم "صدام وزمرته من أجلها، وليس إلا..
فحسب المواقف الغربية يكاد من الصعب العثور على موقف يعتبر محاكمة "صدام" جنائية، مع تأكيدهم في نفس الآن على عدالة الاتهامات التي وجهت إليه، وذلك لما اقترف في فترة حكمه على فظائع بشرية ضد شعبه، لا سيما الشعب الكردي... فمثلاً ما قاله جيفري روبرتسون مؤلف كتاب "جرائم ضد الانسانية" يصب في هذا الاتجاه، بقوله: تقديم صدام حسين للمحاكمة لاقترافه جرائم إبادة كان عملاً سليماً من الناحية القانونية، ولكن المحكمة لم تكن مستقلة، فقد تدخلت الحكومة العراقية في عملها فقامت باستبدال عدة قضاة لاحساسها بأنهم متعاطفون مع المتهم.
أما المحاضر في مادة الحقوق في جامعة لندن البروفيسور "فيليب ساندز" فكتب يقول: كان جلب صدام حسين أمام العدالة عملاً يروق للعدالة القضايا حكم من أجلها، ولكن اذا لم تجر المحاكمة بشكل سليم، فلا مفر من أن تثار أسئلة حول شرعيتها. وانتقدت أيضاً منظمة العفو الدولية الحكم وقالت بأن المحاكمة التي كان من المفترض أن تساهم في إقرار العدل وحكم القانون في العراق، كانت في الحقيقة مليئة بالاخطاء الجسيمة وغير منصفة.
فالحكم بموت نفس بشرية في حد ذاته أمر مأساوي ونتائجه في بلد كالعراق يسكنه الموت والخوف وتنتشر فيه الفوضى ستكون كارثية. لذا فإن الحكم بالإعدام على هذا الدكتاتور ينهي فصلاً من فصول العراق الدموية، لكن في الوقت ذاته لن يكون ذلك سبباً في الاستقرار واستتباب الأمن. الحكم بالإعدام هو قرار قوي ولكن قد تكمن القوة في عدم تنفيذ حكم الإعدام بل بالسجن للفعلي مدى الحياة. وبهذه الطريقة يظهر القضاة في بغداد الفرق بين إصدار الأحكام تحت نظم ديموقراطية وأنظمة الجبر والدكتاتورية. فالجرائم والفظائع التي ارتكبها صدام بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بحق شعبه وجيرانه قد تكون حسب القانون العراقي سببا في إصدار حكم الإعدام، ولكن من الناحية السياسية قد يكون هذا الأمر خطأ، إذ سيبقى صدام في عيون أتباعه السنة (العرب) بطلا وشهيدا وأن هذا سيكون سببا في جعل العراق يعيش موجات عنيفة من القتل والإرهاب.
ولذا ستبقى صور محاكمة صدام ولو لفترة غير طويلة ماثلة في الأذهان. هذه الصور هي استحضار لدكتاتور طالما غرس البطش والقتل في بلاده. ولكن هذا كله لن يغير شيئا من حال البلاد الغارقة في مستنقع العنف والقتل، ولكن قد تنبثق قي المستقبل إرهاصات قد تنقذ البلاد مما هي فيه. ولذا لا حاجة في مثل هذه اللحظة لإعدام صدام إذا كان لا بد من ذلك. فعملية محاكمة صدام وما تمخض عنها من أحكام يجب الأ تكفر عن جرائمه بحق شعبه وانتهاكه لحقوق الإنسان فحسب، بل يجب أن تكون حافزا للتصالح والتوافق في العراق وأن  تكون رمزاً لعراق جديد يتطلع إلى المستقبل.
لكن هذا ما فشلت عملية المحاكمة وما تمخض عنها من قرارات في إخراجه إلى حيز الوجود. هذا الاخفاق يعود إلى أن هذه المحاكمة لم تستند إلى المعايير القضائية والقانونية الغربية التي تكفل إجراء محاكمة عادلة ونزيهة. كما أن هذه المحاكمة وقرار الإعدام يأتيان في وقت تقف فيه البلاد على شفا الحرب الطائفية التي يوفر لها هذا القرار وقوداً لإشعالها واحتدامها، ليبدأ الناس من جديد يحنون إلى عصر نظام صدام. وهو ما ذهبت إليه الفيديرالية الأوروبية لحقوق الإنسان أيضاً في تنديدها لحكم المحكمة.
وربما بتقدري المتواضع اعطيت هذا المسار للمحاكمة لتكون مبرراً أولياً، مستقبلاً، لتفادي إعدام صدام، فحتى الرئيس مام جلال بدوره ركز في تعليقه على قرار المحكمة، بأنّ مجرها كانت مستقلة. أي ركّز على جانب التكييف التقني للمراقبة، الذي أخفته المحكمة. فكما يقول الدكتور عزمي بشارة: إن السيادة هي التعبير عن الديمقراطية، أي لا ديمقراطية يعني لا سيادة.
وعموماً فالقضية بالنسبة للشيعة الذين يعتبرون أن صدام كان طاغياً ووحشاً، تأكد معتقدهم وترسخ، وبالنسبة للسنة (العرب) الذين كانوا أحسن حالاً في ظل حكمه القديم، بات مصير صدام أكثر من أي وقت مضى رمزاً لما آل إليه وضعهم من انحدار. أما بالنسبة للكرد فإنّ هذه المحاكمة هي بمثابة محاكمة العرب الذين غبنوا الكرد على مدار العقود الماضية.. وفي العالم أجمع الإرث الأهم ليس هو حياة صدام أو مماته، بل قرار إبعاده عن السلطة.

العراق يتحول الى ورقة داخلية لسياست الولايات المتحدة:
ومهما قيل فإنّ تزامن محاكمة "صدام" مع انتخابات النصفية في الولايات المتحدة، لايمكن فصلهما عن بعضهما باي شكل من الأشكال، لأن كلا الحزبين قد رهنا على الوضع في العراقي، سيما الجمهوري الذي أضح مؤخراً في وضع لا يحسد عليه، جراء تدهور الأوضاع الامنية في العراق. لذا فالدور الآن على الديمقراطيين الذين فازوا بانتخابات النصفية للكونغرس الأمريكي، فذلك لا يعزى إلى رؤاهم السياسية، فالديموقراطيون لم يحددوا خلال حملاتهم الانتخابية مشاريعهم السياسية، بل إن مشروعهم الوحيد يكمن في رفض سياسة جورج بوش، لا أكثر ولا أقل.
فالديموقراطيون يعدون بمسار سياسي جديدة للولايات المتحدة الأمريكية وينادون بالتغيير، بيد أن الحزب الديمقراطي لم يُقدم أي أجوبة على أسئلة تتعلق بشروط مواصلة الحضور العسكري في العراق وحول مشروع سحب القوات الأمريكية منه. ومهما قيل عن اختلاف سياسة الحزبين تجاه المنطقة والعراق على وجه الخصوص، فإنّ هذا الاختلاف هو بمثابة اختلاف مذاق "كوكا كولا و بيبسي كولا" أي العودة إلى خطة "بيكر-هاملتون"..!
وأخيراً.. وإن بدت للوهلة الأولى أنّ هناك آمال في البداية حول إمكانية أن تؤدي المحاكمة الى تضميد الجراح العراقيين، غير أنّ من الصعب رؤية ان كان الحكم سيؤدي الى شيء باستثناء تعميق تلك الجراح.


سيلفان سايدو _ إعلامي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق لإقامة الدولة 


.. -الصدع- داخل حلف الناتو.. أي هزات ارتدادية على الحرب الأوكرا




.. لأول مرة منذ اندلاع الحرب.. الاحتلال الإسرائيلي يفتح معبر إي


.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم مناطق عدة في الضفة الغربية




.. مراسل الجزيرة: صدور أموار بفض مخيم الاعتصام في حرم جامعة كال