الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سينما الإسلام نمطية اجترار وبرمجة مكرورة

عزيز باكوش
إعلامي من المغرب

(Bakouch Azziz)

2023 / 9 / 30
الصحافة والاعلام


اليوم، ومع بداية الألفية الثالثة، بشكل آلي ونمطي، وعلى إيقاع مألوف وجاري به العمل منذ قرابة سبعة عقود تحت ضغط أوكسجين ذكرى عيد المولد النبوي الشريف، أو حلول ذكرى الإسراء والمعراج تجتر شاشات التلفزيون في العالمين العربي والإسلامي الماضي اجترارا. فتعمد إلى برمجة آلية مكرورة لأفلام ذات نكهة دينية تاريخية لها ارتباط بنشأة الرسول الكريم معاناته، وهجرته التاريخية من مكة إلى المدينة ،وما رافق ذلك الحدث العظيم من أحداث ووقائع اجتماعية ،وأخرى لها علاقة بطهارة الروح وصفاء الإيمان مع المعتقد الجديد . وهي تجربة عرض سينمائي طويلة الأمد يبدو أنها صالحة لكل الأجيال ومفتوحة على المستقبل الأزلي.
هل قيل كل شيء حول الإسلام سينمائيا حتى أنه لم يعد هناك جديد يقال؟ لماذا كل هذا الفراغ في إنتاج السينما الدينية من زاوية أخرى ؟ ولم هذا التراجع الملحوظً على مستوى التأليف والإنتاج والإخراج؟ وأين الدين الاسلامي كتيمة إبداعية من منظور حداثي ؟ وهل من موطئ قدم له ضمن استوديوهات الإنتاج والإخراج في عالمنا العربي اليوم ؟ وكيف أصاب العقم هذه الاستوديوهات ونخرتها أعراض الترهل والشيخوخة، بعدما أنجبت جمهورية مصر العربية كل التجارب السينمائية الرائدة في مجال التعريف بالإسلام من فجره إلى غروب الشمس ؟ لماذا توقفت عقارب الزمن الرقمي عن السينما الدينية أو سينما الإسلام ؟ أم هناك قوانين وتشريعات تعاقب أو تجرم كل من يقترب من الحقل الديني بمنظور مغاير صورة وصوتا ؟

وما ملابسات هذه الانتكاسة ؟ وكيف نعيد لسينما الإسلام إشراقتها مع الجيل الجديد ؟ وكيف تعود السينما الدينية إلى إبداعها تصورا وجاذبية ،برؤى رقمية وتكنولوجية وتصورات حداثية بدل رياح الرمال وعواصف الصحراء والخيمة وبلال مؤذن الرسول مع الاحترام كل الاحترام للتجارب السابقة في المجال ؟
الإقرار بأن السينما المصرية بداية من خمسينيات القرن الماضي قدمت أفضل ما عندها في مجال التعريف بالتاريخ الإسلامي، لا سيما الجزء المتعلق بمرحلة ما قبل الدعوة إلى الإسلام وما بعدها أمر لا بد منه . ليس لأن هامش الحرية وملكة الإبداع في هذا المجال كان عريضا وأتاح كل الإمكانيات البشرية واللوجستية، بل لأن الجرأة والمبادرة كانت مبدأ وقناعة راسخة وتصورا فكريا وثقافيا ناضجا ضمن سياق نهضوي عربي . السينما الدينية في مصر تجرأت ،فأبدعت بشكل لافت، إن على مستوى التأليف والكتابة أو على صعيد التمثيل والإخراج ما جعلها حاضرة ومؤثرة في الذاكرة العربية طوال عقود من الزمان. اليوم مع بداية الألفية الثالثة ،تبدو الحالة مختلفة تماما. وقاسية في أغلب الأحيان. ذلك أم المتتبع المهتم سيلاحظ أن الساحة خالية تماما من كل إبداع في هذا المجال منذ إخراج فيلم " الرسالة «1975 للمخرج السوري مصطفى العقاد. ومع هذا الخلو المريب من كل جديد ،بات الجميع يحن و يعيد إنتاجات الزمن القديم.
تجربة عرض ما تزال اليوم سائدة بنفس النمط وعلى ذات المنوال. عروض سينمائية دينية نمطية غير قابلة للتحديث أو تعديل النظرة بآليات جديدة دون المس بالثوابت والمقدسات الدينية. كما لو أن السينما العربية قالت كل شيء حول الإسلام ، وباتت عقيمة عن إنجاب ممثلين كبارا . ولم يعد لديها ما تكترث به في الدين الإسلامي إلا مرور الكرام، وفق ما يطلبه السياق العام .
يتعلق الأمر هنا بتجربة نمطية تكاد تعلن عن نفسها تقليدا وسنة حميدة تنهجها البرمجة التلفزية العربية من الأرض أو عبر الفضائيات التي تزدحم بها سماوات الله المفتوحة من المحيط إلى الخليج . بشكل يمكن معه الجزم أن السينما الدينية ماتت سريريا ، لكنها في قاعة الإنعاش تحت ضغط أوكسجين ذكرى عيد المولد النبوي الشريف ،أو حلول ذكرى الإسراء والمعراج .
وإذا كنا لا نعلم كيف كان سيكون حال الشاشات العربية، لو لم يكتب عن تاريخ الإسلام، وبروز الدعوة ، نخبة من الرواد والمفكرين المصريين بدء من عميد الأدب العربي طه حسين ، والكاتب الكبير توفيق العقاد، والرائد المبدع عبد الحميد جودة السحار. فإن القلق نفسه يتعاظم لو لم تنجب السينما العربية مخرجين روادا من أمثال ابراهيم عمارة وصلاح أو سيف وحسام الدين مصطفى وإبراهيم عز الدين نيازي مصطفى أحمد الطوخي المخرج السوري الأمريكي الراحل مصطفى العقاد.
...وآخرون . فضلا عن نخبة من كتاب النصوص وكتاب السيناريوهات المتألقين ، مرورا بجيلين أو ثلاثة من الفنانين و الممثلين بأدوارهم البطولية ومخرجيها الرائعين . وهي حقبة تاريخية مستنيرة على هدى الإسلام امتد شعاعها فنيا وإبداعيا لعقود ،ولا تزال تتوهج وكأنما صممت لتظل للأبد . على أن هذه التجربة شكلت مشتلا حقيقيا لبروز أسماء وتجارب فنية ملهمة. تجربة تميزت بنكهة إسلامية ونفحة دينية تم تخصيبها بروح الشرق وبذرها بأيادي رحيمة، بدء من خمسينيات القرن الماضي وإبان مرحلة الستينيات إلى حدود الألفية الأولى.
هنا لابد أن نذكر جيلنا الذي كبر مع سينما الإسلام "هجرة الرسول 1964 " وفجر الإسلام1971 " الرسالة 1975 بنسختيه العربية والإنجليزية " فيلم "الشيماء 1972" فيلم " ظهور الإسلام - الوعد الحق – 1951 . " من عظماء الإسلام" 1970. فيلم بلال مؤذن الرسول 1953 . وهي أفلام تناولت بإلهام الهدى الحقب التاريخية التي سبقت الدعوة إلى الإسلام، وسلطت الأضواء على ثمارها في الحياة الدنيا والآخرة. وكان لافتا في معظم هذه الأفلام السعي إلى إظهار المشركين مشوهين ممسوخين بلحى شيطانية حواجب مبعثرة، وكان ذلك جليا، إن على مستوى شكل اللباس أو على صعيد المظهر العام. مقابل المبالغة في إطلالة المؤمنين وإظهارهم بوجوه صافية وملابس نقية كما لو أن الإيمان الباطني ينعكس على الشكل الخارجي للمؤمنين . وقد لعب الماكياج دورا هاما في التجميل والتشويه بشكل بدا مبالغ فيه فنيا ورؤيويا . أفلام كشفت عن كوكبة من الفنانين والمبدعين الكبار بالإضافة إلى جيل ابدع موسيقى تصويرية خلابة لعبت دورا مهما في تحبيب الفيلم وتقريبه من جماهير حاشدة .
الحقيقة أن ما تم إنتاجه عبر عقود من الاشتغال فنيا ضمن هذا السياق ،لم يقتصر على الدعوة إلى الإسلام قبل وبعد،بل تناول التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للدعوة الإسلامية وامتداداتها خارج الجزيرة العربية مهد الدعوة . لعل الجميع يذكر قيام أبرهة الحبشي بهدم الكعبة وحياة قبيلة قريش في العصر الجاهلي قبل ظهور الإسلام. أما سرد سيرة حياة الخلفاء الراشدين رضى الله عنهم "أبو بكر الصديق، عمر بن الخطاب، عثمان بن عفان، على بن أبى طالب" فقد ملأت الدنيا وشغلت الناس . قصة حياة حمزة عم الرسول عليه الصلاة والسلام . قصة حياة الشيماء أخت الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام في الرضاعة. حياة العرب بمكة في العصر الجاهلي قبل ظهور الإسلام. ورحلة هجرة الرسول من مكة إلى المدينة المنورة لنشر الإسلام. وكل الأشكال والممارسات السائدة قبل الدين وبعد ظهور الدعوة الى الاسلام واقتناع الناس به وذهابهم مع الرسول عليه الصلاة والسلام إلى الجهاد لنصرته. وتحفل الساحة السينمائية بالكثير من البرامج التي تتناول الأحداث الدينية والتاريخية التي رافقت مراحل حكم الخلفاء الراشدين. أما قصة حياة بلال مؤذن الرسول عليه الصلاة والسلام ففي شأنها مآت القصص والروايات وكذلك العديد من الأحداث الدينية والوقائع التاريخية قبل وبعد ظهور الإسلام .
أفلام تاريخية توثق للحراك الديني من عهد النبوة، اجتهدت وكشفت التناقض بين القديم الجاهلية، والحديث الإسلام الوافد الجديد، الذي يشكل طوق نجاة للفئات المحرومة والمستضعفة. وينجح في القطع مع عادات قبلية راسخة في الجهل والتخلف. كوأد البنات، فوضى الزواج نظام الإرث والفصل في مشاكل العلاقات بين الرجل والمرأة و تدمير نسف مبدأ عبادة الأصنام. نتذكر جميعا مشهدا مهيبا يجسد صراع الأب مع ابنه حول ماهية الدين الجديد ومبادئه. مشاهد بسيطة ظاهريا لكنها بحمولة دلالية قوية لأنه يدحض الخرافات والاساطير ويكشف حقيقتها بنفس البساطة .ما يجعل الكثير من الناس مقتنعين بنجاعة الدين الجديد وتقبلهم لقوانينه وتشريعاته .
ونختم بإعادة اقتراح السؤال : هل استنفذت السينما الدينية عربيا كل التيمات والمواضيع حول الإسلام قبل الدعوة وما بعدها أم وصلت إلى نفق مسدود ومحرم حيث لم تستطع تقديم أجوبة مقنعة عن أسئلة محددة ؟ هل هناك من قوانين وتشريعات تعاقب أو تجرم من يقترب اليوم من مباشرة من الحقل الديني بمنظور مغاير صورة وصوتا ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -