الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفشل وسياسة الهروب الى الامام

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2023 / 10 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


النظام المخزني في ازمة حادة ، والازمة ليس المقصود بها الملك محمد السادس ، فمحمد السادس كملك لا يعيش الازمة ، ولم يتأثر كشخص بما تأثر به المواطنون الذين يزيدون فقرا في فقر اكثر ، في حين ان ثروات محمد السادس ، وثروات اسرته ، وعائلته ، واصدقاءه ، وثروة كل من له علاقة ما بشخص محمد السادس ، وليس بنظامه المتأزم ، والذي هو سبب الازمة العامة التي يعيشها الرعايا ( الشعب ) في مختلف المجالات ، أي ان النظام فشل كحُكْم في دمقرطة النظام ، وفشل في حسم نزاع الصحراء الغربية ، أي ان الفشل جمع بين مجال الديمقراطية ، وبين مجال ربح نزاع الصحراء الغربية التي في طريقها الى الاستقلال ..
فهل تنفع نظام محمد السادس ، سياسة الهروب الى الامام ، للالتفاف على ازمته العضال ، التي لم تعد قادرة على مجرد التخفيف منها ، ما يسمى في الدول الديمقراطية ، بالإصلاح السياسي المدخل الأساسي للإصلاح الاقتصادي ، والنهوض بالمجال الاجتماعي ، الامر الذي يعني ، انّ لتفادي وتجاوز الوضع المرتبك ، الذي وصل الى نقطة اللاّعودة ، فان الصراع الديمقراطي الحقيقي ، يتطلب اعتماد ميكانزمات جذرية ، تنص عليها القوانين الدولية ، سيما وانّ الأمم المتحدة ، واتحادات القارات ، كالاتحاد الأوربي بالخصوص ، والاتحاد الافريقي ، وحركة عدم الانحياز ... الخ ، اصبحوا اليوم وبخلاف الامس ، يركزون على الانسان في عملية التغيير نحو الأفضل ، وخاصة ان الأمم المتحدة ، وبالضبط مجلس الامن ، والجمعية العامة للأمم المتحدة ، والاتحاد الأوربي ، لم يعد يقنعهم العلاقات بينهم وبين الأنظمة السياسية ، كالنظام المخزني ، بل ان الناس أصبحت تشتغل على مستوى النظام الديمقراطي ، وعلى نوع العلاقات التي تجمعهم بالنظام ، ليس كتاريخ تحكمت فيه الحرب الباردة ، ولكن كأنظمة ديمقراطية حقيقية ، وليست شَبَهُ ديمقراطية مفصلة على المقاص ، في حين ان واجهتها دكتاتورية ، بوليسية ، استبدادية وطاغية ، حال النظام المخزني التي افتضحت ( ديمقراطيته ) المقاصة ، التي تعفنت ولم يعد احد يوليها الاهتمام ، فأصبحت تعيش عزلة دولية ، كأنها مصابة بداء السعار . ومن هنا سنجد ان النظام الدولي ، يكون قد انتصر لصالح الجمهورية الصحراوية ، التي ترفض اية علاقة او تعاون مع النظام المخزني ، عدو الديمقراطية بكل تفاصيلها المتعارف عليها خارج السلطنة المخزنية ..
ان جميع المعطيات المتوفرين عليها ، والتي كانت بفعل سنين من التراكم السلبي للنظام المخزني ، تعطينا نظرة سياسية اصبح يحقها الجميع ، هي ان السياسة البالية للنظام كنظام رجعي ، وخاصة منذ العشرية الأولى من الالفية الثالثة ، قد افلست في تحقيق الوعود التي بيعت للرعايا الغلبانة ، مقابل الاحتفاظ بما اسموه زورا وبهتانا ، ب " السلم الاجتماعي " ، الذي لم يكن في الحقيقة سلما اجتماعيا ، بل كان هجوما منظما ، أصاب القوت اليومي للرعايا ، بفعل ارتفاع الأسعار الصارخ والغير مقبول اطلاقا ، وفي الهجوم على المجال الحقوقي ، بمضاعفة قبضة السلطة الحديدية ، سواء بمضايقة نشطاء حقوقيين ، او بالتراجع عن مكتسبات تحققت بفضل تضحيات تنظيمات وجمعيات حقوق الانسان ، ونضالات الحركة التقدمية المغربية التي انقرضت من الساحة ، لان ما تبقى منها ، ارتمى في حجر النظام ، يبارك خرجاته الجديدة المناهضة لأي عمل حقوقي جاد .. وقد طالت اعتداءات النظام المخزني النيوبتريركي ، الرعوي ، النيوبتريمونيالي ، الكمبرادوري ، الثيوقراطي المزيف ، الطقوسي ، القروسطوي ، والمخزنولوجي ... الشعائر الدينية عند الاعتداء على دفن زوجة عبد السلام ياسين بمقبرة ( الشهداء ) ، او بإهانة الرعايا عند اطلاق الملك محمد السادس سراح البيدوفيلي الاسباني ، وطبعا نزولا عند أوامر فؤاد الهمة ( صديق ومستشار ) الملك الغائب والجاهل لما يجري في الساحة ، بسبب المرض الخطير الذي يعاني منه ، وبسبب ضعف التكوين الذي اوجده على رأس دولة أكبر منه ، فمنحها لا صدقاءه ، ليعيثوا فيها الفساد والخراب . فاطلاق سراح البيدوفيل الاسباني " دنيال گلفان " ، المسؤول عنه محمد السادس ، وليس ( صديقه ومستشاره ) فؤاد الهمة .. وحتى نستعيد الماضي القريب . هل تتذكرون فيضانات الجنوب التي تركت الدولة المخزنية ضحاياها يواجهون مصيرهم المحتوم ، وفي نفس الفترة ، تحرك الدولة مروحيات الدرك لإغاثة الاوربيين ، او عند نقل غرقى الفيضانات في حاويات شاحنات الازبال .. بل انّ اهانة الملك للمغاربة بلغت قمة انحطاطها ، وبلغت الإهانة اكثر من سقفها ، عند مده الرعايا بقفة رمضان لا يتعدى ثمنها 150 درهما ... الخ . وطبعا فان الغرض من مؤامرة " السلم الاجتماعي " ، كان الحفاظ على نظام محمد السادس من السقوط ، خاصة وانه حديث العهد بالنظام المخزني كملك . لكن عندما تأكد من استقرار الأوضاع ، وبما فيها حركة 20فبراير اليتيمة ، ستمتد غيبة الملك عن الدولة وعن المغرب بشكل مستمر ، ودون خوف من بزوغ حركة نضالية من قلب الشعب ، تثور على الملك وعلى نظامه الذين اثروا الثراء الفاسد ، وزاد فقر الفقراء الذين اصبحوا عبارة عن متسولين ، عرى الزلزال الأخير ، عن نوعية وطبيعة النظام الذي يكره الرعايا ، ولا يطيقهم ولا يتحملهم ، لأنه مدرك بحقيقة نواياهم العدوانية ازاءه ، وبما يرددون في غيبته ، بالرغم من رفعهم ( الشعار ) ( عاش الملك ) ، وطبعا سيردون وبسرعة فرط سمعية ، عند حصول ازمة خطيرة ( يسقط الملك ) . فالأزمة وصلت العظم ، والاستبداد والطغيان فات كل المقاييس المعروفة عند تحديد وتعريف نوعية الأنظمة السياسية التي تحكم في بقاع الأرض .
نعم لقد عرى الزلزال عن طبيعة ونوع الرعايا التي يسميهم اليساريون من مختلف الأيديولوجيات ب ( الشعب ) وب ( الجماهير ) ، كما عرى على حقيقة ونوع النظام السائد الذي يكره الرعايا كرها ما بعده كره ، وعرى عن الوضع الخطير الذي توجد فيه الرعايا ، التي رغم ما أصابها من الزلزال ، كانت تردد ( عاش ) الملك ، الذي تركها تدبر مصيرها بيدها ، مثل ما خاطبهم في أعز ( الوحش ) كورونا ، قائلا وبفمه المليان " تدبروا امركم بأيديكم ، والدولة ليس لها ما تعطيه .. " ، لكن امير المؤمنين حامي حمى الملة والذين ، اباح لنفسه شراء سكن فاخر بالدائرة السابعة بالعاصمة الفرنسية ب 120 مليون يورو .. وهي أموال الرعايا التي تعيش الفقر المفروض عليها جبرا ..
لقد فشل النظام المخزني خاصة في عهد محمد السادس في كل شيء . وطبعا فان فشله الذي اعترف به الملك بلسانه وبفمه المليان ، من خلال الفشل الكبير عند محاولته معالجة ( الاوراش الكبرى ) ، التي كانت فقط مجرد عناوين ، أي مشارع في الورق ، وليست مشاريع فوق الأرض . وعندما اعترف الملك محمد السادس ب " فشل نموذجه التنموي " ، يكون قد اعترف بفشل نظام حكمه ، لان التنمية هي الدولة ، وهي المؤسسات . وبما ان الاعتراف بالفشل التنموي ، هو اعتراف بفشل نظام الحكم .. فإنّ النظام ظل متوقفا عند هذا الاعتراف ، ولم يطرح نموذج تنموي جديد كبديل يصلح ما اصابته الاعطاب .. والى الان تكون هيئة (بنموسى ) ، او مؤسسة ، او ما شابه ذلك من الشعارات الخاوية الوفاض ، قد اختفت ، لأنها ماتت بمجرد الانتهاء من ( تركيبتها ) ، أي انها لم تكن البتة ، مثل ما اسموه ب ( النموذج التنموي ) الذي اعترف الملك بفشله ، وهو في الحقيقة ( نموذج ) كان على الورق ، دون ان يتعدى ذلك الى ترتيب المسؤوليات القانونية ، ومنها الجنائية ، عن الكذب على الرعايا ، وإلهائهم بنموذج تنموي لم يكن يوما قد ظهر .. وهذا يزيدنا تعلقا ، بالتساؤل عن الملايير التي تم استهلاكها وتبذيرها في برنامج او مشروع اصلاح التعليم ، وعن الملايير التي تم ترويجها بمناسبة مشروع المخطط الأخضر ... . وهنا هل تساءل الرعايا عن مصير 34 مليار درهم دخلت صندوق محمد السادس ، وهو نفس الصندوق دخلت اليه ملايين وملايين الدولارات واليورو بسبب الوحش ( كورونا ) ... وهل تساءلت الرعايا عن مصير القروض بالملايير التي دخلت واختفت ، ومنها من قصد وجهته الجديدة من المغرب الى خارجه ، لتكدس في الابناك والمصارف الاوربية ... وهل تساءلت الرعايا عن ملايين اليورو والدولار التي دخلت بعد الزلزال الأخير .. وهل تساءلت الرعية عن ملايين الدولارات واليورو التي نزلت باسم زلزال الحسيمة .. من امتص تلك الأموال التي هي أموال الشعب ..
ان النظام المخزني البوليسي المدرك باستفحال الوضع ، وبالفشل الذي أصاب كل المنظومات والقيم التي روج لها سماسرته الميكيافليين ، لجأ الى سياسة الهروب الى الامام ، مثل النعامة التي تخفي رأسها في التراب حتى تمر الازمة . وهو لخلط الأوراق ، والنجاح في الكذب على العامة وليس الخواص المدركين بخطورة الوضع ، لا يتردد في خلق اوراش ثانوية للإلهاء ، ولتضبيب المشهد ، بما يمكنه من الاستمرار في نهب وسرقة ثروات الرعايا المفقرين ، ليزيد من بسط سياسته الاستبدادية ، وبسط قبضته السلطوية ، وهو هنا ، رغم الاهانات التي لحقته دوليا ، حيث يعاني اكبر عزلة في العالم ، وعرفها التاريخ ، فانه يبذل جام جهوده من الفريق الذي منحهم المغرب ، لإعطاء تحركاته الطابع الاممي ، للتنفيس عن هذه العزلة التي كان من وراءها ، اصدقاءه الاطفال الذين وهبهم المغرب ، ليعيثوا فيه الدمار والخراب ، ويتصرفوا كما يحلو لهم ، دون اعتبار للرعايا المفقرة التي تحولت الى متسولين بعد ان كانوا شعب الجبارين .
اذن . للإحاطة بالموضوع ، سنعالج مكامن الفشل والافلاس المخزني البوليسي ، من خلال تلمس العديد من المحاور ، التي كانت دليلا ساطعا على هذا الإفلاس ، الذي اضحى مرضا عضالا ، نتيجته التي بين أيدينا ، تصب كلها في مصالح قوى التغيير والإصلاح .
ان الشعب الذي تحمل عبر التاريخ ، ولا يزال يتحمل ، مع فقدان الامل في المستقبل المضبب ، لا يمكنه ان يستمر في التحمل الى ما لا نهاية ، لان ظهر الكذب قصير ، وآجلا ام عاجلا ، لا بد للتاريخ ان يتحرك ، بما يركز لدولة المؤسسات ، الدولة الديمقراطية الحقيقية ، وينهي طبعا مع عهد الحجر ، والتسلط ، والاستقواء على الناس ، سيما وقد ضبط محمد السادس من خلال الخطابات التي يكررها بالمناسبات ، يكذب على الرعايا ، التي أصبحت تعرف سبب المشكل ، وتبقى طرق اسقاط الاستبداد والطغيان ، واجب شرعي وفرض عين ، وللجماهير وحدها دون غيرها ، حق تقرير النظام الذي سيمثلها امام شعوب الدول الديمقراطية .. فجميع الطرق التي تؤدي الى الدولة الديمقراطية تبقى في المتناول ، خاصة عند نزول الشعب في الصحراء يناصر الحل الديمقراطي ، أي الاستفتاء وتقرير المصير ، خاصة وان الملك محمد السادس سبق وان اعترف بحل الحكم الذاتي ، وبعده اعترف بالجمهورية الصحراوية ، وبالحدود الموروثة عن الاستعمار ، واصدر ظهيرا وقعه بخط يبده يقر هذا الاعتراف ، الذي نشره في الجريدة الرسمية للدولة العلوية عدد 6539 يناير 2017 .
ان الازمة الخطيرة اليوم في المغرب ليست جديدة او وليدة اليوم . ان جذورها تعود الى بداية السبعينات حين فشل النظام في تحويل قضية الصحراء ، الى قضية اجماع وطني ، ركب عليها للدفاع عن حكمه الذي كان يتهاوى . والرعايا المقصودة هنا ، تلك التي تجهل بالمرة تاريخ النزاع ، وتجهل حقيقة الصحراء ، ومنهم للأسف مثقفون طبعا ( محامون ، أساتذة جامعيين ، أطباء ...) الخ .. يجهلون ان الملك محمد السادس ونظامه ، اعترف بالجمهورية الصحراوية ، وبالحدود المتوارثة عن الاستعمار . وباعترافه بالحدود الموروثة عن الاستعمار ، يكون النظام والملك شخصيا ، قد تملص من دعوات مغربية الصحراء الشرقية ، لأنه اعترف بجزائريتها التي خيضت من اجلها حرب الرمال في سنة 1963 ، واعترف الاعتراف الصريح ، بإسبانية المدينتين سبتة ومليلية والجزر الجعفرية .. فتحويل النظام المخزني قضية الصحراء ، الى اجماع وطني ، حول شرعية التحرير والوطنية الزائفة ، لبناء مشروعيته الى جانب الانتساب ( للنبي ) ، أي المشروعية الدينية ، التي كادت ان تسبب في سقوط النظام المخزني في سبعينات القرن الماضي ، جعل النظام يهْنَأ بعض الوقت منذ العملية الإرهابية في 16 مايو 2003 ، لكن عدم التصرف مع المناسبات العديدة بعد تفجير الدارالبيضاء ، ومع العملية الإرهابية في 11 مارس 2004 في مدريد Madrid ، لم ينفع فيه النجاح في ابعاد Jose Maria Aznar ، ولا حتى Jose Luis Zapatero الذي كان وضعه ولا يزال ،شبيها بوضع سلطة رام الله برئاسة محمود عباس ، مع دولة إسرائيل العظمى .. بل وبعد فَرَجٍ لم يتعدى بضعة شهور ، ستعود قضية الصحراء ، كنزاع استراتيجي بين النظام المهدد سقوطه بها ، وبين الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب ، الى سابق عهدها قبل سنة 1991 ، التي أوقفت الحرب لما يزيد عن ثلاثين سنة ( 30 ) .
ان الازمة القائمة اليوم بالمغرب هي ازمة بنيوية ، خاصة ، وانّ تسلط اقلية من فلول الاقطاع ، والرأسماليين السماسرة على الحكم ، غداة ابرام اتفاق Aix-les Bains ، الذي رهن المغرب بيد الخونة ، وفلول الاستعمار الجديد ، و كورثة له ، ووكلاء عنه ، أجهض المسيرة النضالية للجماهير الشعبية ضد النظام الكلونيالي المباشر ، من اجل فرض اختياراتها وطموحها المشروع في الاستقلال والعيش الكريم .
ويمكن ملاحظة الفشل المخزني البوليسي ، من خلال تتبع التراجعات الحاصلة في العديد من الاوراش التي دخلت النفق المسدود :
1 --- الصحراء الغربية ، الفشل الكبير : يعتبر نزاع الصحراء الغربية ، وبسبب الخطورة التي يخبئها ، من اهم مجالات فشل النظام في تدبير ملف اكبر منه ، لان السؤال . لماذا ظل نزاع الصحراء الغربية في مكانه منذ سنة 1975 ، ولم يتزحزح لا ماديا بحسم المعركة المسلحة ، ولا قانونا بتعريض قاعدة المنادين والمساندين لأطروحة مغربية الصحراء ، في الوقت الذي نجد جبهة البوليساريو تغزو الفضاءات الدولية التي تخندقت وراء حل الاستفتاء وتقرير المصير ، وأصبحت تحظى بعون ومساندة الدول والمؤسسات الدولية كمجلس الامن ، والجمعية العامة للأمم المتحدة ، الذين يركزون على حل تقرير المصير، ويتجاهلون حل النظام المخزني الذي جسده في ( مشروعه ) الحل الذاتي ، الذي اقترحه للنجاة من السقوط عند ضياع الصحراء في ابريل 2007 ، بل سنجد ان كل قرارات مجلس الامن الدورية ، وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ، لم يسبق لهما ان أشارا الى حل الحكم الذاتي ، ولو بالأصبع من وراء الجلباب ..
والأمم المتحدة اليوم ، التي كان من المفروض ان تطرح حلولا أخرى ، يدعو اليها جزء من اطراف الازمة ، حين تناقش حل الاستفتاء وتقرير المصير ، وتتجاهل حل الحكم الذاتي ، تكون صورة الوضع النهائي للصحراء ، معروفة حتى قبل نهاية اشواطها عبر المسارات التاريخية التي مرت ، والتي لا تزال تنتظر المرور .
وهنا نتساءل عن جدوى ما يسمى بالمشروعية الدولية ، في الدفع بالمفاوضات نحو الحل الأنسب والديمقراطي ، وتجاهل حل الحكم الذاتي الذي لم يسبق لا لمجلس الامن ، ولا للجمعية العامة للأمم المتحدة ، ان عقدا دورة لمناقشة الخيارات الأخرى المطروحة . وهذا الموقف ليس له تفاسير كثيرة ، غير ان الأمم المتحدة ومن خلال قراراتها المختلفة ، تدفع بحل الاستفتاء وتقرير المصير ، وتكون الأمم المتحدة بذلك ، تجتهد على مسار استقلال الصحراء ، الذي يؤيده كذلك الاتحاد الأوربي ، من خلال رفضه لخرجة الرئيس الأمريكي السابق Donald Trump ( الاعتراف بمغربية الصحراء ). وكان تحرك الاتحاد الأوربي ، خاصة فرنسا واسبانية وألمانيا ، من المتزعمين الرئيسيين لرفض اعتراف Trump بمغربية الصحراء ، وتوسطوا لدا إدارة الرئيس الأمريكي John Biden ، لإلغاء الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء ، ولو انه في حقيقته ، كان الاعتراف مجرد خديعة انطلت بسرعة البرق على النظام المخزني ، جعلته ورغم جميع الظروف ، يحتفل بنصر وهمي موجود فقط في الورق .. وهنا يبقى التساؤل : اين الموقف الأمريكي الحالي من اعتراف Trump بمغربية الصحراء ، والحال ان الإدارة الميكيافيلية بواشنطن ، جعلت من الرئيس الديمقراطي ، ومن مواقف نائبته السيدة Kamala Harris من تيار الاشتراكية الديمقراطية ، ويعتبر ويعد الرئيس السابق Barak Obama من مراجعها الأساسية قبل اتخاذ القرارات الاستراتيجية ، في القضايا الجيوبوليتيكية ، والقضايا الجيواستراتيجية . فالسيدة نائبة الرئيس الأمريكي John Biden تمثل اليسار الديمقراطي الذي أسس له الرئيس السابق Barak Obama في الإدارة الامريكية ، خاصة في توجهها المعروف بمساندة دعوات تقرير المصير والاستفتاءات ، كخيار واضح بالنسبة لموقف الإدارة الامريكية من نزاع الصحراء الغربية . فأصبحت واشنطن التي تلعب الأدوار الرئيسية في مجلس الامن ، تؤيد بالمجلس ما خططت له كحكومة ، من دون القيام بالتحليل الملموس للواقع الملموس . فالديمقراطية الحقة ، تعتمد قبول جميع الحلول المطروحة ، وترك التقرير للمعنيين بالأمر بهذا النزاع ، الذي يعد اقدم نزاع في القارة الافريقية على الاطلاق . وعند إلماننا بالسيناريوهات الملعبة ، وتحليلنا للخطوات المختلفة التي تتسابق الزمن وبسرعة مفرطة ، يكون موقف النظام المخزني من نزاع الصحراء الغربية ، محرجا ، بل سيكون مخططا يمكن استعماله لإسقاط النظام المخزني ، باستعمال الأساليب المغلفة بالديمقراطية ، وبالتذرع بخطابات السياسيين الذين ليسوا من طينة واحدة ، وتكون دعوة الرئيس الأمريكي ، ومن بعده وزير الخارجية ، والمسؤولين الذين تناوبوا على زيارة الرباط ، وزيارة الملاجئ بتندوف ، وزيارة الجزائر العاصمة ، واضحة المرامي ، والاهداف المخطط لها ، وتنتظر فقط ساعة الصفر التي ستحدده الإدارة الامريكية ، ومجلس الامن الذي تسيطر عليه واشنطن ومن داخله ، الانكباب على معالجة الوضع باسم المشروعية الدولية ، وباسم الحق في تقرير المصير . فماذا حين يؤكد الرئيس الأمريكي على الاستعجال بتعيين مبعوث شخصي للأمين العام للأمم المتحدة ، يتولى مباشرة مشكلة الصحراء المطروحة ، رغم ان الممثل الشخصي للأمين العام ، لا يملك قوة اقتراحية ، ولا يملك سلطة ضبطية وقهرية ، تعطيه الدور الرئيسي في قيادة الوفود نحو التلاقي لمناقشة موضوع حسمت فيه الأمم المتحدة سابقا ، ويستعمل كذريعة تبيح اسقاط نظام ، واسقاط رئيس النظام المعزول ، ومن ثم تكون القرارات الأممية ، تستعمل حتى لإسقاط الأنظمة ، بدفع الشعوب للثورة ضد حاكميها ، او الدعوة الى الجيش للشروع في تحضير التغيير بالشكل الذي سينبثق عن الشعارات والقوى التي ستنزل الى الشارع ، هل هي قوى صديقة ام هي قوى معادية ..
فبعد مرور سبعة وأربعين سنة من دخول جيش النظام المخزني الصحراء ، بمقتضى اتفاقية مدريد التي لم تعترف بها الأطراف التي وقعتها ، ورغم ذلك تصرفوا على أساسها كقُطّاع طرق غنموا كنزا ، او وضعوا أيديهم على وزيعة نزلت كعطاء من السماء ، بحيث لا برلمان النظام المخزني صوت عليها ، ونفس الشيء بموريتانية ، واسبانية الدولة المسؤولة عن الصحراء ، رغم انها وقعت اتفاقية مدريد La convention de Madrid ، لم تنشرها في جريدتها الرسمية . فكان اول فشل للنظام المخزني ، حين وقع معاهدة مدريد الثلاثية ، التي قسمت الصحراء كغنيمة بين النظام المخزني الذي آل اليه إقليم الساقية الحمراء ، والنظام الموريتاني الذي آل اليه إقليم وادي الذهب ، واسبانيا التي كانت حقوقها من الاتفاقية ، الحصول على نسبة مئوية من ثروات الصحراء كعائدات الفوسفاط ، والصيد ، والثروة السمكية ، والمعادن التي تزخر بها المنطقة الموزعة والمقسمة قسمة الوزيعة ..
وبما ان التوقيع على اتفاقية مدريد الثلاثية ، كان اكبر فشل وُجّه للاتفاقية ، ووجه لعملية القسمة الغير مشروعة ، فان اكبر فشل حصده النظام المخزني ، عندما عاود الدخول الى إقليم وادي الذهب ، بعد خروج الجيش الموريتاني منه في سنة 1979 ، واعتبار الحكم الموريتاني بعد الانسحاب من وادي الذهب ، دخوله الى الصحراء في سنة 1975 ، وخروجه منها في سنة 1979 ، مع احتفاظه " بالگويرة " التي اعتبر وجوده بها احتلالا ، لكن دون ان ينجح جيش النظام المخزني ، من الدخول الى " الگويرة " التي هي جزء من الإقليم الذي هجرته الدولة الموريتانية ، بعد ان كيفت وجودها بالصحراء بالاحتلال ..
فموقف النظام المخزني وامام هذا الفشل ، رغم استعمال القوة المادية ، والافراط في استعمالها ، جعل النظام المخزني اليوم بين خيارين احلاهما مر الطعم ، لان كلاهما يهددان وجود الدولة المخزنية ، وكلاهما يبطلان شرعية التواجد العسكري للنظام ، بالمناطق التي تحت سلطته .
فكيف للنظام المخزني ان يقسم الصحراء كغنيمة مع النظام الموريتاني ، وهو يدعي مغربيتها ، وكيف سيسمح في " الگويرة " تحت النفود الموريتاني ، رغم دخول الجيش الى وادي الذهب .. بل ما هو الوضع القانوني " للگويرة " رغم ان النظام الموريتاني اعتبر تواجده بإقليم وادي الذهب بالاحتلال ، ووصف وجوده اليوم ب " الگويرة " بالاحتلال ، ورغم اعترافه بالجمهورية الصحراوية ، وهو اعتراف بالأراضي التي دخل اليها جيش النظام المخزني ، والجيش الموريتاني في سنة 1975 بالاحتلال ، لا يزال باسطا يده على " الگويرة " ، ولم تنضم الى الأراضي التي كانت تحت الاحتلال الموريتاني ، عندما دخل جيش النظام الى إقليم وادي الذهب دون الحاق " الگويرة " بأراضي 1979 التي خرجت منها الدولة الموريتانية ..
ليس هنا فقط يكمن فشل النظام عند معالجته لقضية الصحراء ، بل ان ما اعطى للمجتمع الدولي ، فكرة سياسية وقانونية ، عن الوضع اليوم في الصحراء ، وما يزكي عدم مشروعية النظام بالصحراء ، من قبل الأمم المتحدة ، مجلس الامن ، والجمعية العامة ، وما ينفخ في الحجج التي يستند اليها دول الاتحادات القارية ، كالاتحاد الأوربي ، والاتحاد الافريقي ، وحتى الموقف القضائي الذي يطعن علانية في تواجد جيش السلطان المخزني ، ويعتبره مخالفا للقانون الدولي ، ومخالفا للمشروعية الدولية ، هو هذا الخلط منذ ابرام اتفاقية مدريد التي قسمت الصحراء كغنيمة ، مثل الغنائم التي يقتسمها اللصوص ، لكن دون الحسم في طبيعة النزاع ، الاممي الذي يواجه بالحجة والدليل ، تعارض تواجد النظام المخزني بالصحراء . فالمنتظم الدولي تعجب من القسمة التي تعرضت لها الصحراء ، وتعجب من توصيف المناطق المجزأة من قبل طرف مشارك في القسمة الغير قانونية ، وتوصيفه تواجده بالصحراء بالاحتلال ، وذهب الى حد الاعتراف بالجمهورية الصحراوية ، واعتبر الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني ، ان اعتراف موريتانية بالجمهورية الصحراوية ، هو اعتراف جيواستراتيجي للدولة الموريتانية . وهنا فالنظام الموريتاني يجتهد في ابعاد حدوده مع حدود المغرب الذي يحن في نظره الى تاريخ الامبراطوريات ، ومن ثم فتواجد دولة بحدود تفصلها عن الحدود المغربية ، يبقى الانتصار الأعظم للخيار الذي سماه الرئيس الموريتاني بالاستراتيجي ..
واذا كانت هذه التفاعلات والتطورات قد ضربت " حق " الدولة المخزنية بالأراضي الصحراوية المتنازع عليها ، فان بقاء ثلث الأراضي خارج سيطرة جيش السلطان ، كان ضربة في الصميم تلقاها النظام المخزني ، وجعلت المنتظم الدولي ، والمؤسسات الدولية تعتبر تواجد جيش السلطان بالأراضي المتنازع عليها ، تواجد وخرق للقانون الدولي . ومن ثم ترى المنظمات الدولية ، والاتحادات القارية ، الاتحاد الأوربي والافريقي ، وهيئة الأمم المتحدة ، مجلس الامن والجمعية العامة ، والنظام القضائي الدولي كمحكمة العدل الاوربية ، ومحكمة العدل الدولية .. الخ ، ان الحل في المشروعية الدولية ، وفي التركيز على الحل الديمقراطي لتسوية نزاع الصحراء الغربية ... أي الاستفتاء وتقرير المصير .. رغم ان حل الاستفتاء وتقرير المصير ، اصبح متجاوزا عندما اعترف النظام المخزني بالجمهورية الصحراوية ، وبالحدود الموروثة عن الاستعمار ، واصدر الملك محمد السادس ظهيرا وقعه بخط يديه ، يقر فيه هذا الاعتراف بالجمهورية الصحراوية ، والاعتراف طبعا حصل امام العالم ..
اذن امام هذا الوضع السيئ للنظام المخزني ، اصبح النظام اليوم محصورا بين خيارين احلاهما طعم العلقم . -- فإمّا ان يستمر المجتمع الدولي في ممارساته للضغط على النظام المغربي ، وهذا يعني مواصلة ستاتيكو من قبل مجلس الامن ، ومن قبل الدول التي تمتلك حق الفيتو ، بحيث ما يتم تقريره في مجالس الوزراء ، يتم نسخه داخل مجلس الامن ، وحتى داخل الجمعية العامة ، لان كل دول مجلس الامن أعضاء بالجمعية العامة . وهنا سنكون امام خيارين ، هذا اذا رغب الأقوياء في ادامة ستاتيكو ، واللعب على التناقضات خاصة بالنسبة للنظام المخزني ، لان النظام الجزائري ، والنظام الموريتاني ، يدعيان ان لا علاقة لهما بنزاع الصحراء الغربية الذي هو نزاع اممي ، وليس بالنزاع الدولتي .. وقد رفضا مؤخرا دعوة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للمشاركة في تقنية " الطاولة المستديرة " . وفعلا فموقف النظامين الموريتاني والجزائري واضح من النزاع ، ومن علاقتهم الأكثر من استراتيجية مع الجمهورية الصحراوية . لذا فحضورهم ضمن وفود " الطاولة / المائدة المستديرة ههه " ، لن يأتي بجديد لحل النزاع ، دون الرجوع الى المشروعية الدولية .. لذا فان عدم حضور الدولتين الموريتانية ، والجزائرية للقاء " الطاولة المستديرة " ، فيه خير للوصول الى المسلك المؤدي الى الطريق الصحيح بين النظام المخزني ، وبين الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب " ، وتيمنا بهذا الاسم ، ستسمي الأمم المتحدة الهيئة التي ستتكفل بتنزيل الشروط المتفق عليها عند ابرام اتفاق 1991 ، خاصة المادة 690 ، ب " هيئة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية " La Minurso ، التي فشلت في الشق السياسي ، وحققت بعض النجاح في الشق التقني ، الذي تم دوْسه بعد اندلاع الحرب مجددا بين النظام السلطاني وبين الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب ، في 13 نونبر 2020 ..
اذن التنازل عن الصحراء بعد سنوات من الحرب ، والتضحيات التي تحملتها الرعية لوحدها ، لأنه لو كان هناك حقا شعب ، لكان لكل مقام مقال ، خاصة عندما تنكر النظام المخزني للجنود الذي قضوا اسرى بيد الجبهة لأكثر من 26 سنة .. ناهيك عن اهدار الطاقات ، وأبناء الرعايا من يموتون في الصحراء ، وليس النظام او الكمبرادور ..
-- او التعنت وقبول خيار الحرب للهروب الى الامام .. ومحاولة الظهور بمظهر الوطني المحرر كما تم الترويج له غداة سنة 1974 و 1975 . أي تحميل الرعايا ( الشعب ) التي تتحمل وستتحمل ، استمرار وضع الاستنزاف بكل انعكاساته الخطيرة ، وخاصة وان مناورات النظام المفضوحة ، لم تعد تنطلي على احد كمجال للتنفيس . بل خلط الأوراق للركوب على أزمات الأنظمة السياسية ومشاكلها ، التي وصلت هي الأخرى الى مأزقها المحتوم ، والى نهايتها الحتمية ، خاصة على مستوى العلاقات الثنائية بين النظام المخزني الطقوسي ، وبين جنرالات الجيش الجزائريين ، وهي علاقة تنتفي بين الملك وبين جنرالات الجيش ذوي النزعة الوطنية الشوفينية ..
ان هذا الإيحاء طرحناه كمستوى عام ، يجد تموضعه في الدول العالم ثالثية ، التي تنفخ في الجيش للتخويف . لكن الجيش من سيصحح المسارات وقلب الأوضاع ، بعد ان يكون قد اخذ الضوء الأخضر من واشنطن ( انقلاب الطائرة في سنة 1972 ) ، او من باريس التي تشتغل مع حلفاء لها ، على خيارات تم فضحها عندما عرى عليها خطاب الرئيس الفرنسي Emanuel Macron ، في الكلمة التي وجهها الى ( الشعب ) المغربي .. فيكون بذاك الخطاب قد ارتكب خطأ استراتيجيا ، عرى عن مؤامرات تهيء للنظام المعزول ، وبطبيعة الحال فعزلة النظام سهلت ووسعت من دائرة الانقلاب ، لان المستهدف ليس المغرب ، بل نظام لم يعد مقبولا من احد .. و قد زاد من نفخ هذه السيناريوهات ما اصبح يتردد ، وعلى مسامع الجميع ، بان حربا تدور بين الملك وحلفاءه ، ومن ابرزهم المستشار André Azolay . وبين ( صديق ومستشار ) الملك (الذي لم يعد صديقا ولا مستشارا ) للملك فؤاد الهمة ، ومن معه من طاقم البوليس السياسي الذي على راسه المدعو عبداللطيف الحموشي ، ومعهم اخت الملك الكلونيل ماجور مريم ..
فعندما تسمع بهذه الغرائب والعجائب ، من ان الحُكم ، أي المُلْك اصبح يطمع فيه فؤاد الهمة ، وعبداللطيف الحموشي ، وعبدالوافي لفتيت وزير الداخلية ( جماعة البنية التحتية ) .... الخ ، أي الترشيح لمنصب ملك رغم انهم لا ينتمون الى الاسرة الملكية ، فماذا تنتظر من عواصم العالم الغربي كأمريكا ، وفرنسا ، واسبانيا العميقة ... ، رغم ان كل من يردد مثل هذه الترهات ، يرفع عنه القلم ... فهل حقا ان " أبو زعيتر " هو كذلك ينتظر حقه في الملك كأمير ، خطف الملك لجماعة " البنية التحتية او السرية " ... والسؤال . اين وصل النظام الذي يقامر اليوم باسم المغرب ، وباسم المغاربة ، في حلقات صراع اشخاص تسللوا الى قلب دار المخزن في النهار قبل الليل ، فاصبح لهم شأن في تعيين حتى العمال والولاة ، كإلياس العمري الذي استعمل نفوذه لذا فؤاد الهمة ، عندما عين العاقل عاملا بوزارة الداخلية ، بعد ان عينه كاتبا عاما لعمالة إقليم تمارة ..
ان فشل النظام المخزني في معركة الصحراء الغربية ، لا يعود الى فترة محمد السادس ، بل يرجع الى فترة الحسن الثاني عندما اعترف بحل الاستفتاء وتقرير المصير ، في العاصمة نيروبي عند اجتماع منظمة الوحدة الافريقية OUA في سنة 1982 ، حين التزم امام العالم بحل الاستفتاء ، وبالتزامه بنتائجه ، وتجسد الفشل عندما القى الوزير الأول المغربي كريم العمراني كلمة النظام امام الجمعية العامة للأمم المتحدة ، يدعو فيها الى حل الاستفتاء وتقرير المصير، وهي مواقف للنظام المخزني تعود الى سنوات 1966 ، و 1967 ، و 1968 ، و 1969 ، عندما اعترف سفير النظام المخزني ، ومن اعلى منبر الأمم المتحدة ، الجمعية العامة ، بالاستفتاء وتقرير المصير .. فالفشل في تدبير ملف الصحراء ليس وليد اليوم ، بل يعود الى فترة حكم الحسن الثاني بعد الضغوط التي تعرض لها نظامه بسبب الصحراء ، وكادت ان تسقط نظامه ..
لكن ان فشل اليوم مع محمد السادس ، كان ابرزا واخطرا . فمن جهة ان نظام محمد السادس لم يتشبث بموقف واحد عند التعامل مع قضية الصحراء ، ومن جهة وحتى يتجنب الاخطار التي تنتظره من ضياع الصحراء ، فهو تبنى مواقف عديدة ، كل موقف يعارض ويناقض الموقف الذي سبق .. وهنا فبالإضافة الى مرحلة التغني بالسمفونية التي تآكلت ولم يعد احد يثق فيها ( المغرب في صحراءه ، والصحراء في مغربها " ، اعترف باتفاق الاطار الذي يمركز حل نزاع الصحراء الغربية على محورين .. محور الحكم الذاتي وتستغرق مدته حتى الخمس سنوات ، وبعد مرور فترة الخمس سنوات ، يتم تنظيم استفتاء وتحت اشراف الأمم المتحدة ، يقرر فيه الصحراويون مصيرهم المحتوم بأنفسهم ، لا بيد غيرهم .. وبعد ان قبل النظام بحل " اتفاق الاطار " ، عاد وتملص منه من دون سبب ، وليفاجئ العالم في ابريل 2007 ، بحل الحكم الذاتي الذي تجاهله الكبار في مجلس الامن ، وطبعا تجاهلته حكومات الكبار أصحاب الفيتو بمجلس الامن ، وتجاهلته الأمم المتحدة التي بها أعضاء مجلس الامن الذين لا يعترفون بحل الحكم الذاتي .. والكبار الذين يحكمون العالم ، عندما شاهدوا خيار الملك بطرح حل الحكم الذاتي ، تأكد لهم فشل النظام في حسم الصراع حول الصحراء ، ماديا / عسكريا ، ومعنويا / دبلوماسيا وسياسيا .. وقبل ان اتجاوز هذه الفقرة احب ان اذكّر لأخطر موقف لمحمد السادس من الصحراء ، عندما وجه خطابه المشهور عند افتتاح دورة الخريف التشريعية في سنة 2014 ، مخاطبا المغاربة محاولا اقناعهم ، بان قضية الصحراء أضحت مقبلة على جميع الحلول ، وبما فيها الانفصال ، بدعوى ان الأمم المتحدة تريد ذلك . فما معنى قول الملك لا شيء تحقق .. يمكن انتظار أي شيء ؟.... ، وهنا سيتمادى المجتمع الدولي ، في تبني مواقفه المحرجة للنظام ، لينتهي الامر بالنظام ، وبعد فقدانه الامل ، وتعطيل الانتحار الذي ينتظره من ضياع الصحراء ، سيفاجئ الملك العالم عندما اعترف بالجمهورية الصحراوية ، وبالحدود الموروثة عن الاستعمار في يناير 2017 ، واصدر الملك محمد السادس ظهيرا وقعه بيده ، يقر فيه ويعترف بالجمهورية الصحراوية ، ونشر الاعتراف هذا بالجريدة الرسمية للدولة العلوية عدد : 6539 / يناير 2017 ..
ورغم هذا الاعتراف امام العالم ، فالنظام لا زال يقامر ، ويحاول التملص من نتائج اعترافه بالجمهورية الصحراوية ، ووصلت به النكسة الى حد افساد البرلمانيين الاوربيين لتدعيم موقفه من الصحراء ، ومن الديمقراطية المحلية ، وبالصحراء الغربية ، ومثل الإهمال وعدم التجاوب الدولي مع حل الحكم الذاتي ، فحتى اعتراف النظام بالجمهورية الصحراوية وبالحدود الموروثة عن الاستعمار ، لم يشفي غليل الكبار في مجلس الامن ، وفي الجمعية العامة ، عندما تجاهلوا هذا الاعتراف الذي كان هروبا للنظام من الاخطار التي تنتظره ، وتشبثوا فقط بالمشروعية الدولية التي تنص عليها قرارات مجلس الامن ، وقرارات الجمعية العامة التي تبحث الصراع سنويا ضمن " اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار " . فالكبار بمجلس الامن تجاهلوا اعتراف محمد السادس بالجمهورية الصحراوية ، مثل ما تجاهلوا حل الحكم الذاتي، لان الحكم الذاتي هذا ، والاعتراف بالجمهورية الصحراوية ، كان وراءهم النظام المغربي الذي يناور ، ولم تكن وراءهم الأمم المتحدة التي تحصر الصراع فقط في حل الاستفتاء وتقرير المصير .. فحل الحكم الذاتي ، واعتراف محمد السادس بمغربية الصحراء ، لم تكن وراءهم المشروعية الدولية التي يجب التقيد بقراراتها التي أهمها تنظيم الاستفتاء وتقرير المصير ، حيث ان نتيجة هذا الحل هي وحدها من يعطي للأراضي المتنازع عليها جنسيتها القانونية ، وطبعا كان هذا الموقف الاممي ، تكملة للقرار ، او الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية ، التي أصدرت قرارها المشهور في 16 أكتوبر 1975 ، ينص على الاستفتاء في تحديد جنسية أراضي ما قبل سنة 1975 .. انه اكبر فشل يسجل على خرجة محمد السادس ، وبالأخص الفريق الذي يقف وراء هذه المسرحيات التي لم يعرها احد أهمية ..
ولنا ان نتساءل عن المصير الأخير الذي ينتظر ازمة الصحراء الغربية ، حيث سيوظف لتغيير النظام ، وتغيير وجه الدولة الطقوسية ، لصالح الدولة الديمقراطية . وهنا سنذهب بعيدا في تحليلنا ، للمعطيات المستجدة ، التي أصبحت تفرض خيارات ، تتطور مع الجديد الذي سيحصل بالساحة السياسية المغربية ، عند الإعلان عن استقلال الصحراء بواسطة الاستفتاء الذي تتمسك به الأمم المتحدة ، دون غيره من الحلول الأخرى التي تقدم بها الملك محمد السادس ، كحل الحكم الذاتي ، او عندما اعترف بالجمهورية الصحراوية . ورغم هذا الاعتراف امام العالم ، فلا احد تنصت له ، او اعطى لخرجته اهتماما ولو نسبيا ، من دون اعتماد القرارات الأممية التي تنص على الاستفتاء وتقرير المصير . فأيّ شكل ، لأي مخرج قصد الهروب ، اذا لم يكن وراءه حل الأمم المتحدة ، الاستفتاء وتقرير المصير، يعتبر حلا غير مقبول ، لان مصدره ليس القانون الدولي ، وليس المشروعية الدولية ..
هنا سنعود لطرح السؤال : هل حقا ان قصر الاليزيه
Le palais de l’Elysée ، وبالضبط فرنسا العميقة ، التي تمثلها أجهزة الاستعلامات المختلفة ، كانت تعد العدة لإبعاد محمد السادس عن قصر " تْوارْگة " ، وتفريش البساط الأحمر للأمير هشام بن عبدالله العلوي ، نظرا لتشبعه بثقافة الغرب الليبرالية ، ونظرا لتأييده الحل الديمقراطية لنزاع الصحراء الغربية ، نظرا لأنه لم يسبق ان مارس ، او شغل منصبا ، او وظيفة في الدولة العلوية ، ومن ثم يكون بعيدا عن شبهات سرقة المال العام المنوطة بمحمد السادس ، وبأسرته ، وعائلته ، واصدقاءه ، وكل من اثرى الثراء الفاحش منذ تولي محمد السادس الملك بعد وفاة الحسن الثاني ..
الم يكن خطاب الرئيس الفرنسي الموجه مباشرة ( للشعب ) الرعايا المغربي ، وتجاوز شخص محمد السادس ، وتجاوز نظامه ، مؤشر دال على أشياء كانت تطبخ في فرنسا العميقة ، وان الخطأ الاستراتيجي الذي قام به الرئيس Emanuel Macron ، عندما خاطب مباشرة الرعايا ، كان تسرعا ، فضح المخطط قبل الشروع في تنفيذه .. فخطاب الرئيس الفرنسي الذي يرأس فرنسا العميقة ، فرنسا الاجهزة المخابراتية ، تعرى ، وافتضح ، وتسرع ، عندما وجه الخطاب مباشرة الى الرعايا الذين سماهم بالشعب ، ويكون النظام المخزني قد اخذ احتياطاته ، وهيئ أجهزة دفاعه ، لمواجهة مخطط يعود الى " بوب دينار " ، " Bob Denard " الجديد بالقارة الافريقية .. وان كانت المواجهة بعد السرعة في التعرية والفضح ، قد اخذت وسائل الاعلام المخزنية التي شنت حملة ضد شخص الرئيس الفرنسي حين وصفته ب ( البَرْهوشْ ) ، وهو هجوم يفتقر الى الاخلاق ، وغير مقبول اطلاقا ، فان أي محاولة لتنزيل المخطط تبقى آنية ، عند حصول بعض الشروط التي نعتبرها الزيت التي تصب في النار .. فافتضاح المخطط الفرنسي ، وربما قد يكون تشاور مع تل ابيب ، القيادة الإسرائيلية العميقة ، لان العلاقات بين فرنسا العميقة ، ودولة إسرائيل العميقة ، لن تسمو عليها اية علاقة من نظام اخر ، اذا لم تكن الحليف الاستراتيجي الولايات المتحدة الامريكية .. خاصة وإنْ كان التغيير يمس اكثر ، العلاقة بين المغرب الديمقراطي برأس ملك ديمقراطي ، او امير ديمقراطي ليبرالي، يحظى بالإجماع المغربي الداخلي ، وبين باريس ، وتل ابيب ، وحتى الرياض .. لضمان الاستقرار ضمن التحالف الغربي ، والملك الديمقراطي على رأس المغرب الديمقراطي ..
ومِمّا يجب الانتباه اليه ، ان تسرع الرئيس الفرنسي الخطأ ، الذي فضح شيئا كان يخطط له ، لا يعني ان الرباط انتصرت على باريس ، واشنطن ، مدريد وتل ابيب ، وربما حتى الرياض ... بل ان المشروع سيصبح جاهزا للتنزيل ، عند اشراف الأمم المتحدة ، مجلس الامن ، على تنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية ، وتكون نتيجته الاستقلال عن الدولة المخزنية . هنا تصبح الحاجة لا عادة تنظيم الوضع الذي سيكون اكثر من مضطرب ، حاجة ماسة لا يمكنها ان تطفئ غضب الرعايا من نتيجة الاستفتاء ، هو تغيير شكل النظام من ملكية توتاليتارية Totalitaire ، الى ملكية ديمقراطية على الطريقة الاسبانية ، وليس على الطريقة الاسكندنافية ، او الهولندية ، او البلجيكية ، وطبعا باختيار ملك ديمقراطي ، ومثقف يحظى بالإجماع الداخلي ، لتفادي المخططات الإرهابية من جماعات الإسلام السياسي ، او من جماعات وطنية ، او قومية .. أي قتل الفتنة في المهد ..
وهنا يكون المدخل لأي تغيير بابه الصحراء الغربية .. فالخطر الغربي ، خاصة واشنطن ، باريس ، مدريد ( اليمين الوطني ) ، تل ابيب لا يزال يطل برأسه من النافدة ..
وحتى نذهب بعيدا في تحليلنا ، سنطرح السؤال عن المغزى الحقيقي من مواقف الدول الغربية المناصرة لحل الاستفتاء وتقرير المصير ، لحل نزاع الصحراء الغربية . لنصل الى ان خيارات استراتيجية ضيقة ، هي من يقف وراء مواقف هذه الحلول ، التي تستخدم الشعارات الأممية من تقرير المصير والاستفتاء ، لخلق حالة تصبح مقبولة وطبيعية ، لوقوف المشروعية الدولية من وراءها ..
فإذا عدنا الى الموقف الغربي ، من نصرة استقلال الصحراء ، عن النظام المخزني البوليسي ، وهي مواقف أصبحت تعبر عن ذاتها علانية وبالمكشوف ، فان ما ينتظر نزاع الصحراء ، سيكون كارثيا بكل المقاييس ، اذا لم يسرع الغرب لبسط السجاد الأحمر ، لحاكم او امير جديد ، يمثل ثقافة الغرب الديمقراطية والليبرالية ، ويأخذ المسافة البعيدة من النظام الطقوسي ، الغارق في التقليدانية ، والنيوبتريمونيالية ، النيوبتريركية ، ثيوقراطي مزيف ، كمبرادوري ...
فمنذ بدأ صراع الصحراء الغربية في سنة 1975 ، التزمت الدول الاوربية ، والولايات المتحدة الامريكية ، نفس الموقف من النزاع ، لكنه موقف بالنسبة لبعضها كفرنسا ، كان ضبابيا ، لموقف باريس كمحور تلاقي مصالح النظام المخزني ، ضمن مصالح الدولة الفرنسية . ففرنسا التي كانت تصوت داخل مجلس على الحق في الاستفتاء وتقرير المصير ، كانت تعترض على تنزيل هذه القرارات، بالتهديد باستعمال الفيتو لمواجهة بعض المواقف التي سترهق النظام المخزني ، وتخلق له القلاقل داخل المغرب ..
ومنذ وموت الحسن الثاني ، وبعد ان بلغت العلاقات بين باريس وبين العائلة الملكية قمتها ، خاصة بين الملك محمد السادس وباريس ، انحدرت هذه العلاقات الى الأسفل فالحظيظ . وأصبحت فرنسا الآن ، هي من يقلق النظام المخزني ، عندما أصبحت تهدد باللجوء الى قرارات مزعجة لشخص الملك ، ومزعجة لنظامه .. وبعد ان لعبت فرنسا دورا في حضور الجمهورية الصحراوية كدولة ، لقاءات حصلت بين فرنسا وبين الجمهورية الصحراوية ، وبين الاتحاد الأوربي ، وبين الدولة الصحراوية ، ووصلت حد زيارة الدولة الصحراوية عاصمة الاتحاد الأوربي Bruxelles ، التي رفرف في سماءها علم الجمهورية الصحراوية ، فان فرنسا العميقة لم تعد تكفيها هذه المواقف الابتزازية ، خاصة التركيز على حل الاستفتاء وتقرير المصير ، فأصبحت فرنسا هي من تدّعي مسؤولية الضمير ، وتدعي مسؤولية اصلاح القرارات الماضية التي اعتبرتها مسيئة للقانون الدولي ، مسيئة للمشروعية الدولية ، ومسا خطيرا بالحقوق التي يعترف بها القانون الدولي للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب ، التي اعتبرتها الولايات المتحدة الامريكية ، حركة تحرير وحركة كفاح مسلح .. وهو نفس الاعتراف الفرنسي ، ونفس اعتراف الاتحاد الأوربي ..
ان اعتبار واشنطن ، وباريس ، وعواصم الاتحاد الأوربي ، منطقة الصحراء بالمنطقة المحتلة والمستعمرة ، وهو ما اعترف به علانية النظام الموريتاني عندما اعتبر تواجده في الصحراء بالاحتلال ، هو اعتراف صريح من الاوربيين ومن الامريكان ، بالجبهة كحركة تحرير ، لكنهم لا يعترفون بها كدولة ، رغم اعتراف النظام المخزني بها .. فشكل الدولة التي سيتم تنصيبها في الصحراء الغربية ، يجب ان يكون وراءها المشروعية الدولية التي من اهم مبادئها الاستفتاء وتقرير المصير ، وتحت الاشراف المباشر لمجلس الامن .. لذا يجب تفهم سبب اعتراف عواصم الاتحاد الأوربي ومنها باريس ، وواشنطن بجبهة البوليساريو كحركة تحرير، وحركة كفاح مسلح ، لكنهم لا يعترفون بالجمهورية الصحراوية كدولة ، لأنها لن تأت عن استفتاء ، ولا قرر الشعب الصحراوي بشأنها مصيره .. لذا فهم لم يعطوا لخرجة النظام المخزني البوليسي ، أيّ اهتمام لاعترافه بالدولة الصحراوية ، لأنها ليست وليدة استفتاء ، مثل ما تجاهلوا حل الحكم الذاتي الذي تقدم به النظام المخزني في ابريل 2007 .
ودرجة الخطورة هنا . حين تعترف الولايات المتحدة الامريكية بالجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب ، وهو نفس اعتراف الاتحاد الأوربي الذي يفتح بعواصمه تمثيليات للجبهة ، والتمثيليات نفسها معتمدة بواشنطن ، وبالأمم المتحدة ب New York
، فان المنتظم الدولي ، وعلى رأسه الولايات المتحدة الامريكية ، وفرنسا العميقة ، والاتحاد الأوربي ... يعتبرون الحرب التي تدور اليوم بالصحراء ، بالحرب المشروعة التي تقودها حركة تحرير تسمى بالجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب ، ومن ثم ، فانهم وكل من موقعه يدعم الجبهة في عملية التحرير ، ويعتبر تواجد النظام المخزني بالوضع المحتل والمستعمر .. فلهذه الحقيقة لم تخرج أي عاصمة من عواصم الاتحاد الأوربي ببيان ، يدين ما يجري بالمنطقة ، او تعريف الرأي العام الأوربي والامريكي بنوع الحرب الجارية ، التي تحبذها وتناصرها كل عواصم الاتحاد الأوربي وواشنطن .. وطبعا فالموقف الإسرائيلي ومن دون حرج ، او إثارته الغبار ، يعترف بهذه الحقيقة ، لأنه رغم اخراج العلاقات مع النظام المعزول الى العلن ، فموقف إسرائيل متماهي مع حلفاءها ، لأنها تعرف ان الاعتراف بمغربية الصحراء ، الذي جاء في ظرف دقيق ، لن يؤثر في شيء في واقع النظام القانوني لنزاع الصحراء الغربية ، وهو موقف معبر عنه بالسياسية الإسرائيلية الثاقبة ، التي لن تؤثر في مسار الصراع ، الذي يبقى بين الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب كحركة تحرير ، وبين النظام المخزني الذي يعتبرونه محتلا ومستعمرا لأراضي الصحراء الغربية ، التي تنتظر تنظيم الاستفتاء ، لتحديد وللإعلان عن جنسيتها الحقيقية ..
وهنا ونظرا لهذه الإرث الثقيل لدعاة الاستفتاء وتقرير المصير، اصبحنا نتكهن بدور جديد لفرنسا العميقة ، وبالضبط لقصر الاليزيه Le palais de L’Elysée ، في حربها الغير معلنة مع محمد السادس شخصيا ، ومع نظامه ، ترهق ومن بعيد أصحاب البرنامج الإسرائيلي التجسسي Pegasus ، الذي " يقف " وراءه محمد السادس عندما " وافق " على الاقتراح الذي قدمه له ( صديقه ومستشاره ) فؤاد الهمة ، ومدير البوليس السياسي المدعو عبداللطيف الحموشي . حين " ورطاه " في هذه الجريمة التي فضحتها إسرائيل لفرنسا العميقة ، مقابل شروط بعدم الانتقام المباشر ، وهو ما نلاحظه اليوم من انتقام لفرنسا العميقة ، خاصة وانها ستقف اثناء الدورة القادمة لمجلس الامن ، وراء تفعيل القرارات الأممية بشأن الصحراء . أي ستعترف صراحة وعلانية ، بحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره بيده دون غيره .
ويكون أطفال / أصدقاء محمد السادس الذين سلمهم المغرب لينهبوا ثروات شعبه ، ويراكموا ثروات لا تقدر بثمن ، ويشتطوا باسم محمد السادس في الاعتداء على الناس ، ويتوغلوا شططا في استعمال السلطة والأساليب البوليسية الفاشية ... وراء جريمة Morocco Gate ، و Morocco Pegasus ، ويكونوا وراء التغيير السلبي والخطير لدول الاتحاد الأوربي في خسارة معركة الصحراء ، التي ستستقل في غضون السنتين المتبقيتين ، او اقل منهما عند حصول شروط تقتضي هذه النهاية ، من دخول الصحراء دخولا كان أعرجا منذ البداية ، وليس فقط الآن ..
2 -- الفشل الاقتصادي والاجتماعي : الجميع يتفق على ان الازمة والوضعية المتأزمة ، وصلت الى درجة بالغة من الخطورة ، سواء تعلقت الازمة بالكساد الداخلي وكل انعكاساته السلبية ، بما في ذلك على البرجوازية الوسخة نفسها ، او تعلق بمصداقية النظام المخزني المفقودة لذا المؤسسات المالية الدولية ، ودول البترودولار ، ونشير هنا الى العلاقات بين النظام المخزني ، والمملكة العربية السعودية دخلت النفق المسدود ، رغم ان النظام / الملك الملهوف على اليورو والدولار ، لم يتردد في حشر نفسه في الاعتداء الاجرامي الآثم في قتل وتقتيل الشعب اليمني الفقير والبسيط .
ومع تزايد نفقات الحرب التي تدور اليوم في الصحراء ، والارتفاع التصاعدي لأثمنة الطاقة المختلفة .. ، تزداد الازمة الهيكلية المزمنة في التردي والاستفحال . وهذا يتجسد يوميا في استفحال ظاهرة البطالة ، خاصة بين الجامعيين من مستوى الدكتوراه والماستر . بل ان الازمة اصابت منذ سنوات حتى المهندسين خريجي المدرسة المحمدية للمهندسين ، والمعهد العالي للزراعة والبيطرة ، والمدرسة الفلاحية بمكناس ، وخريجي كلية الطب من الأطباء ، خاصة الأطباء العموميين .... الخ .
والى جانب الارتفاع المهول للبطالة ، هناك الارتفاع المهول في الأسعار ، وفي تكاليف المعيشة في ظل ضعف الأجور وجمودها . بل وتعميم ظاهرة الطرد والتسريح من العمل ، والهجوم على القوة الشرائية للشعب ، والتراجع عن المكتسبات التي حققتها الجماهير، بنضالها المرير طيلة خمسة عقود وما يزيد .
ان تحميل الموظفين والمتقاعدين ازمة الصناديق المنهوبة ، والمسروقة ، والمختلسة ، وابعاد اللص والسارق من كل الشبهات وهو معروف ... وان تراجع المغرب بفعل نظام المخزن ، درجات خطيرة الى الوراء في مؤشر التصنيف والترتيب الدولي في العدل ، والتعليم ، والصحة ، ومستوى المعيشة والتطبيب ، وارتفاع كل مظاهر الفقر ، والتفقير ، والتخلف ، والبطالة ، والامية ، والهشاشة التي ضربت كل الفئات الاجتماعية ، وتدني خدمات المرافق الاجتماعية الى دون الصفر ... الخ ، كلها مؤشرات ناطقة ودالة على انفجار عارم ، سيكون على شكل تسونامي شعبي لن يبقي ولا يدر ، وتقترب ساعته بالتزامن مع المصير الذي ينتظر قضية الصحراء . فهل عند استقلال الصحراء ستبقى الأوضاع على حالها ، خاصة الجيش الذي يتكون من أبناء الشعب . هل سيصمت ويبارك الاستقلال على مرئ ومسمع من المجتمع الدولي ؟
3 – الفشل السياسي : ان ما يمكن ملاحظته في هذا الباب من تحول في المجال السياسي ، هو فقدان الاتجاهات السياسية المخزنية ، التي تمارس المعارضة البرلمانية ، والاتجاهات النيومخزنية التي عوّضت وبشكل اكثر من ضعيف ، الأحزاب المخزنية لهيمنتها واحتكارها لا على المستوى السياسي ، ولا على مستوى النقابات والجمعيات ، خاصة وان مناورة النظام المخزني الانتخابوية منها والسياسوية ، لم تعد تقنع حتى منظميها والمساهمين فيها ، فالأحرى ان تنعكس على المستوى الشعبي المنحدر نحو الراديكالية والسخط .
ان هذا التحول في الوعي والادراك عند المواطن العادي ، شكل احد الأسباب الرئيسية في محاولات النظام المخزني الهروب الى الامام ، بالتلويح بالانتخابات الانتخابوية مرة تلو أخرى ، من اجل خلط الأوراق واللعب على طول الوقت لخلق العياء والملل ، ومن اجل التنفيس عن المهزلة والعزلة . بل انه دفعه لإقناع نفسه المرتبكة ، وغير الواثقة من امرها ، كطرف مباشر في الصراع الحزبي الكاريكاتوري داخل عدة أحزاب ، لحسم الأمور لصالحه ، بعد ان فشل في التأثير عليها بالقمع غير ما مرة ، كما كان عليه الحال منذ منتصف سبعينات القرن الماضي . وهنا تمر امامنا حالة ادريس لشكر ، حميد شباط ، نبيل بنعبدالله ، نوبيرالاموي ، مخاريق ، بنكيران ، العنصر ، بنسعيد آيت إيدر ، نبيلة منيب .... الخ .
ان نهج المخزن اليوم واضح . انه استمرار التجميد والحضر الفعلي على كل نشاط ديمقراطي حقيقي ، مقابل انفتاح ضيق على قوى الاحتراف والارتزاق السياسي ، من خلال ما يروج له في الكواليس المخزنية ب ( بالإجماع الوطني حول شخص الملك ) . أي الدعاية لحالة مشكوك فيها تركز على مشروعية المخزن المفقودة ، ولا تركز على مشروعية الشعب ، ومشروعية النظام الديمقراطي ، المبني على مبدأ الفصل بين السلط ..
فأزمة النظام المخزني لا تزال قائمة ، بسبب غياب الدستور الديمقراطي الذي يركز شكل الحكم ، في مصدره الذي هو الشعب . والحال ان الدستور الرائج هو دستور الملك الذي فوض لنفسه سلطات استثنائية ، تجعل منه فوق الدستور . أي ان الدستور يختصر الدولة في الملك وحده دون غيره . وهذا يعني ان مشروع اصلاح النظام يكون بابه الدستور الذي يجب ان يكون دستور الشعب .
وبعد مرور حوالي ثلاثة وعشرين سنة مع محمد السادس واصدقاءه ، تكون الحصيلة هي فشل مسلسل التحرير ، فهو أضاع الصحراء ، وأضاع سبتة ومليلية والجزر الجعفرية ، وعندما اعترف بالحدود الموروثة عن الاستعمار ، يكون قد اعترف بجزائرية الصحراء الشرقية ... ومثل فشل مسلسل التحرير باستقلال الصحراء الغربية القادم ، خسر وفشل في بناء النظام الديمقراطي ، حين يركز على الدستور في استبداده بالحكم ، وحين يضفي على نظامه الطغيان بواسطة عقد البيعة الذي يعطيه سلطات استثنائية تفوق كثيرا تلك التي يمارسها بدستوره ، وليس بدستور الشعب الغير موجود .
ان كل هذه المحاور المتداخلة والمترابطة كما هو واضح ، هي عاجزة كل العجز عن حل مشاكل النظام المخزني المتهاوي بشكل حاسم ونهائي . لكنها تسمح له بربح بعض الوقت لترتيب أوضاعه المستفحلة ، لمحاولة استرجاع المبادرة والتحكم في الحياة السياسية . لكن هيهات ان يطول الوقت . ان ما يخفيه نزاع الصحراء الغربية ، سيكون البوابة الرئيسية لنهاية عهد الطقوس المخزنية التي تنتمي الى الزمن الغابر ..
ان هذه التوجهات ، الورقة الأخيرة في يد النظام المخزنولوجي ، الرعوي ، النيوبتريمونيالي ، النيوبتريركي ، الكمبرادوري ، الطقوسي ، الثيوقراطي المزيف ، العاشق لليورو وللدولار ، المتماهي مع التقاليد التقليدانية ... الخ ، تجسد حقيقة أساسية ، هي ان المخزن اليوم ، فضلا عن الاعيبه المفضوحة ، يعيش فقط على الحلول الظرفية والترقيعية القائمة على ربح الوقت الضائع لاجترار الوضع . انه واع تمام الوعي لقصر نفس هذه الحلول ، خاصة عندما تتعلق بالوضع الاقتصادي والاجتماعي المتأزم أصلا . فما يهمه بالتحديد ، هو كبت النقمة والغليان الشعبي ، وابعاد شبح اندلاع هبّة تتحول الى ثورة ، وابعاد شبح الانقلاب . أي انقاد النظام المخزني من السقوط الحتمي ، ما دامت هناك حركة جماهيرية مناضلة ، وما دام مشكل الصحراء الغربية مطروحا ، بصيغة تمس جوهر المخزن لا فقط ضفافه ، مع فرض استمراره بالقوة ، رغم رفضه من قبل الشعب وقواه الحية التي ما بدلت تبديلا .
ان سياسة انقاد النظام المخزني من السقوط وضمان استمراره ، هما هاجسه اليومي ، ومحور سياسته الترقيعية والظرفية ، ولا يهم بعد ذلك ان يتحول المغرب الى مجرد محمية امبريالية ، او يتحول الى انقاض وخراب داعشية مثلما حاصل اليوم بالعديد من البلاد العربية .
ان هذه السياسة المخزنية الحربائية ، اذ تترك للنظام عنصر المفاجئة والمبادرة ، وتسمح له بتغيير مواقفه الحربائية والمكيافيلية بالسرعة والدقة المطلوبين ، فإنها لا تخلو من المغامرة والمخاطرة . فسياسة من هذا الحجم تستلزم بالضرورة حصر دائرة القرار ، وتضييقها وتشخيص القرار نفسه ، وبالتالي فهذا يحرم النظام المخزني البوليسي الطقوسي والقروسطوي ، من دعم فعال ومستمر من جانب ( نخبته ) السياسية التحريفية والخائنة ، التي تجد نفسها في ظل غياب الرؤية حتى على الأمد القصير ، في حالة تردد وقلق دائمين . وهذا يجعل خطة النظام المخزني هذه ، متهيئة لان تنقلب عليه في أي وقت وحين ، وخاصة انه موضوع تساءل اليوم لذا القوى الامبريالية نفسها الغير مستعدة عن التخلي عن المغرب كجغرافية لا كنظام يمكن استبدال رأسه من نفس العائلة ، يحظى بالتجاوب والقبول من قبل جزء كبير من النخبة المثقفة والمسيسة ، واحرار وشرفاء الشعب ، ممّا ينبئ باحتمال المغامرة ، رغم الرشاوى التي يدفعها القصر الى جنرالات الجيش ، من خلال الحرص على ترقيتهم سنويا ، واطلاق أيديهم للعبث بأموال الشعب المفقر .
فأمام هذا الفشل الواضح الذي أصاب النظام مع محمد السادس ، فان الشروط الموضوعية للتغيير السياسي الثوري بالمغرب ، قائمة ومتعمقة بشكل اقوى ، وان الأوضاع التي أدت الى انتفاضة 1965 و 1981 و 1984 و 1990 وحتى حركة 20 فبراير 2011 ، موجودة اليوم بشكل اقوى . وان الجماهير الشعبية عبرت وبالملموس عن رغبتها وطموحها في التغيير الجذري ، واستعدادها للتضحية والاستشهاد في سبيله .
ويبقى الخلل اليوم في الشروط الذاتية القادرة على شحن الجماهير ، وتأطير نضالها والالتحام معها وقيادته نحو الأهداف الاستراتيجية الموعودة ..

















التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الفرنسية تفرق محتجين اعتصموا في جامعة السوربون بباريس


.. صفقة التطبيع بين إسرائيل والسعودية على الطاولة من جديد




.. غزة: أي فرص لنجاح الهدنة؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. دعوة لحماس من أجل قبول العرض الإسرائيلي -السخي جدا- وإطلاق س




.. المسؤولون الإسرائيليون في مرمى الجنائية الدولية