الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صحوة الضمير العربي

شاهر أحمد نصر

2023 / 10 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


أيّها الوطنيون السوريون، أيّها الأخوة "الأعداء"؛ الوطن الأم يناديكم!


(1)
لقد أبدع الإنسان السوري حضارات ألهمت البشرية منذ ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد، وقدّم لها أبجديتها الأولى، وثقافات وخبرات عملية أسهمت في تقدمها؛ واتفق خيرة مفكري العالم على أنّ لكلّ إنسان وطنين في هذا العالم؛ وطنه الأم وسورية؛ فهل أصبح حفيد ذلك الإنسان السوري في الألفية الثالثة بعد الميلاد عاجزاً عن معالجة أزمات بلاده التي دُفِعت إليها؟
ثمّة مفارقة مرّة في حاجة إلى معالجة تكمن في أنّ خيرة مفكري البشرية كانوا يحلمون بالانتماء إلى الوطن السوري، وفي الألفية الثالثة أصبح كثرٌ من المواطنين السوريين، ولا سيّما الشبّان منهم، يحلمون بالهجرة للحصول على جنسية بديلة لجنسيتهم الأصلية...
يُجمع الوطنيون السوريون على شعار استقلال سورية وسيادتها ووحدة ترابها وتلاحم وأخوة شعبها، فلماذا لا يستطيعون تحقيق هذا الشعار، الذي يجمعهم؟ ومن يُعقّد الحلّ السياسي للأزمة الخانقة، ولماذا؟!
أهي مؤامرة كونية، أم نفوس ضعيفة؟!
إنّ الأسباب الأساسية للحدث السوري أسبابٌ داخلية ناجمة عن تناقضات سياسية واقتصادية واجتماعية وعن الأزمات التي تسببها، ومن نافل القول إنّه فضلاً عن هذه التناقضات والأزمات الداخلية ثمة مشاريع معادية، من الخطأ تجاهلها، تدعمها دول اقليمية وعظمى تزعم صداقة الشعب السوري، تهدف إلى إفقار شعبنا وإنهاكه، وتقسيم بلادنا وإفراغها من سكانها، وتعيق تلك المشاريع وأدواتها أي حلّ للأزمات المحيقة ببلادنا، وتقضي على أي فرصة لتنميتها؛ كيلا تشكل خطراً طوال عقود عليها... وهناك قوى في الداخل تتلاقى مصالحها مع تلك المشاريع وتسهم في تحقيقها، في الوقت الذي توفر الدول الداعمة لتلك المشاريع الحماية لهذه القوى، فتستمد عناصر وجودها من ذلك الدعم والحماية، ويرتبط مصيرها بتلك المشاريع والدول الداعمة لها، فتتشبّث بمصالحها المتعارضة مع الشعارات الوطنية التي ترفعها؛ أي إنّها تنادي بشعارات، وتعمل عكس مضمونها، ولا تأبه بأي صوت يعارضها لأنّها تستمد أهم عناصر قوتها من مصادر خارجية...
هل توجد وسيلة تخدم المشاريع المعادية لأي وطن أفظع من تجويع شعبه، وقتله، ودفعه للهجرة، وإفراغ أرضه من سكانها، وقطع الوقود والكهرباء في ربوعه لمنع التواصل بين أبنائه، ولإيقاف أي عملية تنمية، والصمت عن تقسيم ترابه، وسيطرة مجموعات وتيارات متناقضة، بعضها مصنفة إرهابية في هيئة الأمم المتحدة، على مساحات ومناطق واسعة من أرضه، وعدم تقديم أي مبادرة لمعالجة أزماته، وتجاهل التبعات المترتبة على التفقير والتهميش، وزيادة الفجوة بين الفقراء والأغنياء، وهيمنة البنى الاجتماعية المتخلفة وتمكينها من تقرير مصير النّاس، وغياب الحياة السياسية السليمة، والتباين الشاسع والمتناقض في مناهج تفكير شرائح واسعة من المجتمع، بل المبني على الحقد والعداوة، ما يهدد بتقسيم البلاد، ويؤثر في مصيرها ووجودها؟؟!...
وفضلاً عن الفقراء والمعدمين هناك ملايين اللاجئين والمهجرين يعيشون في مخيمات رثة ينتظرون المساعدات في ظروف لا إنسانية داخل البلاد وخارجها مع غياب أي خطط مسؤولة للتخفيف من معاناتهم وعودتهم الكريمة إلى الوطن... وهناك عشرات آلاف من أسر الشهداء والجرحى والمفقودين تنتظر معالجة شؤونهم، وتحديد مستقبلهم...
لقد أصبح واضحاً للعيان أنّ جميع هذه المشكلات والأزمات التي تعمّ بلادنا - من تفقير، وتدمير وإنهاك لشعبها، وفرض الأمر الواقع المتمثل باستمرار الدمار وبالتقسيم، وتهديد وجودها - لن تعالج من دون التوصل إلى حلّ سياسي؛ فخروج القوات الأجنبية من بلادنا يحتاج إلى حلّ سياسي، ووحدة ترابها يحتاج إلى حلّ سياسي، وكذا الأمر بالنسبة إلى معالجة المسألة الاقتصادية والفقر وتردي أوضاع الشعب والمجتمع، تحتاج إلى رفع الحصار وبناء علاقات اقتصادية طبيعية سليمة مع دول العالم، ولن يتحقق ذلك من دون حلّ سياسي غدا مهمة وطنية من الدرجة الأولى، علماً أنّ من يعرقل هذا الحلّ ويؤخر تطبيقه لا يهمه مصير الشعب السوري ولا مستقبل سوريا، بل يخدم المشاريع المعادية لها... فكيف السبيل للخروج من هذا المأزق، وابتكار مبادرات تعيد للوطن والإنسان السوري مكانته؟
(2)
بشّرنا الأمين العام للأمم المتحدة غوتيرش في كلمته أمام اجتماع الجمعية العامة في 19 أيلول (سبتمبر) 2023 أنّ سورية "ستبقى ركاماً من دون حلّ سياسي"، كأنّه مرتاح لبقائها ركاماً خدمة لمشاريع إقليمية يؤيدها ضمناً، لأنّه وجمعيته العامة وجميع دول العالم تتفرج على هذا الركام، ولا تبذل الجهد المطلوب لتطبيق الحلّ السياسي؛ وهذا دليل آخر على أنّ المسألة السورية لن تجد طريقها إلى الحلّ ما لم يبادر السوريون أنفسهم إلى ابتكار وتنفيذ هذا الحلّ؛ فما السبيل إلى ذلك؟
ثمّة من ينتظر الحلول من الدول والتنظيمات والقوى التي تحتل أراضينا، وهذا أمر بعيد المنال، كما تنبأ غوتيريش، وهو على دراية بحقيقة سياسات الدول، إذ أنّ تلك الدول أهملت المسألة السورية، وحوّلتها إلى ورقة مساومة فيما بينها، ودفعتها إلى آخر اهتماماتها، لأنّ غايتها من التدخل في شؤون بلادنا هي تلبية مصالحها... ونظراً لعمق التناقضات بين مصالح الدول المتدخلة في شؤون بلادنا، فإنّ انتظار الحلّ بمبادرة منها أمر بعيد المنال...
وإذا حاولنا أن نسمي دولاً بأسمائها، فإننا نرى أنّه لو توافرت الإرادة والرغبة لدي روسيا الاتحادية، والولايات المتحدة الأمريكية في حلّ الأزمة السورية لأسهمتا في تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 في أقصر وقت، إنّما تطور الأحداث يظهر أنّهما لا تسعيان إلى ذلك، لأسباب متعددة ومتنوعة؛ ربّما يتلخص أهمها في أنّ كلّ منهما تريد أن تضمن مصالحها، ومصالح حلفائها في أي حلّ سياسي يُنفّذ، فضلاً عن أنّ مسألة دمار سوريا وتعفنها، وإفقار شعبها، وإفراغ أرضها من سكانها، والقضاء على أي إمكانية للتنمية فيها، تخدم مشاريع إقليمية حليفة لهما بنسب متفاوتة، ومن الأسباب الأخرى لإهمالهما المسألة السورية تنافسهما في استنزاف كل واحدة منهما قوى وإمكانيات الأخرى، وقوى حلفائها، وتمريغ هيبتها في الوحل في النزاع الأوكراني، الذي تتحمل الاحتكارات الرأسمالية في كل من أمريكا وروسيا وأكرانيا مسؤولية نشوبه وتسعيره واستمراره، لأسباب تتعلق بطبيعة وأخلاق البنى الرأسمالية - ولمعرفة جذور أي صراع ينبغي التمعن في البنية الاقتصادية للدول الرأسمالية التي تخوضه - إنّما في هذه العجالة يلفت الانتباه أنّ هاتين الدولتين الرئيستين كلتيهما أرجأتا النظر في المسألة (الورقة) السورية إلى ما بعد تصفية حساباتهما، وإذ تشي الإمكانيات الاقتصادية والعسكرية لكلا الطرفين بأنّ أياً منهما لن تُهزم عسكرياً ولا اقتصادياً في هذا النزاع، فهذا يُرشح إمكانية استمراره عقوداً، فهل يحتمل شعبنا ووطننا عقوداً من الجوع والفقر والتعفن والتدمير، حتى تلتفت تلك الدول إلى معالجة أزماتنا؟ قد يلومني لائم ويذكرني بالرأي القائل: "شمس سوريا ستشرق من موسكو"، فأقول: ليت ذلك يتحقق، قبل هلاك شعبنا ودمار وطننا؛ فليس من يعاني المآسي كمن يؤجل الحلول، ويتفرج على شعب يُجوّع ويُهان، بلا ذنب...
إنّ المعاناة الاقتصادية والفقر والجوع، وتعاظم المخاطر المحدقة بأي وطن، والتي تهدد وجوده بسبب انسداد الأفق السياسي تدفع شعبه الحيّ إلى التظاهر، كبارقة أمل في عودة الحياة إلى هذا الشعب، للتعبير عن مشاعره والمطالبة بحقوقه الاقتصادية والوطنية، وتلك هي أبسط حقوق الشعوب، وحينما هبّ أهلنا في السويداء للتظاهر، منذ أكثر من شهر، فإنّهم عبّروا ويعبّرون عن مشاعر الشعب السوري عموماً، وعن حاجته إلى ضرورة معالجة آفة الجوع والفقر والأزمة الاقتصادية والسياسية التي تهدد مصيره، بل تهدد وجود وطننا بأكمله؛ فألف تحية لأهلنا في السويداء...
من الطبيعي ألا تتطابق أفكار الجميع مع أفكار وشعارات بعض المشاركين في التظاهر، ولا مع من يؤيدهم، إنّما هذا ينبغي ألا يبعدنا عن جوهر المسألة، الذي يكمن في أنّ الدافع الرئيس لهذه التظاهرات دافع إنساني ووطني نبيل، ينادي بضرورة إيجاد حلّ سياسي للمشكلات والأزمات، التي يعانيها وطننا وشعبنا، وتهدد مصيره ووجوده، تستحق التأييد والدعم، لا النكران أو التجاهل، لأنّها غدت لسان حال الوطنيين والجائعين والمقهورين جميعاً...
تثير مسألة تخوين أبناء شعبنا، واتهامهم بالعمالة لأنهم اضطروا إلى التظاهر كثيراً من الريبة، ويبرز سؤالٌ مشروع مفاده: ماذا فعلتم في المقابل كيلا يضطر النّاس إلى التظاهر، بدلاً من تخوينهم؟
لن تجلب لغة التخوين، ولا لغة الحقد والبغضاء، ولا التجاهل، لأبناء الشعب الواحد أي فائدة عموماً...
ونظراً لأنّ دول العالم الفاعلة قد أهملت قضيتنا، ولا تأبه لمعاناة شعبنا المستمرة في التفاقم يوماً إثر يوم، فقد أصبحنا في أمس الحاجة إلى مبادرات وطنية صادقة، وإلى وضع خارطة طريق وطنية لتنفيذ حلّ ناجع لأزماتنا السياسية، والاقتصادية والاجتماعية؛ فمن يضع هذه الخارطة، وما هي ملامحها؟
(3)
تثير معاينة خريطة سورية وتعدد القوى المتغطرسة، والمنغلقة، والمتعصبة، والتكفيرية المتخلفة المتصارعة فيها على اقتسام الغنائم ومناطق السيطرة والنفوذ اليأس والقنوط من أمكانية بناء دولة حضارية عصرية موحدة مستقلة، ولا سيما بعد فقدانها خيرة أبنائها وهجرة شبانّها وعقولها المبدعة... ومما يزيد الطين بلّة أنّه قلّما تجد بين أبناء شعبنا أناساً يهتمون في البحث عن مبادرات وحلول للخروج من المأساة التي ألمّت ببلادنا؛ إذ أفقدتهم المعاناة التي حشرتهم بنية الفساد والأزمات الشاملة التي تحاصرهم إمكانية ممارسة أبسط حقوقهم وواجباتهم، فأغلب النّاس يجدون أنفسهم عاجزين عن تلبية أبسط مستلزمات الحياة لأنفسهم ولأبنائهم، فتطغى عليهم حالة "النّاس المقهورين" نفسياً، ما يدفعهم إلى الاعتكاف، والإحجام عن التفكير في الشأن العام، ويُلقى في ذهن كلّ فرد منهم: "من أنت؟ أنت عاجز عن تأمين قسط الجامعة لأبنائك، أو الاهتمام بأمور بيتك، ولا تمتلك أي سلطة، أو إمكانية لمعالجة أبسط شؤونك اليومية، وتتفلسف، وتقترح الحلول؟ إيّاك أن تفكر، وإيّاك، إيّاك أن تقارب مسائل الدين، أو الجنس، أو السياسة، وحذار أن تتجاوز الخطوط الحمراء! دع الآخرين يغامرون..." فيتوه في المحظورات ويلوذ بالصمت، أو يقضي خوفه الرقيب على أي فكرة جريئة يودّ طرحها... وأحياناً تصادف أناساً تثقل كواهلهم حالات ضعة وإذلال يحسدون فيها الموتى، لأنّهم يعرفون حالات كحالاتهم من الضعة والإذلال والهوان، فتخال نفسك وسط حشد من الموتى واللامنتمين، هذا فضلاً عن أنّ إكراه النّاس على ممارسة طقوس غريبة عن الطبيعة البشرية يخلق أغلبية من "المصفقين الشتامين"، الذين يصفقون ويشتمون في آن واحد، ويأنفون أن يفكروا، أو يتخذوا قراراً مستقلاً تُخشى عاقبته، ولسان حالهم يردد: "من جرّب المجرب عقله مخرّب".
إنّها حالة من حالات الموت غير المعلن، إذ تأبى الأغلبية التفاعل مع قضايا الشأن العام من دون أوامر تنتظرها من جهات بعضها يسلب تلك الأغلبية حقوقها، فيتعزّز الشعور باللاجدوى من أي بحث عن حلّ لمأساتنا...
وتلفت الانتباه درجة التواكل وانتظار صحوة الضمير العالمي، لعلّ القوى الخارجية تسهم في تنفيذ الحلول لمعالجة أزماتنا، فمدى اهتمام الدول بمعاناة الشعوب وهمومهم، ومن بينها شعبنا السوري، يُعدّ مقياساً لسلامة الضمير الإنساني، إلا أنّ هذا الضمير لدى كثير من مسؤولي الدول الفاعلة عالمياً مصاب بعطب ما، فها هم أولاء يفرحون لدمار بلادنا، ويهللون لأي خصام ونزاع يحصل بين أبناء شعبنا، ويجهرون بسعادتهم وفرحهم لاقتتال أبناء شعبنا قائلين: "هؤلاء حيوانات؛ دعوهم يذبحون بعضهم بعضاً.." وهناك من يستسهل الحلّ عبر الخصومة والعداء وإلغاء الآخر؛ ويعبّر عن رؤيته للحلّ بكيل الشتائم، وإطلاق الشعارات الحماسية الملتهبة، مثل إعلان الحرب على الأخر، وتخوينه، وإسقاطه، والقضاء عليه، ظناً منهم أنّه يكفي رفع الشعار حتى تنتهي المشكلة! إلا أنّ أزماتنا تتفاقم وتزداد تعقيداً...
مما يثير الاستغراب فعلاً كيف يستطيع السوريون عموماً، ولا سيّما، المثقفون الوطنيون، وأولئك الذين يزعمون أنهم قادة في أحزاب سياسية أن يناموا نوماً هنيئاً، ويعيشوا حياة طبيعية، ويمارسوا التنزه والسفر، والغالبية العظمى من أبناء شعبنا تعاني الأمرّين...
إنّ الاعتزال لن يحلّ مشكلة، وقد غدا البحث عن حلّ لمأساة شعبنا مهمة إنسانية ووطنية من الدرجة الأولى في ظلّ هذا الواقع المعقّد جداً، وأول خطوة ينبغي أن نتعلمها جميعاً هي حسن ممارسة فن السياسة، وحبّ أهلنا في الوطن جميعاً، والغيرة على أهلنا في مخيمات اللجوء، وفي المهجر، مهما اختلفت عقائدهم وانتماءاتهم، وأن يشعر المرء في أي منطقة ومحافظة في القطر بحبّه لأهلنا في جميع المحافظات، وبمسؤوليته تجاههم بالتساوي، فأهل إدلب والرقة ودير الزور مثلهم مثل أبناء اللاذقية وطرطوس وحمص والحسكة والسويداء ودمشق وريفها والقنيطرة وحماه وحمص وحلب وجميع مناطق القطر؛ مصيرهم ومستقبلهم واحد، كما حقوقهم وواجباتهم واحدة، وأنّ وحدة التراب والشعب السوري تعني أنّ الهمّ السوري واحد في جميع مناطق ومحافظات البلاد...
حينما تُسدّ السبل لمعالجة الأزمات السياسية والاقتصادية وتنتشر آفة الجوع لا يبقى لدى الشعوب سبيل إلا التظاهر السلمي، وهذا التظاهر سينتهي أيضاً بالمفاوضات لاعتماد الحلّ الذي يرضي الأطراف المتنازعة...
من المعلوم أن أسس حلّ المسألة السورية تتلخص في تنفيذ بنود القرار الأممي 2254، إلا أن الهيئات السابقة، التي تفاوضت حول تطبيق هذا القرار، وما تُعرف باللجنة الدستورية، ولجنة الأمم المتحدة المشرفة عليها استنفدت امكانياتها، وقد خيبت آمال الشعب السوري، إن لم نقل خذلته، لارتهانها لإرادة الدول الرئيسة الداعمة للأطراف المتنازعة، التي تبين أنّها لا تسعى لتنفيذ هذا القرار قبل استنزاف ثروات ومقدرات بلادنا بأكملها، وحصولها على ضمانات لتلبية مصالحها، والاستيلاء على حصتها من إعادة الإعمار ومستقبل بلادنا، فضلاً عن أنّ النزاع في أوكرانيا دفع المسألة السورية إلى آخر سلم أولويات تلك الدول...
ويبقى السؤال الأساسي: ما العمل؟
معاناة شعبنا تدمي القلب... وطننا مهدد بالضياع... والدول المتدخلة في شؤون بلادنا تستنزف خيراتنا، وتعرقل أي حلّ لأزماتنا... كأننا ندور في حلقة مفرغة؛ فما العمل؟
صحوة الضمير العربي
يتطلب البحث عن حلول للمسألة السورية تضافر جهود باحثين ومفكرين ومراكز دراسات وطنية ودولية ذات تخصصات فكرية واقتصادية وسياسية متكاملة... وقد تساعد الإجابة عن عدد من الأسئلة في تحديد ملامح هذ البحث، ومنها:
- ثمّة بارقة أمل في عودة الروح إلى أبناء شعبنا، بإحيائهم التظاهر السلمي والمطالبة بحقوقهم الاقتصادية والسياسية، في بناء دولة ديمقراطية تداولية متحضرة ذات مؤسسات سياسية واقتصادية عمومية تشاركية شاملة، بدلاً من المؤسسات الاستخراجية (الاقصائية)، ينال الجميع فيها حقوقهم، ويؤدون عبرها واجباتهم ومسؤولياتهم... كيف يمكن تعزيز وتطوير بارقة الأمل هذه، وتكاملها مع مبادرة جامعة الدول العربية، ومع عمل اللجنة الرباعية الخاصة بالمسألة السورية، التي يؤمل أن تمثل صحوة في الضمير العربي تُسهم في معالجة هذه المسألة؟
- هل يمكن تفعيل دور هذه اللجنة الرباعية كي تنجز مهمتها في أقصر الآجال؟ لأنّ كلّ لحظة تمرّ تزيد من معاناة شعبنا البريء وتفاقم من أزماته.
- أليس من المفيد وجود دولة من الدول الأربع ترأس اللجنة الرباعية المنبثقة عن جامعة الدول العربية، لتنظم عمل هذه اللجنة؟
- أليس من المفيد استثمار مكانة المملكة العربية السعودية الدولية وعلاقاتها المتميزة مع جميع الدول الفاعلة في مجلس الأمن الدولي، والاستفادة من الرؤية الحداثوية التنويرية الطموحة التي يتمتع بها ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان، الذي أسهم أفقه السياسي العقلاني الرحب في تسوية العلاقات مع إيران بوساطة صينية، وحافظ على علاقات متميزة مع روسيا، وأكرانيا، والولايات المتحدة الأمريكية، وهل يكون لترأس السعودية هذه اللجنة دور في تفعيل أدائها ونجاحها في معالجة المسألة السورية؟
- هل يعزز وجود مبعوث مراقب يمثل هيئة الأمم المتحدة في هذه اللجنة لتنسيق عملها مع الأمم المتحدة لتطبيق القرارات الأممية بما فيها القرار 2254؟
- أليس من الضروري وضع برنامج محدد لعمل هذه اللجنة كي تؤدي مهامها لإنقاذ الشعب السوري وخروجه من محنته في أقصر مدة زمنية ولتكن ستة أشهر، كأن تضع هذه اللجنة خطة وبرنامج زمني لتنفيذ بنود القرار 2254؛ تتضمن هذه الخطة انتخاب وتشكيل هيئة عامة من مندوبين سوريين بعد تحديد عدد أعضائها؟ وكيفية انتخابهم بإشراف لجان تشكلها المجموعة الرباعية، ليمثل هؤلاء المندوبون المنتخبون مختلف الشرائح الاجتماعية في جميع محافظات القطر في الداخل وفي مخيمات اللجوء وفي مختلف دول العالم، والأحزاب السياسية والمنابر الفكرية والثقافية وفق نسبة تمثيل محدد لكل مندوب، مع وجود نسبة محددة للشبّان والإناث فيها؟ تجتمع في دمشق، وتعمل بالتنسيق مع اللجنة الرباعية، وتحت إشرافها وفق جدول زمني محدد لإنجاز مشروع وثيقة تدعى "وثيقة العيش المشترك"، ومشروع الدستور الجديد أو التعديلات الدستورية، لطرحها على الاستفتاء الشعبي العام؟
إنّ هذه التساؤلات في البحث عن حلّ للمسألة السورية تحتمل الخطأ والصواب، نظراً لدرجة التعقيد الذي أصابها، ولأنّ معالجتها تحتاج إلى تضافر جهود وطنية وعربية وإقليمية ودولية غيورة مبنية على صحوة الضمير والروح الموضوعية والمحبّة - إذ لا حلّ لأزماتنا إلا بالمحبّة، بل إنّ مشكلات البشرية جميعها لا تعالج إلا بالمحبّة.
آمل من الشخصيات والتنظيمات والأحزاب الوطنية الخروج من حالة الانكفاء، والصمت، وأن تقدم رؤيتها، وتسعى يومياً لإيجاد حلّ لهذه المأساة، وإنقاذ الأبرياء من الأطفال والشيوخ والنساء من معاناة تدمي القلوب... علماً أنّ أي حلّ يستدعي مساندة الأشقاء العرب المشهود لهم بالغيرة على مصير أشقائهم وجيرانهم...
أيّها الوطنيون السوريون، أيّها الأخوة "الأعداء"؛ الوطن الأم يناديكم!
أيها الأشقاء العرب، لا تخيبوا أمل من يرنو إلى شهامة ضمائركم الحيّة!
أيلول (سبتمبر) 2023








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -