الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرار -2254بين الدعاية والوقائع .الجزء الثالث.

نزار فجر بعريني

2023 / 9 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


أحاول في هذا الجزء الثالث من الدراسة توضيح بعض حيثيات القرار 2254،مبيّنا طبيعة الأهداف الموازية التي ساهم المسار في التغطية عليها، خدمة لمصالح صنّاعه، وعلى رأسهم ، الولايات المتحدّة.

نقطتين رئيسيتين لابدّ من أخذهما بعين الاعتبار لكي نفهم طبيعة تطوّر الأحداث والعلاقات ، ...وكان من الطبيعي أن يغيّبها الإعلام:
أ-مع تصاعد وتائر الصراع السياسي على السلطة السورية في ربيع 2011، أخذ التنسيق الشامل والمتواصل بين الولايات المتّحدة وروسيا، ،مسارين مختلفين؛ مباشر، خاصّة من خلال اللقاءات المتواصلة بين وزيري خارجية البلدين للتوافق حول السياسات الحقيقية الغير مُعلنة ، أو غير مباشر، في إطار " التحالف " الذي شكّلته الولايات المتّحدة في مطلع 2012،( الخاص بأهداف مشروعها في سوريا -" الفريق الدولي لدعم سورية " الذي أُلحقت به إيران قبل نهاية ت1 2015، ومن خلال الواجهة الدولية- مجلس الأمن) لتنسيق المواقف المُعلنة ؛ وقد فشلت القيادة الروسية في كلا السبيلين في "إقناع شركائها" في واشنطن (ودمشق وطهران ) بصوابية رؤيتها السياسية ، وكانت مواقف موسكو بالنتيجة ملحقة بسياسات واشنطن، وتشكّل عمليا غطاء ودعم لها ،( تماما كما كانت إبان غزو العراق 2003 وفي حالات الصراع الإقليمي بعد 2011)، وقد كان من الطبيعي أن يصل التنسيق إلى حدوده الدنيا بشكل تدريجي بعد نهاية 2019؛ وذلك بفعل تكامل عدّة عوامل . يأتي في مقدمتها ما فرضته موازين قوى الحرب الإمريكية التركية من نهاية عملية لدور موسكو العسكري في اطار حروب 2015 2020 لإعادة تقاسم الجغرافيا السورية ،(1) ، و استنفاذ فرص" التسوية السياسية الروسية، ثانيا ، وما نتج عن عواقب تقهقر الحرب الروسية في أوكرانيا من ضعف تأثير السياسات الروسية على شركائها في الصف الثاني؛ أنظمة سوريا وتركيا وإيران ، ثالثا ، مما فاقم ضعف تأثير المواقف الروسية على " ملف التسوية السياسية " ، الذي بات أمريكيّا خالصا خلال2022 ،بالأهداف والأدوات والإجراءات؛ وبما يؤكّد على حقيقة " اليد العليا " الأمريكية، وذهاب مآلات الصراع منذ ربيع 2011 بما يتوافق مع سياساتها ، التي كانت دائما تتقاطع في أهدافها وأدواتها مع خطط السيطرة الإيرانية .
ب- للتمييز بين أفكار الدعايات في إعلام القوى المتورطة في حروب الخَيار العسكري وبين حقائق السياسات وما تصنعه من وقائع، من الضروري إدراك طبيعة الفارق بين ما يُطرح على صعيد التسويات السياسية المُعلنة من أهداف ومشاريع وبين ما يُمارس عمليا في ساحات الحرب، سواء في توافقها أو اختلافها- وقد كان من الطبيعي أن يؤدّي تلك الضرورة في وعي وسلوك نخب المعارضات السورية إلى تحويلها إلى صدى ، وأدوات لترويج أضاليل الدعايات ، وما نتج عنه من تضليل واسع للرأي العام السوري!
بمعنى ، هل كانت أهداف ومسارات التسوية السياسية المُعلنة التي تمّ إخراجها في القرار 2254 ،( جنيف وآستنة) تتوافق وتتساوق مع سياسات وجهود القوى الحربية ؟
2 في " خلفية " القرار 2254 !
لا تجد القراءة المتفحّصة صعوبة في كشف ما يقوم من تعارض بين أهداف وإجراءات وسياق" التسوية السياسية" التي صاغت مشروعها واشنطن وموسكو بموافقة إيران خلال ت2 ،ك1 2015 ،وشرعنها مجلس الأمن بالقرار2254 وبين أهداف المشروع "العسكري- الحربي" الذي أطلقت صيرورته خلال 2014 2015 واشنطن ، بالتنسيق مع روسيا ( التي نسّقت بدورها مع أنظمة سوريا وإيران و " إسرائيل ")،وسعى بين 2015 – 2019 لإعادة توزيع الحصص ومناطق النفوذ، بما يخلق وقائع جديدة على الأرض- يجعل من مشروع التسوية المُعلن حبرا على ورق ، وبعض وسائل التضليل؛ ويطلق بالتالي مشروع تسوية سياسية مختلف تماما، في الأهداف والأدوات والإجراءات والمآلات !
1 عمليا، في إطار رؤية أمريكية متكاملة، سياسية وعسكرية،صاغها مركز بحوث RAND الأمريكي، العالي المصداقية والتأثير على صنّاع القرار في واشنطن، وبهدف رئيسي، يتمحور حول إقامة قاعدة ارتكاز أمريكية دائمة ، أطلقت واشنطن حروب إعادة تقاسم الجغرافيا السوريّة من خلال فرض "إعادة تموضع" سياسي وجيو سياسي لميليشيات الثورة المضادة المدعومة من قبل أنظمة تركيا والسعودية وقطر ، التي سيطرت على مناطق واسعة خلال المرحلة الثانية من الخَيارالعسكري( 2012 2014 )؛ ولم يكن نهج " إعادة التموضع يتضمّن " داعش " ، التي كانت تقتضي سياسات تحقيق الهدف الأمريكي المركزي " تحرير " مناطق سيطرتها وإعادة إحتلالها على طريقة " حزب الله "! بعد عام من تدخّلها العسكري المباشر في صيف 2014 ومعاركها المتواصلة على داعش ، أتى التدخل الروسي، في 30 سبتمبر/أيلول 2015 ليتكامل مع خطط واشنطن ، بأهدافه وأدواته الساعية إلى إعادة سيطرة قوى النظام السوري/ الإيراني على ما يقع خارج مناطق " الكانتون الأمريكي "، وبما يشكّل عمليا الخطوة الأولى الأساسية في مسار إعادة تأهيل سلطة النظام السوري، ويشكّل تعزيزا غير مسبوق لواقع الهيمنة الميليشياوية الإيرانية!
ضمن هذا السياق الحربي ، واهدافه الحقيقية ، وبُعيد انطلاق الهجمات الجويّة الروسية ضدّ مواقع "المليشيات الإرهابية " وفقا للتفسير" الروسي / الإيراني والسوري"، بما يؤكّد إطلاق صيرورة " حل عسكري " عن سابق وعي وترصّد ، عُقدت سلسلة من المحادثات في" فيينا " في إطار " فريق العمل الدولي " ، على مستوى محدود في 23 ، ثمّ على مستوى مؤتمر واسع في 30 تشرين الأول 2015 و14 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 ، تحت اسم" محادثات فيينا للسلام"، وبمشاركة وفد إيراني؛ وقد توصّل المشاركون إلى تفاهمات خطّة شاملة شكّلت بنود القرار 2254 ، وكُلّفت الرياض بتشكيل " وفد المعارضة "الذي سينخرط بالمفاوضات، وقد بات على "مجلس الأمن" إضفاء غطاء الشرعية الدولية !
(2عندما دبّجت الولايات المتحدّة مسوّدة القرار 2254 بالتنسيق مع روسيا وإيران ، وكامل أعضاء " الفريق الدولي " وحوّلته إلى مجلس الأمن لإضفاء الشرعية الدولية، كانت قد تغيّرت نوعيا ليس فقط معطيات الحل السياسي وفقا لخطط الجامعة خلال 2011 ، بل أيضا وشروط التوصّل إلى " تسوية سياسية " ، وفقا لما دعت إليه محطّات مسار جنيف خلال 2012 نقاط انان ، وبيانات جنيف وفيينا.
من أبرز تلك المتغيّرات النوعية ، التي خلقت عوامل سياق جديد ، تقوّض إمكانية الوصول إلى تسوية سياسية:
أ- خلال 2012، نجاح جهود دفع الصراع السياسي على مسار الخَيار العسكري الطائفي ( وهي نتيجة طبيعية لتفشيل مسار الحل العربي ، وعدم فاعلية ومصداقية "مسار جنيف" !)، وما نتج عن حروبه الميليشياوية خلال 2013 – 2014 من تغيّرات نوعية على بنية النظام السوري والمعارضة ، على حدّا سواء ، وسيطرة ميليشيات قوى الثورة المضادة للتغييرالديمقراطي، سواء التي تقاتل للحفاظ على سلطة النظام، او التي تعمل على إسقاطها، وارتهان الجميع لأجندات القوى الخارجية.
ب- التدّخل العسكري المباشر ( الاحتلال) لجيوش الولايات المتّحدة( صيف 2014)، وروسيا( أيلول- 2015 ، وإطلاق صيرورة مرحلة جديدة من الخَيار العسكري، سعت من خلالها الولايات المتّحدة وروسيا،في مواجهة سياسيات ومصالح تركيّة متناقضة، إلى إعادة تقاسم الجغرافيا السورية لصالحهما ، واستمرّت حتى مطلع ، 2020 بإعلان الولايات المتّحدة انتصارها التاريخي على داعش قبل نهاية 2019؛ وتوقيع اتفاقيات 5 آذار بين الرئيسين التركي والروسي.
ت- خلال 2015، تقديم مركز بحوث RAND الأمريكي مشروع خطّة سلام تفصيلي ، يشرح أهداف وآليات الوصول إلى تهدئة مستدامة بين سلطات الأمرالواقع التي تبلورت لاحقا وفقا لخطط و حروب إعادة تقاسم الجغرافيا السورية بين 2015 2020 ، وكأنّ خبراء الخطّة كانوا على دراية بطبيعة الحرب ، وما سينتج عنها ، وبالتالي تهيّء رؤية سياسية متكاملة لمرحلة التسوية السياسية التالية لنهاية الحرب؛ وهو ما يحصل تماما منذ نهاية 2019 .رؤية وخطط وإجراءات مشروع RAND أصبحت تشكّل في الواقع جوهر التسوية السياسية الأمريكية، وقد تحققت إجراءاتها العملية عبر تقدّم خطوات تأهيل سلطات الأمرالواقع بخطوات ثابتة ؛ ولا يغيّر سياق الأحداث ما واجهته ، وتواجهه خطوات التسوية السياسية الأمريكية من عقبات بفعل سعي جميع قواها لفرض شروطه ورؤيته ؛وقد فشل النظام التركي في تغيير خطط وسياسات الولايات المتّحدة المرتبطة بتأهيل سلطة قسد طيلة سلسلة من الحروب ، كما فشلت الولايات المتّحدة في وصول سلطتي قسد والنظام إلى توافقات شاملة حول شروط تقاسم السيطرة وآليات النهب على الحصّة الأمريكية، رغم ما قدّمته واشنطن من وسائل " الجزرة ، والعصا " !
(1)-
بما يتكامل مع احتفالات واشنطن في نهاية 2019 بنهاية حربها المظفّرة على داعش ، وبعد سلسلة من الاتفاقيات السياسية بين تركيا وروسيا لرسم حدود الوقائع الجيوسياسية الجديدة، خاصة اتفاق 5 آذار ، 2020، النهائية صرح “لافروف” في مقابلة مع صحيفة “ترود” الروسية منتصف شهر سبتمبر/ أيلول 2020 قائلاً:
إن “الحرب انتهت فعلاً على الأراضي السورية، ولم يبقى سوى منطقتين ساخنتين هما إدلب وشرق الفرات”، وبالتالي "ضرورة التركيز على الدفع بمسار عملية التسوية السياسية في البلاد" .

(2)-لنأخذ قضية الدستور ...ثمّة مشروعين متناقضين:
ا- رؤية مؤسسة RAND الأمريكية ، التي اطلقتها خلال 2015، وشكّلت أرضية لمشروع التسوية العسكرية والسياسية الأمريكية ، وتقوم على قاعدة إعادة توزيع حصص السيطرة، من خلال " إعادة تموضع "الفصائل والميليشيات الغير إرهابية" بما يؤدّي عمليا الى تبلور سلطات أمر واقع ، تعمل التسوية على تثبيتها ، وشرعنة وجودها ، تحت غطاء " اللامركزية"؛ وهو مشروع تقاسم سوريا الى حصص، تحصل فيه الولايات المتحدة على " حصّة الأسد " ، والنظام الإيراني على " سوريا المفيدة "
مقابل خطط التقسيم الأمريكية ، نجد رؤية سياسية روسية مختلفة تماما، لكنّها لم تحصل على فرصتها!!
نشرت وكالة "سبوتنيك" جزءا من المسودة الروسية لمشروع" الدستور السوري الجديد" الذي وزّع مشروعه الوفد الروسي الى مفاوضات آستنة يوم الأثنين 23 ك2 2017، وشكّل نموذجا نوعيّا غير مسبوق. وفقا لسبوتنيك، ورد في المادة 44 من مسودة المشروع : "تتولى جمعية الشعب الاختصاصات الآتية: إقرار مسائل الحرب والسلام، تنحية رئيس الجمهورية من المنصب، تعيين أعضاء المحكمة الدستورية العليا، تعيين رئيس البنك الوطني السوري وإقالته من المنصب".
وجاء في البند الأول والثاني من المادة 49:
"يُنتخب رئيس الجمهورية لمدة سبعة أعوام ميلادية من قبل مواطني سوريا في انتخابات عامة ومتساوية ومباشرة وسرية، ولا يجوز إعادة انتخاب نفس الشخص إلى منصب رئيس الجمهورية إلا لولاية واحدة تالية" ألم يكن هذا المشروع الخطوة الأولى على خارطة طريق انتقال سياسي ؟ مالذي منعه من التحقق؟! إيران ؟
2)-تحت عنوان "توحيد المعارضة"، كانت اجتماعات الرياض (1)، يومي 8-9 كانون الأول 2015، وقد أفرزت "الهيئة العليا للمفاوضات" (كمرجعية سياسية)، والهيئة بدورها شكَّلت منها وفد التفاوض (كفريق تفاوض).

المشاركون في محادثات فيينا في 30 أكتوبر

: الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، روسيا، إيران، تركيا، مصر، السعودية، الامارات العربية المتحدة، قطر، الأردن، فرنسا، ألمانيا، وبالإضافة إلى الاتحاد الاوروبي ومجلس الأمن ، و لم يكن في المؤتمر أي ممثل أو مندوب سوري.
هدف الاجتماعات المُعلن كان التوصّل إلى خطة "لإقناع الحكومة السورية والمعارضة" ، بالموافقة على وقف اطلاق نار شامل، والبدء بعملية" الانتقال السياسي" !
------------------------------------








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تساهم ألمانيا في دعم اتفاقية أبراهام؟| الأخبار


.. مروان حامد يكشف لـCNN بالعربية سر نجاح شراكته مع كريم عبد ال




.. حكم غزة بعد نهاية الحرب.. خطة إسرائيلية لمشاركة دول عربية في


.. واشنطن تنقل طائرات ومُسيَّرات إلى قاعدة -العديد- في قطر، فما




.. شجار على الهواء.. والسبب قطع تركيا العلاقات التجارية مع إسرا