الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وكان مساء

صفوت فوزى

2023 / 10 / 2
الادب والفن


الشمسُ تُمسِك بأذيالِ اليوم. تلوِّح بيدها مودِّعةً، والظلام يرشح في الحاراتِ والأزقَّةِ الضيِّقة. تختفي الأشياءُ في العتمةِ الزاحفةِ. مضى النهارُ، وأغلق الناسُ بيوتَهم. أطلقتِ البخورَ ينداحُ بين الجدرانِ الصامتةِ. أعدتْ حمَّامها بفرحٍ. خلعتْ ملابسَ تيبَّسَتْ بالعرقِ والمَشَقَّةِ. سكبتِ الماءَ على جسمِها. جفَّفَتْهُ بعنايةٍ وعلى مهلٍ. تجلو المرآةَ المُعلَّقةَ على الحائطِ. أمامها تقفُ. تميلُ بجذعِها، تتأمَّل استدارةِ وجهَها المنسيِّ في الضوءِ الخافتِ . تمرر أصابعها على تقاسيم الوجه برقة بادية . جميلة، رأتْ نفسَها، رغم الحزنِ الساكنِ في العينيين ، والعزلة الصامتة التى تحكم حلقاتها حولها . ابتسامةٌ مراوغةٌ اغتربتْ روحَها وفقدتْ كبرياءَها في الزحام، طفلٌ أدمنَ الحبوَ حتى اعتادَهُ ونَسِيَ المشيَ، لكنَّ سلامًا مع النفس كان يترقرقُ في حناياها. ينضح جسدها رائحة توق وبخور . تفردُ ظهرَها الذي انحنى حاملًا أملًا تحجَّرَ واستقرَّ. تصفِّف شعرَها الطويلَ المبلولَ، تدندنُ بأغنيةٍ مرحةٍ. انسابَ لحنٌ بديعٌ يتجدَّدُ طازجًا بهيًّا، له رائحةُ ذكرياتٍ بعيدة، تنداحُ بعطرِ سنين خلتْ وحنينٍ غامضٍ. وحده كان يستدعي الشمسَ من مخبئِها، يسامرُ القمرَ والنجومَ في الأمسياتِ الطويلةِ، يبدرُ الحكايا فيزهر الوادي ورودًا ورياحينَ. تتفتح أزهارُها في كفِّه العطوف. دافئا كان صوته ، صحوا ، له طعم الفجر حين يقبل بعد ظلمة ليل طويل ، يشق طريقا ، يفرد جدائله على الكون . أمرّغ رأسى فى حضنه الوثير . وحدها أنامله تجيدُ العزفَ على منابتِ الروحِ. تتقافز الـ"دو" في بهجةٍ ودلالٍ، تحتضنُ الـ"ري" فيما تتوقُ الـ"صول" للوصالِ. تتقافزُ النغماتُ مرحةً، تحلِّقُ في فراغِ الحجرةِ عصافيرُ خضراءُ يتضوَّعُ عبيرُها في الزوايا والأركان. تشاركُنا الجدرانُ الفرحةَ، والليل الذي يوغلُ في البرودةِ. يصحو الحنينُ فتيًّا، فتشتهي أجسادُنا مساحاتٍ من الدفءِ والعناقِ، نغيبُ معها في ضحكةٍ نشوانةٍ. تتفتح فى الروح صناديق مغلّقة منذ عقود . تتطاولُ روحانا، تلمس السماءَ، ونعودُ معًا، وقد غادرنا صقيعَ الشتاءِ، دافئَيْن، ومشتعلَيْن، والكون من حولنا يتلألأ حبورًا.
دونٍ دلال تمشي، وبحزنِ أنثى تتوقُ إلى الاكتمالِ تبارحُ المرآةَ. زفرةٌ ساخنةٌ ارتعشتْ على شفتَيْها، تضجُّ بحزنٍ مكتومٍ لا يبوحُ إلا لنفسِه. حانتْ منها التفاتةٌ لصورتِه المُعلَّقةِ على الحائطِ، يجلِّلُها شريطٌ أسودُ. وضعتِ المنشفةَ جانبًا، وبكتْ.
__________________








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طنجة المغربية تحتضن اليوم العالمي لموسيقى الجاز


.. فرح يوسف مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير خرج بشكل عالمى وقدم




.. أول حكم ضد ترمب بقضية الممثلة الإباحية بالمحكمة الجنائية في


.. الممثل الباكستاني إحسان خان يدعم فلسطين بفعالية للأزياء




.. كلمة أخيرة - سامي مغاوري يروي ذكرياته وبداياته الفنية | اللق