الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيرة بطاقة هوية -8- إفلات يعقبه استجواب!

باسم المرعبي

2023 / 10 / 2
سيرة ذاتية


"فخرج منها خائفاً يترقب" ـ القصص: 21

على الرغم من تخلصي ـ بمعجزة ـ من المطاردة التي جرى التفصيل فيها في القسم السابع من هذه السيرة، ومغادرتي دار الشؤون الثقافية، بسلام، إلا أن الهواجس، وكما هو معتاد في حالات كهذه، بقيت ملازمة لي، بدءاً من توقع تربّص المطاردِين خارج الدار، أو متابعتي عن بُعد، دون إغفال أسئلة داخلية، تتعلق بسرّ إخفاقهم هذا وعدم تمكنّهم مني، على الرغم مما أشرت إليه من قبل، كونهم على بُعد أمتار فقط. لكن لا غرابة، إن كان المرء قد أوكل أموره إلى الله.

رحلة بمعية محقق؟!

من منطقة العلاوي، استقللت سيارة O•M وهي سيارة تسع حوالي 24 راكباً، وعادةً ما أميل إلى هذا النوع من سيارات النقل، بحكم التعوّد، وهي مريحة أكثر من سواها. لكن في يوم الهروب هذا، لم يكن من أثر للراحة، فقد تحوّلت المسافة بين بغداد والديوانية وما تستغرقه من وقت إلى كابوس حقيقي، مصداقاً للمثل الذي يقول: المصائب لا تأتي فُرادى. إذ شاءت المصادفات الدرامية أو ما يمكن أن يقترح القارئ تسميةً أُخرى للحالة، وحتى يمكن القول، حلّاً للغز الذي سآتي على ذكره، لأني عجزت عن إيجاد تفسير لما حدث، حتى اللحظة. فأي مصادفة هذه، أن يجلس بالمقعد المجاور لي تماماً، من هو في هيئة رجل أمن، ولم يكن الأمر مقتصراً على الهيئة والزي، بل ليته كان مقتصراً على ذلك فقط، بل ما بدر منه من سيل أسئلة تحقيقية، استنطاقية هو ما رسّخ هذا الانطباع، وهوّل الموقف. أول سؤال منه لي، كان، ما إذا كنت طالباً؟ فأجبت بالإيجاب، طبعاً. ليعقبه بسؤال آخر: في أي مرحلة؟ ومن ثمّ سؤال عن المواد التي ندرسها. فقلت في نفسي، أكيد مرسَل من الجماعة لإكمال المهمة بالقبض علي!. لكن سؤاله لي عن الأساتذة الذين يدرسوننا، كان فرصة، للهروب من الجو الخانق الذي وضعني فيه، فذكرت له، بنوع من الفخر، كلاً من سامي عبد الحميد، الذي كان يدرسنا مادة الإنارة، كما ذكرت بدري حسون فريد الذي كان اختصاصه مادة الصوت والإلقاء، وقد ركزت على المذكورَين، كونهما فنانين معروفين. عسى أن تنسيه هذه الأسماء، مهمته الأمنية، المتخيَّلة! لكن كلّ ما تقدم من أسئلة بكفّة وما با غتني به من سؤال وألح بشكل غير طبيعي على معرفة وتحصيل جوابي عنه، بكفّة أُخرى، هو سؤاله عن "الجدار الحر"؟!
كان النظام قد استحدث في هذه الفترة ما يُسمّى بالجدار الحر، وحسبما أتذكر، رغم اني لم أعايش التجربة، هو صفحة مفتوحة لطلبة الجامعات للتعبير عن آرائهم ومواقفهم وقضاياهم بما في ذلك المشاكل الدراسية، ليثبت النظام ديمقراطيته، بإتاحة مثل هذا الجدار ـ الفخ، في الحقيقة.
من ناحيتي ما زلت أمام هذا الرجل الثقيل الظل والأسئلة أعالج قضية التخلّص من الفخاخ التي يعدها ويستبدلها، بين لحظة وأُخرى. حين استنفد أسئلته التمهيدية تلك، لم يبق بيده سوى ورقة أخيرة يسبر بها غور هذا الجالس بجواره: ما رأيك بالجدار الحر؟! بهذه المباشرة والوضوح، طرح السؤال. وأنا بأي حال، وانت تسألني عن الجدار! فللتو كنت قد خرجت من فم الحوت. ولم أجد وسيلة للتخلص منه سوى التملّص من أي نوع من الإجابة! لامدحاً ولا قدحاً، بحيث أعييته، حتى قال لي يائساً، وربما ساخراً: كيف أنت طالب جامعي وما تعرف تجاوب على مثل هذا السؤال، أو شيء من هذا القبيل. لكن هذا هو فحوى ما قاله لي وما خرج به من انطباع.
وما يعتمل لدي من سؤال، وهو موجّه للقارئ، أيضاً:
هل كان مصادفةً أن يصعد في مثل هذا التوقيت، رجل مثله، معي في نفس السيارة ويختار المقعد المجاور لي ويتولاني بأسئلة كالتي ذكرتها! في الظرف الذي أنا فيه؟
لم أتنفس الصعداء، إلا قبل أربعين كيلو متراً، فقط، من مجموع 180 كيلو متراً هي المسافة بين بغداد والديوانية. فقد نزل، يائساً، هكذا أتصوره، في "القاسم" ـ بلدة معروفة على بعد 40 كيلو متراً عن الديوانية ـ. وقبل أن ينزل قال لي أنه ضابط في الجيش! وسألني إن كنت أعرف شخصاً ـ بما أننا في سيارة ذاهبة إلى الديوانية، عن شخص من الديوانية، اسمه لمعي أو أبو لمعي، وهو اسم لم أسمع به من قبل. لكن عوداً إلى السؤال المطروح هنا، حول هوية هذا الرجل. قد يكون هو بالفعل ضابطاً في الجيش، كما قال، لكنه يحبّ أن يتقمص دور رجل الأمن، دور الجلاد، نوع من سادية، تجد شفاءها في الخوف والرعب الذي تتسبب به للضحية. قد يكون هو واحداً من هؤلاء المرضى. منتصف السبعينات كان أحد عمال الأفران يحبّ تقمص دور رجل الأمن. كان بعد الانتهاء من عمله، يركب دراجته الهوائية السوداء، ويضع مشطاً في جيب البنطلون الخلفي، ليظهر كما لو أنه مسدس، بارتفاعه، من خلف القميص المسدل عليه، جائباً أحياء المدينة. وإذا كان هذا العامل معروفاً بسذاجته وبساطته، حدّ تصديقه أن للبصرة عملتها الخاصة، كما كان يوهمه بذلك ـ على سبيل المزاح ـ زملاؤه في العمل، وهو ما قد يغفر له أحلامه "الخاصة" التي لم تكن بدواعي التخويف أو إرهاب الناس. فإن لا مغفرة لمن يتقمص ذلك عن وعي وتصميم مسبق من أجل أن يكون مخيفاً، لا غير.
22ـ11ـ2022
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قتلة مخدّرون أم حراس للعدالة؟.. الحشاشين وأسرار أول تنظيم لل


.. وكالة رويترز: قطر تدرس مستقبل المكتب السياسي لحركة حماس في أ




.. أوكرانيا تستهدف القرم.. كيف غيّرت الصواريخ معادلة الحرب؟| #ا


.. وصول وفدين من حماس وقطر إلى القاهرة سعيا لاستكمال المفاوضات




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - وفد من حماس يصل إلى القاهرة لاستكم