الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جزء 2 / اليمني وجينات حفظ الحرية

أمين أحمد ثابت

2023 / 9 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


كل ما ذكرناه سابقا ليس إلا قليل من كثير . . يعطي انطباعا تساؤلي – واقعي – كيف لشعب انهزمت قيمه ليقبل العيش دون راتب او حقوق وتحت خنوع تام وفقدان الايمان بأية قيم ، بل وصار اكثر مقتا لذكرها ، هذا الى جانب أجيال الحرب الجديدة التي لا تعرف سوى ما تسمى القيم والمبادئ التي لقنت بها خلال ثقافة الاحتراب الشوارعية ( اللاوطنية ) ، اما تلك الوطنية والتحررية والجمهورية والشرف . . الخ ، فهي لا وجود لها في مكونها التربو-تعليمي او الاسري او المجتمعي – كيف لشعب فاقد لنخبه ( الاصيلة الوطنية ) وغياب مطلق للقوى المنظمة له السياسية والمجتمعية ، وكيف لأجيال شابة بعدت تربيتها عن القيم الوطنية ، وكيف لعامة الشعب الخانع حتى في عدم الدفاع عن حقه الذي يعيشه . . أن يخرجون بجموح عفوي محتفيا بذكرى الثورة الام ، متحدي كل وسائل القمع والترهيب والتسلط – وهو جائع – ليقول بملء الصوت نعم للجمهورية والوطن الواحد وضد ما يفرض عليه من تمزيق للوطن والمجتمع ، في مواجهة متسلطي الوكالات الثلاث او كل اللاعبين الخارجيين المديرين للعبة القذرة القائمة في اليمن .
حين وقفت متأملا بتفسير مقبول عقليا لفهم ما يجري . . لم تسعفني كل المعارف الفكرية الفلسفية والاجتماعية وطروحات الوعي ومسائل الاعتقاد الايماني منه . . في أن اجد إجابات تعليلية حول ذلك ، خاصة وأن انسان المجتمع اليمني متطبع خلال علاقته التفاعلية اليومية مع الواقع ، في أن يكون مستقبلا لإملاءات الواقع لتتحول خلال عمليته الذهنية الداخلية الى بنية قناعات توجه فهمه وسلوكه وممارساته كقبول ( آلي ) اعتقادي تصوري وتعايشي وحياتي وعلاقاتي منسجم مع ذلك الواقع ، ومع كل متغيرات لإملاءات الواقع تتغير تلك القناعات عند الانسان ، والى جانب انطفاء محتوى الجزء ( القيمي والوطني ) من الواقع الراهن ، هذا الى جانب الأجيال الشابة التي كبرت خلال فترات الفساد المطلق وسيطرة نزعة الانتهازية وخداع الظاهر الشكلي على روح هذه الأجيال وغربتها المطلقة عن القيم المجتمعية – كالوطنية ، الجمهورية ، الثورتين الام ، التحرر والاستقلال ، الضمير ، العلم كقيمة ضمنية في طبيعته وليس سلعة صورية بمسمى الشهادة . . تؤخذ بثمن سعري وبحيث يكون مخرجها دونيا وفقدان فعلي للأهلية العلمية – هذا غير فقر التعليم النظامي وفي مقرراته وانشطته التاريخ الوطني الحديث ، بل حتى انه جرى تحوير تزييفي للتاريخ اليمني الخاص – القديم والحديث – في أن تصبح قيم التخلف والتشوه المعتقدي موجهة لقناعة هذه الأجيال وبإيمانية انقيادية طوعية ذاتية – إذا ، ما المعللات لعودة الروح الوطنية التي ظهرت كهبة شعبية تنتصر للثورة والجمهورية ، اللتين اصبحتا قيمة غائبة واقعيا – عند اليمنيين في الداخل والهاربين في الخارج ؟ - وطالما موروث الفكر الإنساني يقف عاجزا تفسير وتعليل هذه الظاهرة – واقصى ما وصلت إليه في عقول النخب اليمنية ( السياسية ، الثقافية والأكاديمية ) ، انها مثلت ( رد فعل طبيعي ) اجتماعيا ، حيث وأن كل من الثورتين الام لليمن والجمهورية أصبح معلنا بمحوهم واستبدالهم بغيرهم من ( منتج حرب الوكالات الراهنة ) – شمالا 21سبتمبر 2014 لانقلاب الحوثي وصالح كثورة يديله ( وطنية ) بإرادة الهية ، وجنوبا مفرخ الانتقالي – المنقلب الثاني على شرعية دولة الوطن الواحد – رغم فسادها ولا اهليتها - وقبضته على عدن ومحافظات جنوبية مختلفة يسوق كتاريخ ثورة اصيلة لعودة الانفصال ، بينما تمكين دولة حكم الشرعية بقوى التحالف العربي ، رهنت ( ثورتي اليمن والوحدة والجمهورية ) في جيب السعودية وتواطء في جيب الامارات ، بحيث تمثل تلك القيم الأربع ألفاظا مفرغة القيمة تستخدمها في خطاباتها وشعاراتها التي تسوقها لإخفاء حقيقة إلحاق اليمن في مشيئة الجانب السعودي ، يوارون وراءها بسذاجة مفضوحة انتهازيتهم التابعة برخص – كغيرها من التكوينين الاخرين – وفسادهم ولا اهليتهم لقيادة مجتمع .

حقيقة – وأرجو ألا أكون متوهما عاطفيا في استنطاقي – فكانت محاولة بالعود الى العلوم الطبيعية البيولوجية وتحديدا الدماغ وآليات نشاطه وعمله في الجانب المجرد ، والغوص فيه في منتجه الفكري المعتقدي لموصفه ب ( العقل ) ، وعلاقة ذلك بالخصوصية الجينية للإنسان اليمني ، ومن خلال ذلك سنذهب في استقرائنا من خلال معطى التاريخ لطبيعة المجتمع اليمني في صفة انسانه – وهنا سنذهب للاستدلال المنطقي المختزل وليس التحليل المسهب ، فهو موضوع بحثي اخر بعيد عن مقالنا .
وقد قادتنا هذه الطريقة الاستقرائية التأملية ، الى استدلالات نلتقطها من تاريخ المجتمع اليمني بإنسانه ، فاليمن ( بطبيعة انسانها وتضاريسها الطبيعية ) لم تعرف نظاما موحدا عبوديا او اقطاعيا ، بقدر ما احتفظ في صفة الامة القديمة على صيغة مجلس العشائر التحالفي مع سلطة الحكم الملكي القاصر قوة نظامه على مناطقي حضرية محدودة من اليمن الطبيعي القديم ، وهو ما عرف نظام الملكة بلقيس واروى بنت احمد وعرف نظامها بالتسويق المخادع العصري للاسلامويين السياسيين على عقل المجتمع عندنا ب ( الشورى ) والتي لا تختلف نظاما عن مفهوم الديمقراطية – كما ولم تعرف اليمن التبعية المطلقة لأي من الامبراطوريات العالمية القديمة ، وحتى بعد دخولها الإسلام ، حيث كانت تبعيتها لمركز الدولة الإسلامية – الدواوينية الأولى – في قريش او مراكزها الأخرى التي انتقلت اليها ، وهو ذاته استمر في تبعيتها للدولة العثمانية – الدواوينية الأخيرة شبه الاقطاعية ( شمال اليمن ) ، حيث ظلت العشيرة والقبيلة ( بطبيعتها المحلية وقيمها ) هي الحاضرة واقعا رغم التبعية للباب العالي ، وذاته ( جنوب اليمن ) لم يستطع الاستعمار البريطاني ل 138 عاما أن يغير هوية انسان مجتمع الجنوب وقيمه ، حيث ظلت العشائرية المناطقية هي القائمة واقعا طول امتداد زمن الاستعمار حتى رحيله – وحتى بعد سقوط النظام الامامي كوالي معين تابع للباب العالي العثماني . . شمالا واستقلال الجنوب من الاستعمار وقيام النظام الجمهوري فيهما ، كان لإلحاق المعبرات القبلية والعشائرية والعائلية النافذة قديما ضمن حلف مكون النظام الجمهوري – وهو ما نسميه ب ( القبيلة السياسية ) ، ظلت تخضع صراعات مكونات نظام الحكم في كل من الشمال والجنوب لطبيعتها التاريخية . . حتى اللحظة – وبعودة لجينات الورث الاجتماعي ، فإن جينات العرق اليمني لمكون الدماغ في طبيعته وخصائصه ظلت ( أصيلة ) لم تجر فيها تعدلات هجائنية راجعة لأزمنة تاريخية بعيدة من التبعية المطلقة ما يطبع التكوين الدماغي وطبيعة نشاطه ب ( الانقياد النقلي والتقليدي بأحسن صوره ) لعقل الانسان وطبيعته النفسية – ووفقا لمنهجنا العلمي المستحدث وفق رؤيتنا التخصصية المجالية الدقيقة في النظامية العصبية اكاديميا والمتزاوجة بعلم الاجتماع والتاريخ والانثروبولوجيا ، فنوع الانسان بتحوله الدماغي الى كائن حي ( عاقل ) ، تحولت – من ضمن خواص الدماغ - سمة ( الحرية ) وخاصية ( الإرادة ) من طبيعتها الالية التابعة لشروط البيئة الخارجية الحاكمة موضوعيا لتجلي السلوك البيولوجي ( الحيواني ) ، لتتحول الى طبيعتها الجديدة في الدماغ البشري في صفة العقل ، بأن تكون مختلف مكونات العمل الذهني المجرد المنتجة دماغيا على أساس عاقل ليسود بعد العقل تدريجيا على مختلف العمليات الدماغية عند نوع الانسان ، فكانتا الاليتين المجردتين ذهنيا ( الحرية والإرادة ) أن تذهب نحو كسر قاعدة تبعية الكائن الحي لشروط بيئته ومحيطه ، بأن تمنحه صفة ( الاستقلالية الذاتية ) عند الانسان في انتاج القناعات والاعتقادات او السلوك او الممارسة بتحرر عن التبعية الانقيادية المطلقة بما يمليه المحيط والواقع الموضوعي – أي بتعبير مختزل ، أن جينات الانسان ( الاصلية ) تجعله موسوما برسوخ اختياراته المعتقدية المتشكلة فيه من خلال سمة الحرية وخاصية الإرادة الذاتية – وهو ما يقودنا استنباطا بأن الاعتقادات الأساسية الايمانية مجتمعيا ، والمتشكلة في دماغنا العقلي بإرث واقعي مجتمعي منتج عبر الإرادة الحرة لانسان المجتمع – لكونها تحمل أحلامه وامانيه يقاتل من اجل تحقيقها – دون تبعية مطلقة لامبراطورية حاكمة للعالم ، ودون املاءات ظرفية تفرض عليه بصفته القابلة للتعايش – مثل الحيوان وحتى النبات والبدائيات - مع هذه الاملاءات أن يكون تابعا طوعيا لها ، كما لو ان املاءات هذه الظرفية او تلك حورت شخصيته ( قناعة وممارسة ) ليكون جزءا منها – وهنا نقدر الان أن نفهم أن ( جينات اليمني في عرق انسانه المحفوظ تاريخيا فيه باقية على اصلها البشري الاول ، والمطبوع من خلالها بسمة الحرية وخاصية الإرادة الذاتية ) – وإن كانتا مغمورتين عبر تراكمات تاريخ طويل فرض عليه من اجل البقاء التعايش مع مشروطيات واقعه المحيط المتحكم بوجوده واستمرار حياته – فعند تزايد وتعقد شروط الظرفية غير السوية الحاكمة لمسألة الوجود والعيش والحياة . . في أن تصل لتمس تهديدا تلك المعتقدات ( الايمانية ) المخزونة فيه كمحاور أساسية تقوم عليه ( القناعة والاعتقاد ) على أساس من الإرادة الحرة ، فإنها تخرج من قعر الذاكرة متصدرة واجهة الاعتقاد طابعة القناعة بها – مع تلاشي كل ما كان وهما مسيطرا عليها – لتحكم حاضر وعي افراد المجتمع وتحرك سلوكه وممارسة المواجهة لتلك التهديدات التي تنضح بها املاءات الواقع الظرفي - وذلك بموجب موجهات تلك القناعة المنبعثة من تحت ركام اعتقادات الزيف – ومثال ذلك القيم الوطنية برمزية الثورة والجمهورية ونضال الشرفاء – التي بدت كما لو انها تلاشت عن وجدان الانسان اليمني ( الراهن ) ، والتي سوق لها بأنها ليست سوى شعارات لا تؤكل ولا تسمن من جوع مقابل كفاح المواءمة مع متطلبات الواقع فيما يطرحه من شروط املائية لمسألتي وجود العيش والحياة واستمراريتهما – ومن هنا يمكن فهم ما وراء الهبة الشعبية العامة – المفاجئة – للاحتفال بذكرى ثورة 26سبتمبر ، تحديا لكل الوسائل القمعية والانتهاكية التي قدرت أن تخضعه حتى في لقمة عيشه وتنقله وسكنه وحياته ، حيث مخزون الوعي الاجتماعي العقدي ( الحر اختيارا ) يبرز الى السطح ويسيطر على قناعة المرء ويحركه بمسلكية عفوية دفاعية ، كون انهاء الثورة والجمهورية واقعا يعد انهاء لحقيقته – المغيبة والغائبة عنه أيضا – وتعدان قيمة الوجود للإنسان اليمني . . حتى لو لم يدرك ذلك – واتمني ألا تكون صحوة لحظة عابرة . . لا أكثر .

* ملحوظة استباقية : ارجو ألا يفهم أي قارئ لموضوعي هذا كحامل عرقي تعصبي – فموقفي مضاد وعدائي تجاه هذه المسألة – ولا يتحسس أي قارئ بفهم مغلوط لمحمول الكتابة . . كأني أميز اليمني عن غيره من العرب – وهذا محال أن اذهب نحو تعصبية جاهلة اقف ضدها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عواقب كبيرة.. ست مواقع بحرية عبر العالم يهددها خطر الاختناق


.. تعيش فيه لبؤة وأشبالها.. ملعب غولف -صحراوي- بإطلالات خلابة و




.. بالتزامن مع زيارة هوكشتاين.. إسرائيل تهيّئ واشنطن للحرب وحزب


.. بعد حل مجلس الحرب الإسرائيلي.. كيف سيتعامل نتنياهو مع ملف ال




.. خطر بدء حرب عالمية ثالثة.. بوتين في زيارة تاريخية إلى كوريا