الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من ذاكرة التاريخ : هل كانت المشاركة في ادارة الدولة العراقية المؤقتة عمالة وجريمة تستحق القتل ؟

محمد رضا عباس

2023 / 9 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


لقد دخلت قوات الاحتلال بغداد وسقطت الحكومة وسقطت معها جميع المؤسسات الحكومية المدنية والعسكرية والأمنية ,وعليه اصبح العراق بدون دوائر دولة تعمل من اجل تمشية معاملات المواطنين , ولا يوجد جيش يحمي حدود العراق او داخله من الخارجين على القانون ولا توجد قوى امنية لحماية المواطنين من الاعتداءات . نحن نتحدث عن وطن كان عدد نفوسه عندما دخلت القوات الأجنبية بغداد قد بلغت ما يقارب 35 مليون . إضافة الى ذلك ان صدام هرب و العراق يئن من جراحات عدة , ومنها عدم حل القضية الكردية , مغيبين بعشرات الالاف , دمار مدن كاملة , نقص في الطاقة الكهربائية خطير الى درجة ان بغداد وحدها كانت تستلم ساعات قليلة من الطاقة الكهربائية فيما ان المحافظات الجنوبية لم تستلم من الكهرباء الا ساعة واحدة من اليوم , ازمة سكنية حادة , غياب فرص العمل حيث وصلت نسبة العاطلين عن العمل على ما يزيد من 50% , و نسبة تضخم كانت الأعلى في تاريخ الشرق الوسط , يكفي من القول ان راتب الموظف الحكومي الشهري كان لا يكفي لشراء كيلو لحم , فيما ان اخر مليار دولار كانت في خزينة الدولة العراقية قد سرقها ابن صدام حسين , عدي . وهكذا دخلت القوات الاجنبية العراق وهو مهشم من كل جوانبه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية , ولابد من تواجد رجال شجعان لحمايته من السقوط و التقسيم . وهكذا انبرت ثلة من العراقيين الشرفاء , وهبت دماءها الى وجه الله , من اجل لملمة الأمور قبل سقوط البلد في هاوية الاقتتال الداخلي و التشريد و التقسيم.
هؤلاء الابطال لم يكونوا من ملة واحدة , حتى يسمح لأعداء التغيير باتهامهم بالعمالة وباحتكار السلطة وسرقتها والثأر من اعدائهم , وانما كانوا من جميع أطياف الشعب العراقي . وهكذا احتوى مجلس الحكم المؤقت المرأة والرجل , العربي والكردي , المسلم وغير المسلم , الشيعي والسني . هذه الثلة لم تجمع من حانات لندن و مقاهي باريس او مطاعم نيويورك , وانما من عوائل عراقية عريقة , كل واحدا منها ذاق عذابات تعامل النظام القديم معهم . من هؤلاء الذين جلسوا في قاعة مجلس الحكم المؤقت من عاش السجون عدة مرات وذاق قسوة السجان , ومنهم من فقد الكثير من افراد عائلته واقربائه, واخرون هجروا العراق بعد صدرت احكام بإعدامهم , وخير مثل على ذلك هو الشهيد المرحوم عز الدين سليم الذي حكم عليه بالموت وكثيرون غيره.
ولم يكن أعضاء مجلس الحكم ناس غير معروفين من بين المجتمع العراقي ولم يكونوا من جهالة , وانما كانوا ن الطبقة المثقفة ومواطنون وطنيون احبوا وطنهم ورغبوا ان يكون ناسه يتمتعون بحياة كريمة تليق بتاريخهم وحجم ثروات بلدهم . كان منهم الطبيب و المهندس ورجل الدين ورجل اعمال . كان فيهم قيادات حزبية ناضلت في زمن حكم حزب البعث وعندما وجدت ان حبل المشنقة يحوم حول رقابهم اضطروا الى الهجرة . ولو اختاروا الهجرة دارا لهم لكانت منافعها لهم خيرا من المنافع التي جنوها في العراق بعد التغيير. المرحوم الجلبي , وهو ابن عائلة ارستقراطية , كان من الأفضل له العيش في أوروبا , ولكن اختار العيش تحت الخيام في إقليم كردستان من اجل عراق خالي من البطش والديكتاتورية . الحديث ينطبق على الكثير من انتسب الى مجلس الحكم ومنهم رجل الاعمال المعروف وابن شيخ عشائر شمر الشيخ عجيل الياور , والراحل عدنان الباجه جي و عادل عبد المهدي.
اذن , ان هؤلاء الفتية عندما اختاروا الانضمام الى مجلس الحكم لم يكن في خلدهم ان يتهموهم أبناء صلبتهم بانهم عملاء الى أمريكا وانهم قد دخلوا على ظهر الدبابة الامريكية . واذا دخل بعض الأفراد منهم على ظهر دبابة أمريكية فان اخرون قد دخلوا العراق وسط ترحيب اهل العراق , مثل استقبال الشهيد الخالد محمد باقر الحكيم الذي استقبل في محافظة البصرة و بلغت مسيرة استقباله طول طريق بصرة – بغداد , ودخل الراحل احمد الجلبي عن طريق إقليم كردستان راجلا لم تحميه دبابة أمريكية , وجاء الياور من السعودية , والمرحوم الشهيد عز الدين سليم من ايران الى محافظته البصرة وسط استقبال حافل .
مشكلة مجلس الحكم المؤقت هو عدم رغبة الاعلام العربي التعاون معه . لقد وجد هذا الاعلام ان النظام السياسي في العراق سيكون مختلفا عن ما تعود عليه , رئيس او ملك يحكم والباقي يقدمون الطاعة والولاء له . فمنذ الأيام الأولى للتغيير اصبح واضحا ان أيام الديكتاتورية في العراق أصبحت من الماضي ويجب ان يكون النظام السياسي فيه نموذج للحكم لدول المنطقة , وهذا ما اثار حفيظة الاعلام وخوف قادة المنطقة منه . النظام الجديد في العراق تميز لان يكون نظاما ديمقراطيا , حرا , اتحاديا , مع انتخابات عامة مرة كل اربع سنوات تتنافس فيه الأحزاب على مختلف مشاربها , عدا حزب البعث, بسبب ماضيه الدموي , ولكن سمح لجميع الأحزاب السياسية والدينية والقومية القديمة والجديدة بالمشاركة فيها.
مشكلة مجلس الحكم ان بعض القوى الطائفية اعتبرته أداة لتقسيم العراق الى مكونات ومذاهب وهو غير صحيح . لقد أسس مجلس الحكم في ظروف معقدة , وحتى يعطي الطمأنينة لجميع مكونات الشعب العراقي من سياسة الاقصاء والتهميش التي تعودت عليه النظم السابقة ,سمح لان يكون المجلس يمثل جميع أطياف الشعب العراقي وهو بالطبع انقلاب على ما كان معمول به وهو احتكار السلطة بيد طيف واحد . وهكذا اشترك في المجلس السني والشيعي , الكردي والعربي , المسلم وغير المسلم . وطالما وان النسبة الكبيرة من العراقيين هم من العرب الشيعة , فاصبح من الطبيعي ان يكون عدد الشيعة هو الأكبر في المجلس وهذا ما اعتبره أعداء التغيير فاحشة وكفر . الا انهم نسوا ان من بين من كان يشارك في المجلس من المذهب الشيعي هم من العلمانيين من أمثال الدكتور اياد علاوي واحمد جلبي واخرون .
أعضاء مجلس الحكم لم ينصاعوا الى " أوامر " الإدارة الامريكية و قوات الاحتلال كما صوره بعض أعداء التغيير , فكانت هناك معارضة للقرارات التي وجدها أعضاء المجلس تؤثر سلبا على إدارة العراق او على مستقبله السياسي. لقد اختلف الدكتور احمد الجلبي مع الأدارة الامريكية على بعض القرارات , وكذلك الشهيد عز الدين سليم وكذلك الراحل عبد العزيز الحكيم . هؤلاء الفتية قبلوا باحتلال البلد ولكنهم لم يقبلوا فرض إرادة الاحتلال عليهم . لقد قبلوا بالاحتلال للعراق , لانهم وجدوا ان لا ناصر لهم من دونه . هذا مع العلم كانت رغبة الكثير من أعضاء المجلس ان يتم تحرير العراق من قبضة صدام من خلال العراقيين لا من قبل جنود غرباء . لقد أصرت الولايات المتحدة الامريكية اقصاء صدام حسين من على راس السلطة بقانون او غير قانون , بإرادة دولية او بغيرها , وما قصة قانون رقم HR 4655 الذي شرعه الكونغرس الأمريكي عام1998 , وبانه وفق ما أراده الراحل احمد جلبي غير دقيقة ولا معقولة . الكونغرس الأمريكي ليس مجموعة من الجهلاء يصدرون قوانين وفق رغبات غرباء عنهم , انهم يصدرون قوانين وفق مصلحة بلدهم الانية والمستقبلية مدعومة بجيوش من فقهاء القانون والسياسة .
وهكذا, من العدل والانصاف ان نقول ان من انضم الى مجلس الحكم وادار العملية السياسية وسط هجمة إرهابية لم يشهدها العالم من قبل , هم وطنيون بامتياز ويجب رفع القبعات لهم وعلى حجم تضحياتهم وهم بيد يحاولون اصلاح ما خربته الحروب والحصار الاقتصادي العالمي والديكتاتورية , وبيد أخرى تحارب الإرهاب وتحمي البلد من الانهيار والتقسيم . ان ما مر به العراق من مصاعب قبل سقوط النظام وبعده كان يتحتم على جميع أبناء المكونات العراقية , والتي تدعي حب العراق وحماية ارضه وسيادته , وضع خلافاتهم جانبا والعمل سوية من اجل استقراره وامنه ورخاء ابناءه , ولكن هذا لم يتحقق . ولهذا السبب , كل من خدم في مجلس الحكم او خارجه من اجل خدمة البلد يجب ان يكافئ , وهذا بالضبط ما تصنعه الدول الحرة التي تحترم قادتها وشعوبها , تكريم المتميزون بوطنيتهم , واذا كانت الظروف السياسية التي يمر بها العراق لا تسمح لهذا التكريم لمن ضحى لأجله , فان الأجيال القادمة كفيلة بنشر قصص بطولاتهم وتفانيهم ,وستعمل على رفع مكانة أسماءهم بين أبناء الشعب العراقي الى الابد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما أهمية معبر رفح لسكان قطاع غزة؟ I الأخبار


.. الالاف من الفلسطينيين يفرون من رفح مع تقدم الجيش الإسرائيلي




.. الشعلة الأولمبية تصل إلى مرسيليا • فرانس 24 / FRANCE 24


.. لماذا علقت واشنطن شحنة ذخائر إلى إسرائيل؟ • فرانس 24




.. الحوثيون يتوعدون بالهجوم على بقية المحافظات الخاضعة لسيطرة ا