الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشركات الاهلية في تونس : من فكرة كولونيالية الى حجر الزاوية في المنوال التنموي للشعبوية

الازهر العربي

2023 / 9 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


مقدمة:
عرفت تونس العمل الجمعياتي في نطاق التعاونيات والتعاضديات في المجال الاقتصادي مبكرا وذلك في عشرينيات القرن الماضي عندما تأسست اولى الجمعيات. فعلى سبيل الذكر "جمعية التعاون الاقتصادي التونسي" التي حضر مؤتمرها التأسيسي اثنان من ابرز زعامات تلك الحقبة التاريخية و هما المرحوم الطاهر الحداد صاحب كتاب "العمال التونسيون وظهور الحركة النقابية" و والزعيم النقابي محمد علي الحامي مؤسس جامعة عموم العملة التونسيين 1924، والذي خطب في ذلك المؤتمر وتحدث عن حياته قائلا "سافرت في بلاد المشرق من تركيا الى مصر ثم طرابلس الغرب و رأيت من احوال الامم الشرقية و حركاتهم و تطوراتهم ما جعلني افكر في بلادي و مستقبلها..." وكان الحامي من الاوائل الذين فكروا في انشاء شركات تعاونية زراعية وصناعية وتجارية للنهوض بالبلاد اقتصاديا واجتماعيا. وقد أنشأ جمعية تعاونية استهلاكية بهدف مقاومة غلاء الاسعار والوقوف ماديا ومعنويا الى جانب العمال والفئات الشعبية الفقيرة.
الشركات الاهلية في تونس اليوم:
يقوم احداث الشركات الاهلية اليوم في تونس على المبادرة الجماعية والنفع الاجتماعي وهو المعلن وما يتماشى مع فلسفة الرئيس سعيد في الحكم والتي تقوم على النظام القاعدي دون سواه من الافكار والمبادئ. وقد أصدر الرئيس مرسوما في هذا الغرض بتاريخ 21 مارس 2022 يقضي بإحداث شركات اهلية بغاية دفع عجلة التشغيل والحد من تفاقم ظاهرة البطالة في اوساط الشباب المعطل واصحاب الشهادات العليا ووفق العقلية والمنطق غير الربحي وغير النفعي. وقد نشر موقع نواة خبرا مفاده ان عدد الشركات الاهلية في تونس وقبل عام من نهاية عهدة الرئيس في حدود 58 شركة الي يوم 1يونيو /حزيران 2023 وان 8 ولايات (محافظات) فقط من بين الـ 24 ولاية لم تعرف ظهور هذا المولود الجديد لنظام الحكم في تونس في المجال الاقتصادي والاجتماعي.
و بالعودة للتاريخ و تصفح بعض الدفاتر نجد ان الضابط الاستعماري الفرنسي "شافان" قد اتى على ذكر ظاهرة الشركات الاهلية في كتابه "تاريخ مكتب الشؤون الاهلية في تونس 1881ـ 1930 " الصادر في 1931 بمناسبة خمسينية الاحتلال الفرنسي الغاشم لبلادنا حيث اكد أنها قامت في اوساط المجتمع الاهلي التونسي المشكّل من القبائل والعروش الذي وفر لها راس المال وقوى العمل البدائية ومجالات الانشطة التي كانت تدور حول تبادل السلع والخدمات بين السكان الاهليين في علاقة بالاقتصاد الاهلي الزراعي المتخلف والمحدود فيما له علاقة بوسائل الانتاج الجديدة و قوة العمل والتبادل و الترويج في الاسواق المحلية ذات الطابع الريفي و شبه المدني باعتباره اقتصادا هامشيا إذا ما قارناه باقتصاد المستعمر الوافد والغازي والقائم على نهب الثروات الطبيعية للبلاد (حبوب- زيتون- تمور- مواشي....) والباطنية والمنجمية (فسفاط - حديد- رصاص- زنك - ملح......) وافتكاك ومصادرة الاراضي الفلاحية الصالحة للزراعة والغراسات و منحها للمعمرين الفرنسيين و تشجيع تصدير خيرات الوطن المحتل الى ما وراء البحار الى المركز الاستعماري (فرنسا). وقد عرفت بقية المستعمرات الفرنسية وقتها كالجزائر والمغرب ومدغشقر وبلدان الهند الصينية هذا النوع من الشركات بدعوى مساعدة المزارعين والفلاحين الفقراء في هذه البلدان ومدهم بالدعم والقروض لتطوير زراعتهم وتحسين منتوجهم ورفع محاصيلهم. وعلى هذا الاساس اعتبر العديد من الباحثين والمؤرخين ان الشركات الاهلية هي فكرة كولونيالية في الاصل وقد ارتبطت بمفهوم كلمة " انديجان" في اللغة الفرنسية والتي كانت تطلق على السكان الاصليين والمجتمعات الاهلية ولكن من زاوية النظرة العنصرية التي تقوم على الدونية والتحقير والحط من شأن اهل البلاد الاصليين المغلوبين على امرهم. وهنالك عديد البلدان ومن جميع القارات تعرف اليوم تجربة الشركات الاهلية كاسبانيا والبرازيل وعُمان... وايمانا منه بان هذه الشركات ستكون طوق النجاة للشباب التونسي من البطالة والهجرة السرية (!!!) وأنها تمثل الحل الامثل لمعضلة الفقر التي باتت تنخر المجتمع التونسي وهي السبيل الوحيد والاوحد للنهوض الاقتصادي والاجتماعي (!!!) اعتبرها الرئيس سعيد الركن الأساسي في مشروعه السياسي القائم على البناء القاعدي فأصدر المرسوم عدد115 لسنة 2022 الذي يتضمن 97 فصلا موزعة على 8 ابواب تؤسس لإنشاء الشركات الاهلية بصفة قانونية. وقد عرف الفصل 2 الشركة الاهلية بـ" كل شخص معنوي تحدثه مجموعة من اهالي الجهة يكون الباعث على تأسيسها تحقيق العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات من خلال ممارسة جماعية لنشاط اقتصادي انطلاقا من المنطقة الترابية المستقرين بها". أما الفصل 3: وتهدف الى" تحقيق التنمية الجهوية واساسا بالمعتمديات وفقا للإرادة الجماعية للأهالي وتماشيا مع حاجيات نشاطهم وخصوصياتهم ". إذا وتتكون الشركة الاهلية من اشخاص طبيعيين لا يقل عددهم على 50شخصا وتتوفر فيهم صفات الناخب في الانتخابات البلدية ولا يمكن الجمع بين صفة المشارك والأجير. وهو ما يجعل حسب رأينا حظوظ العاطلين عن العمل ضئيلة في عملية اكتساب العضوية. وحسب الفصل 5 فان المرسوم يمنع على الشركة الاهلية ممارسة العمل السياسي أو الانخراط في انشطة ذات بعد سياسي أو تمويلها. وقد اعطى المرسوم في فصليه 64و65 مهمة الاشراف على الشركات الاهلية المحلية لوالي الجهة والشركات الجهوية لوزير الاقتصاد. وهنا لا بد ان نشير الى ان هذا ضرب من ضروب التحايل السياسي للشعبوية ووجه من وجوه تسييس الشركات الاهلية. فنسأل: من يكون الوالي سياسيا؟؟؟ وفي اي حكومة ينشط وزير الاقتصاد ؟؟؟ و عن اي برنامج سياسي يدافع؟؟؟؟؟ وتولي السلطة السياسية الحاكمة اهمية قصوى لموضوع الشركات الاهلية ودليلنا على ذلك وضعها للأراضي الاشتراكية واراضي الدولة تحت ذمتها وتصرفها. ثم الاجتماع الوزاري الذي خصص لتدارس ملف الشركات الاهلية وعقد بتاريخ 22جوان 2022 وحضره كل من وزير الشؤون الاجتماعية ووزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري و وزير املاك الدولة و الشؤون العقارية و مدير ديوان و زير التكوين و التشغيل والمدير العام للبنك التونسي للتضامن و ممثل عن وزارة الاقتصاد و ذلك بهدف تفعيل آليات الشركات الاهلية. ويفهم من الكم الهائل للوزراء الذين واكبوا اشغال الاجتماع مدى اهتمام السلطة السياسية والحكومة بالمسألة التي تعد من أبرز عناوين الدعاية السياسية والايديولوجية للنظام القاعدي وللشعبوية عموما. وفي المقابل يرى اخرون ومن اهل الاختصاص انها عديمة الجدوى المادية وان مردودها الاقتصادي ضعيف وان مآلات تجربة التعاضد التي عرفتها البلاد في فترة مابين1965 -1969و نتائجها الوخيمة ليست في صالح المفسرين والتنسيقيات وجماعات المساندة النقدية والموالاة من اشباه اليساريين المتحمسين للمشروع ولتكوين الشركات الاهلية بدعوى انها شبيهة بتجربة التعاضد الاشتراكية (!!!) ويتناسون ان تلك التجربة كانت جزءا لا يتجزأ من البرنامج الاقتصادي والاجتماعي للاتحاد العام التونسي للشغل لسنة 1956 وقد ارتبطت باسم الوزير السابق والنقابي احمد بن صالح وبدخوله الى حكومة الاستقلال (!!!) واقتناصه الفرصة لتنفيذ برنامج المنظمة الشغيلة في المجال الاقتصادي والاجتماعي علما وان تجربة التعاضد قد تبنتها الدولة بمختلف اجهزتها وتولت الاشراف عليها مباشرة في الوقت الذي كانت تسيطر فيه على القطاعات الاستراتيجية كالتعليم والصحة والفلاحة والقطاعات المنتجة كالمناجم والطاقة وقد ضمنت دعم ومساندة الطرف النقابي. وقد صاحب هذه التجربة انشاء منشآت اقتصادية كبيرة منها مصانع عجين الحلفاء -السليلوز-بالقصرين والسكر بباجة والفولاذ بمنزل بورقيبة ومصفاة تكرير النفط ببنزرت وال N.P.K بصفاقس. وهو ما جعل البلاد تحقق قفزة اقتصادية نوعية ترجمتها ن سبة النمو المسجلة وقتها والمقدرة بحوالي 12%. وقد تأثرت تجربة التعاضد بما كان يدور من صراعات في اعلى هرم السلطة وبين مليشيات واجنحة الحزب الاشتراكي الدستوري الحاكم آنذاك. وقد آلت التجربة الى الفشل وحوكم صاحبها. ودخلت البلاد في طور اقتصادي واجتماعي جديد الا وهو طور اقتصاد السوق ثم قوانين افريل 1972 والتبعية والارتهان للأجنبي.
وتتابع منظومة الحكم الشعبوية دعمها لمشروع الشركات الاهلية من حيث تقديم التسهيلات القانونية واللوجستية وفيما يخص التمويل فانه يتم توفير مبالغ الاستثمار من البنك التونسي للتضامن بعنوان قروض وبعض البنوك الخاصة كما سيقع الاعتماد على التمويل من عائدات الصلح الجزائي والذي مازال متعثرا ولم يحقق النتائج المرجوة منه. وكذلك تسعى السلطة جاهدة الى تثبيت المشروع ببقايا التعاضد كما تعمل على وأد وقبر تصور الاقتصاد التضامني والاجتماعي الذي اقره القانون عدد 30 لسنة 2020 وصادق عليه البرلمان السابق بأغلبية 131صوتا ويعود الفضل فيه الى المبادرة التشريعية التي طرحها الاتحاد العام التونسي للشغل والتي تعكس رؤيته للدولة الاجتماعية والمدنية.
امثلة من الشركات الاهلية:
شهدت عديد مناطق البلاد تكوين شركات اهلية وقد أشرف الرئيس سعيد بنفسه على تأسيس شركة اهلية في مسقط راسه بني خيار من ولاية نابل. وكذلك بعثت شركة اهلية بجرجيس موطن المفسر احمد شفتر. وشركة " منوبة البية" بولاية منوبة. واخرى جهوية للنقل بولاية سيدي بوزيد وشركة "الرمال الذهبية" المختصة في استغلال مقاطع الرمل بقفصة وشركة" الكادحات" بمعتمدية طبربة شمال تونس العاصمة...
خاتمة:
لقد انطلقت فكرة الشركات الاهلية من تصور اقتصادي واجتماعي استعماري للتنمية في المستعمرات واشباه المستعمرات قائم على رؤية عنصرية لا ترى في سكان المستعمرات الا عبيدا وخدما وعمالة رخيصة ومصدر من مصادر توريد الثروات والخيرات الطبيعية المنهوبة من اجل تطوير اسواقها وتنمية اقتصاداتها على حساب الشعوب والامم المستعمرة والمضطهدة. وان الشركات الاهلية لا علاقة بإرث الزعيم النقابي محمد علي الحامي وبتعاونيات وتعاضديات وجمعيات جامعة عموم العملة التونسية. كما ان البرنامج الاقتصادي والاجتماعي للاتحاد العام التونسي للشغل قد تبنى فكرة التعاونيات وتعاضديات الخدمات في تواصل مع الحامي وفكره وتراثه الوطني والتقدمي. ثم اقترح مبادرة تشريعية جاءت بخيار الاقتصاد التضامني والاجتماعي كخيار ثالث يتعايش مع القطاعين العمومي والخاص في إطار المنوال التنموي الحالي الذي يعيش صعوبات اقتصادية كبيرة وادخل البلاد في ازمة هيكلية خانقة. وهو نفس السياق الذي تتنزل فيه تجربة الشركات الاهلية للنظام القاعدي والشعبوية التي تعمل على ايجاد بديل تنموي جديد تكون الشركات الاهلية ركنه الأساسي وحجر الزاوية فيه ويعوض المنوال التنموي الحالي المتهالك ويخلق الثروة ويوزعها توزيعا عادلا ويحقق الرخاء والرفاه والاقلاع الاقتصادي (!!!) بقي لي ان اسأل: ـ هل الشركات الاهلية في المجال الفلاحي ستحقق برنامج الاصلاح الزراعي المنشود ؟؟؟ ـ هل المنوال التنموي للشعبوية سيؤمم القطاعات الاستراتيجية ويؤسس لها شركات اهلية ؟؟؟ ـ ما هو مصير القانون عدد 38 الداعي الى تشغيل المعطلين من أصحاب الشهادات والذين طالت بطالتهم ؟؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البريك العنابي.. طبق شعبي من رموز مدينة عنَّابة الجزائرية |


.. بايدن يعلن عن خطة إسرائيلية في إطار المساعي الأميركية لوقف ا




.. ارتفاع حصيلة الضحايا الفلسطينيين إثر العمليات الإسرائيلية في


.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات بالمحافظة الوسطى بقطاع غزة




.. توسيع عمليات القصف الإسرائيلي على مناطق مختلفة برفح