الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في رئاء عطية حسن

مجدي شندي

2006 / 11 / 13
الادب والفن


كنا معا .. نقتسم نقودنا القليلة وأحلامنا المجهضة , على غير موعد التقينا لكن أرواحنا تمازجت , فصار بعضا مني وصرت بعضا منه . لم يكن يفصل بيني وبينه شيء , أحيانا كنت أنظر إلى ممر طوله أربعة أمتار يفصل بين باب بيتي وبيته وأتساءل لماذا ذلك الممر اللعين موجود .. صهرتنا معا صروف الدهر حملني مريضا وحملته يوم عصفت به أزمة قلبية قبل سنوات , وحين اضطرتني الظروف للسفر خارج مصر لم أكن قلقا على أولادي وجارهم عطية حسن.
كان عطية مثالا طوباويا قلما تجده في الواقع .. عمل بالسياسة في شبابه وعاد منها بخفي حنين إذ أدرك أنه لكي يجني الثمار لا بد أن يكون ملاوعا بارعا بألف وجه , وعمل بالصحافة كأشرف ما يكون , فلم يسع إلى كسب شخصي , وظل مجاملا للآخرين دون أن يسمح لأحد أن يجامله . غير أن وراء السياسة والصحافة كان يربض بداخله شاعر شفيف , يعوقه الإحباط عن غزارة الإنتاج , وتمنعه كبرياؤه من أن يلجأ إلى تسويق نفسه كما يفعل ألف شاعر يفوقونه شهرة ويفوقهم موهبة وحضورا وامتزاجا بالواقع الذي يعيشه . ظل عطية يحارب زيف الرجال ويندد به في شعره .. يقول في ديوانه الأخير نضاره شمس (كان ضل مزيف ع الحيطة... لا بينفع ولا بيضر/ زى التعاويذ الهربانة من دجال / وزى الأحلام الوردية اللى بتبرك / مع أول مطلع..) .. لكنه كان أحيانا يتساءل بينه وبين نفسه .. ماذا لو كان غير طريقه ( ايه يعنى لو كنت جميل.. ومزيف / وتراهن ع الحالة النفسية للناس وتشوفهم زى ما عايزين يتشافوا) ألم يكن قد أصبح في وضع أفضل ماديا وأدبيا .. لكن استمساكه بالقيم والمبادئ التي تعلمها من قريته (المعنى – قنا) لم تغادره أبدا .. فظل على الحافة .. على حافة الشهرة وعلى حافة الفقر .. راضيا مقتنعا بأن المبادئ ليست سلعة تباع وتشترى وإنما جزء أصيل من كينونة الرجال .
وإن رحل الجسد سيظل عطية حسن نموذجا للنبل وعزة النفس والموهبة الصامته في نظر من عرفوه , وسيظل يرمق من اقتربوا منه ولم يعرفوا مفتاح شخصيته من خلف نظارته السوداء ويبتسم ابتسامته الساخرة .. لكني على المستوى الشخصي أفتقده ويقيني أنه لاشفاء لي من مرض افتقاده .. كم كنت أتمني لو ألقيت عليه نظرة الوداع .. لكني كنت بعيدا بعيدا وهو (كان يفر جنوباً / يحمل جثته ويهاجر/ نحو حدود ترقد خلف حدود ترقد خلف حدود ) .
في الأسابيع الأخيرة انتقلت أسرتي إلى مسكن آخر .. كنت أعرف أني حين ألاقيه سيبادرني بالقول : كيف طاوعك قلبك أن تترك جواري ؟ وكنت أعرف أنني سأرد بالقول جيرتك لا تترك ولا تقدر بأموال الدنيا .. الآن وقد رحل كم أتمني أن نعيش معا حياة جديدة .. في جوار الله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عوام في بحر الكلام - علاقة الشاعر فؤاد حداد وسيد مكاوي


.. عوام في بحر الكلام - فؤاد حداد أول من حصل على لقب الشاعر في




.. عوام في بحر الكلام | الشاعر جمال بخيت - الإثنين 10 يونيو 202


.. عوام في بحر الكلام - حفيد الشاعر الكبير فؤاد حداد مع الشاعر




.. عوام في بحر الكلام - علي الحجار مع الشاعر الكبير فؤاد حداد