الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البابا فرنسيس والإحلال الكبير

طارق الهوا

2023 / 9 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


عندما سمعت أول مرة منذ أكثر من عشر سنوات عن بدء إحلال شعوب مكان شعوب، قلت في نفسي تقدم العمر بدأ مفعوله مع الدكتور بطرس بطرس غالي، لكن ذاكرة الرجل بتفاصيلها الصغيرة وتحليلاته ورؤيته خلال حوار استغرق أكثر من ساعة، جعلني أتراجع عن اندفاعي في الحكم، وأعيد النظر لاحقاً في نتائج كل الحروب التي حدثت من بداية هذا القرن، لأجد أن جميعها اشترك في نتيجتيّن رئيسيتيّن، أولهما تمدد التشدد وخروجه من جحور أفغانستان وعشوائيات مدن الشرق الأوسط إلى الغرب لفرض شريعته وطقوسه ومفهومه غير الواقعي أو العلمي للعالم والكون، بعدما كان الهدف من صناعته وقف تمدد الشيوعية. السمة الثانية هي زيادة معدلات الهجرة في العالم بشكل عظيم، وهي ظاهرة مقلقة لأنها تصب في الأجندة التي تحدث عنها واحد من أفضل من تولى منصب سكرتير عام الأمم المتحدة، ونتائجها تدمير ثقافات الغرب، لإحلال ثقافات شعوب متخلفة اعتمادية تواكلية غير منتجة أو مُخترعة، ناهيك عن ثقافة سياسة/دينية ماورائية مُختَلف عليها من أصحابها ومفسريها أنفسهم، فشلت في انتاج أو الإسهام بشيء في كل عصورها خصوصاً عصر الحداثة، وما أُنجز منذ قرون نسبوه إليهم في حين أن الأعاجم هم من أنجزوا.
نظرية الإحلال تعني احتلال استيطاني من شعب بثقافته وتقاليده وطقوسه لشعب آخر، تحرك من مكان ما ليعيش في وطن الأخير، بعدما كان الشعب الأصلي المُضيف هو السيد.
هكذا تصبح الأمة الأصليّة تابعة أو أقلية للشعب الذي أطعمته وحمته وآوته، بسبب التسارع الديموغرافي والنيات الإحلالية المبطنة، التي تظهر عندما يتم استجماع كل القوى ويزيد عدد السكان وتُمسك الوزرات السيادية ويحدث الانقلاب العسكري أو الديموقراطي النهائي.
يفسر بعض الذين يجتّرون الكذب مع أنفسهم هذه النظرية وصاحبها رونو كامو، بالانهيار الكلي للقيم وأخلاق الأخوّة والتضامن، وإخفاق الحداثة التي فشلت في جعل خياراتها الحضارية أمراً مثبتاً في الوجدان الغربي والأوروبي والإنساني.
رأي مضلل وكلمات قاموسيه فسيفسائية يجترها كُتّابها حتى يهضموا حصى كذبهم، ويخدروا السامع ليتقبل ما يُقال.
رأي مردود عليه واقعيا بأربعة أسئلة واضحة من الشرق الأوسط: كم كان عدد الغزاة العرب الذين خرجوا من شبه جزيرتهم؟ أين هي الحضارات ولغاتها بعدما غزوها؟ ما هي نسبتهم إلى السكان الأصليين اليوم؟ ما هو السيناريو الذي مارسه الشيعة في لبنان منذ شعارهم "طائفة المحرومين" حين كانوا أقلية مستضعفة نزحت من العراق من قرون، حتى تنمرهم واحتلالهم الاستيطاني بسبب زيادة عددهم ووجود ميلشيا لديهم أقوى من الجيش لوطن أسسه الموارنة والدروز؟
أسئلة لا يستطيع الليبراليون أو غيرهم الرد عليها بضمير حداثي، أو أمازيغي أو فرعوني أو كردي حر.
تمزقت الهويات الأصيلة بحد السيف، ثم توارت بسبب الخنوع التام لبطش الاستعمار الاستيطاني فالاستسلام حتى نسيان الهوية، بل والتشدق لاحقاً أو الموت دفاعاً عن الهويات المزورة بمرور الزمن.
البابا فرنسيس الأول يبدو انه من أنصار إحلال شعوب مكان شعوب، فكل ما يفعله تجاه المهاجرين "غير الشرعيين"، عبارات منمقة مُضللة تحرّض على تعميق جلد الذات الأوروبية، تجاه مهاجرين اُختير لهم كما هو واضح بالقرائن أن تكون أوروبا وجهتهم، خصوصاً بعض دولها بشكل محدد.
لماذا أوروبا وحدها وليس الصين أو روسيا بالنسبة للمهاجرين غير المسلمين وهي دول شاسعة؟
ولماذا أوروبا وليس المملكة السعودية للمهاجرين المسلمين خصوصاً أن مساحتها تزيد على مليوني كيلومتر مربعا وعدد سكانها قليل وملياراتها كثيرة؟
قال البابا، الذي لم يستبق مهاجراً واحدا في الفاتيكان كعمل رمزي، في مرسيليا منذ أيام: "لا یمكننا أن نبقى شھودا لمآسي الغرق بسبب عمليات الاتجار الكريهة وتعصّب اللامبالاة". "علينا أن ننقذ الأشخاص الذي يتعرّضون لخطر الغرق عندما يتركونهم فوق الأمواج. إنه واجب إنساني، إنه واجب الحضارة". "علينا نحن المؤمنون أن نكون مثالا في الاستقبال المتبادل والأخوي"، وندد كدأبه بتحوّل البحر المتوسط إلى "مقبرة هائلة" دفنت فيها "الكرامة الإنسانية".
وقال البابا الذي لم يفتح أبواب الفاتيكان لأسرة مهاجرة واحدة كعمل رمزي: "أمام هذه المأساة لا تنفع الكلمات، بل الأعمال" واستنكر "شلل الخوف" وتوجّه بالشكر إلى المنظمات غير الحكومية التي تغيث المهاجرين في البحر، ونندد بأولئك الذين يمنعون هذه المنظمات من العمل".
في فرنسا، استقبل اليمين الوطني بشكل متباين زيارة البابا في وقت محتقن، وانتقدوا تدخّلاته السياسية في بلد يُحكم منذ سنة 1905 بمبدأ العلمانية، ويخوض حرباً ضد "الانفصال عن الجمهورية بواسطة مساكين جاءوا كمهاجرين يطلبون الأمن والرزق"، كما اتهمت المعارضة اليسارية ماكرون بـالدوس على الحياد الديني للدولة العلمانية بإعلانه المشاركة في القداس الذي ترأسه البابا في ملعب فيلودروم.
لماذا قبِلَ الاتحاد الأوروبي أن يكون ملجأ مهاجرين غير شرعيين؟ ولماذا يخضع لابتزازات أردوغان وغيره في هذا الخصوص؟ أمور جعلت السياسة الأوروبية حول الهجرة لا اجماع نهائياً عليها.
الوضع السياسي الأوروبي حول الهجرة، يثير دائماً إنزعاج البابا فرنسيس صاحب التوجهات السياسية المريبة، ففي زيارة قام بها في ديسمبر/ كانون الأول 2021 لليونان التي كانت تعتبر إلى وقت قريب أحد المنافذ الأساسية للمهاجرين الوافدين على أوروبا مرورا من تركيا، انتقد ما أسماه قارة "تمزقها الأنانية القومية" واعتبر البابا أن المجتمع الأوروبي "يواصل المماطلة" و"يعاني كما يبدو في بعض الأوقات من العجز وانعدام التنسيق" بدلا من أن يكون "محركا للتضامن" في مسألة الهجرة. وقد قوبل البابا في هذه الزيارة برفع صوت كاهن أرثوذكسي في وجهه "أنت هرطوقي"!
ورقة المهاجرين كانت ولم تزل تُستغل من أطراف سياسية لأغراض انتخابية، وهذه الأطراف السياسية لا بصيرة لها، فالمسألة ليست كما يقول البابا "إنه من السهل التأثير على الرأي العام من خلال زرع الخوف من الآخر"، لأن المسألة هي الخوف على هوية ثقافات وخصوصيات قارة يجب أن تُحترم وحماية حدود دول يجب ألاّ تستباح، فوقوع أوروبا تحت أعداد كبيرة من المهاجرين غير الشرعيين ذات أغلبية أميّة أو عاطلة عن العمل أو لها سوابق أمنية وإرهابية، سيقود إلى كابوس اقتصادي وأمني وانساني وحضاري، سيؤدي إلى تقوّض أوروبا نفسها في نهاية المطاف.
يحث البابا، صاحب التوجهات السياسية المريبة ومُؤجج جلد الذات الأوروبية، منذ سنوات على اعتماد مقاربة إنسانية في التعاطي مع ملف الهجرة والمهاجرين.
في سنة 2013 عند زيارته إلى لامبيدوزا في إيطاليا قال: "ثقافة الرفاهية تجعلنا نفكر في أنفسنا وتجعلنا لا نشعر بألم الاخرين"، داعيا إلى "المسؤولية الأخوية" وإلى إدانة "عولمة اللامبالاة".
قال البابا هذا رغم رأي المسيح القاسي في مَنْ لا يعمل. والرجل أدان كما هو واضح مجتمعات وصلت إلى الرفاهية بعلمها وكدّها واختراعاتها، بينما أخوها الآتي من مكان آخر، لا يريد العودة لوطنه بعد هدوء المدافع فيه، لأنه يريد التنعم برفاهية مجتمعات أرقى من مجتمعه.
حسب توجهات البابا فرنسيس، من الإنسانية والأخوّة أن يرث المهاجر غير الشرعي ما فعله المواطن، حتى يتحقق الشعور بألم الآخرين والمسؤولية!
البابا كخبير في إثارة عطف الجماهير قال في يوليو/ تموز الماضي: "إن موت الأبرياء خصوصاً الأطفال بحثا عن حياة أكثر سلاما بعيدا عن الحرب والعنف عار على مجتمع، لم يعد يحزن على الأخرين ويشفق عليهم".
هل لام وأنّب البابا فرنسيس قراصنة قوارب الموت وهم معروفون بالاسم؟! هل فضح تجارة وتجار البشر؟
المريب في الأمر هو أن البابا لم يوجه أبدا أصابع الاتهام إلى الذين افتعلوا حروباً لصالح شركات الأسلحة وسماسرة السياسة منذ بداية هذا القرن، وكان من نتيجتها فتح باب الجحيم المُسمى هجرة.
هل سُمع البابا يدين جورج دبيلو بوش أعمى البصيرة وحروب نشر الديمقراطية في بلاد لا تؤمن بها؟ حروبه لتحرير العراق من صدام حسين ليقع تحت احتلال إيران! حروبه التي دشنت عصر هجرة المسيحيين أولا من شرقي البحر المتوسط ثم تلتهم هجرة أديان ومذاهب أخرى؟
هل أدان البابا طوني بلير شريك بوش؟ هل أدان البابا فرنسيس مهندسي "الربيع العربي" الذي أدى إلى موجة الهجرة الثانية والأعظم والأخطر؟ هل أدان البابا فرنسيس مجرمي حروب أفريقيا أصحاب الموجة الثالثة من الهجرة؟ هل أدان فساد 99% من رؤساء أفريقا؟
هل سمع البابا أو قرأ ما قاله وكتبه الدكتور بطرس بطرس غالي أو رونو كامو وغيرهم؟ هل سمع البابا عن الذين يريدون رفع رايتهم فوق الفاتيكان؟
المرجح انه سمع وقرأ لكنه كما يبدو أحد داعمي أجندة الإحلال مع ترودو وميركل وحسين أوباما والليبراليين ومن لف لفهم، مع عدم اغفال بايدن فاتح حدود أميركا الجنوبية أمام الجميع، وكافل المهاجرين غير الشرعيين مالياً في الفنادق وشركات الهواتف والطعام والملابس والمدارس والمستشفيات حتى يحصلوا على الجنسية الأميركية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا تلوح بإرسال قوات إلى أوكرانيا دفاعا عن أمن أوروبا


.. مجلس الحرب الإسرائيلي يعقد اجتماعا بشأن عملية رفح وصفقة التب




.. بايدن منتقدا الاحتجاجات الجامعية: -تدمير الممتلكات ليس احتجا


.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين في غزة تغلق شارعا رئيسيا قرب و




.. أبرز ما تناولة الإعلام الإسرائيلي بشأن تداعيات الحرب على قطا